الرئيسية » اثر وفاة ساسي بن حليمة المحامي و الأستاذ الكبير في القانون، منير بن صالحة ينشر هذا المقال للفقيد

اثر وفاة ساسي بن حليمة المحامي و الأستاذ الكبير في القانون، منير بن صالحة ينشر هذا المقال للفقيد

وفاة الأستاذ ساسي بن حليمة ليلة أمس الخميس 6 جوان 2019 عن سن تناهز ال 80 سنة تركت لوعة لدى كل من عرفه من قريب أو من بعيد سواء من موكليه بصفته محاميا بارعا، او من طلابه بجامعة الحقوق بصفته أستاذا، او من زملاءه و من بينهم العديد ممن تمرنوا في مكتبه بنهج ابن خلدون بالعاصمة.

وقبل دفن ابن المكنين (المنستير) اليوم الجمعة 7 جوان بمقبرة الجلاز بتونس، تسارع كل من عرفه ليرثيه على طريقته وقد خير المحامي منير بن صالحة نشر من اهم المقالات للمرحوم المختص في الأحوال الشخصية.

” مجلة الأحوال الشخصية: 1956 2016،
مقدمة
تمتاز البلاد التونسية بتشريعها في مادة الأحوال الشخصية من بين البلدان الإسلامية قاطبة بأنها أكثر تقدما و إحتراما لحقوق المرأة.
و لقد حرصت الحكومة التونسية برآسة الرئيس الحبيب بورقيبة على سنّ مجلة الأحوال الشخصية في مدّة قصيرة و قصيرة جدّا إذ أن تحريرها لم يأخذ من الوقت أكثر من المدّة الفاصلة بين 20 مارس 1956 و 13 أوت من نفس السنة. و من المعلوم أن مجلة الأحوال الشخصية مستمدة في أغلب فصولها من الشريعة الإسلامية و خاصة من لائحة الشيخ جعيط التي تشتمل على الفقه المالكي و الفقه الحنفي مبوّبين في فصول على غرار التشلريع العصرية.
و لربّما كانت الأسباب التي أدّت إلى الإسراع بسنّ مجلة الأحوال الشخصية حرص الحكومة على تمكين القاضي التونسي بعد توحيد القضاء من تطبيق تشريع عصري على جميع المواطنين مهما كانت دياناتهم و مهما كانت جنسيتهم أي على المسلمين و اليهود و النصارى و من لا يتديّن بدين و كذلك على التونسيين و كلّ المتساكنين بما في ذلك الفرنسيون و الإيطاليون و المالطيون.
و كانت الحكومة آنذاك تريد إقناع السلطة الفرنسية بأنه من الممكن للقاضي التونسي أن يطبّق على المتقاضين قانونا عصريا لائكيا مبتعدا عن قانون قديم و فقه أكل عليه الدهر و شرب.
و لذا فلا عجب إن كان التشريع التونسي لا يشير صراحة إلى الفقه الإسلامي أو الشريعة الإسلامية أو الدين الإسلامي بالرغم من أنه في الواقع في الأغلبية الساحقة من نصوص التشريع في مادة الأحوال الشخصية مستمد من الشريعة الإسلامية.
و يبدو أن محرّري التشريع في مادة الأحوال الشخصية و خاصة في مجلة الأحوال الشخصية كانوا شاعرين بضرورة عدم الإشارة صراحة إلى الدين الإسلامي فمن الممكن ضرب بعض الأمثلة لذلك فلم تنصّ مجلة الأحوال الشخصية على أن زواج التونسية المسلمة بغير المسلم باطل و على فرض أنها قرّرت ذلك فإنها لم تفعل إلا بصورة مستترة صلب الفصل الخامس من المجلة عندما قالت بأنه يجب أن يكون كلّ من الزوجين خلوا من الموانع الشرعية.
و بالرغم عن أن التباين في الدين لم يأت منصوصا عليه من بين موانع الزواج فلقد ذهب البعض إلى إعتباره كذلك إنطلاقا من الفصل الخامس و إشارته إلى الموانع الشرعية (أنظر مثلا القرار الصادر برئاسة السيد محمد الحبيب الشريف عن دائرة الأحوال الشخصية لمحكمة الإستئناف بسوسة بتاريخ 2013
و من الممكن أن نشير كذلك إلى الفصل 88 من المجلة الذي ينص: “من موانع الإرث …” و لقد اعتبر البعض أن هذا النص دون أن يشير صراحة إلى التباين في الدين أشار إليه ضمنيّا.
و لا نظن أن هناك فائدة في تعداد الأمثلة فمجلة الأحوال الشخصية خالية من كل إشارة صريحة إلى الدين الإسلامي.
و على فرض أنه من الممكن القول بأن تلك المجلة هي مجلة لائكية فإنه علينا أن نتقدم ببعض الخواطر سواء بالنسبة للشكل أو بالنسبة للأصل.
I بالنسبة للشكل:
ربما كان من المتّجه أن نقف عند بعض الكلمات في مرحلة أولى و عند بعض الجمل في مرحلة ثانية.
لا تخلو مجلة الأحوال الشخصية من بعض الكلمات المستمدّة خاصة من الفقه الإسلامي و التي تبدو قديمة أو غامضة أو غير متماشية مع التعبير اللائكي و لربما أشرنا إلى الكلمات الآتية: الدخول الفراش إبن الزنا الموانع الشرعية وسائل الإثبات الشرعية
الفراش هي كلمة فقهية كانت تفيد الزواج صحيحا كان أم فاسدا والاتصال بشبهة والاتصال بما ملكت اليمين.
و من الواضح أن الاتصال بشبهة أضحى من قبيل الخيال إذ أن الزواج اليوم أضحى يبرم بين شخصين يكونان قد تعرّفا على بعضهما البعض و لربما بلغ الأمر إلى أكثر من التعرّف.
فما كان يحدث في قديم الزمان من أنّ الزوج لا يرى زوجته الا ليلة الدخول أضحى غير معمول به اليوم.
و لذا فإن الدخول بشبهة أصبح غير وارد.
أما الاتصال بما ملكت اليمين فلقد كان هذا ممكنا زمن الرق وكان الرجل من الممكن أن تكون له بعض الجواري يتصل بهن ويستولدهن بعض الأبناء. أما اليوم فلقد أصبحت كلمة الفراش منحصرة في الزواج بنوعيه الصحيح والباطل.
ولذا فلا حرج أن تحذف كلمة الفراش وأن تعوّض بكلمة الزواج.
الدخول وهذه العبارة ترادفها عبارة البناء ولم يتراء للمشرّع أن يعطي تعريفا في هذه العبارة فوجد فقه القضاء نفسه مضطرا لتعريفها.
