الرئيسية » شتّان بين حكيم الحبّ، محي الدّين ابن عربي، والمُنْقضّ على سُلطان الحُكم شاهِرًا صوْلجان التّكفير: راشد الخريجي الغنوشي

شتّان بين حكيم الحبّ، محي الدّين ابن عربي، والمُنْقضّ على سُلطان الحُكم شاهِرًا صوْلجان التّكفير: راشد الخريجي الغنوشي

وإن ظل شباب الإخْوان من النهضة يكررون بأنّ التّنظيم قد توقّف عند محطّة الحنبلِيّة السّلفيّة ولم يواصل رحلته إلى محطّة التّكفيريّة الجهاديّة المُسلّحة، فإن مواقف وأقوال شيخهم راشد الخريجي الغنوشي الموثقة في كتبه تقول عكس ذلك تماما. فعن أي مراجعات يتحدثون ؟

بقلَم أسْعد جمعة *

لُقّب بالشّيْخ الأكْبر، ووُسِم بالباحث عن الكبريت الأحْمَر، واشْتَهر بوضعه لنظريَّة وحْدَة الوُجود… وأزْعم أنّه قبل هذا وذاك: حكيم الحبّ… ولي في آثاره ما هو عاضد لقولي هذا… فأنّى لأعْداء الفكْر من خَلَف ابْتُلينا بهم لِمَن نَصَّبوه سلَفًا صَالحًا أن يعْدموا وجود مَن نذَر حياته لإعلان تقديسه لإله الحبّ؟!

فها هو محيي الدّين ابن عربي يقول في” الفتوحات المكّيّة”: إنّ “حُبُّ العالم بعْضه بعضًا هو من حُبّ الله نفْسه، فإنّ الحبّ صفَة الموْجود، وما في الوُجود إلاّ الله”.

كلاّ أيّها السّادة، لم تزح شيخة المدينة اسم الشّيخ الأكْبر محْي الدّين ابن عربي عن جهْل، إنّ عداء الحنْبليّة السّلفيّة التّكفيريّة – التي يدين لها تنظيم الإخوان – إمارَة تونس بأصوله – لصاحب ” الفتوحات” مَوثَّق، وإنّني لذلك لمُثبتٌ.

فلمّا سئل شيخ الإسْلام، أو بالأحْرى شيْخ السَّلفيّة التّكفيريّة، تقيّ الدّين ابن تيميّة عن كتاب “فُصوص الحكم” أجاب بما يفيد تكْفيره لابن عرَبي قائلاً: “ما تضمَّنه كتاب فصوص الحِكم وما شاكَله من الكلام، فإنّه كفر باطنًا وظاهرًا، وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمَّى مذهب أهل الوحْدة، وأهل الحُلول، وأهْل الإتّحاد. وهم يسمُّون أنفسهم المُحقِّقين. وهؤلاء نوْعان: نوْع يقول بذلك مطلقًا، كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله: مثل ابن سبعين، وابن الفارض، والقونوي والشّشتري والتّلمْساني وأمثالهم ممـَّن يقول: إنّ الوجُود واحد، ويقولون: إنّ وجود المخْلوق هو وجود الخالق، لا يثْبتون موجوديْن خلَق أحدهما الآخر، بل يقولون: الخالق هو المخْلوق، والمخْلوق هو الخَالق. ويقولون: إنّ وجود الأصْنام هو وجود الله، وإن عبّاد الأصْنام ما عبدوا شيئًا إلاّ الله. ويقولون: إنّ الحقّ يوصَف بجميع ما يوصَف به المخْلوق من صفات النّقْص والذمّ”. (انظر “الفتاوى”، الجزء الثّاني، صفحة 364).

فأنّي للمرْء أن يُناصِب الكُرْه والعِداء – كما هي حال إمام السّلفيَّة التّكْفيريّة: ابن تيميّة – لحكيم مُسْلِم عَرّف عقيدته بحبّه لأخيه المُسْلم بل للإنسانيّة قاطبة حتّى قال شعْرًا:
“أدين بدين الحبّ أنّي توجَّهت ركائبه
فالحبّ ديني وإيماني”.

