الرئيسية » في أسباب تراجع الإتحاد العام التونسي للشغل عن المشاركة المباشرة في الإنتخابات و تغيير تكتيكه

في أسباب تراجع الإتحاد العام التونسي للشغل عن المشاركة المباشرة في الإنتخابات و تغيير تكتيكه

إستراتيجية الإتحاد العام التونسي للشغل تجاه هذه الإنتخابات القادمة تغيرت مع تغيير التكتيك عن طريق التخلي عن المشاركة المباشرة والإكتفاء بإيفاد ملاحظين نقابيين لمراقبة شفافية العملية الإنتخابية يوم الإقتراع من خلال تخصيص 4000 نقابي وهي عملية متاحة طبق النظام الإنتخابي التونسي. لماذا هذا التغيير في التكتيك والإستراتيجية ؟

بقلم فيروز الشاذلي

على عكس ما حملته الخطابات الأخيرة التي أدلى بها الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي من نبرة حادّة وتصعيديّة بخصوص الإنتخابات القادمة، فإنها لم تفلح في تغطية التراجع الحاصل في موقف الإتحاد وتخليه عن فكرة المشاركة المباشرة في الإنتخابات التشريعية القادمة من خلال ما تم طرحه سابقا بتقديم قائمات إنتخابية خاصة بالإتحاد أو دعم نقابيين بطريقة غير مباشرة، لكن بعد النظر في هذه السيناريوهات في أروقة الإتحاد من قبل الهياكل الداخلية إتجهت النية إلى تغيير التكتيك المتّبع، حتى بالنسبة للإنتخابات الرئاسية، فالدعم المبدئي الذي حظي به المرشح عبد الكريم الزبيدي منذ البداية كان فاترا ثم توقف قيادات الإتحاد عن الحديث عن هذا الأمر وكأن الإتحاد لم يمش في هذا الخيار إلى الآخر خاصة مع تكرّر الهفوات الإتصاليّة لهذا المرشح.

لكن هذا التغيير في التكتيك رافقه سعي للمحافظة على نفس الهدف وهو صون المكانة السياسية المتقدّمة لإتحاد الشغل بعد الثورة وصوته العالي والمسموع من قبل الطبقة السياسية فهل تفلح “أكبر قوّة في البلاد” بعد الثورة في الحفاظ على هذه الغاية ؟

تراجع عن المشاركة في الإنتخابات خوفا من لعنتها

خاض إتحاد الشغل حربا ضروسا مع الحكومة بسبب الإختلاف حول ملف الزيادة في الوظيفة العمومية مما جعل الإتحاد يشعر أنه مستهدف في حد ذاته مما أجبره على اللجوء إلى القيام بإضراب عام في الوظيفة العمومية، هذه المواجهة جعلت عديد المسؤولين في إتحاد الشغل يفكرون جديا في دعم مكانة الإتحاد على الساحة الوطنية من خلال المشاركة في الإنتخابات التشريعية القادمة بصفة مباشرة بقائمات تحمل إسم الإتحاد أو دعم ترشح نقابيين مباشرين لخوضها أو من خلال دعم أحزاب موجودة مقربة من الإتحاد.

نور الدين الطبوبي يستقبل عبد الكريم الزبيدي.

لكن رغم التيّار الجارف لشغف السلطة فإنه تم العدول عن فكرة المشاركة المباشرة في الإنتخابات القادمة حيث تم رفض هذا التوجه من قبل الهياكل الداخلية للإتحاد خاصة الهيئة الإدارية الوطنية، هذا الرفض له أسبابه المنطقية والعقلانية فظاهر الأمر تكوين حبهة برلمانية داعمة لتوحهات الإتحاد سيكون سهلا بحكم أنه “أكبر قوّة في البلاد” كما يردّد دائما مناصروه، وبذلك تكون هناك كتلة برلمانية تمثل دعما كبيرا في محطاته النضالية والمطلبية أمام الحكومات القادمة ولكن باطن الأمر يحمل نواة تشظي للإتحاد وإنقسام أفقي لهياكله إنعكاسا لإنقسام وتعدّد المشهد السياسي التونسي بين يسار، يمين، إسلامي، دستوري وغيره، إضافة لذلك يتهدّده إنقسام عمودي بين هياكل الإتحاد وزعماء الإتحاد الممثلين في هذه القوائم الإنتخابية، فيصبح الإتحاد هو في خدمة المصالح السياسية لهذه الشخصيات النقابية التي ستسعى لتوظيف ثقله النقابي من أحل صعودها السياسي الشخصي، مما سيضعف الإتحاد ويعجل بنشر عدم الثقة بين منخرطي الإتحاد وزعمائهم.

علاوة على ذلك فإن تجارب الأحزاب التي إنهارت بحكم الإستقطاب والمصالح السياسية مازالت واثبة أمام قيادات الإتحاد فما بالك بمركزية نقابية دورها الأساسي هو رعاية حقوق الطبقة الشغيلة وليس ممارسة السياسة بطريقة مباشرة.