وفي مرحلة أولى اعتبرت محكمة التعقيب أن الدخول هو الخلوة بين الزوجين بعد رسم الصداق وإرخاء الستائر دون ضرورة لا لافتضاض بكارة ولا حتى لمجرد الاتصال الجنسي ( للقق 1973).
فيكفي أن تتوفر فرصة لوقوع ذلك الاتصال لكي يعتبر أن الدخول قد تم.
وتطور فقه القضاء الى أن أصبح الدخول من الممكن أن يكون قد تم بمجرد دعوة الزوج بعد تحرير رسم الصداق الى الدخول بزوجته فعليا ورفضه الاستجابة الى تلك الدعوة دون أن يكون له مبرر كأن يتمسك بأنه مريض أو أنه بصدد مزاولة تعلمه الى غير ذلك من الأسباب.
واشترطت محكمة التعقيب بأن يكون الدخول قد اصطحبه إشهار. ولربما كان من المتجه تعويض هذه العبارة بما من شأنه أن يكون فيه نوع من الوضوح كأن يقال الدخول هو التحاق الزوجة بمحل زوجها وبداية المساكنة أو دعوة الزوج الى المساكنة ورفضه دون أن يكون له مبررا شرعيا.
هذا على فرض الاحتفاظ بتلك العبارة إذ أن بعض رجال القانون المتشبثين بالإبتعاد عن الفقه الإسلامي ما استطاعوا يقترحون حذف الإشارة إلى الدخول أو ما يرادفه ملتهمين هذه الملحوظة من التشاريع الغربية التي لا تعرف الدخول و لا ترتب عنه أي أثر بخلاف الفقه الإسلامي الذي يرتب عنه عدة آثار وردت خاصة في عدة فصول من المجلة.
ابن الزنا جاءت هذه العبارة صلب الفصل 152 من المجلة القائل : يرث ولد الزنى من أمه وقرابتها وترث منه أمه وقرابتها. فهذه العبارة التي استعملها المشرّع هي عبارة فقهية لكنها لا تخلو من الفظاعة وهي تفيد الابن المولود خارج الفراش أي دون أن يكون والداه متزوجين ببعضهما البعض.
ولذا فلربما كان من الأحسن حذف هذه العبارة من التشريع وتعويضها بعبارة ألطف مثل الابن الطبيعي أو الابن المولود عن علاقة غير شرعية.
الموانع الشرعية استعملت هذه العبارة صلب الفصل 5 من المجلة ونجد عبارة لا تبعد عنها صلب الفصل 75 من المجلة القائل أنه إذا نفى الزوج الحمل أو الولد الملازم له فإنه تقبل الوسائل الشرعية.
أما بالنسبة للفصل الخامس فلربما كان يدل على بعض الحيل لبعض محرري المجلة الذي كان يغطي بتلك العبارة التباين في الدين بوصفه مانعا من موانع الزواج وهو ما ترك شرّاح القانون في حيرة من معنى العبارة.
فالبعض ذهب الى اعتبار الموانع التي جاءت بها الشريعة الاسلامية و البعض الآخر أعتبرها الموانع القانونية و لذا فانه من الاحسن عدم استعمال تلك العبارة لما فيها من غموض و الاشارة صراحة الى التباين في الدين كمانع من موانع الزواج مثلما فعل ذلك كل المشرعين في البلاد الاسلامية أي ان التونسية المسلمة لا يمكنها أي تتزوج غير مسلم و هو ما أقرت محكمة الاستئناف بسوسة هذا بالنسبة للفصل الخامس.
اما بالنسبة للفصل 75 من المجلة و المتعلق نفي النسب فانه يشير الى جميع وسائل الاثبات الشرعية دون مزيد من البيان. و هو من أثار اشكالا في تأويل تلك العبارة. فمنهم من يعتبرها تفيد الوسائل التي أتت بها الشريعة الاسلامية. و عندئذن فان الوسيلة الوحيدة التي جاءت بها الشريعة الاسلامية هي اللعان و لربما كان من المتجه تطبيقا لأحكام تلكم الشريعة اللجوء الى اللعان .
و لقد طرح مشكل تأويل الفصل 75 من المجلة على محكمة الاستئناف بسوسة سنة 1974 و ذلك بأن طلب المدعي في قضية نسب اللجوء الى التحليل النموي فاعتبرت محكمة الاستئناف بسوسة برئاسة رئيسها الاول المرحوم محمد الهاشمي دحيدح ان التحليل النموي هو من بين الوسائل الشرعية لنفي النسب على معنى أحكام الفصل 75 من مجلة الاحوال الشخصية و تم الطعن في ذلك في ذلكم القرار بالتعقيب و لأول مرة انتدبت محكمة التعقيب خبيرا خلافا لعادتها قصد سؤاله ان كان التحليل النموي يمكن من نفي النسب.
و بين الخبير المنتدب ان ذلك ممكن في بعض الصور اذا كان دم الطفل من فصيلة دموية تختلف عن الفصيلة النموية للأب، و بما ان فصيلة الدم في القضية المنشورة آنذاك كانت مختلفة بين الطفل و المدعي و لقد أعتبرت محكمة التعقيب في القرار 10005 الصادر في ……….. و المنشور في ……. مع تعليقنا ان القرار الاستئنافي أحسن تطبيق الفصل 75 من مجلة الأحوال الشخصية بآعتبار ان التحليل النموي من الوسائل الشرعية التي ينتفي بها النسب.
و لربما كان من المتجه استعمال عبارة الوسائل التي من شأنها أن تثبت بصورة قطعية أن الطفل ليس من نسب لزوح و هو ما يفتح الباب للتحليل الجيني الذي أقحم منذ سنة 1998 في مادة الأحوال الشخصية بوصفة مثبتا للعلاقة بين الطفل ووالده دون غلق الباب في وجه ما عسى ان يكتشفه العلم من وسائل مثبتة او نافية للنسب .

II بالنسبة للأصل
1هل أن مجلة الأحوال الشخصية ضرورية لحماية حقوق المرأة؟
يتمسك البعض بمجلة الأحوال الشخصية ويعتبر أنّها تشريع يضمن حقوق المرأة وينادي بالتنقيح منها و تحسينها كي تصبح المرأة على أحسن الحالات في خصوص حقوقها.
أما البعض الٱخر فإنه يعتبر أن مجلة الأحوال الشخصية غير ضرورية بالمرة للحفاض على حقوق المرأة إذ أن الشريعة الإسلامية كافية لحفض تلك الحقوق.
