الرئيسية » عمليات سبرا الآراء في تونس أو كيف يتحول العقاب إلى مكافأة…

عمليات سبرا الآراء في تونس أو كيف يتحول العقاب إلى مكافأة…

 

مباشرة إثر إنتخابات 2014 التشريعية والرئاسية أعلن السيد هشام القرفالي صاحب مؤسسة لسبر الآراء توقفه عن إجراء مثل تلك العمليات على التراب التونسي لغياب شروط النزاهة والشفافية. والغريب أننا بعد خمس سنوات ما زلنا نعتمد على نتائج سبر اراء نتائجها تشوبها عديد التساؤلات. 

بقلم سامي بن سلامة *

إن اعتبرنا أن نداء تونس خسر جانبا كبيرا من قاعدته الإنتخابية إجمالا لسببين رئيسيين: خيانة ناخبيه وتحالفه مع حركة النهضة، وتحميله نتائج فشله في حكم البلاد طيلة السنوات الفارطة. فهل من المنطقي القول بعد أشهر من فك الحزب تحالفه معها وخروجه من السلطة، بأن المستفيد الأكبر من ذلك الغضب العارم لناخبيه هو الحزب الجديد تحيا تونس؟

نفس الأسباب التي تجعل الناخبين يعرضون عن نداء تونس تمنعهم منطقيا من تفضيل تحيا تونس ولو في سبر آراء خيالي. فتحيا تونس متحالف مع الحركة بأكثر مما تحالف معها نداء تونس. وتحيا تونس يحكم اليوم منذ أكثر من 3 سنوات وبنتائج جد هزيلة. فبأية طريقة سيصوت الناخبون لتحيا تونس ولأي سبب سيستفيد من القاعدة الإنتخابية للنداء؟

علاوة على ذلك، لا يمكن أن تكون حركة النهضة متربعة على عرش نوايا التصويت بــ 24.3% إعتمادا على منطق بسيط جدا وعلى واقع لا شيء يدحضه. والأسباب واضحة.

حركة النهضة تعيش اليوم أسوأ حالتها

أولا، رغم أن النواة الصلبة التي تشكل قاعدة الحركة مؤدلجة، فإنها مع ذلك تشهد تراجعا كبيرا ومتواصلا لحجمها الإنتخابي بالمقارنة مع سنة 2011 وهو ما تأكد إثر الإنتخابات البلدية سنة 2018 ولا مستجدات تذكر يمكن أن تفيدنا بتوقفه وبارتفاع شعبية حركة النهضة…

ثانيا، حجم الغضب المتصاعد صلب القواعد من قيادة الحركة وسياساتها.

ثالثا، تأثرها من ممارستها الحكم منذ 8 سنوات والتأثيرات السلبية لمساندتها منفردة لحكومة لا تحضى نتائجها برضى التونسيين وتأثر كتلة ناخبيها بالوضع الإقتصادي والإجتماعي المتردي.

رابعا، الوضع الإقليمي والدولي المتغير وتأثيره على الحركة وشبكة علاقاتها وعلى مصادر تمويلها.

إن وضع حركة النهضة في قمة نتائج عمليات سبر الآراء له تفسيرات متعددة وقد تكون من بينها خدمة الحركة وتسهيل فوزها بالإنتخابات. وربما تكون من بينها الرغبة في الإيهام بوجود بديل قوي واحد وترسيخ القناعة بالتصويت له منعا لحتمية فوز حركة النهضة بالإنتخابات المقبلة…

حركة النهضة تعيش اليوم أسوأ حالتها وتفقد نتيجة التهرئة التي يسببها لها الحكم أكبر عناصر قوتها.

في وضع كالذي نعيشه، من المفترض بعد التصويت المفيد أن نشهد تصويتا عقابيا للأحزاب التقليدية وكذلك لتلك الدائرة في فلك السلطة…

هل تقع مكافأة من أساؤوا حكم البلاد وخربوا إقتصادها ؟

يعني أن يتأثر النداء والنهضة وكذلك تحيا تونس من جملة العوامل التي ذكرتها، إذا ما إعتمدنا منطقا سياسيا سليما. وأن يتم عقاب تلك التنظيمات في الإنتخابات التشريعية المقبلة… وأن نشهد صعودا لمعارضيهم البارزين وهم خاصة التيار الديمقراطي والجبهة الشعبية والدستوري الحرّ والمستقلين.