ولكن هل يبطل عجبك إذا ما علِمْت أنّ مثل هذا التّكفير لصاحب “الفتوحات المكّيّة” قد أصبح تقليدًا في المدْرسة الحنْبليّة التّكفيريّة بدءًا بتلميذ ابن تيميّة: ابن قيمّ الجوْزيّة وانتهاء بابن بلبان السّعودي، مرورًا بالذّهبي إلى أن آلت إمامة الحنبليّة السَّلَفيّة التّكفيريّة الجهاديّة في زماننا هذا إلى مرْشد شيخة المدينة الأعْلى: راشد الخريجي شهر الغنوشي، الذي ألْحق محي الدّين بن عربي بخفافيش اللّيل والشّياطين؟

فلم يتوان عن إلْحاق هذه النُّعوت التي لا تنمّ إلاّ عن جهل بالمعاني الإيمانيّة الرّاقيَة المودَعَة في” فصوص الحِكَم” بصاحب “الفتوحات المكّيّة”، قائلاً: “فانْدَفع النّاس في حنَق على التّطَرّف الإعتزاليّ يفصّلون العقائد الإسلاميّة بحسب النّموذج الأشعري-الغزالي (الجبرية المتنكّرة) ولقد كانت أردية ثقيلة مناسبة لليْل شتويّ تطمس شمس الحضارة الإسلاميّة، حيث تطوّرت العقائد الجبريّة التي ألْغَت شخصيّة الإنْسان المسلم وطمسَت عقله إلى عقائد الحُلول ووحْدة الوجود حيث رفع خفافيش اللّيْل: الحلاّج وابن سبعين وابن عربي شعار “الفناء” على أنّه المثَل الأعلى للتّرْبية الإسْلاميّة (…) كان الإنسان المسلم (…) أهاب به الشّياطين أن يفنى ففنى، لأنّهم خاطبوه بلغة الإسلام” (انظر: راشد الغنّوشي، “من جديد نحن والغرب” 1978، مقالات، الجزء الأوّل، الطّبعة الثّانية، مطبعة تونس قرطاج، 1988، ص 59).

فعن أيّة مراجعات يتحدّث رموز تنظيم الإخوان-إمارة إفريقيّة ومنظّرهم “البروفيسور” أبو يعْرب المرْزوقي لا يزال على عهد إمامهم من عَدّ شيخ التّكفيريّين ابن تيميّة تلميذًات لابن رشد؟ ولا غرْوَ في ذلك فبرجوعنا إلى أحد مؤلّفات الخريجي نلقاه يُلحق إمام الحنبليّة التّكفيريّة بفيلسوف قرطبة مُعْلنًا: “لم تستطع الجهود الجبّارة التي بذَلها ثلاثة من الرّجال الأفْذاذ هم ابن حزم وابن رُشد وابن تيْميّة لتحْريك العقْل المُسْلم الذي أنْكر الأشاعرة قوانينه وجمَّد الفُقهاء حركيّتَه بتقْليدهم وبثَّ المتصوّفة بخُرافاتهم ضبابًا داكنًا في أرْجائه حجَب عنه الرّؤية ومال إلى الفناء.”

وحتّى لا يعْتَرض على قوْلنا “بوفيسور” آخر من شباب الإخْوان بأنّ التّنظيم قد توقّف عند محطّة الحنبلِيّة السّلفيّة ولم يواصل رحلته إلى محطّة التّكفيريّة الجهاديّة المُسلّحة، فسنورد بقيّة حديث راشد الخريجي عن أبائه الرّوحانيّين: “غير أنّهم (يعْني ابن حزْم وابن رشد وابن تيْميّة) زرَعوا في أرْض الإسْلام بُذور نهْضَة بدأت براعِمها تتفتَّح في العصْر الحديث مع محمّد بن عبد الوهّاب والدّهلوي والأفغاني وعبده والبنّا والموْدودي وسيِّد قطْب – رضي الله عنهم -، هؤلاء الذين صحَّحوا المَسار ورسَموا مَعالم الطَّريق”.

ألم يحثّنا الحقّ – عزّ من قائل – بالنّظر العقلي قائلاً في مُحْكم التّنزيل: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (سورة الحشْر، الآية 2) ونبْذ الأهْواء والفِرَق ؟

* جامعي وباحث.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.