بعد 9 سنوات من سقوط النظام الإستبدادي وعودة السيادة إلى الشعب صارت في تونس فوضى عارمة في كل المجالات: فقدان الأمن و استفحال الجريمة المنظمة والسرقات والبراكاجات وانتشار الإرهاب، والتطرف الديني، وانتشار الفوضى وعدم احترام القانون، و انتشار الفساد والتهريب و التهرب الضريبي، و فقدان قيمة العمل والإنتاجية، وتدهور القيمة الشرائية و قيمة الدينار، وتعفن الحياة السياسية… والان ما العمل ؟
بقلم محمد صالح الحمايدي *
مع نهاية سنة 2010 و بداية سنة 2011 حدث شيء هام في تونس. فلنسمه ثورة حتى و إن لم يكن إجماع على ذلك. يوم 14 جانفي رحل بن علي و سقط نظامه.
إبتداء من يوم 15 جانفي 2011، كان لكل تونسي انتظاراته.
الحالمون بالديمقراطية كانوا يطمحون إلى إرساء نظام ديمقراطي حرموا منه منذ استقلال البلاد.
و التواقون إلى الحرية كانوا يطمحون إلى إطلاق كل الحريات الكونية في مفهوها الشامل وخاصة منها الحريات الجماعية كحرية التنظم و حرية التظاهر و حرية الاحتجاج… و الحريات الفردية كحرية اللباس و حرية المعتقد و حرية الضمير…
أما العاطلون عن العمل فكانوا يتوقعون أن تفرج الأمور و يحصلون على مصدر رزق يضمن لهم العيش الكريم و التغطية الإجتماعية…
و أما أصحاب الجهات المهمشة منذ قيام دولة الإستقلال فكانوا يتوقعون أن تأتيهم التنمية سريعا و يلتحقون بالجهات الأخرى في جميع مجالات الحياة من بنية تحتية و خدمات صحية و مؤسسات تشغيل…
فتح الباب إذا لكل شئ، فماذا حصل؟
الحرية التي حصل عليها الشعب أصبحت تعني الفوضى
هجمت الجماهير (بالمعنى الڨذافي للكلمة) على كل مؤسسات الدولة الإدارية و الاقتصادية و الصحية… و صاحت في وجه مسيريها من إطارات كفأة و أخرى غير كفأة. فعينت الدولة مكانهم من هب و دب دون أية معايير، فقط لسد الشغور
بعد ذلك جاء إتحاد الشغل ليطالب و يُمكن، بحجة القضاء على التشغيل الهش والمتاجرة باليد العاملة، بدمج كل العاملين بنظام المناولة و جزء كبير من عملة الحضائر في الوظيفة العمومية و في مؤسسات القطاع العام. بُمْ! ارتفع عدد موظفي الوظيفة العمومية و القطاع العام بفعل هذا الإجراء و بفعل استيعاب النهضاويين والإرهابيين المتمتعين بالعفو العام إلى أكثر من الضعف، و ارتفعت معها كتلة الأجور نسبة إلى الناتج الإجمالي المحلي. إلى أعلى مستوى في العالم
بعد أيام قليلة من 14 جانفي 2011، اكتشف التونسيون أن السماء لا تمطر ذهبا و لا فضة بفضل الثورة فقط. فراح المهمشون و العاطلون عن العمل و الأجراء الذين تدهورت قدراتهم الشرائية و المعانون من تدهور البيئة و كل من يشعر بالحيف… يقومون بقطع الطرقات و الاعتصامات و تعطيل الإنتاج و التعليم… و استغل إتحاد الشغل هذه الأوضاع المزرية ليخدم شعبيته أكثر بإعلان الإضرابات التي أصبحت حقا دستوريا دون حق العمل و مساندتها، بل و قرر مرتين إضرابا عاما شل كل البلاد و كلفها ما كلفها من خسائر.