فالبعض يعتبر أن وضع الطلاق تحت رقابة المحكمة من شأنه أن يضمن إحترام حقوق المرأة و يعطي مثل الزوج الذي يطلق زوجته و هو الذي يحق له التطليق فيعلن لدى عدلي إشهاد بأنه طلق زوجته و يبعث لها بوثيقة الطلاق دون أن تناقش أو تطلب تعويضا عن طلاق تعسفي فتلفظ لفظ النواة دون أن تكون متحصلة على أي تعويض لمضرتها بينما القانون الوضعي يمكنها عند قيام زوجها بدعوى طلاق إنشاء على معنى الفقرة الثالثة من الفصل 31 من القيام بدعوى معارضة و طلب تعويض مضرتها المعنوية و المادية.
لكن من يقول هذا يتناسى ما جاء به القرآن الكريم عندما قال في سورة البقرة الآية 236 ” لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ” فإذا كان الزوج من ذوي اليسار عليه أن يمتع زوجته بما يتماشى مع ثرائه فلا تكون في حاجة إلى القيام بدعوى معارضة لدى أي محكمة.
و يقول المولى عز و جل كذلك في سورة الطلاق الآية 7 ” لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ” فلا حاجة مبدئيا لا لأحكام الفصل 38 أو غيره من الفصول المتعلقة بالنفقة لبيان مفهومها أو قيمتها.

2التبني
تراءى للمشرّع التونسي وبالأحرى للرئيس الحبيب بورقيبة أن يقحم صلب التشريع التونسي قانون 4 مارس 1958 والمتعلق بالتبني دون أن يفكر فيما عسى أن يكون للتبني من حرمة متأتية من القرآن العزيز ومن الآية الكريمة “أدعوهم لآبائهم” ومن الجدير بالملاحظة أن الرأي العام التونسي لم يحتج على سنّ ذلك النص حال أنه دون تأويل ولا تفسير يتناقض مع القرآن ولربما كان المشرّع جاهلا بتضارب التبني مع القرآن وهو أمر لا يخلو من الغرابة إذ أن المشرّع محاط بالعلماء المتعمقين في الشريعة
ويثير التبني العديد من المشاكل منها ما يمكن إثارته في نطاق القانون الوضعي على صعيد المبادئ. ومنها ما يمكن أن يتعلق بمدى تناقضه مع القرآن الكريم
المشاكل في نطاق القانون الوضعي
لنفرض أن المشرّع قد وضع قانون 4 مارس 1958 وأدخل ذلك القانون حيز التنفيذ دون أي إشكال من حيث قبوله أو التساؤل عن مطابقته أو عدم مطابقته للأحكام القرآنية
فإذا اقتصرنا على التساؤل عن مشاكل التي يتسبب فيها ذلك القانون فمن الممكن أن نتساءل
عن – إيجابيات ذلك القانون – سلبياته – إمكانية الرجوع عن الحكم بالتبني
– الحل بالنسبة للتباين في الدين بين المتبني والطفل المتبنى
إيجابيات قانون التبني
لماذا أقحم المشرّع التونسي التبنّي صلب المؤسسات القانونية؟
ما من شك أنه يعتبر أن التبني فيه فائدة، فما عسى أن تكون تلك الفائدة؟
ربما كان من المفيد أن تتم عملية التبني إذا كان الطفل يتيما محروما من والديه أو أحدهما فيجد بفضل التبني من يقوم بشؤونه ويسهر على رعايته ويحول دون انزلاقه في المتاهات. وقد تكون الفائدة من التبني تكمن في توفير طفل للمتبني إن كان محروما من الأبناء فإذا به يجد وسيلة لإشباع تلك الغريزة ويصبح لديه طفل أو أطفال يوفّر له فرصة لإبراز ما يتدفق منه من حب وعطف نحو طفل ولو لم يكن من صلبه ولعل الإيجابيات من عملية التبني هي التي تكون متغلبة على تلكم العملية إلى حدّ أن المشرّع اعتبر أن الطفل المتبني يدخل صلب عائلة الشخص الذي تبناه بجميع مقومات النسب أي أنه يصبح حاملا للقب العائلي للمتبني “بالضم” فضلا عن تمتعه بكافة حقوق الطفل الشرعي من نفقة ورعاية وحضانة وإرث.
لربما كان في التبني بعض السلبيات فما هي تلك السلبيات
سلبيات التبنّي
قد يتّضح أن عملية التبني هي مصدر لعدة مساوئ. فقد يكون الطفل المتبني سيء السيرة من متناولي المخدرات ومن لاعبي الميسر ومن الذين لا يقومون بواجباتهم فيكون مآله الطرد. فيصبح الوالد بالتبني راغبا في الرجوع في التبني وإذا قررت المحاكم أن تلك العملية غير ممكنة فإنه يصبح في جحيم من جراء التبني.
وقد يجد الطفل نفسه في وضعية سيئة من جراء من تبناه فلا يحسن معاملته ويتّضح أنه ميّال للغلظة وفي بعض الأحيان الى الضرب إن لم يكن الاعتداء الجنسي.
فيتضح أن عملية التبني هي عملية خاسرة. وهو ما يؤدي الى التفكير في الرجوع عن حكم التبني.

الرجوع في حكم التبني
هل من الممكن الرجوع في حكم التبني؟
طرح هذا السؤال على فقه القضاء وتأرجحت المحاكم بين قابل لمبدإ الرجوع ورافض له. فأما من يرفض الرجوع فإنه يعتبر أن الحكم بالتبني يدخل الطفل المتبنى في عائلة من تبناه بصورة نهائية. إذ أنّ قانون 4 مارس 1958 لم ينصّ على إمكانية الرجوع في حكم التبني. ولربما كان المنطق يفرض هذا الحل إذ أنه لو أمكن الرجوع في التبني لأضح الحكم بالتبني عرضة لأي عامل من شأنه أن يجعل حدا له.
فالتبني مثل النسب يبقى ملتصقا بالطفل مدى الحياة لكن علينا أن نذكر أن الرئيس بورقيبة الذي كان متسببا في وضع قانون 4 مارس 1958 قد تراجع في تبني ابنته هاجر مدعيا أن تلك الفتاة لم تكن سيرتها مرضية ولائقة برئيس الدولة. وإذا كان الباب قد فتح من لدن أعلى الهرم فإن المحاكم وجدت نفسها غير مقيّدة بقانون 4 مارس 1958 وأضحت تحكم بالرجوع في التبني لأسباب متعددة من بينها مصلحة الطفل المتبنى “بالفتحة” أو لمصلحة الوالد المتبني “بالكسرة”. كأن يكون قد أنجب في الأثناء أبناء وأضحى غير راغب في أن يكون له أبناء ليسوا من صلبه. وقد يتفق الطرفان أي والدا الطفل الطبيعيان ومن تبناه في الرجوع في التبني.
