الرئيسية » العاملات الفلاحية : مادام هناك تقصير وغياب الإرادة السياسية سوف تتكرر مأساة سيدي بوزيد

العاملات الفلاحية : مادام هناك تقصير وغياب الإرادة السياسية سوف تتكرر مأساة سيدي بوزيد

تعددت حوادث الموت التي أزهقت عشرات النساء الكادحات في المجال الفلاحي اللواتي يرتكز عليهن إنتاج وجمع خيرات البلاد التي تصلنا ممزوجة بعرقهن وفي أحيان عديدة ممزوجة بدمائهن الزكية التي إستباحتها شاحنات العبودية على طرقات الموت.

بقلم فيروز الشاذلي

التونسي تعود مع بزوغ كل فجر على رؤية شاحنات نقل خفيفة كانت من المفروض معدة لنقل البضائع والحيوانات تقوم بنقل عاملات بالقطاع الفلاحي نحو الضيعات الفلاحية وحتى في أيام الشتاء و البرد القارس يتم نقلهن في ساعات مبكرة في الصندوق الخلفي للشاحنة المكشوف على الرياح والبرد ويقوم أصحاب الشاحنات بسكب الماء على أرضية الشاحنة لجبر النساء على الوقوف حتى يستطيع رفع أكثر ما يمكن من العملة وفي أحيان عديدة أكثر من 20 إمرأة في شاحنة واحدة في ممارسات لا تمت بصلة بالأطر الشغلية لمواطن عادي يتمتع بحقوق وواجبات.

شاحنات اللاّعودة

هذه الممارسات تتماهى إلى حد بعيد مع ممارسات الإستعباد التي إنتشرت في القرن السادس عشر والسابع حيث كان تجار الرقيق يعمدون إلى جمع العبيد من القارة الإفريقية بجزيرة “غوري” السينغالية ويجبرونهم على البقاء في السفن واقفين وذلك لكي يتم شحن أكثر ما يمكن من العبيد إلى العالم الجديد عبر المحيط الأطلسي وعند تسفيرهم يتم ترحيلهم عن طريق بوابة في الجزيرة أطلق عليها بوابة “اللاّعودة “.

نحن في تونس، في القرن الواحد و العشرين، ومازالت هناك آلاف العاملات الفلاحية تمتطي شاحنات اللاّعودة فتوالت المآسي والفواجع برحيل الكثير منهن بسبب الحوادث المميتة التي تمت كلها تقريبا على نفس الشاكلة كان أهمها :

3 جوان 2015 : وفاة إمرأتين بمعتمدية النفيضة من ولاية سوسة وإصابة عشرين إمرأة جرّاء إنقلاب شاحنة تقلهم .

7 جوان 2015 : وفاة إمرأة وإصابة تسعة أخريات إثر إنقلاب الشاحنة التي تقلهم بمعتمدية ماطر من ولاية بنزرت.

5 أفريل 2016 : وفاة ثلاث نساء عاملات بالمجال الفلاحي من ولاية قابس إثر إصطدام الشاحنة التي تقلهم بحافلة .

26 أوت 2016 : ستة نساء تعرضن لإصابات متفاوتة الخطورة في حادث سير على متن شاحنة خفيفة تقلهم بطريق الوسلاتية-تونس .

29 ديسمبر 2016 : إصطدام حافلة شاحنة تقل عاملات فلاحة بالطريق السيارة الرابطة بين سوسة وتونس تسبب في إصابة سبعة عاملات إصابات خطيرة.

23 مارس 2017 : إصابة خمس عاملات في القطاع الفلاحي في مدخل معتمدية المكناسي من ولاية سيدي بوزيد.

25 أفريل 2017 : حادثة منطقة الفوار الفلاحية التابعة لمعتمدية تبرسق من ولاية باجة التي راحت ضحيتها إمرأة وجرح عشرة نساء بسبب إنقلاب الشاحنة التي تقلهم.

1 فيفري 2018 : وفاة التلميذة هويدا حاجي بمعتمدية حاسي الفريد من ولاية القصرين إثر سقوطها من شاحنة تقل عاملات فلاحية.

11 أفريل 2019 : وفاة إمرأتين بمعتمدية الفحص من ولاية زغوان وإصابة 14 إمرأة بجروح متفاوتة على إثر إنقلاب الشاحنة التي تقلهم إلى ضيعة فلاحية.

27 أفريل 2019 : وفاة 13 عاملة بمنطقة السبالة من ولاية سيدي بوزيد وإصابة 19 عاملة أخرى وفي نفس اليوم إصابة 17 عاملة فلاحية بمنطقة بودرياس من ولاية القصرين.


