الرئيسية » “حين أتى الفرج”: رواية جديدة لعمار عبد الله

“حين أتى الفرج”: رواية جديدة لعمار عبد الله

حين أتى الفرج” رواية من جنس الأدب، لكن الكاتب أرادها أن تكون تاريخا يحفظ عن ما حدث زمن الاستبداد وزمن الثورة في تونس. قال لي يوما إن المؤرخين في البلد اختفوا منذ الثورة، الصحافة منشغلة بالأعاصير السياسية وبحالة الشد والجذب، والثوار تفرقوا وبعضهم بدل جلده، وأمسى الشعب في العراء.

وحين قبضت عليه ليلا يكتب أحد فصول الرواية، صارحني بأنه يريد أن يكتب تاريخا لإبننا وللأجيال اللاحقة التي لم تعش زمن الاستبداد ولم تعايش بزوغ شمس الحرية وتحرر التونسيين من براثين نظام استبدادي حول البلد إلى سجن شاسع وفرض الحصار على البشر والشجر والفكر والقلم.

الرواية تغوص فصولها الأربعة والعشرون في عمق المجتمع، تزيح الستار عن حكايات غمرتها السياسة وأغفلتها عدسات التلفاز. والكاتب كان عنيدا حين انحاز بعيداَ عن الساسة وصراعاتهم المقرفة على السلطة، قريبا من الشعب المهمشة نضالاته التي أنكرها البعض، والبعض تاجر بها في خطاباته الحزبية، لكن الجميع اتفقوا أن لا يدوّن منها شيء إلا الأجزاء التي تخدم المصالح الضيقة.

ينقل الراوي حكايات “توانسه” اكتووا بنار الدكتاتورية وعايشوا انبلاج فجر الثورة وهم يعيشون ما يطلق عليه “النخبة” فترة الانتقال الديمقراطي، بصبر بانتظار أن يأتي الفرج ثانية.

حكايا تتبع الراوي تفاصيلها، ألبس الشخوص أسماء مفترضة تنقل للقارئ بعض مما عاشه التونسيون زمن الحصار ولم يغفل عن نقل حاضرهم بعد أن أتى الفرج.

شخصية عبد القادر، تنقل صورة حقيقية عن “البطال” كيف عاش زمن الاستبداد، حالة الإحباط بعد سنوات الدراسة حين كان التشغيل متاحا فقط للموالين للنظام والمطبعين مع جرائمه في حق الشعب.

وحين أتى الفرج كان عبد القادر منشغل في عالمه المطبق، لكنه لحق بالركب وعاش فرحة النصر بتهدم عروش الدكتاتورية وسقوط قوانينها الجائرة.

سوّت الثورة بين كل أبناء الشعب فلم تعد فرص التشغيل متاحة لإبن فولان فقط. ورغم كل ما يمكن أن يقال عن حالة الضيق ما بعد الثورة فقد انتصر البطالة والمهمشون واسترد الآلاف منهم بحقهم في الشغل.

شخصية “مختار” من الضفة الأخرى، تنقل لمحة عن جرائم أعوان نظام “التجمع” وزبانيته وما فعلوه في القرى والأرياف النائية والأحياء والإدارات والمعاهد ومختلف مؤسسات الدولة. وأذكر أنه حين نشر الكاتب جزءا من هذا الفصل في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فاسبوك.. صرخ المعلقون من متابعيه، ” هذا يشبه مختارنا .. في كل حي وفي كل زنقة يوجد مختار”.

وشخصية المختار مقتبسة بدورها عن أحداث واقعية، لكن الكاتب كان حريصا أن يلبس شخصية المختار كل الجرائم التي كانت عصابات التجمع ترتكبها في حق الشعب الأعزل. فقد عاثوا في الأرض فسادا بعد أن أخضعوا أجهزة الدولة ومؤسسات القانون والقضاء لأهوائهم. وحين أتى الفرج، انشغل الجميع بالجرائم الكبرى لأباطرة الفساد وأغفلوا جرائم اعتبروها صغيرة، ليصح المثل الشعبي “مايحس بالجمرة كان إلي عفس عليها” .

وهذا الإنخرام في العدالة الانتقالية والعطل في المحاسبة، دفع “المختار” إلي تعليق توبته والعودة إلي ممارسات الماضي بلا هوادة.

اقتصر الجزء الأول من الرواية على ثمانية فصول حاول فيها الكاتب أن يكون ملتزما بمبدأ التناصف بين المرأة والرجل، فالمرأة عاشت ما عاشه الرجل زمن الاستبداد وصارعت معه أجهزة القمع حين أطلق الدكتاتور زبانيته للجم الأصوات وخنق الحناجر التي تصرخ “أنا بتنفس حرية لا تقطع عني الهواء”. المرأة صابرة اليوم وستصبر غدا إلى أن يأتي الفرج.

وفاء حكيري


شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.