الرئيسية » تونس تطلق أول حوار وطني في تاريخها حول قطاع الطاقة والمناجم

تونس تطلق أول حوار وطني في تاريخها حول قطاع الطاقة والمناجم

تطلق تونس اليوم الخميس 30 ماي بمدينة الثقافة، حوارا وطنيا حول قطاع الطاقة والمناجم ، في الوقت الذي تفاقم فيه العجز الطاقي ليصل إلى حوالي 50 بالمائة في أواخر 2018، ما يعني أن تونس تستورد 50 بالمائة من حاجياتها للطاقة، حسب معطيات الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة.



ويشارك في هذا الحوار، الاول من نوعه منذ ثورة 2014، حول قطاع حيوي ومثير للجدل، ممثلون عن الحكومة ومنظمات الاعراف والاتحاد العام التونسي للشغل ولجنة الطاقة بمجلس نواب الشعب وممثلون عن المجتمع المدني وعن المؤسسات الناشطة في قطاع الطاقة والمناجم.
ويأتي الحوار في ظرف يتطلع فيه التونسيون إلى نقلة في هذا المجال الاستراتيجي بالنسبة للاقتصاد التونسي.


فحسب مسح قامت به مؤسسة “كونراد ادناور” الالمانية بالتعاون مع “سيغما كونساي”، أقر 95 بالمائة من المستجوبين بضرورة مراجعة الاستراتيجية الوطنية في قطاع الطاقة.

وكان المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية قد نظم ملتقى حول محور “أي مستقبل لقطاع الطاقة في تونس؟”، في ديسمبر 2018، ذكر فيه ممثلو الهياكل المكلفة بالطاقة مثل الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، أن الموارد الطاقية لتونس ما انفكت تتراجع مقابل تزايد الحاجيات.

وتشير المعطيات التي تم ذكرها، انذاك، أن موارد الطاقة الاولية تراجعت بأكثر من 6 بالمائة بين 2010 و2017، أي من 8ر7 مليون طن مكافى نفط في 2010 إلى 8ر4 طن مكافى نفط في 2017.

كما تعد الطاقة بالاضافة إلى قطاع المناجم من القطاعات المثيرة للجدل في جميع الاوساط الحكومية والسياسية والبرلمانية والاجتماعية.
وتطفو على السطح في كل جدال حول هذا الموضوع نقاط ثلاث وهي الحوكمة وغياب الشفافية والفساد إلى جانب ضرورة مراجعة استراتيجية الدولة في هذا المجال.

حوار وطني حول الطاقة


بعد اختفاء وزارة الطاقة والمناجم ويعرف قطاع الطاقة والمناجم هزات و اضطرابات متواصلة منذ ما يقارب 9 سنوات.
واستأثر قطاع الفسفاط بالجزء الاكبر من هذه الاضطرابات التي كبدت البلاد خسائر فادحة جراء شلل الانتاج وتوقف التصدير.
فقد تراجع انتاج الفسفاط ومشتقاته بين سنتي 2010 و2018 بنسبة 7ر5 بالمائة مما سبب خسائر قدرت ب3 مليار دينار، حسب تصريح أدلى به ل”وات” مدير التجارة الخارجية بوزارة التجارة، خالد بن عبد الله.
ولم تخل تقارير دولية (البنك العالمي… ) ووطنية (دائرة المحاسبات… ) من إشارات إلى ضرورة تدعيم الحوكمة الرشيدة في قطاعي المناجم والطاقة.
وقد جاءت “زوبعة ” الاقالات، في 31 أوت 2019، على مستوى وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، لتبرر شبهات الفساد وسوء التصرف التي تحوم حول القطاعين.
وكان رئيس الحكومة قد قرر، في هذا التاريخ، إقالة وزير الطاقة وأربعة مسؤولين في الوزارة في قضايا “فساد إداري ومالي”.
وطالت الاقالة، انذاك، المديرالعام للمحروقات والرئيس المدير للشركة التونسية للأنشطة البترولية والمدير العام للشؤون القانونية بوزارة الطاقة. وألحقت وزارة الطاقة بوزارة الصناعة إلى اليوم. وسيدور الحوار حول محاور الأمن الطاقي والتحكم في الطاقة وترشيدها الى جانب قطاع المناجم وسبل تحسين مردوديته والحوكمة في هذين القطاعين، كما سيأتي على ذكر العديد من المسائل التي تهم المواطنين بدرجة أولى ومن بينها (كلفة استهلاك الكهرباء والتشغيل في شركات الفسفاط و العدالة الطاقية والطاقات المتجددة وترشيد استهلاك الطاقة… ).


