الرئيسية » لأن موقف الحكومة التونسية من معركة تحرير طرابلس متأثر بمصالح حركة النهضة فإنه سيضر بمستقبل مصالح تونس الحيوية في ليبيا

لأن موقف الحكومة التونسية من معركة تحرير طرابلس متأثر بمصالح حركة النهضة فإنه سيضر بمستقبل مصالح تونس الحيوية في ليبيا


الموقف التونسي المهادن للميليشيات الإخوانية خطأ إستراتيجي وضربة قاصمة للمصالح المستقبلية لتونس في ليبيا.

مثّل إعلان المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، يوم 4 أفريل 2019 بداية معركة تحرير طرابلس من الميليشيات الإخوانية المسلحة التّي ظلت ترعب سكان العاصمة الليبية وتنتهك حرماتهم وأموالهم، بداية مرحلة جديدة في ليبيا. لكن الموقف التونسي المهادن لهذه الميليشيات الإخوانية بتأثير من حزب النهضة الإخواني سيضرب المصالح المستقبلية لتونس في ليبيا.

بقلم نضال بالشريفة *

قوات حفتر تمكنت قبل سنوات من تحرير شرق ليبيا من المتطرفين الإسلامويين، و فعلت نفس الشيء في الجنوب الليبي قبل بضعت أشهر، و إن كانت لا تزال هناك بعض فلول الإرهاب هناك تقوم بضربات بين الفينة والأخرى، إذا لم يبق إلا الغرب الليبي تحت سيطرة المليشيات الإجرامية و المتطرفة، والسيطرة عليه تعني بداية نهاية الفوضى في شقيقتنا الجنوبية وبداية تكوين دولة ليبية موحدة وقوية قادرة على أن تكون سندا لتونس التي تواجه أزمة إقتصادية متفاقمة.

الفوضى في ليبيا إحدى أسباب الأزمة في تونس

هذه الأزمة التي إنطلقت سنة 2011 سببها الرئيسي هي الفوضى في ليبيا، فهذا البلد كان وجهة مهمة للعمالة التونسية، حيث كان عدد العمال التونسيين في ليبيا يترواح بين 100 و 200 الف عامل، ولا تقتصر العلاقات الإقتصادية بين البلدين على مستوى العمالة بل تتواصل أيضا إلى المبادلات التجارية حيث كان ليبيا الشريك التجاري العربي والإفريقي الأول لتونس وذلك بمبادلات تتجاوز الملياري دولار أمريكي، هذا دون الحديث عن الإستثمارات المتبادلة بين البلدين حيث كانت ليبيا وجهة إستثمار لعدد هام من الشركات.

بعد الثورة الليبية تغيّر كل هذا، حيث عاد عشرات الاف العمال التونسيين من ليبيا لتونس، مما فاقم أزمة البطالة هنا، كذلك تراجعت التجارة بين البلدين بنسب كبرى تتراوح بين 50% و 75% وأيضا أغلقت الكثير من الشركات التونسية التي كانت لها إسثمارات في ليبيا أبوبها بعد أن أفلست.

هذه الإنعكاسات المباشرة للثورة الليبية، لكن هنالك إنعكاسات غير مباشرة ولكنها بكل تأكيد أكثر ألما للتونسيين وأهمها لجوء عدد كبير من الأشقاء الليبيين لتونس، حيث يتراوح عدد الليبيين القاطنين في تونس بين 500 ألف و 1.5 مليون ليبي، يتوزعون بالأساس بين العاصمة و المدن الساحلية كنابل والحمامات وسوسة، وربما في بعض المناطق أصبح عدد الليبيين يناهز عدد التوانسة مثل حي النصر بأريانة، هذا العدد الضخم من السكان يتجاوز قدرة الإقتصاد التونسي على التحمل، فكانت نتائجه وخيمة على القدرة الشرائية للتوانسة، حيث إرتفعت أسعار الشقق السكانية سواء المعدة للإيجار أو للبيع (خاصة في العاصمة) كما إرتفعت معه أسعار المنتوجات الغذائية والكهرباء والغاز و الماء.

أيضا أحس سكان الجنوب التونسي بوجع الفوضى الليبية فالكثير من مدن الجنوب و خاصة بن قردان كانت تعيش من التجارة مع ليبيا ولكن الإغلاق المتكررة للمعابر الحدودية عطل تجارتهم بشكل كبير وقلل من دخلهم ما أجبر الكثيرين منهم على اللجوء إلى التهريب والذي يعتبر من المعضلات الكبرى التي يواجهها الإقتصاد التونسي، حيث تتسبب التجارة الموازية في خسائر بمليارات الدنانير سنويا للإقتصاد التونسي إضافة لتسببها في إفلاس عديد المؤسسات العمومية والخاصة، دون الحديث عن العلاقات الوثيقة بين المهربين والمليشيات المسلحة في الغرب الليبي ومخازن الأسلحة التي أكتشفت على مر في الجنوب التونسي وما خفي كان أعظم.