وحول هذه المسألة المتعلقة بالرجوع في التبني من الممكن الرجوع الى
وعلى فرض أننا قررنا الحل المتجه إعطاءه لمشكل الرجوع في التبني فإن مشكلا آخر من الممكن أن ينبثق وهو هل أن شخصا غير مسلم من الممكن له أن يتبنى طفلا مسلما
هل أنّ التباين في الدين يحول دون تبني طفل مسلم؟
قد يطرح هذا الاشكال إذا كان شخص غير مسلم كأن يكون مسيحيا راغبا في تبني طفل مسلم وبصورة تطبيقية وعملية فإنه قد يترشح بعض الفرنسيين أو السويسريين أو الأوروبيين بصفة عامة راغبين في تبني طفل في تونس محمول على أنه مسلم.
نقول محمول على أنه مسلم لأنه صغير السن ولا يقوم بشعائر الإسلام فهو مسلم بحكم البيئة التي نشأ فيها وقد تعاطى هذا المشكل بالتحليل بعض الدارسين كالأستاذة الاخضر في أطروحة الدكتوراه مثلما بينت ذلك عندما عرضت تلك الأطروحة على طلبة الدكتوراه يوم الثلاثاء 22 ديسمبر 2015 بقاعة المحاضرات بكلية الحقوق بتونس.
ومن الجدير بالملاحظة أن مصلحة الطفل قد تكمن في بعض الأحيان في تمكين من هو غير مسلم من تبنيه. إذا كان المناخ الذي سيعيش فيه الطفل ملائما من حيث الصحة و الإمكانيات المادية.
لكن النقاش في نطاق القانون الوضعي غير كاف إذ يبقى سؤال جوهري يتمثل في معرفة إن من الممكن أن يقحم صلب التشريع الوضعي قانون تنظيم التبني. إذ أن هناك سؤالا يطرحه البعض يتمثل في معرفة إن كان التبني مطابقا للشريعة الإسلامية وهو المشكل الذي سنتعاطاه في الجزء الثاني من هذه الدراسة.
هل أن التبني مطابق للشريعة الاسلامية؟
من الجدير بالملاحظة أن كل مجلات الأحوال الشخصية التي تم سنها بالبلاد الاسلامية لم تقحم التبني صلب تشاريعها و ما ذلك الا اقتناعا من المشرعين المسلمين بأن التبني لا يمكن ان يقبل في بلاد اسلامية و ما ذلك الا لان القرآن الكريم يحجر التبني عملا بقوله تعالى من سورة الاحزاب: “أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله”
و لذا فإن البلاد الاسلامية التي تطبق الأحكام القرآنية جاءت واضحة في تحريم التبني و على فرض أن البلاد التونسية قد تطبق الشريعة الاسلامية فإنه لا يسعها عندئذ إلا أن تحذف قانون 4 مارس 1958 من صلب التشريع في مادة الأحوال الشخصية كما يمكنها أن تعوضه بنص واحد يحجر التبني و لربما وجد حل لا يصل إلى حذف قانون 4 مارس 1958 بل ينتدب بعض القضاة الذين يرفضون الحكم بالتبني إنطلاقا من قناعتهم الشخصية و لربما أمكن من الآن و دون تدخل المشرع عدم الحكم بالتبني إذا كان القاضي يعتبر أن التبني محرما في الشريعة الاسلامية. لكن الأمر يكون أكثر وضوحا و ثباتا و تدخل المشرع بحذف صراحة أحكام قانون 4 مارس 1958 بالتاكيد على ان التبني محجر.
فهل أن هذا سيقع في البلاد التونسية؟
الله و رسوله أعلم

3منع تعدد الزوجات
إن اليمن الجنوبي أو اليمن الشمالي هي التي وضعت نصا مشابها للفصل 18 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية.
يبدو وأن الرئيس الحبيب بورقيبة هو الذي خط بيده ذلك النص رافضا كل ما تقدم به المقترحون وخاصة مشايخ الزيتونة الذين كانوا رافضين في مغلبهم منع تعدد الزوجات على أساس أن القرآن الكريم جاء ناصا بصريح العبارة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمــــان الرحيـــــــم ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث و رباع ”.
وكان الرئيس الحبيب برقيبة في حاجة إلى من يفتي له كي يبرز النص غير متعارض بصورة مطلقة وواضحة مع الترخيص القرآني فوجد من يفتي له انطلاقا من الآية ” ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم”. ولن ندخل في ما دخل فيه المتنازعون حول صحة الفتوى وما إذا كان العدل عدلا روحيا أم عدلا ماديا مستندين إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان عادلا بين زوجاته في مشاعره إذ كان يخص عائشة رضي الله عنها بمحبة أوفر ناهيكم وأنه مات بين ذراعيها.
قلنا نترك جانبا النقاش الفقهي لعدم اختصاصنا في الفقه ونقتصر على بعض الملحوظات التي يمليها العقل فقط حول إيجابيات ذلك النص و وسلبياته
1ـ إيجابيات الفصل 18 من م أ ش:
من بينها خاصة ما كان يشير إليه الرئيس برقيبة نفسه من أن زوجة ثانية من شأنها أن تنغص حياة الزوجة الأولى فإذا بهذه الأخيرة تنتصب عدوة لها وتسعى ما استطاعت إلى ذلك سبيلا و تصبح عدوا لدودا لكي تصير حياتها جحيما فإذا بها ترمي بكميات مهولة من الملح فيما كانت بصدد طبخه فيكره الزوج ما تطبخه تلكم المسكينة وهو المثل الذي كان الرئيس بورقيبة يضربه عندما حاول أن يبرر منع تعدد الزوجات.
2ـ سلبيات الفصل 18 من م أش:
الصورة التي يكون فيها الزوج متزوجا بزوجة واحدة ولكن له خليلة أو عدة خليلات فينزلق لا في الزنا فقط بل وكذلك في خسائر مادية. لأن كثيرا من الخليلات تتسبب للزوج في مصاريف باهظة تحرم منها الزوجة الواحدة. ومن الممكن أن نضرب بعض الأمثلة:
فهذا زوج له زوجة واحدة يرتبط بخليلة قد تكون فاتنة وقد تكون أصغر سنا من زوجته وقد تكون ذات فنيات مرهفة في الفراش، يشتري لها الجواهر وربما شقة أو سيارة فخمة أو… فهل أن هذا حل مرضى وقد احترم الزوج أحكام الفصل 18 فتزوج بواحدة فقط؟ فإذا بذلك الفصل الذي أريد به نعمة أصبح نقمة ؟ فالزوجة في هذه الصورة تصبح في وضعية لا تحسد عليها. فعوضا أن تنافسها زوجة حلال بارزة للوجود تصبح ضحية وجود خليلة قد يكون الزوج يخير تلكم الخليلة لا من حيث الإنفاق فقط بل وكذلك قيامه بواجبه في الفراش.
