الرئيسية » عندما يصرّ الباجي قائد السّبسي على إنتهاج سياسة اللَّعِب مع المارد الإخوانيّ

عندما يصرّ الباجي قائد السّبسي على إنتهاج سياسة اللَّعِب مع المارد الإخوانيّ

ما جدوى إصْرار الباجي قائد السّبسي، ضدّ منطق وعبَر التّاريخ، على إنتهاج سياسة اللَّعِب مع الوُحوش، بكرّه وفرّه إزاء المارد الإخوانيّ المحلّيّ، فالنّتيجة الوحيدة التي آل إيها هذا التّكْتيك العقيم هو تيْئيس التّونسيّين لا من ساسته فحسب، بل من الدّولة أصلاً، وهو الأمر الأخطر.

بقلم أسعد جمعة * 

لا نخال أنفسنا مجانبين للصّواب إذا ما اعتبرْنا أنّ الطّارئ الأوْحد الذي جدّ على السّاحة السّياسيّة منذ ثورة الياسمين إلى يوم النّاس هذا إنّما هو إكتساح تنظيم الإخوان-إقليم تونس للمشهد السّياسي والإقتصاديّ والإجتماعيّ والإعلاميّ، أي في كلمة لكلّ مجالات الواقع الراهن، عدا المجال الثّقافيّ باعتبار أنّ طبيعة التنظيم الشّعبويّة العقائديّة لا تعري للثّقافة أيّة مكانة تُذْكَرُ.

كيف التّعامل مع هؤلاء الوافدين علينا من وراء البحار

والحقيقة أنّ هذا الحضور المكثَّف لمختلف أذرعة هذا التّنظيم، المُعْلَنة كما السرّيّة، يطرح أكثر من تساؤل على الفاعلين السّياسيّين في بلادنا. والأمر لا يتعلّق بالمهمّة التي أوفدوا علينا من أجلها فحسب، إذ الأمر شبه محسوم ومعلوم لدى عامّة النّاس فضلا عن القائمين على رأس هذه الدّولة، وهو بثّ مقوّمات الفوضى الخلاّقة، أو التّدافع الاجتماعي كما يسمّونها، بيننا.

إنّ الصّعوبة الحقيقيّة تكمن في كيفيّة التّعامل مع هؤلاء الوافدين علينا من وراء البحار، ذلك أنّ روافد فكرهم التّنظيميّة: الحنبليّة التّيميّة السّلفيّة الوهّابيّة القطبيّة الجهاديّة الدّمويّة لا تتقاطع في شيء مع مرجعيّتنا المالكيّة الأشعريّة الجوينيّة الزّيتونيّة السّمحاء، بل أنّ بنْيتهم الذّهنيّة العدْوانيّة التي تصوّر لهم هذه الأرض الطيّبة على أنّها أرض جهاد، وفي أحسن الحالات أرض دعوة، تجعلهم في علاقة تصادم مبدئيّ وعمليّ مع مواطنيهم التّونسيّين، فالمسؤوليّة المدنيّة تعني عندهم “التمكّن” والمعارضة السّياسيّة هي “استضعاف” والتّعبئة السّياسيّة هي “النّفير” وإلحاق الأذيّة بمواطنيهم هو “جهاد في سبيل الله” وجرائمهم الجنسيّة هو “جهاد نكاح”، واعتدائهم على أملاك الغير هو “غنيمة” وخداعهم لإخوانهم المسلمين هو “تقيّة”… فما السّبيل إلى التّواصل مع هؤلاء وسجلّهم عريب عن أفهامنا فضلاً عن كونه مشحونا بالمصطلحات العدائيّة بل الحربيّة؟