تغيير التكتيك لإثبات المكانة السياسية

من أهم الميزات التي إختلف بها الإتحاد العام التونسي للشغل عن بقية النقابات العمالية الموجودة ببعض البلدان الأخرى هي الدور السياسي الذي لعبه تاريخيا منذ حراكه السياسي ضد الإستعمار الفرنسي مرورا ببناء الدولة التونسية الناشئة وتقديمه لعديد الوزراء المؤثرين أيام الراحل بورقيبة كما قام بلعب دور كبير بعد الثورة من خلال إشرافه على عملية الحوار الوطني، هذا التأثير والدور السياسي أصبح هدفا دائما للإتحاد لأنّه يمثل محرارا لقوة الإتحاد في فرض مطلبيته الإجتماعية لذلك حافظ الإتحاد على هذا الهدف في إستراتيجيته القادمة تجاه هذه الإنتخابات مع تغيير التكتيك عن طريق التخلي عن المشاركة المباشرة والإكتفاء بإيفاد ملاحظين نقابيين لمراقبة شفافية العملية الإنتخابية يوم الإقتراع من خلال تخصيص 4000 نقابي وهي عملية متاحة طبق النظام الإنتخابي التونسي بالرغم أنها ليست بالأهمية والإضافة الكبرى بإعتبار أن الإنتخابات التونسية الحالية والسابقة منها بعد الثورة كلها تخضع لمراقبة عديد الملاحظين المحليين كمنظمة عتيد العريقة في هذا الجضال أو المراقبين الأجنبيين كمنظمة I Watch أو المراقبين الموفدين من الإتحاد الأوروبي.

بعد عبد الكريم الزبيدي نور الدين الطبوبي يستقبل مهدي جمعة مصحوبا بسمير ماجول : هل إختارت منظمة الأعراف مرشحها للرئاسية ؟

لكن الطريقة التي يعتمدها الإتحاد في تقديم ملاحظيه، الهدف منها هو الإيحاء بوجود قوّة ضغط ووصاية يريد إيصالها للأحزاب والناشطين في الحياة السياسية. إضافة لذلك أراد الإتحاد أن يبرز إمتلاكه لخزّان إنتخابي كبير بإعتباره أكبر منظمة نقابية من حيث عدد المنخرطين لهذا ما على الأحزاب إلا الإجابة عن أسئلته المائة وواحد التي تم إعدادها من طرف الإتحاد لكي تحصل على ثقة منخرطيه وهو يريد بذلك توجيه دفّة الإنتخابات بطريقة غير مباشرة حسب تفاعل الأحزاب مع هذه الأسئلة.

لماذا هذا التأخير في عرض البرنامح الإقتصادي والإجتماعي للإتحاد؟

هذا البرنامج كان من المفروض أن يكون أهم ورقة ضغط يملكها الإتحاد ليسلطها على الأحزاب المنافسة ويوجّه من خلالها الناخبين ولكن الإعلان عن هذه الوثيقة في عديد المناسبات السابقة دون عرضها على عامة الناخبين قبل بداية الحملات الإنتخابية أثار حولها عديد التساؤلات ولماذا هذا التأخير، فعرضها الآن في ظل تهافت الحملات الإنتخابية يفقدها الأهمية المرجوة منها لأن سرعة الأحداث تجاوزتها علاوة على أن التأخير في عرضها يدل على الإرتباك الحاصل من قبل الإتحاد في التعامل مع هذه الوثيقة بحكم ضيق الإختيارات التنموية المتاحة في الظروف الراهنة للدولة التونسية كما أن الإتحادلم يكن واضحا في المواضيع الإقتصادية والإجتماعية الحسّاسة التي تهمه مباشرة كخوصصة المؤسسات العمومية المتعثرة و المفلسة، الإصلاح المعمّق لنظام التقاعد، ترشيد الدعم و العلاقة مع مؤسسات التمويل الأحنبي خاصة صندوق النقد الدولي. كما أن أهم سبب ساهم في تأخير عرض هذا البرنامج هو الخطوات المطلوبة من قبل الإتحاد إزاء هذه المواضيع والتي تعتبر في بعض الأحيان خطوات غير شعبية أو مرضيّة لدى قاعدة منخرطيه وهي بذلك تمثل له نقاط إحراج.

رسائل الإتحاد للحكومة الحالية وللحكومة التي تخلفها بعد الإنتخابات

كان بصفة واضحة خوض المركزية النقابية خلال هذه الفترة لعدة إضرابات قطاعية كان آخرها بقطاع البريد والصحة بعنوان عدم إلتزام الحكومة الحالية بالإتفاقيات الممضاة فرغم أننا دخلنا الزمن الإنتخابي لكن الإتحاد رفّع من نسق هذه الإضرابات القطاعية في رسالة إنتخابية واضحة أن هذه الحكومة لا تنفذ إلتزاماتها وتعهداتها فمسؤولي الإتحاد لن ينسوا أبدا ما رأوه من مماطلة من قبل حكومة الشاهد في تنفيذ الإتفاقيات الممضاة خاصة فيما يتعلق بمفاوضات الزيادة في الوظيفة العمومية وتأجيل تطبيق الإتفاق الممضى أكثر من مرة بحكم ضغط صندوق النقد الدولي.

هذه الرسالة موجهة كذلك للحكومة التي ستتسلم السلطة بعد الإنتخابات القادمة فالقدرة الشرائية لمنتسبي الإتحاد وعدم تحميل الطبقة الشغيلة وحدها عبء الإصلاحات الإقتصادية هو الهدف الأساسي للإتحاد في المرحلة القادمة كما أن الشراكة و الحوار الإجتماعي مع الإتحاد لا مناص عنه وتجاوز الإتحاد كما حاولت هذه الحكومة هو من الخطوط الحمراء للمنظمة الشغيلة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.