الرئيسية » الديمقراطية وحدها لا تكفي لبناء الدول بل لا بد من دولة قوية تحميها

الديمقراطية وحدها لا تكفي لبناء الدول بل لا بد من دولة قوية تحميها

بقلم محمد عبد المؤمن

لم تكن الديمقراطية يوما نظام الحكم المثالي بل هي أفضل الموجود فهي وان كانت تعرف كونها حكم الشعب الا أن تفعيلها على أرض الواقع يعطي واقعا مغايرا وهو حكم الحزب والأقلية وهذا ليس عيب في حد ذاته فأساس الانتخابات والهدف منها هو اختيار جماعة لتحكم وجماعة أخرى لتعارض لكن وفق قوانين وضوابط لا يجب الخروج عنها ومنها عدم التداخل في تسيير الدولة بين الحزب والمؤسسات الرسمية.

بعد 2011 استطاعت تونس أن تحقق الديمقراطية المنشودة لكنها بالتوازي مع ذلك لم تحقق أهدافا أخرى لا تقل أهمية عنها وهي التنمية والنهوض الاقتصادي وهذا لا يمكن أن يتحقق الا في ظل دولة قوية قادرة على ممارسة صلاحياتها ووظائفها دون تأثيرات خارجية ان كانت شعبوية أو غيرها.

فبلادنا تدخل قريبا في فترة الاستعداد لإنجاز استحقاق انتخابي جديد لكن السؤال: هل انتخابات 2019 ستحقق ما لم تحققه انتخابات 2011 و2014؟

هنا الاشكال الأكبر فالنجاح ليس ان تجرى انتخابات نزيهة وشفافة فقط بل الأهم ماذا سيتحقق بعد ذلك وهل أن الطبقة السياسية التي ستتواجد في الحكم وفي مؤسسات الدولة قادرة على تحقيق الأهداف أم سيكون عود على بدء وننتظر انتخابات جديدة ونعيش على الأمل والأماني وهي في نهاية المطاف مجرد أحاسيس لا علاقة لها بالواقع .

القاعدة تقول أن نفس العوامل والاختيارات تعطي نفس النتائج ومن فشلوا بالأمس ليس من الحكمة أن ننتظر منهم النجاح ان لم يغيروا أساليبهم في حين أن الأساليب بقيت هي ذاتها والمنهج نفسه .

لو أخذنا انتخابات 2018 أي الانتخابات البلدية وقيمنا بها ومن خلالها يمكن رصد أمرين حصلا : الأول العزوف خاصة من الشباب وهم الأغلبية والثاني صعود المستقلين ما يعني أن هناك عقاب جماعي للأحزاب وهذا منطقي ومفهوم فالفشل يقابل في الديمقراطية بالعقاب عبر الصندوق وهذا لم يستثنى منه أي حزب بما في ذلك النهضة التي حاولت الترويج كونها فازت في حين أن هذا الفوز تحقق بسبب المقاطعة والعزوف فلو افترضنا أن المستقلين كتلة واحدة وجسم موحد وهو أمر صعب التحقق لما كان بالإمكان اعتبار النهضة فائزة في الانتخابات الأخيرة ما يعني أن هناك واقعا سياسيا يتشكل أبرز مظاهره الاقبال الكبير على التسجيل في الانتخابات حيث أكدت الهيئة المستقلة للانتخابات كون مليون و200 ألف ناخب جديد انضافوا للسجل الانتخابي والعدد قابل للزيادة بعد تمديد فترة التسجيل الى منتصف هذا الشهر.

اضافة الى هذا هناك عامل آخر لا يجب اهماله وتهميشه وهو تفكك أهم كتلة معارضة ونقصد الجبهة الشعبية فرغم أن انتخابات 2014 أفرزت معارضة ضعيفة الا أنها على الأقل كانت صوتا يسمع .

ما يهمنا هنا ليس البحث في تقييم الأحزاب واحدا واحدا بل هناك مؤشر أهم وهو أن الأحزاب تضعف وتتآكل بداية من نداء تونس الى ائتلاف الجبهة الشعبية كأحزاب وشخصيات وطنية وصولا الى النهضة التي خسرت هي الأخرى نسبة كبيرة من مؤيديها كما بينته نتائج انتخابات 2018 أي البلدية.

من هنا فان الأفق بات مفتوحا لافتراضين : الأول ظهور حزب قوي جديد يكون بديلا للنهضة والنداء والثاني تصاعد قوة المستقلين وهذا الاحتمال لن يكون مريحا والسبب أن المستقلين حتى وان فازوا كقائمات فانهم لن يستطيعوا تكوين ائتلاف موحد لأن سمتهم التشتت والاختلاف أي أنه من الصعب أن يكونوا جسما واحدا.

لو تقدمنا قليلا وتركنا مسألة الأحزاب وانتقلنا الى ما هو أهم وهو الدولة ومؤسساتها فإننا نتساءل هنا: هل تعلمت الطبقة السياسية بعد ثماني سنوات كيف تفصل بين الحزب والدولة وهل هناك شخصيات قادرة على استيعاب أن هناك بونا شاسعا بين المتحزب ورجل الدولة فتونس اليوم في حاجة الى رجال دولة والمقصود هنا رجالا ونساء لأن أكبر معضلة عانت منها البلاد طوال هذه السنوات هي الخلط بين الحزب والدولة وتحول زعماء الأحزاب الى متحكمين في دواليب الدولة ففي الديمقراطيات العريقة ينتهي التحزب بعد تسلم مقاليد الحكم والسلطة ففي الولايات المتحدة الأمريكية لم ينظر من قبل الشعب الى اوباما وبعده ترمب كونه مرشح الديمقراطيين أو الجمهوريين فهذا ينتهي بعد اعلان النتائج  بل فهو رئيس كل الأمريكيين والأمر نفسه للحكومة وهذا ما تفتقده تجربتنا التونسية أي الوصول الى هذه المعادلة الصعبة فالحزب يوصل الى السلطة لكنه يترك المجال لرجال الدولة الذين اختارهم ليسيروا الدولة بعيدا عن مصالح الحزب والأشخاص.


شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.