جماعة الفوضى الخلاقة تتمكن من كل مفاصل و أجهزة الدولة

لقد نبّه مؤسّس دولتنا المرحوم الحبيب بورقيبة من خطورة هؤلاء، واكتوى خلفه بنيرانهم بعد أن جازف بالتّعامل معهم بعد إنقلابه على وليّ نعمته، ولم يتّعظ رئيس دولتنا الحالي بما خبره شعبنا من جرائم هؤلاء المتستّرين بالدّين الذين لم يتوانوا عن ترهيب المواطنين الآمنين بجرائمهم التي لا تكاد تُحْصى كثرة (أحداث باب سويقة، أحداث جربة، أحداث سجنان، وبالأمس القريب اغتيال الشّهيديْن بلعيد والبراهمي…)، فأعلن تحالفه معهم مباشرة بعد إنتخابه حانثًا للعهد الذي قطعه على نفسه إزاء رفتق دربه ومنتخبيه. وبئس ما فعل، فعاد نادمًا عمّا اقترفته يداه.

ولكن هيهات أن ينفع النّدم! فقد وظّف الإخوان تحالفهم هذا ليتمكّنوا من مفاصل الدّولة وأجهزتها، وأضحى ما كان غير “مضمون بالنّسبة لهم”، على حدّ عبارة مرشدهم الأعلى، رهْن الإشارة وفي غاية الطّاعة والولاء. وليس أدلّ على ذلك من فشل محاولة رئيس الدّولة تحريك أحد أعتى أجهزة الدّولة الأمنيّة، أعني المجلس الأعلى للأمن القومي، بقصد الكشف عن تورّطهم عبر جهازهم السرّي في جريمة اغتيال الشّهيديْن المذكوريْن، إلاّ أنّ خذلان الجهاز التّنفيذيّ – وقد دخل رئيسه بيت طاعتهم – للعزْم الرّئاسيّ حال دون نجاح هذه المهمّة، فقُبِر الملفّ.

ولمّا كان الأغلب على مسار رئيس الدّولة إنّما هي تجربته الدّبلوماسيّة، فقد سعى إلى توظيف علاقاته الدّوليّة الشّخصيّة ومكانته المرموقة بين قادة العالم لاستصدار قرارات أمميّة تقضي بتصنيف تنظيم الإخوان-إمارة إفريقيّة ضمن قائمة المنظّمات الإرهابيّة. إلاّ أنّ كلّ المؤشّرات تفيد بأنّ مسعى رئيس الدّولة في هذا الصّدد لن يكلّل بالنّجاح. والسّبب في ذلك ما أعلنه الباجي قائد السّبسي من تحفّظ إزاء ما يخطّط له كبار العالم من عمليّات عسكريّة في المنطقة، وبالمقابل عدم إستنكاف قياديّي التّنظيم عن تقديم أيّة خدمة لهذه القوى الأطلسيّة لقاء تثبيتهم في الحكم لقناعتهم الرّاسخة بأنّ الخروج منه يعني آليًّا إمّا عودتهم إلى المنفى أو دخولهم السّجن، وأحسن دليل على ذلك التزام المرشد الأعلى بصفته”الشّريك الأوّل في الحكم” – كما يحْلو له ترديده – للسّلطات الأوروبيّة ممثّلة في شخص وزير الخارجيّة الألماني بتأمين عودة “أبنائه المتحمّسين الذين يذكّرونه بشبابه” العائدين من “بؤر التّوتّر” والمدعوّين في المستقبل المنظور للقيام بمهامّ في منطقة المغرب العربي لا تقلّ نبلاً عن تلك التي قاموا بها في سوريا والعراق.

