الرئيسية » تونس : استقلالية القضاء في اختبار جديد على ضوء الضغوطات الكبيرة المطالبة بإطلاق سراح نبيل القروي

تونس : استقلالية القضاء في اختبار جديد على ضوء الضغوطات الكبيرة المطالبة بإطلاق سراح نبيل القروي

في إطار قضية المترشح للدور الثاني للرئاسية نبيل القروي يجدر بالسياسيين والإعلاميين الكف عن الحملات الضاغطة على القضاء من أجل إطلاق سراح المظنون فيه لأنه يمثل حجر الزاوية التي تحفظ نزاهة الحياة السياسية وليس العكس فالكثير من المواطنين فقدوا ثقتهم في الحياة السياسية ويجب أن لا تمتد عدم الثقة إلى الجهاز القضائي لأنها مدمّرة ولا يجب استسهال ذلك كما يفعل البعض الآن.

بقلم فيروز الشاذلي

بعد مرور المترشح نبيل القروي الموقوف على ذمة القضاء إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها المقررة ليوم 13 أكتوبر 3019 أصبحت الأصوات تتعالى بضرورة إطلاق سراحه وتكاثرت الضغوط من حلفائه السياسيين المستجدين المراهنين على صعوده السياسي، وقد وصل الأمر إلى ترتيب جو من الضغط على الجهاز القضائي باستعمال أدوات سياسية وإعلامية خارجية كالإيحاء بوجود صفقة لإطلاق سراحه واستجلاب التعاطف عن طريق العلاقات الخارجية العديدة لعائلة القروي حيث عبّر صراحة بعض النواب الفرنسيين عن رغبتهم في الإفراج عن نبيل القروي.

استقلالية القضاء هي الضمان الوحيد لدولة القانون و المؤسسات والمحافظة على حقوق المتقاضين

هذه الضغوطات وصلت ذروتها قبل الجلسة الأخيرة التي عقدت هذا الأسبوع وتم تأجيلها إلى الأسبوع القادم حيث تم تهيئة الجو العام عن طريق الماكينة الإعلامية التابعة قبل الجلسة بأن قرار الإفراج عن القروي واقع لا محالة حتى قبل إنتظار قرار دائرة الإتهام. لكنها، في واقع الأمر، لم تؤثر سلبا على استقلالية الجهاز القضائي، فنجد نفسنا لا نتحدث عن إجراءات التقاضي واحترام سلطة القانون وماذا ستسفر عنه بقدر ما نحن ذاهبين إلى الضغط نحو نتيجة واحدة بأي وسيلة عوض البحث عن الحقيقة التي تكفل الحفاظ على استقلالية القضاء باعتبار هذه الأخيرة هي الضمان الوحيد لدولة القانون و المؤسسات والمحافظة على حقوق المتقاضين.

منذ إيقاف المترشح للدور الثاني للرئاسيات نبيل القروي منذ 23 أوت الفائت و ضغوطات هائلة تمارس على القضاء التونسي مطالبة بإطلاق سراحه، في البداية كانت هذه الضغوطات تمارس من قبل حزب قلب تونس وهذا طبيعي بإعتباره حزب الشخص الواحد وكذلك قناة نسمة التي على ملكه وفي حقيقة الأمر لم تكن تمثل ضغطا كبيرا قبل صدور نتائج الدور الأول فلم تتطرق أي من الشخصيات الوطنية بصورة ملموسة إلى هذا الإيقاف ماعدا تصريح عابر من قبل منافس القروي في الدور الأول محمد عبو.