الحرية التي حصل عليها الشعب أصبحت تعني الفوضى و عدم التقيد بالقوانين؛ و حرية أن تأتي إلى العمل أو أن لا تأتي. و إذا أتيت فإنه بإمكانك أن تصل بعد ساعة أو ساعتين، و أن تغادر قبل ساعة أو ساعتين و أن تلعب اللعب الإلكترونية على كمبيوتر الإدارة و أن تخرج لصلوات و الظهر و العصر و الجمعة قبلها بساعة، و أن تعود بعدها بساعة أو أن تعود إلى بيتك مباشرة…
حرية المعتقد فُهم منها أن تكون متشددا دينيا تلبس النقاب فلا نستطيع أن نعرف إن كنت امرأة أو رجلا متخفيا، و أن تصبح مناديا بالخلافة و معتنقا للسلفية الجهادية التي تجعل من صاحبها إرهابيا يفجر نفسه بحزام ناسف و يقتل العشرات من الأبرياء و يذبح الجنود و الأمنيين الذين أصبحوا يلقبون بالطاغوت. أما غيرك فلا حرية معتقد و لا حرية ضمير له. أنت الناطق باسم الخالق تأمره فيؤتمر أو يجلد أو يذبح في تونس أو في أي مكان من أصقاع الدنيا التي تسافر أو يسفرونك إليها.
أمام كل هذا و غيره، ضعفت سلطة الدولة وعم الفساد والتهريب و تبييض الأموال و تراجعت الإنتاجية و التهبت الأسعار و تراجعت القوة الشرائية و تردت البيئة بفعل الأوساخ و النفايات المكدسة…
و لكي تعالج الدولة العاجزة و المُسيطَر عليها من طرف النهضاويين الرجعيين، لجأت إلى التداين المجحف من الداخل و من الخارج لضعف مواردها بحكم تراجع العمل و الإنتاج و الإنتاجية و بحكم ارتفاع كتلة الأجور الزائفة و للإذعان للمطلبية حتى تغطي مصاريف التصرف و الأجور دون القيام بالاستثمارات اللازمة لخلق الثروة و القضاء على التهميش في الجهات و المناطق التي تشكو نقصا فادحا في البنية التحتية و في المصانع و السياحة المشغلة. و بذلك ارتفعت نسبة تداين الدولة من 40% سنة 2010 إلى أكثر من 70% سنة 2018
اليوم حان الوقت لنقوم بما كان يجب علينا أن نقوم به منذ 15 جانفي 2011
نتيجة 9 سنوات من سقوط النظام الاستبدادي وعودة السيادة إلى الشعب أصبح يساوي: فوضى عارمة في كل المجالات، فقدان الأمن و استفحال الجريمة المنظمة و السرقات و البراكاجات و انتشار الإرهاب، و ظهور التطرف الديني و المس من الحريات الدينية، و انتشار الفوضى و عدم احترام القانون، و انتشار الفساد و التهريب و التهرب الضريبي، و فقدان قيمة العمل و الإنتاجية، و تدهور القيمة الشرائية و قيمة الدينار، و تعفن الحياة السياسية…
الخلاصة: يجب على الشعب التونسي أنه هو من أوصل نفسه إلى هذه الوضعية باختياراته السياسية المبنية على تصديق المتاجرين بالدين، و بتقاعسه في العمل و بالإضرابات المتعددة و بالاعتصامات المعطلة للإنتاج و لمصالح الناس، و بتشجيعه للتهريب و الكنترة و التجارة ألموازية، و لسكوته عن الفساد و المساهمة فيه، و لعدم التزامه بقوانين البلاد سواء أعجبته أو لم تعجبه، و بالمحافظة على بيئة سليمة بعدم رمي الفضلات و الأوساخ و أكياس البلاستيك…
اليوم فرصة كبيرة أمام الشعب لاختيار رئيس نزيه و علماني و مجرب و عارف بالتحديات الدبلوماسية و الاقتصادية و بمجالات الأمن القومي و حريص على احترام الدستور و غير متابع من القضاء للاشتباه فيه بالتهرب الجبائي و غسل الأموال.
و أمام الشعب فرصة أخرى لاختيار أحسن النواب النزهاء الذين لا يبحثون عن الحصانة البرلمانية للتغطية على جرائمهم و الإفلات من العدالة.
اليوم حان الوقت لنقوم بما كان يجب علينا أن نقوم به منذ 15 جانفي 2011، و إلا ذهبنا إلى الهاوية في غضون الخمس سنوات القادمة.
* حاصل على الماجستير في القانون. رئيس مدير عام سابق لعدد من المؤسسات العمومية. خبير دولي في قانون هيئات تعديل الأسواق المالية.
شارك رأيك