الرئيسية » أخطاء يوسف الشاهد التي أدت به إلى السقوط في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها

أخطاء يوسف الشاهد التي أدت به إلى السقوط في الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها

الخسارة الانتخابية هي واحدة من احتمالات اللعبة الديمقراطية و لكن أن تكون بطريقة قاسية وعلى طريقة السقوط الحر، فهذا الأمر يتطلب التمعن جيدا في هذه النتيجة المذلّة لأنه يستحيل أن تكون الأخطاء المتسبّبة فيها حينيّة أو عابرة بل أخطاء متجذّرة و متراكمة تسببت في كابوس لحملة يوسف الشاهد و أنصاره من حزب تحيا تونس.

بقلم فيروز الشاذلي

هذه الصدمة طبيعية باعتبار أسوأ النتائج التي كان ينتظرها المشرفون على حملة الشاهد هو التحصل على المرتبة الثانية و إن خسر أصلا فستكون خسارته بسبب المترشح عبد الكريم الزبيدي ويحل الشاهد ثالثا لكن النتيجة النهائية كانت تمثل سقوطا سياسيا كبيرا فقد تحصل على المرتبة الخامسة و بأصوات أقل من عشرة في المائة.
هذه النتيجة الهزيلة لا يتحملها شخص الشاهد فقط بل المسؤولية الكبرى يتحملها المستشارون المقربون كسليم العزابي، مهدي بن غربية، إياد الدهماني وفيصل الحفيان فتتالي الأخطاء نتج عنه تضخيم شعبية المنافسين وفقدان ثقة الناخب تجاه مصداقية الشاهد.

إشهار مجاني لنبيل القروي

من الأخطاء الكارثية التي قامت بها حكومة الشاهد والأطراف المسيرة لدواليب رئاسة الحكومة ممثلة في مستشاريه المقربين والتي تسببت بشكل مباشر في فشله وجلب ويلات على الشعب التونسي هي عملية جعل نبيل القروي ضحية بسبب عدم إعتماد رئاسة الحكومة على منطق القانون والمؤسسات بل الذهاب إلى شخصنة الأمور إلى أبعد حد مما تسبب في تغيير نظرة المواطن التونسي تجاه المترشح نبيل القروي من رجل أعمال يستغل قناته التلفزية في تصفية حسابات سياسية وجمعيته الخيرية لأغراض سياسية إلى شخص في نظر عامة الشعب مستهدف من قبل النظام الحاكم لأن تركيز الحكومة كان بكيفية ملفتة في مواجهة مفتوحة مع القروي، فكانت البداية بإغلاق قناة نسمة لدواعي مخالفتها إجراءات شكلية للبث وهنا لا نلوم على تطبيق القانون بإعتبار الحكومة تطبق قرارات الهايكا باستخدام القوة العامة ممثلة في وزارة الداخلية ومنع البث لكن اللوم يقع على الطريقة الإنتقائية في تطبيق القرارات فالكل يعرف أن هناك عديد القنوات التلفزية و لإذاعات الخاصة تبث بصفة غير قانونية ولم تقم بتسوية وضعيتها وتتعلق بها قرارات غلق صادرة عن الهايكا سابقة لقرار غلق قناة نسمة ولكن حكومة الشاهد تركت كل هذه القنوات على حالها وتركز فقط على غلق القناة التابعة لنبيل القروي.

كانت هذه بداية الهدايا المجانية من قبل الحكومة لصالح نبيل القروي الذي أصبح يدعي أنه “ضد السيستام” رغم أنه في قلب “السيستام” قبل أن يكون في قلب تونس فكان واضحا للجميع أن العملية ليست تطبيق القانون على الجميع بقدر هي حرب خفية بين الحكومة و نبيل القروي.

المحطة الثانية كانت قانون التنقيحات المزمع إدخالها على القانون الإنتخابي وهنا كانت العملية المفصلية التي رفعت من شعبية القروي و أضرت من صورة الشاهد بصورة كبيرة فالمعروف عند وضع معايير انتخابية تسمح بإقصاء مرشح دون غيره يجب أن تكون بصورة حيادية ومجردة وخاصة فترة تمرير القانون قبل الانتخابات بمدة كبيرة أو بعدها لكن الذي تم هو تحديد الأشخاص الذين سيتم إقصاؤهم ثم وضع معايير لهذا الإقصاء فكأن القانون وضع لإقصاء نبيل القروي و رئيسة جمعية عيش تونسي لهذا كان هناك تململ كبير و أصبح المواطن البسيط أكثر إقتناعا بأن حكومة الشاهد في حرب تصفية حسابات إنتخابية مع نبيل القروي وكان المنعرج بسقوط هذه التنقيحات من خلال إمتناع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي عن إمضائه مما مثّل إنتكاسة سياسية لمعدي هذا القانون خاصة يوسف الشاهد وفوز سياسي لنبيل القروي الذي أصبحت أبواب الإنتخابات مفتوحة أمامه بل إعتبره إنتصار سياسي عززه بتأسيس حزبه قلب تونس.

بعد ذلك لم تتوقف الأمور عند هذا الحد بل شهدت شعبية نبيل القروي صعودا صاروخيا بسبب ما إعتبره جل المواطنين و المتابعين للشأن العام بالشبهات التي رافقت توقيفه حيث اعتبرت سابقة أن يتم توقيف شخص قام بالطعن في إجراء شكلي وهو منعه من السفر ليجد نفسه موقوفا في مخالفة مع القاعدة القانونية المعروفة “لا يضام الطاعن بطعنه” مما أثار موجة إستياء بين عموم الشعب وخاصة الضالعين في المجال القانوني الذين إستغربوا من السرعة الكبيرة لهذا التحرك خاصة أنها تزامنت مع العطلة القضائية.