بعد ظهور نتائج الدور الأول بفوز أستاذ القانون قيس سعيد في المركز الأول يليه نبيل القروي في المركز الثاني أصبحت هذه الضغوط تتزايد يوما بعد يوم فلم تعد تقتصر على الأدوات الإعلامية والحزبية التابعة لنبيل القروي فلم يعد الحديث عن أصل القضية وهي شكوى من جمعية “أنا يقظ” التونسية، وهي منظمة غير حكومية تعمل في مكافحة الفساد، ضد شخص نبيل القروي بتهمة تهرب ضريبي فساد مالي وغسل أموال، بل أصبح التناول الوحيد لهذه القضية هو المطالبة بالإفراج الفوري عن نبيل القروي، وفي ما يشبه كرة الثلج المتدحرجة أصبحت عديد الأصوات تنادي بمطلب الإفراج وجاءت خاصة عن طريق منافسين في الدور الأول للرئاسية كدعوة السيد عبد الكريم الزبيدي إلى إطلاق سراح نبيل القروي و مبررا هذه الدعوة بضرورة تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المترشحيّن، معتبرا في تدوينه له على حسابه على الفايسبوك أن انتخابات لا تضمن هذين المبدئين هي انتخابات معيبة ومطعون في مصداقيتها كما أنها تمثل انتهاكا واضحا لمقتضيات الدستور، في نفس الإتجاه دعت سلمى اللومي المترشحة كذلك في الدور الأول للرئاسيات إلى الإفراج عن نبيل القروي سريعا ليتمكن من مباشرة حملته الإنتخابية.

هذا مع العلم أن لا الزبيدي ولا اللومي انزعجا من وجود نبيل القروي في السجن خلال الدور الأول ولا انزعجا من عدم مشاركته في المناظرات التلفزية. يمكن إذن وضع تصريحيهما الأخيرين في خانة النفاق والتزلف السياسيين لنبيل القروي والاستعداد للعمل إلى جانبه و تحت إمرته إن نجح أو نجح حزبه “قلب تونس” في التشريعية المقررة ليوم 6 أكتوبر.

هذه الضغوطات تكثّفت بتصريحات عديد الوجوه المعروفة على الساحة السياسية والتي تسعى أغلبها إلى إيجاد تحالفات سياسية مع القروي على ضوء المتغيرات السياسية بعد الانتخابات الأخيرة وقد عزّز هذا الضغط تسخير قناة نسمة كامل مساحة بثّها لتجنيد كافة ضيوفها السياسيين للدفاع عن حق القروي في مباشرة حملته والإفراج عنه سعيا

نحو صناعة رأي عام داخلي ضاغط نحو الإفراج عن القروي.

بخلفية الاحتراف في صناعة الرأي العام تم تنويع أساليب بلورة رأي عام مساند ويمثل ضغطا إضافيا على الجهاز القضائي من خلال إجراء حوار صحفي لنبيل القروي عن طريق محاميه لإظهار موقع المظلومية التي يعيش فيها حيث اعتبر أن وجوده في السجن جعله يفقد عشرة بالمائة من النتائج لعدم حضوره في المناظرة وكذلك حملات التشويه التي طالته وهو غير قادر على الرد والدفاع عن نفسه، كما وجّه أصابع الإتهام إلى رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد أنه من أمر بإيقافه لإبعاده من الانتخابات، وهي تهمة لا تستقيم لأن الشاهد على وشك الرحيل من القصبة ولا أحد يتصور أن مشاكل القروي مع القضاء ستنتهي برحيله.

توجه آخر يؤكد أن هذا الضغط المسلط على القضاء مصطنع ومعد له ضمن مخطط كامل وهو جلب اهتمام المؤسسات الإعلامية الخارجية بهذه القضية خاصة الأوروبية منها باعتبار أن تونس بلد منفتح على الخارج وأي موقف سلبي من شركائها الأوروبيين حتى لو كان معنويا سيترك أثره على الساحة التونسية، وهذا ما تجلى في مطالبة عدد من نواب البرلمان الفرنسي في بيان لهم يوم الإثنين الفارط بإطلاق سراح المترشح للرئاسية نبيل القروي تجسيدا لمبدأ المساواة وحتى يتمكن من القيام بحملته الانتخابية في الدور الثاني من الرئاسية، وجاء في البيان الصادر عن مجموعة نواب “Libertés et territoires” أن الشعب التونسي عرف انتخابات رئاسية ديمقراطية في 2014، وأن الانتخابات الرئاسية الثانية هذه السنة قد إنتهى الدور الأول منها واعترف بنتيجتها كل المراقبين الدوليين والأحزاب.