وما من شك أن منع تعدد الزوجات قد يتسبب في بعض الإيجابيات لكن هل يتسبب في بعض السلبيات؟
لا مناص من الجواب بنعم ولا نظن أننا سنأتي على كل تلكم السلبيات. ولذا فإننا سنقتصر على بعض الصور.
الصورة الأولى:
لنفرض أن زوجين لم يرزقا بطفل بعد مرور العديد من السنين على الزواج وبعد أن يثبت طبيا وعلميا بصورة قطعية بأن الزوجة عاقر. فما هو الحل بالنسبة للزوج؟ يطلق زوجته؟ وعلى أي أساس ؟ للضرر ! ما ارتكبت خطأ من الممكن مؤاخذتها من أجله فمشيئة الله عز وجل أرادت ان تكون تلكم الزوجة عاقرا. هل أن الطلاق سيكون إنشاأ ؟ ذلك ممكن بطبيعة الأمر ما دام الزوج غير مطالب بأن يدلي بسبب لطلب الطلاق. وما ذنب تلك الزوجة التي يسلط المولى عز وجل عليها العقم ويسلط عليها الزوج مرارة الطلاق؟ ولماذا يكون الحل في تطليقها وقد يكون الزوج شاعرا نحوها بحب وعطف وحنان، أوليس التزوج بثانية في مثل هذه الحالة الحل الملائم؟
الصورة الثانية:
لنفرض أن الزوجة كانت ضحية لحادث مريع صيرها مقعدة لا هي قادرة على القيام بشؤون بيتها ولا هي قادرة على مجابهة متطلبات زوجها الجنسية. فماذا يفعل؟ هل أنه يصبر لحكم المولى عز وجل؟ ولربما امكن له ذلك إذا كان في سن متقدمة (90 أو 100 سنة) مقتصرا على انتداب بعض الخدم لمجابهة القيام بشؤون البيت. لكننا كنا نشير إلى حاجياته الجنسية وهو ما يفترض أنه لازال قادرا على القيام بإشباع تلكم الحاجيات. فهل يقتصر على الصوم والصلاة وكمية من “البرومير” وهي أقراص يتناولها الجنود؟ ذلك ما قد يصل إليه الأبرار لكن الأغلبية الساحقة من البشر عوضا أن تتوخى ذلكم الحل تفكر في إشباع غرائزهم الجنسية بالطرق المألوفة بين ذكر وأنثى. فما عسى أن تكون تلكم الأنثى: خادمة ؟ خليلة ؟ أو وهو ما يكون في منتهى الفظاعة : إبنة أو أختا أو خالة أو عمة أو غيرها من القريبات المحارم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

وإذا كان لا يريد أن يعتمد الصلاة والصيام و”البرومير” ولا الاتصال بخادمة ولا بقريبة فقد ينزلق في متاهات الزنى او التزوج عرفيا بثانية أو الارتباط بخليلة وهي حلول لا تخلو من السلبيات. أفليس التزوج بثانية خاصة إذا كانت الزوجة المقعدة موافقة على تلكم الزوجة الثانية شاعرة بضرورة تزوج بعلها منها زواجا شرعيا لا هو من باب الزنى ولا هو من باب التزوج على خلاف الصيغ القانونية. وكل منهما قد يؤدي إلى الإقامة بالمرناقية.
الصورة الثالثة:
لنفرض أن الزوج قد بلغ من الكبر عتيا وأن الزوجة فقدت شبابها وأضحت عجوزا في الغابرين والزوج في حاجة إلى أنثى قد تكون طبيبة وممرضة أو طباخة أو فراشة، فماذا يفعل الزوج ؟ يلتجئ إلى خادمة ؟ إلى خليلة ؟ وأي امرأة سترضى أن تكون له خليلة. أو ليس التزوج بثانية هو الحل الأنسب في هذه الصورة. زوجة أضحت لا تلد ولا زالت متمتعة بنصيب من القوى لمجابهة القيام بشؤون ذلكم الزوج.
الصورة الرابعة:
لنفرض أن فتاة يتيمة هي في حاجة إلى أن تتزوج، فيكون شخص متزوج مرة أولى مستعد للزواج بها يكفلها ويحول دون انزلاقها في الموبقات من جراء الفقر، مستعد لكفالتها بصورة مرضية. فهل أن ذلكم الشخص سيكون محروما من إغاثة تلكم الفتاة بعلة أن الفصل 18 من م أش يمنع تعدد الزوجات. فهل أن تلك الفتاة ستبقى عانسا لأن الراغبين فيها قد يكونون قلة بالنظر إلى فقرها وإلى يتمها. أفليس فتح باب التعدد من شأنه أن يكون حلا مرضيا للفتاة من جهة و لربما للزوج من جهة أخرى إذ أنه سيتزوج من فتاة أصغر سنا من زوجته مما قد يوفر له بعض الايجابيات ولسنا في حاجة لأن نعدد الصور التي من الممكن أن يكون فيها التزوج بثانية نعمة لا بالنسبة للزوج بل بالنسبة للعائلة و ربما بالنسبة للمجتمع. ويكفي أن يكون في المجتمع عدد من النسوة من الإناث أرفع بكثير من عدد الرجال. فهل أن تلكم النسبة المرتفعة من الإناث ستبقى بدون زوج بعلة أن الرجل لا يتزوج إلا واحدة. وكثيرا من النساء والفتيات اليوم ينادين بفتح باب التعدد وكأن قسمة رجل بين أنثيين أحسن بكثير من أن تبقى الفتاة عانسا أي محرومة من حياة زوجية بما في ذلك التمتع بالاتصال الجنسي وهي محرومة من حياة عائلية لأنها لو كانت قد فتح لها باب التزوج بذلك الرجل لاستطاعت أن تكون عائلة ولكانت تتمتع بما تتمتع به المرأة عادة.
