الرئيسية » تونس تودّع الرئيس قائد السبسي بجنازة عسكرية مهيبة، ورغم الحزن والتخوّف، الأمل قائم في مستقبل أفضل

تونس تودّع الرئيس قائد السبسي بجنازة عسكرية مهيبة، ورغم الحزن والتخوّف، الأمل قائم في مستقبل أفضل

من يريد الوفاء لذكرى الفقيد محمد الباجي قائد السبسي فليكن في الموعد ويشارك بقوّة في الإستحقاقات القادمة من إنتخابات رئاسية وتشريعية وذلك من خلال إختيار المترشح الذي تتوفر فيه صفة رجل الدولة والذي يحترم مؤسساتها ويكرّس مبادئ الديمقراطية في تعامله السياسي فحسن الإختيار وحده من يضمن مستقبلا أفضل لتونس.

بقلم فيروز الشاذلي

تودع تونس اليوم، السبت 27 جويلية 2019، الباجي قائد السبسي، رئيسها الأول المنتخب إنتخابا حرا مباشرا من قبل الشعب، رئيسنا رحمة الله عليه، إن إختلفنا معه وحوله، إن عارضناه أو ساندناه، إنتخبه بعضنا ولم ينتخبه بعضنا الآخر، لكنه كان رئيسنا بقوة وبمفعول الصندوق، بقوة ومفعول الإختيار، بقوة ومفعول الديمقراطية.

تودّع تونس الرئيس الذي تندّرنا به أحيانا، ربما غضبنا لبعض أخطائه، ربما سخرنا منه أحيان أخرى، لكنه الرئيس الذي كان محببا لأغلبنا بخفة ظله ودهائه السياسي وتعليقاته الرشيقة وبعض مواقفه المشهود لها بالإتزان والإعتدال، هو أيضا الرئيس الذي وقفت البلاد وراءه في مرضه واصطفت تدعو له بالشفاء دون نفاق ولا رياء.

جنازة عسكرية مهيبة لرجل من زمن العمالقة

مراسم الجنازة العسكرية المهيبة تحضرها عديد شخصيات الصف الأول من رؤساء دول وممثلي مختلف قادة وزعماء العالم وهي محل تغطية واسعة من قبل القنوات التلفزية الأجنبية فجلّ المحطات الإخبارية الكبرى تبث الآن مراسم الجنازة مباشرة من تونس.

ليس هذا مستغربا على رجل أثبت أن زمن الزعماء والكاريزما السياسية لم ينتهي بعد أن خلنا أن زمن الزعامة قد ولى منذ وفاة الزعماء جمال عبد الناصر و الهواري بومدين والحبيب بورقيبة وغيرهم، هذا ليس بغريب على رجل عاصر جميع الفترات الحرجة التي مرّت بها البلاد التونسية منذ بداية القرن العشرين، من معاصرته لفترة مكافحة الإستعمار كمحامي يدافع على نشطاء الحركة الوطنية أمام المحاكم العسكرية الفرنسية مرورا ببناء الدولة الناشئة بعد الإستقلال والتأثر بالتجربة البورقيبية المبنيّة على مفهوم ترسيخ أسس الدولة الحديثة. وقد ساهمت خبرته في معايشة الهزات التي عاشتها تونس في أن يلعب لاحقا دورا هاما في السنوات الأخيرة وذلك خاصة في آخر عهد بورقيبة كأزمة 78 و86 وبعد ذلك ما عاشته تونس من غلق قوس الحريات في عهد زين العابدين بن علي وما أدى إلى تشكل ثورة 14 جانفي 2011.

خلاصة تجربة الباجي قائد السبسي الطويلة كانت تتلخص في مفهوم واحد وهو أن حماية البلاد من الهزات السياسية والإجتماعية مهما كانت حدّتها هو التشبّث بمفهوم الدولة وإستمرارية عمل مؤسساتها في جميع الظروف، وهو ما خوّل له في أول خطاب موجه لعموم التونسيين بعد تكليفه برئاسة الحكومة من قبل الرئيس المؤقت فؤاد المبزع من أن يجمع التونسيين حول شخصه ورؤيته المستقبليّة للدولة.

رغم الحزن و التخوّف فالأمل في المستقبل موجود

ربما هذه اللحظات المؤثرة لوداع أول رئيس منتخب في تونس فيها مسحة من الحزن والتخوّف على مستقبل تونس خاصة مع الفراغ الذي سيتركه شخص الباجي قائد السبسي وهو ما يمثله من توازن في الساحة السياسية فبفضل سياسة التوافق التي انتهجها حصّن الساحة السياسية من التدخل الخارجي وفرض نمطا سياسيا أولويته المطلقة المصلحة العليا لتونس ودون إقصاء لأي طرف سياسي.

لكن هذا الرصيد المتراكم من الممارسة الديمقراطية والإنتقال السلس للسلطة الذي أشادت به أغلب دول العالم يجعلنا رغم هذا التخوّف من المستقبل القريب نكتسب أملا قويا في إستكمال بناء المسار الديمقراطي لدولتنا الحديثة وبكل إقتدار.

صحيح أننا نخطو بخطوات بطيئة ولكن خطوات ثابتة تعتمد على المؤسسات وليست الأشخاص وما على الطبقة السياسية إلاّ الإستلهام من تجربة الرئيس الراحل وليس فقط إعتمادها كشعارات والمتاجرة السياسية بها فالإطار العام الذي حكم به الرئيس الراحل واضح شديد الوضوح وهو بناء جمهورية حديثة تستوعب جميع أبناء هذا الوطن من مختلف مشاربهم الفكرية و الإيديولوجية دون إقصاء.

إستكمال بناء الدولة الحديثة لتحقيق آمال التونسيين

إن التخوّف الذي يعيشه أغلب التونسيين حول المستقبل هو أمر عادي لأن التخوّف لا يكون إلا إذا كانت هناك مكتسبات نريدوا المحافظة عليها والتخوّف ضروري لعدم الإستكانة إلى أي إنزلاق أو تحريف المسار الديمقراطي بتونس.

لهذا هناك دائما أمل قوي يولد من رحم هذا التخّوف مستقبل أفضل فالديمقراطيات الناشئة تحتاج لمصاعب ومطبّات وحتى انتكاسات كي تثبت ذاتها وتطوّر مناعتها حتى نصل إلى إكتساب جوهر الديمقراطية وهو بقاء المؤسسات حتى بعد رحيل الرجالات.

ذاك ما تمر به تونس هذه الأيام وهي تودّع رئيسها المنتخب الذي جاءت به صناديق الاقتراع وكان يستعد لترك المنصب لمن ستختاره الصناديق ليخلفه في كرسي الرئاسة، فلو كان الفقيد مازال على قيد الحياة لكان من دعاة استكمال بناء مؤسسات دولة القانون من خلال تنصيب بقية ميكانيزمات العمل الديمقراطي كالهيئات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية والإنكباب على الإصلاحات الكبرى للإقتصاد التونسي فالدولة الحديثة لا يمكن الحديث عنها ضمن إقتصاد فقير ومتخلّف بل يصبح سمّا يقتل الديمقراطية الناشئة.

لهذا من يريد الوفاء لذكرى الفقيد محمد الباجي قائد السبسي فليكن في الموعد ويشارك بقوّة في الإستحقاقات القادمة من إنتخابات رئاسية وتشريعية وذلك من خلال إختيار المترشح الذي تتوفر فيه صفة رجل الدولة والذي يحترم مؤسساتها ويكرّس مبادئ الديمقراطية في تعامله السياسي فحسن الإختيار وحده من يضمن مستقبلا أفضل لتونس.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.