ما تبينه نتائج عمليات سبر الآراء الغريبة هو غلبة نزعة عارمة إلى مكافأة من أساؤوا حكم البلاد وخربوا إقتصادها وجعلوا وضعها أسوأ عوض معاقبتهم… لذلك من الصعب تصديقها…

أعلن السيد هشام القرفالي صاحب مؤسسة لسبر الآراء توقفه عن إجراء مثل تلك العمليات على التراب التونسي لغياب شروط النزاهة والشفافية مباشرة إثر إنتخابات 2014 التشريعية والرئاسية.

وبكل صراحة، فإن ما نلاحظه هو أن عمليات سبر الٱراء في تونس ليست سوى مجرد عمليات إشهارية لبضاعة كاسدة تُدفع فيها أموال ضخمة لجلب المستهلك لها والترفيع في مبيعاتها…

تدخل تلك العمليات كذلك في إطار الإشهار المقنع… عمليات تجارية إشهارية تحت الطلب.. ولا يجب أن ننسى المعارك المندلعة بين كبرى الشركات التجارية في فرنسا في التسعينات بعد إنتشار الومضات الإشهارية التي عمدت إلى إبراز سلبيات المنافس عند المقارنة بينها…

نفس الشركات تروج نفس البضاعة لمن يدفع أكثر

كنت اقترحت سنة 2011 في اجتماع بين الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات وهيئة إصلاح الإعلام ونقابة الصحفيين، تطوير وحدة مراقبة وسائل الإعلام بالهيئة إلى مرصد يعمل بصفة مستمرة على المراقبة وتوسيع مهامه إلى إجراء عمليات سبر الٱراء على مدار السنة وحتى خارج الفترات الإنتخابية تحت اشراف الهيئة المركزية لهيئة الانتخابات… لم يلق الإقتراح ٱذانا صاغية بالطبع…

أكثر من ذلك، تم بتر وحدة مراقبة وسائل الإعلام من جسد الهيئة التي أصبحت عمياء لا تدري ما يحصل من مخالفات جسيمة لا أثناء المسار الإنتخابي ولا بعده…

علبنا مراجعة عديد الخيارات وليس الأمر متعلقا فقط بغياب قانون ينظم عمليات سبر الٱراء… فهو لن يحل المشكلة وستبقى نفس الشركات تروج بوجوده نفس البضاعة لمن يدفع أكثر…

نحن في مرحلة انتقالية ولا يمكن فعل شيء لتعديل الوضع السياسي الا بهيئة انتخابية قوية تسيطر على مجالات تدخلها وتقوم بدورها… وخاصة منع التحكم في الرأي العام وفي توجهاته بالمال أو الإشهار.

أو على الأقل بمنح الصلاحية للمعهد الوطني للإحصاء… أليست الأرقام من إختصاصه ؟

هنالك مواضيع تهم سلامة المناخ الإنتقالي وترتبط بالأمن القومي ولا يمكن تركها للخواص…

يعتبر الوضع الحالي من بين مٱثر حزب حركة النهضة على تونس… فقد تسبب في صياغة قوانين تضعف المراقبة والمتابعة والتعديل وأهمل صياغة أخرى في ميادين تزعج مخططاته… كانت الحركة الأقوى تشريعيا على مدى 8 سنوات ولم تخدم سوى مصالحها… هل فهمتم لماذا نعيش الآن خللا فادحا على كل المستويات ؟

* عضو سابق بالهيئة العليا المستقلة للإنتخابات. 

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس : 

لكي لا نخطئ في فهم إستراتيجية قايد السبسي الذي ينوي تحمل أعباء الرئاسة لمدة أخرى

هيئة الحقيقة والكرامة تخل بدورها التاريخي بعدم تقديم إثباتات عن تزوير الإنتخابات قبل الثورة

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.