قلنا لا فائدة في تعداد الصور، والصور تحدث في كل مرة حسبما يتجمع من معطيات ومن هذا البسط يتضح أن التزوج بثانية وربما بثالثة ورابعة يمثل حلا ملائما لبعض المشاكل التي قد تحدث في المجتمع وربما كان الحل عندئذ يتمثل في تنقيح الفصل 18 ويصبح محررا كما يلي:
إن تعدد الزوجات ممنوع مبدئيا إلا في الصور الآتية…
أو يسمح بالتزوج بثانية إذا ما وتعدد الصور…
و هناك صورة أخرى لم نشر إليها وقد جاءت في بعض المجلات للأحوال الشخصية في بعض البلدان وهي اشتراط موافقة الزوجة الأولى، هذا الاشتراط في الواقع هو بمثابة الضرر الثابت الذي من الممكن أن يلحق الزوجة الأولى قد تبدو موافقة وقد يتحصل على موافقتها في حين أنها في قرارة نفسها غير موافقة، إنتزعت منها الموافقة كالاعتداء بالعنف أو بطريقة أكثر مرونة وأكثر دهاء كأن يهدى إليها بعض السيارات أو بعض الجواهر وبعض الأموال أو شقة مثلا وهي في الواقع ليست راغبة وليست موافقة على أن يتزوج زوجها إمرأة أخرى وتعلم حق العلم أن هاته الزوجة الثانية ستكون لها مكانة أرفع بكثير من مكانتها هي عند زوجها. والزوج عادة يتزوج بثانية لأنها توفر له ما لا توفره الزوجة الأولى هي موافقة في الظاهر وقد تبدي موافقتها حتى لدى القاضى الذي يطلب أن يتحقق من الموافقة لكن في قرارة نفسها غير موافقة.
هل أن موافقة الزوجة ستكون صورة من الصور التي يسمح فيها بالتزوج بثانية ؟ ربما كان ذلك محل نقاش.
ومشكلة أخرى عويصة ودقيقة : هذا الزوج متزوج منذ 10 ،15 ،20 عاما بنفس المرأة وانطفأت الجذوة الجنسية شيئا فشيئا بمر السنين لما أضحى عليه الاتصال الجنسي بين الزوجين طاغيا عليه ما يسمى بالروتينية. ولأن الزوج أضحى يشعر بأنه متصل بزوجته لا من جراء ما يتقد لديه من جذوة جنسية لكن شعور بأنه واجب يقوم به فإذا به يصبح قائما به مرة كل أسبوع، مرة كل شهر أو مرة كل ستة أشهر أو مرة كل عام لست أدري مهما كان من أمر في بعض الأحيان ينام مع زوجته في فراش واحد وكأنه نائم مع أمه في حين أنه إذا ما تزوج بأخرى قد تتقد فيه الجذوة وقد يجد ميلا للزوجة الثانية يشبع غريزته الجنسية ويشعر بسعادة و بلذة حب الحياة لكن كيف من الممكن أن يثبت أنه مع زوجته أضحى غير متمتع بتلكم الجذوة. مسألة دقيقة ودقيقة جدا هل أن هذا ممكن أن يوضع في نص قانوني ؟ هل أن هذا من الممكن أن يثبت ؟ هل أن هذا ؟ هل أن هذا ؟ هل يلجأ هذا الشخص من جراء ما أضحى عليه زواجه إلى خليلة ؟ خليلة بطبيعة الأمر يعني زنا زنا زنا يعاقب عليه قانونا إذا ما تفطنت زوجته وإشتكت وهو أدهى وأمر حرام إذا كان زوجا مؤمنا والله عز وجل يحرم الزنا. فماذا يفعل ؟ يبقى مكبوتا ؟ يرتكب الزنا ؟ أو ليس التزوج بثانية يمثل حلا مرضيا ؟

لكن ربما كان عندئذ التزوج بثانية مفتوحا دون حاجة إلى التضييق وتعداد الصور.
يقال ماذا يقال ،يقال ما قاله القرآن : ” فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث و رباع ” والزوج يكون مسؤولا أمام المولى عز وجل للأسباب التي أدت به إلى التزوج بثانية إن كان زوجا ملحقا بزوجته ضررا دون أن تكون هي مرتكبة لأي خطأ و إذا كان زواجه بثانية فيه تعسف لأن ماله قد كثر ولأنه كان راغبا في التعداد ربما هذا يحسب عليه أما إذا كان له ما من شأنه أن يبرر هذا الزواج الثاني ، فإن هذا الزواج الثاني يكون بطبيعة الأمر زواجا مسموحا به ومطابقا للترخيص الإلهي.
4 النسب
يتحدث في التشريع التونسي في مادة الأحوال الشخصية بوصفه الأكثر تقدما في مختلف البلدان الاسلامية و الأكثر إحتراما لحقوق المرأة بعد حذف واجب الطاعة الذي كان محمولا على الزوجة و جعلها على قدم المساواة تقريبا في إدارة العائلة و إبقاء الزوج رئيسا للعائلة لا يتمتع إلا بواجب الإنفاق عليها و دون أن يكون ذلك الواجب محمولا عليه فقط إذ أضحت الزوجة إن كان لها مال مطالبة بالإنفاق على العائلة.
كما أصبحت الزوجة تمارس على الأبناء نفس الحقوق التي يمارسها الأب و من الممكن لها عند الاقتضاء أن تعوضه في إدارة العائلة و القيام بالواجبات نحو الأبناء.
فكادت تصل إلى الدرجة التي وصلت إليها المرأة في البلدان الأجنبية و خاصة البلدان الغربية و لربما أصبحت متمتعة بأكثر حقوق من تلكم المرأة.
و لربما بلغ التشريع الغربي درجة لم يصل إليها التشريع التونسي بالرغم عن المجهودات الجسيمة التي قام بها المشرع نحو تمتيع المرأة بأكثر ما يمكن من الحقوق فلم يبلغ التشريع التونسي إلى اليوم ما تتمتع به المرأة في بعض الدول الغربية في إمكانية التزوج بإمرأة وهو ما يسمى بزواج المثل
5زواج المثل
تراءى لبعض المشرّعين في الغرب أن يقحموا صلب قوانينهم ما يسمّى بزواج المثل ومن الممكن الاشارة إلى فرنسا، هولندا وغيرهما كثير.
ويبدو أن الولايات المتحدة الامريكية بفضل قرار صادر عن المحكمة العليا بها فتحت الباب على مصراعيه لمثل هذا الزواج فمن الممكن أن نقول إذن بأن نزعة قوية أصبحت مهيمنة على التشاريع الغربية في الاعتراف بزواج المثل خاصة وأن بعض ضباط الحالة المدنية يحكم عليهم بالسجن في أمريكا في صورة رفض إبرام زواج مثلي.
