الرئيسية » الواقع السياسي التونسي ومعركة الإدماج الحاسمة للمهمشين المرفوضة مشاركتهم…

الواقع السياسي التونسي ومعركة الإدماج الحاسمة للمهمشين المرفوضة مشاركتهم…

إن المسألة السياسية في تونس أوسع وأعمق بكثير من وجود إختلال بين الفاعلين الرئيسيين أي حداثيين وظلاميين في إطار نفس المنظومة فهي تشمل إختلال التوازن الحقيقي والمؤثر بين من ينشطون داخل الحياة السياسية ومن يتم إبعادهم خارجها. الإختلال موجود بين مُدمجين ومقصيين وبين محتكرين للفعل السياسي وبين مهمشين ترفض مشاركتهم.

بقلم سامي بن سلامة *

قدمنا على مدى سنوات طويلة جملة من الأفكار والتصورات والمبادرات التي تهدف إلى محاولة تغيير الواقع السياسي التونسي وضمان مشاركة أكثر عدد ممكن من التونسيين في الحياة السياسية.

تركز عملنا على مراقبة الساحة السياسية وعلى دراسة التوازنات السياسية القائمة منذ إنتخابات 23 أكتوبر 2011 وعلى تأثيراتها السلبية عموما على واقعنا الوطني.

وقد إستخلصنا من ذلك وجوب التشديد على البعد العملي الذي يمكننا من تطويره بعمق ولذلك كان تركيزنا كبيرا على مسألة تسجيل الناخبين غير المسجلين وقدرنا أنهم يتجاوزن 4 ملايين مواطن كمدخل أساسي للتغيير.

الذهاب إلى الناخبين غير المسجلين مباشرة في أماكن تواجدهم

كنا حذرنا طويلا من تأثير التوازنات السياسية القائمة على هيئة الإنتخابات الثانية وعلى إستقلاليتها وعلى قراراتها. وكشفنا بالأدلة والبراهين وبالأرقام رفضها المطلق وغير المعلن طيلة سنوات وكنتيجة للمحاصصة الحزبية المؤسفة التي تحكم تحرّكها إطلاق عملية تسجيل حقيقية.

إستماتت الهيئة الإنتخابية في الحفاظ على الخارطة الإنتخابية وعلى التوازنات السياسية القائمة والناتجة عن إنتخابات 23 أكتوبر 2011 ولم تغير موقفها تماما إلا بعد تغير التوازنات السياسية بالمجلس التشريعي مما أثر على التوازنات داخلها بعد إنتخاب رئيسها الجديد.

لا ننكر أن التغير الجذري الذي طرأ على موقف الهيئة كان من بين نتائج الإستماع إلى رأينا والإقتناع التام بصحته مما أدى إلى إعتماد تحويرات عميقة على المنهجية المعتمدة في عملية التسجيل برزت نتائجها الباهرة للعيان خلال الفترة الحالية.

قامت الهيئة بمجهود كبير وذهبت كما كنا ندعوها إلى غير المسجلين مباشرة في أماكن تواجدهم بناء على المعطيات الدقيقة المتوفرة لديها لأول مرة منذ سنة 2011. وهي معطيات كانت تتعمد التغاضي عنها وعن استغلالها طيلة السنوات الماضية رغم أن الأمر كان كفيلا بتغيير واقعنا ومستقبلنا.

وكما لاحظ الجميع تم تسجيل أكثر من مليون ناخب جديد إلى حد اليوم بمجرد توفر الإرادة ويمكن للهيئة مستقبلا تسجيل ضعف ذلك الرقم لو أمدتها الحكومة وندعوها لذلك بالامكانيات المادية والتمويلات اللازمة لمواصلة عملية التسجيل المكلفة.

لم يكن هدفنا من المطالبة بتوسيع سجل الناخبين تحقيق أهداف هيئة إنتخابات في تسجيل أكثر ما يمكن من الناخبين في إطار الواجبات التي يفرضها عليها القانون فقد غادرناها منذ مدة ولم تعد تعد تربطنا بها أي صلة من الناحية الرسمية.


الخروج بالتونسيين من دائرة الصراع الضيق بين الأحزاب السياسية المهيمنة حاليا

كان هدفنا الأساسي وطنيا، ويتمثل في محاولة الخروج بالتونسيين من دائرة الصراع الضيق بين الأحزاب السياسية التي إحتكرت الساحة ونزلت بالخطاب وبالممارسة السياسية إلى أدنى درجاتهما إلى آفاق أرحب.