التقصير والمسؤولية السياسية

حسب نص الدستور إستنادا لفصوله 21، 40 و46 الدولة ملزمة بضمان تهيئة أسباب العيش الكريم للمواطن والمواطنات دون تمييز وضمان حق العمل لكل مواطن ومواطنة في ظروف ملائمة وبأجر عادل وخاصة حماية الحقوق المكتسبة للمرأة ودعمها وتطويرها فما بالك هذه الممارسات العبودية التي تتعرض لها.

لذلك على الحكومة وخاصة وزارة المرأة تحمل مسؤولياتها كاملة في الموضوع وتجاوز التقصير الذي يقع عليها مباشرة بدرجة أولى من خلال عدم تطبيق مقتضيات بروتوكول إتفاق حول نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي الذي تم إمضاءه في 14 أكتوبر 2016 بين كل من وزيرة المرأة والأسرة والطفولة الحالية السيدة نزيهة العبيدي، الإتحاد العام التونسي للشغل، الإتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.

يتجلى تقصير وزيرة المرأة خاصة فيما عهده هذا الإتفاق إلى الأخيرة من رئاسة اللجنة الخاصة بإعداد كراس الشروط لتنظيم نقل العملة والعاملات في القطاع الفلاحي وتقديم نتيجة أشغال هذه اللجنة في مدة أقصاها شهر من تاريخ إمضاء بروتوكول الإتفاق ولكن لا كراس الشروط رأت النور ولا نتيجة متابعة الأشغال ظهرت وهنا تتحمل وزيرة المرأة المسؤولية كاملة .

هذا لايعفي أطرافا أخرى من تحمل مسؤولية التقصير فمجلس نواب الشعب لم يقم بدوره المتعلق بتمرير مراجعة القانون المتعلق بتنظيم النقل البري عدد 33 لسنة 2004 مؤرخ في 19 أفريل 2004 وذلك لتنظيم وهيكلة نقل العملة والعاملات في المجال الفلاحي خاصة لخصوصية هذا النوع من التنقل بحكم التداخل بين مختلف مناطق جولان أصناف النقل غير المنتظم وإرتباطه بالمواسم الفلاحية وضرورة إعطاء أكثر مرونة للولاة بإعتبارهم رؤساء اللجان الجهوية للنقل لإعطاء التراخيص اللازمة كل ما تطلب الأمر ذلك. في نفس الإطار يجب على الوزارات المعنية بتطبيق القانون المروري الحزم أكثر مع هذه الظاهرة وهي وزارات النقل والداخلية من خلال ردع المخالفين وسحب رخصهم.

وضع إجتماعي و إقتصادي هش للمرأة العاملة في المجال الفلاحي

بداية يجب الإشارة إلى أن العمل في القطاع الفلاحي يبقى غير مهيكل في تونس بنسبة 90% أو أكثر وتبقى المرأة هي الحلقة الأضعف والمستهدفة بأكثر الممارسات المهينة، هذه الحالة التي تعانيها المرأة الريفية العاملة أساسا في المجال الفلاحي يعود إلى غياب منظومة متكاملة توفر لها الحماية فرغم ما توفره من مجهودات تساهم في النهوض بالفلاحة التونسية بإعتبارها توفر اليد العاملة الرئيسية في هذا المجال إلا أنها تعاني من فقر وتهميش ممنهج نتيجة طمس حقوقها الإجتماعية والإقتصادية حيث تتلقى أجر زهيد أقل بكثير من الأجر الأدنى المضمون في القطاع الفلاحي ((SMAG وهو لا يوفر أدنى مقومات العيش الكريم.

من جهة أخرى يسهل إستغلال المرأة الريفية العاملة في القطاع الفلاحي بحكم هشاشة وضعها الإجتماعي وخاصة نقص الوعي لدى هذه الفئة التي عادة ما تعاني من الأمية وعدم إهتمام المنظمات الشغيلة بها وحتى المنظمات النسائية برهنت في التجربة التونسية أنها منظمات نخبوية إحتفالية لم تشمل تدخلاتها عمق المشاكل التي تعترض المرأة الريفية.

هذه العزلة التي تعيشها المرأة العاملة في القطاع الفلاحي جعلتها تحرم من أبسط حقوقها كالضمان الإجتماعي و التغطية الصحية ويتم إستغلالها من حيث ساعات عمل طويلة يوميا وبدون أدنى راحة مع أجر يتراوح بين 5 و10 دنانير لليوم يمتد في بعض الأحيان لمدة تتجاوز 12 ساعة عمل وفي ظروف عمل غير لائقة وماسة بكرامتهن والتي تصل في أغلب الأحيان إلى الموت الناتج عن إعتماد وسائل نقل غير محمية ولا تخضع لأي ضمانات قانونية حيث يعتمد أصحاب الضيعات على إتباع المسالك الفلاحية لجلب العاملات بالشاحنات للتهرب من المراقبة.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.