فما هو هذا الزواج؟
هو زواج رسمي لدى ضابط الحالة المدنية بين ذكر و ذكر، أو أنثى وأنثى وله مبدئيا جميع مقومات الزواج وخاصة من ضرورة وجود رضا بين الطرفين ولا يختلف عن الزواج العادي الا بقبوله زواجا بين شخصين من جنس واحد.
ولقد وجد هذا النوع من الزواج معارضة في بعض البلدان وخاصة من قبل الأوساط المسيحية فنزلت الى الشوارع الملايين من المعارضين لمشروع الزواج المثلي وقد جوبهت تلك المظاهرات بمظاهرات أخرى من قبل الملايين من المساندين لمثل ذلك الزواج.
لكن الرئيس فرنسوا هولاند آلى على نفسه الا أن يستجيب لطلبات المنادين بالزواج المثلي وبما أن الأغلبية البرلمانية كانت لصالح اليسار فإنه لم يجد صعوبة في إقحام القانون المعترف بزواج المثل صلب التشريع.
ويثير الزواج المثلي بعض التساؤلات على صعيد المبدأ. كما يطرح بعض المشاكل على صعيد التطبيق.
المبدأ :
لماذا يطلب البعض بأن يبرم زواج المثل؟
يبدو أن الحجة الأساسية هي أن حرية الانسان تفرض أن يتصرف في بدنه كيفما شاء.
فالانسان يعتبر حرا خاصة في نشاطه الجنسي فهو يتصل بأنثى إن كان ذكرا وله كذلك أن يتصل بذكر والعياذ بالله ويصبح من قوم لوط الذين يأتون الذكور شهوة من دون النساء.
والأنثى تتصل من جهة أخرى بالأنثى مرتكبة ما يسمى بالمساحقة.
وعلى ذلك الأساس يبدو أن البلاد التونسية فتحت الباب لتعاطي مثل ذلك النشاط بالترخيص لجمعية المثليين في الوجود قانونا غير عابئة بوجود الفصل 230 من المجلة الجزائية الذي يعاقب بثلاث سنوات سجنا عن اللواط أو المساحقة
ولقد وصلت جل البلدان الغربية الى هذا المستوى من الحضارة أو القذارة.
ولم يقف الأمر عند ذلك الحد.
ولا فائدة من ذكر بعض الأسماء الفرنسيين ممن يتعاطى هذا النوع من النشاط أمثال
André Gide وغيره من الكتّاب أو
Michel Foucaultوغيره من الفلاسفة أو
Frédéric Mitterrandوغيره من الصحافيين أو
Bertrand Delanoë وغيره من رجال السياسة والمثليون موجودون منذ القدم وفي جميع البلدان لكن بنظرة مختلفة من قبل المشرّعين. فالبعض يعاقب عن مثل ذلك النشاط والبعض الآخر لا يعاقب عنه والمحور الأساسي هو الحرية أي حرية الانسان في التصرف في بدنه.

ولم يقف الامر عند حرية التصرف في البدن لواطا أو مساحقة بل تجاوز مرحلة أخرى فأضحت المنادات بحرية التزوج بشخص من نفس الجنس.
وقد يبدو هذا الأمر فظيعا منافيا لما تعرفه الانسانية منذ آدم وحواء ناتجا عن عقل غريب.
فما معنى الزواج؟ وما هي الغاية منه؟
لا فائدة في الرجوع الى تعريف لبعض الفقهاء المسلمين لا يخلو من الفضاعة إذ يعرفون الزواج بأنه عقد يحل بمقتضاه التلذذ بآدمية وكأن الأدمية أي المرأة وعاء يسكب فيه الرجل مياه صلبه إشباعا لرغبته الجنسية.
فالاتصال الجنسي يلعب دورا هاما في الزواج لكن الزواج لا يقتصر على الاتصال الجنسي فهناك المودة إن لم يكن الحب والسكينة والتعاون على شؤون الحياة وتنشئة الأبناء والسهر على تربيتهم.
فهل أن زواج المثل يحقق ذلك؟
لا وكلا
ربما حقق اتصالا جنسيا مبتورا وإشباع غريزة بطريقة غير عادية إن لم تكن فظيعة.
لكن قد يتمسك المتزوج مثليا بأنه من الأحسن له أن يحقق له لذة تكون أقوى مما عسى أن يحققه له الزواج العادي.
لكن الكثير من البشر قد لا يجد في الزواج المثلي لا لذّة ولا شعورا بنشاط محمود.
وقد يشمئز منه البعض ويعتبر أن زواج المثل هو أمر فظيع تشمئز منه النفوس ولا مبرر له.
وقد يبدو زواجا بين ذكر وذكر وأنثى وأنثى فاقدا لكل معنى ومنافيا لما ألفته الانسانية منذ القدم.
ولا نظن البلاد التونسية ستقطع خطوة من السماح بالنشاط المثلي في نطاق جمعية المثليين والانتقال إلى السماح بزواج المثل.
وأما بالنسبة للبلاد التونسية فنأمل أن المولى عزّ وجلّ سيجنبها السماح قانونا بإبرام مثل ذلك الزواج.
لكن البعض يرون أن الانحطاط الذي انزلقت فيه البلاد التونسية من سماح لجمعية المثليين بالوجود قد يؤدي بمشرّع علماني وليبرالي الى درجة عدم الاكتراث بالمبادىء الاسلامية واعتبار أن الحرية يجب أن تكون فوق كل اعتبار وإن إرادة الانسان لا يمكن أن يوقفها أي حاجز.
وإذا وصلنا إلى ذلك الحد لا قدّر الله فعلى الدنيا السلام ولم يبق لتونس الا أن تذرف دموعا حارة على دينها وإسلامها وأخلاقها لا أرانا الله تلك الموبقة ووقانا الله شر تشريع يقرّ مبدأ الزواج المثلي.
وعلى فرض أننا خضنا في مبدإ زواج المثل وبيّنا أن هناك من يقول به وهناك من يرفضه فإنه علينا أن نتساءل عن المشاكل التي قد يتسبب فيها تطبيقا.
المشاكل التطبيقية
لنفرض أن زواجا مثليا قد أبرم فماذا عسى أن ينجر عن إبرام ذلك الزواج من مشاكل؟
من بين تلك المشاكل التصادم مع القانون الجزائي ذلك لأن المشرّع التونسي يعاقب بثلاث سنوات سجنا عن اللواط والمساحقة بمقتضى أحكام الفصل 230 من المجلة الجزائية أفليس زواج المثل مؤسسا على لواط أو مساحقة؟
فكيف من الممكن أن يكون هذا نشاطا قانونيا من جهة وممثلا لجريمة من جهة أخرى؟
ولربما كان عندئذ من الممكن أن يبدأ المشرّع بحذف أحكام الفصل 230 من المجلة الجزائية فهل يتجه ولو من ناحية نظرية صرفة حذف ذلك الفصل؟
تستدعي هذه المسألة تعمّقا في التفكير إذ أن الأمر هام جدا يتعلق بنظرة للمجتمع وخاصة من الناحية الدينية.