هذه الحادثة وان كانت لا تعزى للشاهد بل للقضاء المستقل حسبت على رئيس الحكومة وكانت فاصلة في سقوط الشاهد لأن التونسي لم يتعاطف مع القروي لشخصه بل لأن التونسي حساس جدا من قضية إستغلال القضاء لأغراض سياسية (حتى وإن لم يكن الأمر كذلك في هذه القضية) ولا يتسامح مع ذلك لأنها تذكره بالسياسة المعتمدة من قبل نظام بن علي مع خصومه السياسيين لذلك صرّح الكثير من الذين صوتوا لنبيل القروي أن تصويتهم ليس تعاطفا مع القروي أو إيمانا ببرنامجه بقدر معاقبة للشاهد على ما أسموه “توظيفه للملفات القضائية ضد خصومه السياسيين” بداية من سليم الرياحي إلى نبيل القروي فإستغلال ملفات الفساد أسوأ من الفساد بحد ذاته.

إستغلال المرافق العمومية في الحملة الإنتخابية

الخطأ الثاني الكبير الذي أضر بصورة الشاهد هو إستغلال المشرفين على حملته للمرافق العمومية التي من المفروض تحييدها عن المواعيد الانتخابية فقد لاحظ العديد من المتابعين في مختلف الجهات إستغلال المناصرين التابعين لتحيا تونس السيارات الوظيفية في اجتماعات حزبية وحملات إنتخابية للشاهد وتوظيف إجتماعات العمد لغايات إنتخابية ودعائية وبالرغم من تنبيه العديد من المتابعين لخطورة هذا التمشي خاصة مع ما تم تسليطه من الضغط على الولاة و رؤساء المناطق الأمنية فإن المشرفين على حملة الشاهد لم يغيروا من هذه الإستراتيجية الفاشلة التي لا تعطي أصواتا حقيقية في صندوق الاقتراع بل فقط أعطت صورة سلبية عن الشاهد ومقارنة ذلك بتصرفات التجمع المنحل.

حرب على الفساد مبهمة

الحرب على الفساد كانت مفتاح نجاح الشاهد وهي التي أعطته بطاقة إعتماد عند الشعب التونسي فبعد أن كانت الأغلبية تطالب برحيل حكومته زمن إعتصام الكامور بالجنوب التونسي أصبحت الأغلبية تؤيده بفعل مساندتها للحرب على الفساد التي بدأت مع توقيف شفيق جراية ولكن الشعب كان ينتظر تأكيد هذه السياسة مع بقية اللوبيات بإعتبار أن شفيق جراية تم توقيفه في ملف لا يتعلق أساسا بالفساد بل متصل بملف أمني وعلاقته بمليشيات ليبية ولهذا تم توقيفه من قبل القضاء العسكري، لكن بعد ذلك بمدة أصبح واضحا أن هذه الحرب على الفساد أصبح يغلب عليها الطابع الإنتقائي ومبهمة من حيث نتائجها بل في السنة الأخيرة التي تعتبر سنة إنتخابية بإمتياز أصبح التركيز على ملفات المنافسين المترشحين كسليم الرياحي ونبيل القروي مما أعطى نتائج سلبية على صورة الشاهد لدى الناخب.
مسؤولية عدم توحيد العائلة الندائية

عند النظر لنتائج الإنتخابات الحالية نلاحظ بشكل جلي إنقسام الأصوات الندائية بين عديد المترشحين المتخاصمين خاصة شق عبد الكريم الزبيدي المحسوب على نداء تونس و يوسف الشاهد عن شق تحيا تونس حيث أن حصيلة الإثنين فقط دون حسبان بقية المترشحين المحسوبين على نداء تونس التاريخي لسنة 2014 يصلان إلى قرابة 18 بالمائة أي ما يعادل تقريبا الفائز الأول قيس سعيد، مما يفسر مساهمة تشتت العائلة الندائية بين عدة شقوق وهنا يتحمل يوسف الشاهد مسؤولية كبرى في هذا الأمر خاصة بعد رفضه لمساعي الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في مؤتمر المنستير وتوجيه دعوة للشاهد لكي يكون مرشح النداء وتوحيد الصف وكذلك نفس النداء وجهه الإبن حافظ قائد السبسي لكن تعنت الشاهد و إيمانه غير المحدود بنجاحه وخاصة عزله عن الواقع السياسي من قبل المحيطين به جعله لا يصغي لهذا النداء فمهما كان فالباجي قائد السبسي رغم إصطفافه وراء محور ابنه حافظ لكن يبقى عميد السياسة التونسية بخبرته الكبيرة وكان المفروض أن يقابل مد يده بالمثل.

في الحصيلة وجد الشاهد نفسه خاسرا للمعركة الإنتخابية داخل عائلته السياسية قبل أن يخسرها مع بقية المترشحين الآخرين فحافظ قائد السبسي صحيح لا يتمتع بحنكة والده السياسية ولكن يبقى على الأقل يحمل في عروقه نفس دم أبيه فقد دعّم بكل قوة ترشيح الزبيدي فإن لم يفلح الزبيدي في الفوز و العبور للدور الثاني فهو على أقل تقدير سوف يسحب البساط من تحت أقدام الشاهد وبذلك فحافظ قائد السبسي رابح في الحالتين بإعتباره أزاح خصمه السياسي الذي أصبحت بينهما عداوة كبيرة وهذا ما حصل بالفعل فأغلبية الأصوات التي تحصل عليها الزبيدي هي من الخزّان الانتخابي للشاهد.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.