الرئيسية » تطور الوضع العسكري في طرابلس يؤكد سلامة الموقف الديبلوماسي التونسي المحايد من الأزمة الليبية

تطور الوضع العسكري في طرابلس يؤكد سلامة الموقف الديبلوماسي التونسي المحايد من الأزمة الليبية

الرئيس الباجي قايد السبسي يتحاور مع فايز السراج وخليفة حفتر على حد سواء.

بعد فشل الحسم العسكري للصّراع الليبي بين خليفة حفتر من جهة وفايز السراج من جهة أخرى مدعومين من أطراف داخلية و خارجية تتدعّم رؤية الديبلوماسية التونسية بضرورة إيجاد حل سياسي وبأن الأزمة أعمق من مناصرة طرف على آخر في الداخل الليبي.

بقلم فوزي عبيدي

توشك المواجهات الدائرة في التخوم الجنوبية لمدينة طرابلس على إستكمال شهرها الثاني دون تقدم ملحوظ لأي طرف في معارك إتسمت بالكر والفر بين الجانبين وخلافا لما كان يتداول في البداية بحسم عسكري في بضعة أيام فمن المرجح إذا بقت المواجهات على حالها فستدوم فترة طويلة جدا وهذا بالتأكيد سوف يجعل الكثير من السياسيين التونسيين يغيرون من مواقفهم جراء الوقائع والتطورات الميدانية للصراع الليبي وستدعم الموقف الدبلوماسي التونسي الرسمي الذي تم أخذه منذ البداية ولاقى معارضة داخلية من بعض الأطراف.

إنقسام سياسي داخلي تونسي تجاه الأزمة الليبية

منذ بداية هجوم قوات الماريشال خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس والنخبة السياسية التونسية منقسمة في تأييدها لطرفي الصراع وهذا الإنقسام هو في حقيقة الأمر إسقاط للإنقسام السياسي الموجود أصلا في المشهد السياسي التونسي فهناك قسم لا بأس به من الأحزاب والشخصيات السياسية التي أيدت تأييدا ضمنيا العملية العسكرية التي يقوم بها حفتر مثل حزب حركة مشروع تونس وزعيمها محسن مرزوق وحزب آفاق تونس وعديد الأحزاب والشخصيات السياسية التي تسير في نفس الخط السياسي، أما الأحزاب الأخرى وخاصة حزب النهضة والأحزاب القريبة من توجهها السياسي فقد أبدت رفضا واضحا لهذه العملية العسكرية ودعما كاملا لحكومة الوفاق المتمركزة بالعاصمة الليبيةْ.

هذا الإستقطاب الحاد في الساحة السياسية على خلفية الصراع الدائم من ليبيا جعل الطرفين يخوضان معركة إعلامية في محاولة لدفع الرئاسة والحكومة التونسية للإصطفاف وراء طرف معين بتعلة عدم شرعية الطرف المقابل في الأزمة الليبية خاصة مع إصرار الديبلوماسية التونسية على عدم الإنجرار وراء سياسة المحاور وأخذ نفس المسافة من جميع الأطراف وتشديدها في الخطاب الرسمي على مخرجات إتفاقيات الأمم المتحدة خاصة إتفاق الصخيرات الأممي وإستكمال المرحلة الإنتقالية بالحوار إلى حدود إجراء إنتخابات رئاسية وتشريعة حرة ونزيهة.
فشل الحسم العسكري يدعم الرؤية الدبلوماسية التونسية للحل السلمي

هذا التوجه لاقى في البداية معارضة شديدة في الداخل التونسي وقد برر معارضيه بأن الموقف الرسمي لتونس غير واقعي وتجاوزته الأحداث بحكم التفوق العسكري لقوات الماريشال حفتر معززة بعامل المباغتة فالقوات التابعة لحكومة الوفاق تمّ مباغتتها في عقر دارها بالعاصمة طرابلس لكن فشل الحسم العسكري كما تم الإعلان عنه منذ البداية بأنه سيكون في فترة وجيزة وبعدها الإنزال التركي هذا الأسبوع وما حمله من دعم بالعتاد والأسلحة النوعية لحكومة الوفاق أعاد خلط الأوراق من جديد وأثبت أن الأزمة الليبية أعمق من مناصرة طرف على حساب آخر وأن أي حسابات خاطئة وإنتهاج سياسة المحاور من قبل الدولة التونسية سوف تكون لها عواقب وخيمة على الداخل التونسي ومصالحها الإقتصادية والأمنية مع الجارة ليبيا، فتونس بكل وضوح ليست فرنسا أو الولايات المتحدة أو إيطاليا لكي تكون براغماتية لأقصى حد وتغير رأيها وتوجهها من الأطراف المتنازعة وذلك لسببين مهمين، السبب الأول ويتعلق بالقوة السياسية والعسكرية والإقتصادية لهذه الدول بإعتبار أن الأطراف في ليبيا في حاجة للتنسيق مع هذه الدول حتى لو كانت في خلاف معها بداية النزاع العسكري أو كانت في مناصرة الطرف الآخر لأن الأطراف الليبية مهما عادت هذه الدول الكبرى سوف تجد نفسها في الأخير مضطرة للتنسيق معها وهذا ما بدى جليّا في زيارة رئيس حكومة الوفاق فائز السراج إلى فرنسا بالرغم من المناصرة الضمنية لهذه الأخيرة لعملية حفتر العسكرية، أما السبب الثاني فيتعلق بالقرب الجغرافي فتونس على تماس كامل مع الأزمة الليبية وأي دخول في دعم واضح لطرف على حساب آخر يمكن أن ينجر عنه مشاكل أمنية كبرى والتأثر بهذا الصراع داخل التراب التونسي.
تعزيزات إقليمية للأطراف المتحاربة لتصبح حرب بالوكالة