فإذا كان المجتمع متأثرا بالديانة الاسلامية تأثرا عميقا فإنه لا يمكن بحال بان يسمح باللواط أو بالمساحقة.
وينجر عن ذلك عدم إمكانية حذف الفصل 230 جنائي ولربما أمكن تغييره بوضع عقاب آخر غير العقاب الذي ينصّ عليه ذلك الفصل كان يكون عامين أو عام واحد أو4 أو 5 سنوات على فرض أن المشرّع الوضعي يحتفظ بالسجن كعقاب وأن اللواط والمساحقة إذ قد ينتصب على كرسي الحكم في البلاد التونسية من هو مطبّق لأحكام الشريعة الاسلامية تطبيقا مضبوطا يقول بالعقوبات التي أتى بها الشرع الاسلامي أي عوضا عن السرقة مثلا وعقابا بالسجن فيصبح عقابها بقطع اليد مثل ما هو منصوص عليه في القرآن فيصبح اللواط معاقبا عليه كالمساحقة بالرجم مثلا إن كان الرجم هو العقاب المستوجب شرعا عن اللواط والمساحقة.

ومن كل هذا البسط يتضح أنه لا يمكن بسهولة حذف الفصل 230 من المجلة الجزائية ما دامت البلاد التونسية تدّعي أنها مسلمة دينها الاسلام فتكون نقطة الانطلاق تعارضا مع الزواج المثلي وعدم إمكانية إقحامه صلب التشريع لتضاربه تضاربا صارخا مع أحكام الفصل 230 من المجلة الجزائية.
وعلى فرض أن الزواج المثلي أقحم صلب التشريع التونسي فما عسى أن تنجر عن ذلك من مشاكل؟
من الممكن أن ينبثق مشكل أول حول رئاسة العائلة.
رئاسة العائلة :
إذا كان أحد الزوجين سامى والآخر شكري فمن هو رئيس العائلة؟
ربما اتفق الطرفان على اختيار أحدهما كرئيس للعائلة وربما اتفقا كذلك على صلاحياته.
لكن أغلب الأزواج المثليين يكونون قد اتفقوا على رئاسة العائلة وعلى الصلاحيات التي يمارسها كل واحد منهما ولا نظن أن مشكل رئاسة العائلة قد ينبثق أو يمثل مشكلا صعب الحل.
الانفاق على العائلة :
من ينفق على العائلة ؟
لو كان الأمر متعلقا بزواج عادي بين رجل وامرأة لكان الحل معروفا فالفصل 38 م أ ش ينص على أن الزوج ينفق على زوجته المدخول بها وعلى مفارقته أثناء عدتها.
لكن ما هو الحل بالنسبة لزواج المثل؟
فلا وجود لزوج إذ أن كلا من الطرفين هو زوج وزوجة. ولا وجود لدخول في المعنى القانوني ولا وجود لعدة خاصة إذا كان الزواج بين ذكرين ولا حتى إن كان بين أنثيين لذا فلا مجال للاستدلال بأحكام الفصل 38 الذي لا يمكن أن ينطبق لوجود حل للنفقة.
فما هو الحل؟
يبقى الامر موكولا لفقه القضاء قد يقضي بإلزام الزوج الأكثر ثراء بالانفاق على القرين وقد يحكم كذلك على القرين إن كان له مال بالمساهمة في الانفاق على ما قد يسمى بالعائلة.
ولربما كانت هذه العائلة متركبة من أكثر من نفرين رجلين كانا أو امرأتين.
التوسع في مفهوم العائلة :
إن كان الزواج قد أبرم بين ذكرين أو بين أنثيين فقد يقع التفكير في التوسع في العائلة وذلك بإقحام طفل أو أطفال بالتبني وبما أن التبني الذي هو أساسا حرام في الشريعة الاسلامية معمول به في القانون الوضعي بمقتضى قانون 4 مارس 1958 فأنه لا يستبعد أن يتبنى الزوجان المثليان ذكرين كانا أو أنثيين طفلا أو شرذمة من الأبناء.
فيزداد الوضع حرمة متأتية من المثلية وحرمة متأتية من التبني وتعيش العائلة الجديدة المتقدمة في الحضارة منغمسة في حرام عميق لا تداويه الا جهنم و بئس المصير اللهم الا إذا غفر الله إنه غفور رحيم.
الإرث :
تزوج الرجلان ببعضهما أو تزوجت المرأتان المثليتان وتوفي أحدهما قبل الآخر فما هو الحل بالنسبة لتركة الهالك؟
لو كان الأمر متعلقا بزوجين عاديين أي ذكر وأنثى لكانت القاعدة معروفة : الربع إن لم يكن له ولد والثمن إن كان له ولد لكن الأمر يتعلق هنا بذكرين أو امرأتين وهما محمولان على أنه ليس لهما أبناء اللهم الا إن كان لهما أبناء من زواج أول عادي أي مع شخص من جنس آخر.
فتطبق عندئذ القاعدة القانونية المعروفة وقد ينبثق إشكال إن كان للهالك إخوة أو أب أو أم أو بعض الأقارب ممن يرث عادة مع الزوج.
فما هي الأنصبة ؟ ومن يرث؟ ومن لا يرث؟ وهل أن الزوج المثلي يرث أو لا يرث؟
و على صعيد القانون الدولي الخاص انبثق اشكال في بعض البلدان و منها البلاد الفرنسية فمن الممكن اكتساب الجنسية الفرنسية بفضل الزواج و اذا كان الزواج مثليا فقد يكون ذكر تونسي يعيش في فرنسا و هو راغب في ان يلتحق به بعض اقاربه من ذكور مع امكانية تحصله على الجنسية الفرنسية.
و لنفرض ان اسمه شكري و قد التحق به سامي فإذا تزوجا كما يسمح به قانون 2013 الفرنسي فان الملتحق من تونس بفرنسي الجنسية يمكنه ان يصبح فرنسيا.
و من الممكن ان نواصل هذا التحليل بقلب الافتراض. فإذا اضحى الزواج المثلي معمولا به في تونس فمن الممكن لذكر يأتي من بلد اجنبي و يتزوج بتونسي ان يكتسب الجنسية التونسية بفضل زواجه المثلي المبرم في تونس. “


شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.