الرئيسية » السّلفية الجهادية في تونس: نشأتها وأسباب تناميها وإمكانية إحتوائها؟ (2-3)

السّلفية الجهادية في تونس: نشأتها وأسباب تناميها وإمكانية إحتوائها؟ (2-3)

شيوخ الوهابية يستقبلون بالأحضان في تونس: عائض القرني يتوسط البشير بن حسن والحبيب اللوز. 

في الجزء الثاني من هذه الدراسة  يتعرض الباحث إلى الأسباب الإجتماعية والثقافية والسياسية لتنامي ظاهرة السلفية الجهادية في تونس في فترة ما قبل ثورة 14 جانفي 2011 وما بعدها.

بقلم الأسعد بوعزي *

2. أسباب تنامي السلفية الجهادية

لم تشهد السلفية الجهادية منذ نشأتها في ثمانينات القرن الماضي إلى أواخر سنة 2010 أيّ نموّ في عدد المنتسبين إليها من شانه أن يغير تركيبة المجتمع التونسي ونمط عيشه ويعود ذلك بالأساس إلى تشديد قبضة النظام على كل التيارات الإسلامية.

وبعد إنهيار النظام سنة 2011 وانكسار جدار الخوف وانتهاء الوصاية الدينية للدولة على التونسيين، ظهر ما يشبه الإنفلات في كل الميادين ومنها الشأن الديني حيث برزت ثقافات دينية جديدة لم يعهدها المجتمع التونسي وعلى رأسها التيّار السّلفي وخاصة المتشددين منه المعادين للنظام الديمقراطي والجمهوري والمكفرين لكل من يخالفهم الرؤية في مفهوم الإسلام والدولة والمنادين بتطبيق فريضة الجهاد لقلب النظام وإقامة الإمارة الإسلامية بقوة السلاح.

إن الملفت للانتباه في هذا التنظيم المتوحش والمارق عن القانون هي قدرته عن الاستقطاب والتعبئة وهو ما عكسه مؤتمره الأول بالقيروان حيث شارك فيه عدة آلاف من المنتسبين إلى هذا الفكر الهدّام ولا شكّ أن عدّة عوامل ومسبّبات ساهمت في تنامي هذا التنظيم كالخلايا السرطانية لعلّ من أهمّها:

1.2. ما قبل ثورة 14 جانفي 2011

أ) أسباب امنية :

• إحكام النظام قبضته على المجتمع ووضعه تحت وصايته من حيث المعتقد والضمير وشعور ألإسلاميين على مختلف توجهاتهم بالمحاصرة والاستضعاف في بلدهم وتعرض العديد منهم لإنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وصلت إلى حدّ القتل تحت التعذيب وهو ما دفع العديد منهم إلى التطرّف واللّجوء إلى العنف لمحاربته.

• إنخراط تونس في التحالف الدّولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ما سمح للنظام باغتنام الفرصة ليستهدف الإسلاميين رغبة في استئصالهم، وهو ما جعلهم يشعرون بأنهم في حرب من أجل البقاء ضد عدوّ داخلي (النظام) وآخر خارجي (الغرب) لذلك تراهم يسارعون بالإلتحاق ببؤر التوتر أينما ظهرت في العالم الإسلامي للجهاد ضد القوى الغربية عندما تكون طرفا فيها مثلما جدّ في أفغانستان والعراق والبوسنة.

ب) أسباب سياسية

• هيمنة الحزب الحاكم على الحياة السّياسية وتزويره للإنتخابات سنة 1989 عندما شارك فيها الإسلاميون بصفة مستقلين.

• تقاعس الدولة (حسب رأي السلفية الجهادية) في نصرة المسلمين والأقليات المسلمة في بعض مناطق العالم، وتحالفها مع قوى غربية معادية للإسلام ومناصرة للصهيونية التي تحتل فلسطين.