موقف السلطة التونسية، يثير حيرة و إستغراب الكثيرين

المهم و باختصار، الفوضى الليبية هي من الأسباب الرئيسية في الأزمة الاقتصادية التونسية، وحلها وإعادة الاستقرار والأمن في ليبيا يعني بداية الفرج لتونس و لشعبها، والحل يتمثل في قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر الذّي وعد بتطهير ليبيا من المليشيات المسلحة، والجميع يعلم أن هذه المليشيات لن تلقي سلاحها طوعا أو في إطار عملية سياسية، فالأموال التي غنموها من إبتزاز المواطنين الليبيين يريدون المزيد منها، وبالتالي فإن إجبارهم على التخلي عن سلاحهم لا يمكن أن يتم إلا بالمواجهة المسلحة.

هذا ما فهمه خليفة حفتر و لهذا دعمته دول تريد الإستقرار في ليبيا كمصر والإمارات وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة… لكن الغريب في الأمر أن هذه الدول (ما عدى مصر) ليس لها علاقات تاريخية مع ليبيا مثل تونس، لكن تونس، أو بالأحرى الحكومة التونسية بقيادة النهضة، على عكس هذه الدول، لم تؤيد الحل الذّي سيعيد الإستقرار لليبيا و بالتالي ينعش الإقتصاد التونسي.

فموقف السلطة التونسية، الذي أثار حيرة و إستغراب الكثيرين، كان معاديا للعملية العسكرية للجيش الليبي وأعلن صراحة مساندته لحكومة المليشيات في ليبيا!

موقف في غاية الغرابة، لماذا تريد تونس أن تبقى ليبيا في حالة فوضى في حين أن عودة الإستقرار هذه الأخيرة له منافع كبرى على الإقتصاد التونسي؟ طبعا هذا الموقف يثير إستغراب من لا دراية له بالسياسة الداخلية التونسية، أما من يعرفها فلا يستغرب هذا الموقف بل يستغرب إن أتخذ موقف مخالف، فالجميع في تونس يعلم أن المتحكم الحقيقي في السلطة التونسية الحالية هو حزب النهضة الإخواني، فبالرغم من أن رئيس الحكومة لا ينتمي إليها إلا أنه مرتهن لها بشكل فاضح، كيف لا وبقاؤه في الرئاسة مرهون برضاها عليه؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إختار الموقف الصحيح بدعمه لحفتر.

إرتهان النهضة للمحور القطري-التركي والضرب للمصالح التونسية

وكما يعلم الجميع هذا الحزب لم يتخذ يوما قرارا في صالح تونس، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأجنبية، وخاصة إذا كانت هذه القضية متورط فيها تنظيم الإخوان ففي هذه الحالة فإن القرار النهضوي، وبالتالي قرار الحكومة، سيكون بدون شك لصالح الإخوانيين حتى وكان مصالحهم تتعارض ومصالح تونس، فهذا الحزب إتخذ من تبجيل مصالح الجماعة على مصالح الشعب شعارا له، وما الموقف من القضية الليبية والذي يفيد بدعم المليشيات المسلحة ضد الجيش الليبي (الذّي أكده رفيق بوشلاكة منذ أيام) إلا تكريس لهذا، فالمليشيات المسلحة هناك خاسرة لا محالة اجلا أم عاجلا، والمستقبل الليبي سيكون لمن يحارب المليشيات ويدعم جانب الجيش الليبي، مثل الرئيس المصري وما إعلان رئيس البرلمان الليبي إعطاء الأولوية للشركات المصرية في إعادة الإعمار إلا تأكيد لوجاهة الخيار المصري وضربة قوية لمصالح تونس للأسف، فالسيسي يعمل ترسيخ مصالح دولته فيما يعمل الغنوشي على تدمير مصالح بلده.

إن إرتهان النهضة للمحور القطري-التركي (و كذلك لإيطاليا) يمثل تهديدا صريحا لمصالح تونس، خاصة في ضل الانتكاسة الكبيرة التي يشهدها هذا المحور في المنطقة العربية و في الساحة العالمية أيضا، إن تواصل تحكم النهضة في مفاصل السياسة الخارجية لتونس و توجيهها لصالح تنظيم الإخوان (الذي يحتمل تصنيفه كتنظيم إرهابي من قبل واشنطن) سيعود بالكوارث على تونس عامة و إقتصادها خاصة. النهضة بهذا الإرتهان أصبحت تمثل خطرا على مصالح الشعب التونسي الحيوية في ليبيا و في كل المنطقة العربية، و لهذا إخراجها من السلطة يجب أن يكون أولوية الأولويات للشعب التونسي و لكافة المؤسسة السياسية التونسية!

الإنتخابات التشريعية في أكتوبر 2019 تمثل فرصة كبيرة لمعاقبة هذا الحزب على خياراته الخاطئة والمعادية لمصالح الدولة والشعب التونسيين، لهذا على القوى المعارضة أن لا تضيع هذه الفرصة التاريخية، عليها أن تتبنى خطاب يحمل النهضة (و حلفاءها) مسؤولية ضياع المصالح التونسية في ليبيا وبالتالي ضياع مئات الاف مواطن الشغل وعقود استثمار ضخمة للشركات التونسية التي تعاني…

على النهضة أن تتحمل مسؤولية سياسة تبجيل الجماعة على الوطن التونسي وأن تراجع حساباتها وهذا لن يحصل إلا اذا تم توجيه صفعة قوية لها في الإنتخابات و إخراجها من السلطة.

  • طالب حقوق بكلية العلوم القانونية بتونس.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.