وللتذكير، لم تكن هذه أولى المعارك التي نخوضها لفرض تطبيق القانون وللإرتقاء بالأداء السياسي إلى المستويات المطلوبة. فقد خضنا معارك سابقة كثيرة تهم الشأن الوطني ربما أهمها معركتنا لما كنا أعضاء بالهيئة المركزية لهيئة الإنتخابات ضد الإشهار السياسي والتي دخلنا من أجلها في اضراب جوع من يوم 21 إلى يوم 26 سبتمبر 2011. وقد انتصرنا في تلك المعركة المهمة وأجبرنا عدة أحزاب سياسية على التخلي نهائيا عن الإشهار السياسي في الإنتخابات الأولى بعد الثورة ومن بينها الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل والاتحاد الوطني الحر الذي اضطر رئيسه إلى إمضاء التزام بالتخلي عن عملياته الإشهارية لدى كاتب عام الهيئة.

إن رؤيتنا لواقعنا السياسي تقوم على توفير شروط المنافسة النزيهة وعلى إحترام القانون وهي لا تنظر لمسألة التوازن السياسي على أساس وجود إختلال بين الفاعلين الرئيسيين أي حداثيين وظلاميين في إطار نفس المنظومة فحسب.

إن المسألة في نظرنا أوسع وأعمق بكثير وتشمل إختلال التوازن الحقيقي والمؤثر بين من ينشطون داخل الحياة السياسية ومن يتم إبعادهم خارجها. فنحن نلاحظ أن الإختلال يتعلق في الواقع ويلاحظ بين مُدمجين ومقصيين وبين محتكرين للفعل السياسي وللمشاركة وبين مهمشين ترفض مشاركتهم.

وهدفنا كان ولا زال توسيع المشاركة الشعبية في الحياة الوطنية ولذلك ابتدأنا بالتسجيل، إذ أن تسجيل المواطنين التونسيين المقصيين والممنوعين من التواجد بسجل الناخبين هو المدخل لأي تغيير حقيقي.

لا شيء آخر غير التسجيل وبالتالي التصويت والترشح يمكن من إدماجهم ودمجهم فعليا داخل الحياة السياسية ومن التأثير فيها ومن منحهم الإحساس بالإنتماء لهذا الوطن.

ضرورة القضاء نهائيا على أساطير ”العزوف“ السياسي الكاذبة

إن إدماج ودمج ملايين من الناخبين وأغلبهم (70% تقريبا) من الشباب سيمكننا في المستقبل من مواجهة إشكاليات ومخاطر كثيرة لم نتمكن من إيجاد الحلول لمواجهتها جديا ومن بينها معاضل وتحديات كبيرة كالإرهاب والهجرة غير النظامية وفقدان الأمل وضعف الانتماء للوطن.

إن إدماج هؤلاء أو الجزء الأكبر منهم وجلهم من الشباب سيفرض حتما توازنا جديدا صلب الحياة السياسية ويرفع من تمثيلية الهيئات المنتخبة وسيقضي نهائيا على أساطير ”العزوف“ الكاذبة.

مثلت عملية التسجيل الأخيرة تحولا إستراتيجيا عميقا ستكون له تداعيات كبيرة جدا وقد بذلت فيها هيئة الإنتخابات مجهودا جبارا وقد عملنا الكثير من أجل إطلاقها ومن أجل إنجاحها بالطريقة التي تمت بها وهي تمثل في نظرنا خطوة عملاقة في طريق عملية الإدماج.

إلا أنها ليست الخطوة الوحيدة المطلوبة، إذ يجب لإتمام عملية الدمج والإدماج وإنجاحها التوجه للناخبين الجدد لكي يشاركوا في الإنتخابات ويمارسوا حقوقهم الدستورية في إختيار من يحكمهم ولكي يترشحوا ويخوضوا غمار الإنتخابات، لنتمكن حينها من تجديد الطبقة السياسية وقلب المعادلة نهائيا.

ولن يتسنى لنا ذلك، إلا بتبني خطاب جديد مغاير ومختلف يتوجه لتلك الفئة مباشرة، إذ لا يمكن الإكتفاء بمختلف أصناف الخطاب المستهلك الموجه لعموم الناخبين حاليا والذي أدى إلى تنفير حتى من شارك في مختلف المحطات الإنتخابية السابقة من السياسة ومن الخوض في شؤون الوطن.

يجب علينا في المستقبل القريب توحيد المواطنين المغيبين والمقصيين وإيجاد الخطاب السياسي البديل المناسب والآليات التنظيمية الديمقراطية التي تمكنهم من التنظم والتأثير على واقع تونس ومستقبلها بطريقة عملية.

ولا يمكن أن يتم ذلك وقد قلناها منذ وقت طويل سوى بدعم التسجيل المكثف والمستمر وفتح آفاق للمشاركة والتنظم وخوض الإنتخابات والفوز فيها. إن من نسعى لفرض إدماجهم لا يمكن لهم إلا أن يفرضوا تأثيرهم على الخطاب السياسي السائد للرفع من مستواه وعلى الواقع السياسي الحالي لتغييره تماما.

* عضو سابق بالهيئة العليا المستقلة للإنتخابات.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.