• ظهور القاعدة بقيادة بن لادن (بعد أحداث 11 سبتمبر2001) كتنظيم إسلامي عالمي قادرا على تحدّي أمريكا في عقر دارها ومحاربتها وإلحاق الهزيمة بها على غرار ما تمّ بأفغانستان والعراق، وهو ما إستهوى الشباب التونسي كغيره من الشباب في البلدان العربية والإسلامية ودفع بالكثير منهم إلى الإنخراط بصفوف هذا التنظيم.

ت) أسباب اجتماعية

• فشل الدولة في رسم مناهج تربوية وتعليمية صحيحة ما أدّى إلى تفسّخ في الهوية لبعض من الشباب الذي فقد توازنه القائم على الإعتدال في كل أمور الدّنيا والآخرة ولجوء البعض الآخر إلى قنوات دينية وثقافية مغرضة لكسب هويّة لم يتربى عليها أجدادنا. كما أخفق النظام في التعاطي مع ملف الشباب في ضلّ أزمات اقتصادية واجتماعية خانقة واستفحال البطالة وانسداد منافذ الهجرة حيث أصبح البحر مقبرة لشباب يائس أصبح يفضّل الموت في “الجهاد” على الموت غرقا.

• تهميش الشباب وعدم تأطير المراهقين المنقطعين عن الدراسة وتركهم فريسة للمترصدين بهم من القوى الظّلامية الناشطة في المساجد والزوايا وعبر منتديات الانترنت لإستقطابهم وغسل أدمغتهم قبل الزّجّ بهم في حروب لا تهمهم في شيء مستغلين في ذلك سجاذة عقولهم وفورتهم الشبابية.

• تفشى الفساد في كل مؤسسات الدولة وغياب العدالة الاجتماعية والحكم الرشيد وانسداد الأفق وضبابية المستقبل أمام الشباب العاطل عن العمل وغياب البرامج التنموية الناجعة واتساع الهوّة بين الشريط السّاحلي والمناطق الدّاخلية وتضييق الخناق على الحرّيات الفردية دفعت بهذا الشباب المحاصر إلى اليأس واللّجوء إلى الخيار الجهادي والمشاركة في حروب لا دخل له فيها (أفغانستان والصومال والعراق ومالى وسوريا) كبديل حقيقي لحل أزمة استغلال طاقته الوهّاجة.

ث) أسباب ثقافية ودينية

• في مقال صدر بالموقع الالكتروني “نواة” بتاريخ 8 جانفي 2007، فسر الأستاذ والحقوقي فتحي نصري تنامي السلفية الجهادية في تونس (ما أدى إلى وقوع أحداث “سليمان” التى جدت في نفس الأسبوع) بسياسة “تجفيف المنابع” التي لجأ إليها النظام في العشرية الأخيرة من القرن الماضي لإستئصال الإسلاميين حيث ذكر “أن السلطة الحاكمة لجأت إلى محاربة الدين الإسلامي عبر إجبار الشباب على هجر المساجد والإعتقال لمجرد الشبهة وغربلة الأمن والجيش من العناصر المتدينة، ومحاربة الخمار وإجبار الفتيات على خلعه و منعهن من التعليم، باختصار محاربة مظاهر التدين في البلاد ومحاولة طمس الهوية الإسلامية”، ليستخلص بعد ذلك ” أن العنف ثقافة قبل أن يكون جريمة، وهو يولد فكرة ليتحول إلى واقع إذا توفرت مبرراته على أرض الواقع”.

ومن الملفت أن كلّ الإسلاميين المتواجدين على السّاحة اليوم يتبنّون نفس التفسير ويبررون تنامي السلفية الجهادية وتفشّي الإرهاب بسياسة “تجفيف المنابع” ولعلّ خير دليل على ذلك ما صرح به راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة لوكالة الأناظول (2014) في تعقيب له على إنتشار السلفية الجهادية بين الشباب في تونس حيث قال : ” أن هؤلاء هم ضحايا عصر القمع والجهالة وتجفيف منابع الإسلام والسياسة التي سلكها النظام السابق التي منعت التعليم الديني في تونس مما جعلها أرضا منخفضة تهبّ عليها ريح السموم من الخارج”.