خيانة الباجي قائد السّبسي وعجز الطّبقة السّياسيّة عن كبح جماح المارد الإخواني

وإزاء هذا الواقع المرير لم يتبقّ للباجي قائد السّبسي، بعد خيانة ذويه وخذلانهم له وعجز الطّبقة السّياسيّة عن كبح جماح المارد الإخواني من جهة، وتمرّس التّنظيم على توظيف نقاط ضعف النّظام الدّيمقراطيّ لمصلحته الإنتخابيّة من شراء لذمم المعوزين من النّاخبين أو توظيف للمنشآت الدّينيّة خدمة لدعياته الحزبيّة (والمعَوّل في ذلك عدا أيمتّهم وخطبائهم على وزيرهم الذي حرصوا على تنصيبه في موقعه الحاليّ)، من جهة أخرى، سوى السّعي إلى لمّ شتات الدّول المتضرّرة والمُهدَّدة في كيانها من قبَل التّنظيم الإخواني، بدءًا بمصر والجزائر، للخلاص إلى بيان يدين ويجرّم هذا التّنظيم، وذلك بمناسبة القمّة العربيّة المزْمع تنظيمها تحت إشراف رئاسة الجمهوريّة التّونسيّة في غضون هذا الشّهر.

ولعلّ إصرار رئيس الدّولة على حضور القمّة الأوربيّة العربيّة الأخيرة في مصر كان لتهيئة الأجواء والأذهان في سبيل تبنّي هذا القرار من أبرز قادة العرب. عسى أن يمثّل مثل هذا القرار العربيّ ورقة ضغط على الجهات الأطلسيّة الدّاعمة لوجود وتحرّك هذا التّنظيم الإرهابيّ والممعنة من ثمّة في ممارسة سياسة الأرض المحروقة.

ولمّا كانت تجربة الرّجل الدّبلوماسيّة الضّاربة في القِدَم قد أخْبرَته بأنّ العرب لم يتّفقوا في سالف الأيّام سوى على ألاّ يتّفقوا، بحيث أنّ عمليّة إجهاض مسْعاه الدّبلوماسيّ قد تصْدُر عن الجهات الأقلّ شهرة بمساندتها للأخطبوط الإخوانيّ، فقد أوْفَد نجْله بقصْد مزيد الضّغط على المرشد المحلّي للإخوان كاشِفًا له عن عزم رئيس الدّولة السّعْي إلى إستصدار هكذا قرار من القمّة العربيّة القادمة، معزّزًا ضغطه هذا، في إشارة واضحة إلى ملفّات تنظيم الإخوان-إمارة تونس القضائيّة، بالإعلان عبر مصالح الرّئاسة عن “كلمة تاريخيّة” سيتوَجَّه بها رئيس الدّولة في المنظور من الأيّام للشّعْب التّونسيّ، علمًا بأنّ لجوء السّبسي لمثْل هذا التّكتيك قد عهدناه من ذي قبل في أكْثر من مناسبة، ثمّ ما فتئ أن يتمخّض الجبل…

فلو كانت إرادة الرّجل السّياسيّة صادقة لفعَّل الفصل الثّمانين للدّستور كما هو مُخَوَّل لفعله في صورة حدْثان الخَطَر الدّاهم، وهل من خطر أشْنَع لا على مسْتَقْبل الدّيمقراطيّة في بلادنا فحسب، بل على الدّولة التّونسيّة برمّتها، أمّا وأنّ واقع الأمر على ما وصفنا، فلْيسْمح لنا “فان كلوب “البجْبوج” بالتّساؤل عن مدى جدوى إصْرار الباجي قائد السّبسي، ضدّ منطق وعبَر التّاريخ، على انتهاج سياسة اللَّعِب مع الوُحوش، بكرّه وفرّه إزاء المارد الإخوانيّ المحلّيّ، فالنّتيجة الوحيدة التي آل إيها هذا التّكْتيك العقيم هو تيْئيس التّونسيّين لا من ساسته فحسب، بل من الدّولة أصلاً، وهو الأمر الأخطر.

* جامعي وكاتب.  

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس : 

طقوس “عيد النّحْر” و”رجْم الشّيْطان” الهَمَجيّة ليست من الشّعائر المُسْتَحَقَّة من المُسْلِمين

في ردّ ابن عاشور على الوهابيين…

جامع الزّيتونة: منارتنا العلميّة المعمورة وغياهبهم الظّلاميّة المهجورة

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.