الطاقات المتجددة، طوق النجاة


ولئن ارتأت تونس، منذ ما قبل الثورة أن تتجه نحو الطاقات المتجددة كبديل للحد من تفاقم العجز الطاقي وفي تمش يرتكز على تنويع مصادرها وتنمية مشاريع الطاقة الشمسية بالاساس وطاقة الرياح وغيرها، فإن نتائج هذا التمشي لا تزال محتشمة وليست في مستوى التحديات التي تواجهها البلاد في ظل واقع اقتصادي متقلب وكذلك في ظل التغيرات المناخية.
فالمخطط الشمسي التونسي الذي لا يستهدف الاستغناء السريع والفجئي عن الطاقة التقليديّة الاحفورية (نفط وغاز) وإنما بلوغ نسبة 30 بالمائة في المزيج الطاقي من الطاقات المتجددة في أفق 2030 وكذلك الاستغلال الامثل لمكامن النجاعة الطاقية، ما تزال ثماره غير بادية للعيان، حسب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني.
ويرى هؤلاء النشطاء أن موقع تونس وإمكاناتها من الطاقة الشمسية قد تجنبها هدر موارد مالية كبيرة من خلال الاستثمار في انتاج هذه الطاقة النظيفة والمتجددة وتجهيز المساكن بالالواح الشمسية والقيام بانتقال طاقي حقيقي.

وكان الخبير في الطاقة لدى البنك العالمي، عز الدّين خلف الله، قد صرح إلى إذاعة محلية، على هامش ورشة عمل حول “تمويل مشاريع الطاقة الشمسية المركزة”، أنّه يمكن تركيز أكثر من 500 ميغاوات من الطاقة شمسية في المزيج الطاقي التونسي ما بين 2030 و2035.
وأطلقت الحكومة في 2016 خطة عمل لتسريع نسق مشاريع الطاقات المتجددة، أملتها بالخصوص ضغوطات الميزانية بسبب الدعم الطاقي، إذ تتسبب الواردات الطاقية في حوالي ثلثي عجز الميزان التجاري الذي مر من 6ر15 مليار دينار (6ر4 مليار اورو) في 2017 إلى 19 مليار دينار (6ر5 مليار اورو) العام الماضي (2018)، حسب معطيات أوردتها الغرفة التونسية الالمانية للصناعة والتجارة بداية ماي 2019.
وانطلقت وزارة الصناعة، منذ جانفي الفارط، في منح تراخيص للمستثمرين الخواص التونسيين والاجانب لبناء واستغلال محطات كهربائية تشتغل بالطاقة الهوائية (4 مشاريع بطاقة جملية تقدر ب 120 ميغاواط) وبالطاقة الشمسية والفوطوضوئية.

وترنو تونس إلى تركيز طاقة إضافية تقدر ب1000 ميغاواط من الطاقات المتجددة الهوائية والشمسية، علما وأن 97 بالمائة من الطاقة التي تستخدمها البلاد تتأتى من مصادر أحفورية (نفط، غاز..) وهي مؤشرات على تبعية طاقية مقلقة وعدم استقلالية في هذا المجال.
إذا كانت تونس تأمل في انتقال طاقي حقيقي، فإن الصحوة البيئية التي يشهدها العالم اليوم في ظل التغيرات المناخية، وتنامي الوعي بضرورة التصدي للتلوث الناتج عن الطاقات الاحفورية، قد يساعد على تحقيق الاهداف المرسومة في هذا المجال.

ومن هذا المنطلق، يمكن أن يكون الحوار الوطني حول قطاع الطاقة والمناجم بادرة تفتح الطريق نحو عملية تغيير ونقلة حقيقية، ولكنه لا يكفي وحده لاعادة هيكلة قطاعين استراتيجيين والتصدي للاخلالات وسوء التصرف الذي طالهما لعدة عقود.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.