الرئيسية » صيف 2019 في تونس : موسم سياحي واعد يقابله تحدي مجابهة التدهور البيئي

صيف 2019 في تونس : موسم سياحي واعد يقابله تحدي مجابهة التدهور البيئي

الشواطىء التونسية يجب أن تكون مثل شاطىء الحمامات في هذه الصورة.

مؤشرات واعدة لموسم سياحي صيفي 2019 متميّز يمكن تونس من عيش قفزة نوعية بعد السنوات العجاف خاصة بعد تحسن الظروف الأمنية بالبلاد والعمل الإستثنائي الذي قام به وزير السياحة، لكن بقي هاجس البعد البيئي الذي أصبح يمثل تحديا كبيرا لإنتعاشة هذا القطاع، خاصة بعد أن عبر عديد المتدخلين ومنهم وكالات الأسفار الأجنبية عن إنشغالهم بهذا الجانب.

بقلم فوزي عبيدي

من المنتظر وصول عدد السياح الوافدين على تونس في نهاية هذا العام 9 ملايين سائح حسب التقديرات الأولية المستندة على الحجوزات في الأسواق نحو الوجهة التونسية، ففي الأربعة أشهر الأولى فقط بلغ عدد السياح 2،4 مليون وإرتفعت المداخيل التي تحققت في نفس الفترة وبالمقارنة مع السنة الماضية 37،7 % لتبلغ حوالي 1250 مليون دينار وإرتفاع بالعملة الصعبة بنسبة 19،4% أي 363 مليون أورو و إرتفاع نسبة الليالي المقضاة بــ17،1%.

موسم سياحي جد واعد ولكن…

هذه الأرقام الإيجابية بإمتياز أتت بعد التغلب على المصاعب الأمنية لكن بقي هاجس وحيد وهو البعد البيئي الذي أصبح يمثل تحديا كبيرا لإنتعاشة هذا القطاع، خاصة بعد أن عبر عديد المتدخلين وخاصة وكالات الأسفار الأجنبية عن إنشغالهم بهذا الجانب وإعتبروه من أهم أسباب نفور السياح الأجانب من قصد الوجهة التونسية خاصة السياح ذوي الدخل المرتفع كالألمان والإنقليز، فقد عبرت شركات ألمانية صراحة عن رفضها جلب وفود من مواطنيها إلى تونس بسبب تراكم الأوساخ والفضلات البلاستيكية.

من الوسخ المؤقت إلى الوسخ الدائم

عرفت تونس في الفترة الزمنية بعد الثورة، وخاصة زمن حكم الترويكا، تدهورا بيئيا لا مثيل له زاد الوضع قتامة على ما هو عليه قبل الثورة، وذلك لعدة أسباب منها السياسي بحكم الإنشغال بتسيير المؤسسات السياسية المؤقتة والملفات الحارقة وجعل الموضوع البيئي ثانويا وأغلب المجالس البلدية معطلة وحتى النيابات الخصوصية التي تم تركيزها وقع حلها من سلطة الإشراف نتيجة الإستقطاب والخلاف السياسي في هذه المجالس.

بعد سنة 2014 وتركيز الهياكل والمؤسسات السياسية الدائمة للدولة تواصل نفس نسق تراكم الفضلات المنزلية وإنتشار المصبات العشوائية على كامل الولايات نتيجة الإضرابات العشوائية لعمال النظافة بالبلديات وعدم إنتظام عملهم، إضافة إلى تراجع عمل الفرق البلدية المختصة في مقاومة بؤر تكاثر الناموس نتيجة نقص الإعتمادات المالية المخصصة لذلك بعديد البلديات وعدم البحث عن حل لاكتساب الناموس للمناعة ضد المبيدات المستعملة.

هذه المشاكل لم يكن تأثيرها على المواطن فقط بل كان لها وقع جد سلبي على السياحة فأصبحت العديد من المناطق الشاطئية تشهد حالة من التلوّث، الأمر الذي أفسد الوجهة السياحية التونسية في ما يتعلق بمسألة النظافة وسلامة المحيط.