إن الوضع متجه تدريجيا لحرب أهلية طويلة الأمد بإعتبار حصول كل طرف على ما يلزمه من عتاد عسكري للمواجهة بل أصبحت الأطراف الخارجية الداعمة لكل طرف في وضعية كسر عظام حيث يتم توفير كل ما تتطلبه الأطراف المحاربة والمهم أن لا يسيطر الطرف الآخر حيث أصبحت الأطراف الليبية رهينة هذه البلدان الداعمة وأداة عندها لخوض حرب بالوكالة على التراب الليبي.

الجانب التركي لم يتأخر كثيرا في ترجمة خطاب أردوغان بأنه لن يسمح في تمرير المخططات المرسومة سلفا من قبل الدول التي لم يسمها مباشرة فقد تم إرسال هذا الأسبوع عشرات المدرعات المصفحة وعالية التجهيز العسكري إضافة لذخائر وأسلحة نوعية لقوات الوفاق لصد قوات الماريشال خليفة حفتر.

من الجانب الآخر تتلقى قوات حفتر الدعم الأكبر من جانب مصر والإمارات العربية والمملكة العربية السعودية فقد تم توفير التمويل المالي للعملية العسكرية على طرابلس من قبل هذه الدول، التي قام حفتر بزيارتها قبل عمليته العسكرية بأسبوع واحدٍ، ما يوحي بحصوله على موافقة الرياض على تحركاته.

مخاطر على تونس و الجزائر

واحد من العوامل التي يستغلها حفتر في عمليته العسكرية الحالية هو إنشغال الجيش الجزائري بترتيب الأوضاع الداخلية في بلاده فالجزائر من أكبر معارضي الخيار العسكري لحل الأزمة الليبية خوفا من تداعيات هذا على الأمن القومي الجزائري وخصوصا فيما يتعلق بتسلل عناصر إرهابية لها عبر حدودها مع ليبيا.

نظرا لوجود المعارك أساسا بالمنطقة الغربية المحاذية لتونس والجزائر وبالتالي ستكون التداعيات الأمنية والإنسانية على الدول المجاورة خطيرة جدا فالإرهاب سيكون أقوى من خلال هذه المعارك فضلاً عن أزمة لاجئين ستترتب على هروب المدنيين من العمليات العسكرية بحثا عن النجاة فتونس لم تنتهي من مشاكل التي خلفها اللاجئين في الحرب بين الثوار و كتائب القذافي سنة 2011.

الشعب الليبي هو الضحية

بهذه الطريقة سوف تكون ليبيا لا محالة متوجهة نحو حرب أهلية مدمرة قد تقود إلى إنقسام دائم في البلاد فإلى حدود الآن كان حجم الوفيات والدمار كبيرا وتداعيات هذا النزاع واضحة ومؤلمة لا سيما بالنسبة للشعب الليبي فإلى حد الآن أوقعت المواجهات المسلحة أكثر من 460 قتيلا من بينهم 29 من المدنيين وأكثر من 2400 أصيبوا معظمهم من المدنيين، فضلا عن 75 ألف شخص أجبروا على مغادرة ديارهم وكلهم من المدنيين، وقد بينت الأمم المتحدة أن نصف المشردين داخليا من النساء والأطفال وتقدر الجهات العاملة في المجال الإنساني أن أكثر من 100 ألف شخص عالقون قرب الجبهات وحوالي 400 ألف في المناطق المتضررة من المواجهات.

الحل الأممي هو الحل الأمثل

لم تنجح سياسة المحاور في أي بلد عربي فكلما خاضتها الأطراف الداخلية إلا وإستمرت الأزمات أكثر دون فائدة ترجى والبلدان الداعمة للأطراف في ليبيا لم تنجح أصلا في فك النزاعات التي دخلتها بنفس الطريقة في سوريا، واليمن وبلدان أخرى لذلك الحل الوحيد هو إقتناع الأطراف الداخلية بضرورة وقف إطلاق النار والعودة إلى المسار السياسي الذي تبنته الأمم المتحدة وحث جميع الأطراف على تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة لا سيما فيما يتعلق بالحظر المفروض على نقل الأسلحة إلى ليبيا، مما سيتيح الفرصة لإستكمال مسار إتفاق الصخيرات وإنشاء مؤسسات دستورية ليبية دائمة وهو الحل الوحيد الذي يضمن طوق النجاة لجميع الأطراف الليبية وكذلك دول الجوار خاصة تونس و الجزائر.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.