تداخل المسارين السياسي و القضائي

تداخل الشأن السياسي مع المسار القضائي في هذه القضية عقّد الأمور أكثر خاصة بعد اشتداد المنافسة السياسية للدور الثاني للرئاسيات و اقتراب الانتخابات التشريعية وما يؤكد ذلك دخول شخصيات سياسية على الخط للمطالبة بالإفراج عن نبيل القروي بغاية التموقع السياسي على ضوء النتائج الأخيرة في الدور الأول من الرئاسيات، فلماذا لم يتكلم كل من عبد الكريم الزبيدي وسلمى اللومي في الدور الأول لما كان القروي منافسهما المباشر في الانتخابات بل التزما الصمت ولكن بعدما تأكدوا من خسارتهم الانتخابية أصبحا يبحثان عن تموقع سياسي جديد عبر المطالبة بضرورة إطلاق سراح نبيل القروي، و في نفس الاتجاه كانت مناداة الوزير السابق فاضل عبد الكافي تعبيرا على بيع موقف سياسي مراده واضح من شخص عينه على رئاسة الحكومة القادمة.

التداخل السياسي و القضائي نجده كذلك في تحول القضية المنشورة ضد نبيل القروي إلى ركن قار في حملته الرئاسية وكمحترف في التواصل الإعلامي إستطاع الإنتفاع من هذه الوضعية التي رسمت له شخصية تعاني المظلومية فخلال الحوار الذي أجراه القروي كان تركيزه الكامل على الظلم المسلط عليه من خلال عدم توفر نفس الفرص عملا بمبدأ تكافؤ الفرص ، هذه الصورة جلبت التعاطف مع شخصه وهي الآن المحرك الأساسي لحملته الإنتخابية.

هذا التداخل السياسي و القضائي جعل الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات في وضعية لا تحسد عليها فعكس الدور الأول أين كانت في وضعية مريحة بإعتبار وجود 26 مترشح لكن بعد مرور القروي للدور الثاني وتنامي الضغوطات على الهيئة بإعتبارها الجهة المنوط بعهدتها إنجاح الإنتخابات جعل رئيس الهيئة السيد نبيل بوفون يصرح بأن وجود نبيل القروي في السجن فيه مس من مبدأ عام وأساسي وهو تكافؤ الفرص حيث دعى إلى إطلاق سراحه وتأكيده أن الهيئة ستوجه مجددا مراسلات هذا الأسبوع إلى السلطات المعنية وستطلب لقاءات أخرى من أجل ضمان تكافؤ الفرص في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية.

رأي القضاء هو الفيصل في الموضوع و اختبار جديد لدولة قانون ناشئة

بالرغم من الترابط مع المشهد السياسي الحالي و الضغوطات المنجرّة عن ذلك فيجب أن يبقى المسار القضائي بعيدا عن التسييس لا تحكمه إلا المبادئ القانونية و الإجراءات القضائية الصرفة، وهنا يجب التجرّد من تبعات القرار القضائي أي عدم الخوض في الحسابات السياسية سواءا كان القرار المتخذ يوم الإربعاء القادم 2 أكتوبر هو الإفراج عن نبيل القروي أو رفض ذلك وهذا لا يكون إلا بتناول الرأي العام للقضية الأصلية ومحاولة فهم حيثياتها وليس كما تم في المدة السابقة من تناسي القضية الأصلية والاقتصار على التطرق على البعد السياسي فقط، لذلك فلننتظر جميعا قرار القضاء الذي سيفصل بكل تأكيد في الموضوع.

قد يعتبر البعض أن هذه الوضعية تعد مظهرا سلبيا نعيشه لكن بالعكس يجب أن نعرف جميعا أن التراكم الديمقراطي لا يمكن أن يتم إلا بوجود عراقيل ومطبات تكون إختبارا لمدى متانة ديمقراطيتنا التي نفتخر بها فكلما نجحنا في تجاوز أزمة معينة إستطعنا المرور إلى مرحلة بناء فعلي لمجتمع القانون والمؤسسات، لذلك يجب الكف عن هذه الحملات الضاغطة على القضاء لأنه يمثل حجر الزاوية التي تحفظ نزاهة الحياة السياسية وليس العكس فالكثير من المواطنين فقدوا ثقتهم في الحياة السياسية ويجب أن لا تمتد عدم الثقة إلى الجهاز القضائي لأنها مدمّرة ولا يجب إستسهال ذلك كما يفعل البعض الآن.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.