تونس، بنزرت، سوسة وصفاقس بين الخمسين مدينة الأكثر تلوثا في العالم

إذ لم يكن يلاحظ من قبل تراكم الأوساخ في الشواطئ وفي الفضاءات العامة، وهذا الأمر لم يقتصر على المناطق الساحلية فقط فقد إمتد كذلك إلى المناطق السياحية الداخلية والصحرواية، حيث يتذمر أغلب السياح الوافدين من وضعية المسالك السياحية وتراكم الأوساخ فيها بصفة كبيرة وعدم وجود تدخلات عاجلة لتنظيفها ، ويذكر في هذا الصدد أن منظمة الصحة العالمية قد صنفت في تقرير لها صدر مؤخرا أربعة مدن تونسية (تونس، بنزرت، سوسة وصفاقس) ضمن قائمة الخمسين مدينة الأكثر تلوثا في العالم.

دور هياكل البيئة و تهيئة المناطق السياحية

هذه الهياكل متعددة الإختصاصات والمجالات الترابية والفنية وأسباب قصورها عن أداء المهام المناط بعهدتها والوصول للهدف الأسمى وهو محيط بيئي سليم يكون داعما للسياحة عامة وخاصة السياحة البيئية نظرا لوجود مشاهد سياحية متنوعة (ساحلية، صحراوية، غابية…)، ترجع إلى ثلاثة عوامل أساسية بداية بغياب إستراتيجية وطنية تعطي لكل هيكل دوره في هذه الإستراتيجية وآليات التنسيق بينها إضافة لعدم وجود برامج عمل بعيدة المدى خاصة بكل هيكل حيث أن أغلب الهياكل تميز عملها بعدم الإستمرارية على مدار السنة والقيام بحملات كردة فعل لوجود مشاكل معينة وليس في إطار عمل برامجي مسبق ومخطط له. أما السبب الثالث فيرجع لمشاكل مادية نظرا لما تحتاجه العناية بالبيئة و النظافة من إستثمارات مهمة.

هذه الإشكاليات نجدها خاصة على مستوى الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التي حالت دون إستباق التوسع العمراني والبشري وذلك بإنجاز مصبات مراقبة وبالمواصفات المطلوبة، مما إنجر عنه إنتشار المصبات العشوائية وتفاقم أزمة تكدس الفضلات في ضواحي المدن وفي الأنهج والشوارع، إضافة إلى المشاكل التي تعيشها المصبات المراقبة الموجودة سابقا خاصة من إعتمادها على نظام المناولة و البعض إعتمادها على عملة الحضائر وما تسببه من إستغلال وعمل تحت ظروف شاقة لهذه الفئة العمالية، حيث أدت هذه الممارسات إلى الإضرابات والتحركات الإحتجاجية من طرف عمالها بسبب مطالب مادية واجتماعية.

العمل البلدي في مجال النظافة وحماية المحيط شهد كذلك إنحدارا كبيرا نتيجة غياب التسيير البلدي الناجع وعدم إنضباط عملة النظافة.

والآن، بعد تنصيب المجالس المنتخبة، لزاما عليها العمل الدؤوب على هذا الموضوع ضمن منظومة تعتمد على ثلاثة أطراف متدخلة وهي المواطن والبلدية ووزارة الشؤون المحلية والبيئة، لأن العمل الأساسي للنظافة وحماية البيئة ينطلق من العمل البلدي بإعتبار التحضر العمراني هو السبب الرئيسي لتلوث المدن لذلك يجب على المواطن المشاركة الإيجابية في ذلك بتنمية وعيه البيئي وعلى الوزارة كطرف ثالث حل المشاكل اللوجستية وتوفير الإستثمارات اللازمة.

ويبقى الدور الكبير في إنجاح الموسم السياحي لوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي نظرا لكثرة الشواطئ التي تعاني من ظاهرة التلوث نتيجة إختلاط مياهها بمياه الصرف الصحي والتقائها بمصبات الأودية وتعرضها لمظاهر التلوث الصناعي والحضري، الأمر الذي عطل عملية تجدد المياه بهذه النقاط، مما أثار إستياء العديد من المصطافين السياح والتونسيين.

لذلك وجب إعادة طريقة العمل المتوخاة من قبل هذه الوكالة وضرورة أن تكون عملية مراقبة وأعمال تنظيف وتهيئة الشواطئ على مدار العام وليس فقط قبل موسم الإصطياف فهي ليست ملكا فقط للسياح فهي إمتداد إيكولوجي على ملك الشعب التونسي كما أن أكثر ما يلام على طريقة تدخل هذه الوكالة هو الصبغة الوقتية لهذه التدخلات عن طريق التنظيف الآلي للشواطئ أول موسم الإصطياف فيما يتم العيث فيها أوساخا وبقايا الفواضل البحرية على مدار موسم الإصطياف.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.