وإن كنت لا أعارض هذا الطرح في مجمله إذ كان على النظام تشجيع الإسلام وفق المدرسة الزيتونية المعتدلة وطبقا للمبادئ السّمحة التي دعى إليها علماؤنا وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الفاضل بن عاشور، فاني ألوم على هؤلاء الإسلاميين عدم إعترافهم بان هذا التنظيم الذي يكفّر التحزّب ويرفض الديمقراطية ولا يحتكم إلى تشريع وضعي دون شريعته كان بإمكانه (لو وجد المساحة الكافية) أن يتنامى أكثر وينقلب على نظام الحكم ليقيم الخلافة الإسلامية لو لم يتم التضييق عليه.

• مقابل سياسة “تجفيف المنابع” تعرض الأستاذ فتحي نصري إلى سبب آخر ساعد (حسب رأيه) على تفشي السلفية الجهادية وهو “تشجيع ثقافة التفسّخ والعري ما شجع على انتشار الجريمة وتفشّي المخدرات في المعاهد والكليات، وعلى المستوى السياسي بلغ الاحتقان والتصحّر ذروته رغم الدعوات العديدة لقوى المعارضة الحقيقية للحوار والمصالحة الوطنية، ذلك أن مؤسسة أخذ القرار بدأت تتوزع على عدة رؤوس خاصة بعد تأكد مرض الرئيس. في هذا المناخ نشأ هؤلاء الشباب الذين لم يجدوا من يؤطرهم التأطير الصحيح ويجنبهم ويلات الوقوع في براثن العنف المضاد والمدمر، فكانت ردة فعلهم على هذه السياسة اختيار الطريق الأسهل وهو مجابهة عنف الحزب الحاكم بالعنف والسلاح”.

2-2) مابعد ثورة 14 جانفي 2011

أ) الأسباب الأمنية المحلية منها والإقليمية

• بعد سقوط النظام وما تبعه من وهن في المنظومة الأمنية وحلّ الجهاز المكلف بأمن الدولة بوصفه البوليس السياسي، خرج المارد من قمقمه وأصبح التونسيون يرون في أحيائهم جحافل من بوليس “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وتم إعلان إمارة سجنان التي تقيم فيها المحاكم الإسلامية الحدود على التونسيين ممن خالف السلفيين في أفكارهم التكفيرية ونمط عيشهم البدائي.

ولمعرفة حجم هذا المارد الذي فاجئ التونسيين، يكفي أن نقدّر عدد المشاركين في تظاهرة 16 مارس 2012 (التي غصّ بها شارع الحبيب بورقيبة) المطالبة بسن دستور منبثق من الشريعة الإسلامية والرّافعة لشعار “دستور من الإسلام آو الموت الزّؤام”.

• سقوط النظام الليبي وتفكك الدولة وما تمخض عنه من حرب أهلية بين فصائل متناحرة ساعدت على تغلغل السلفية الجهادية واحتلالها لمواقع على حدودنا الجنوبية ما ساعد على تقوية شوكة السلفية الجهادية بتونس بالأسلحة والخبرات القتالية ليتسنى لها بعد ذلك محاربة الدولة والقيام بعمليات إرهابية غير مسبوقة.

ب) الأسباب السياسية

• تغاضي حكومتي “الترويكا” الأولى والثانية بقيادة النهضة عن التصدّي للتيارات الدينية المتشددة بدعوى تجنّب التضييق عن الحريات الفردية فكثرت الخيام الدعوية وتوافد على تونس الكثير من مشايخ الجهاد والتكفير لبثّ روح الفتنة والتفرقة بين التونسيين حيث زارها كلّ من عمرو خالد والوهابي محمد موسى الشريف الذي تم استقباله من طرف القيادي في النهضة الصادق شورو والمصري وجدي غنيم الذي كان مصحوبا خلال زيارته بالحبيب اللوز.

• فقدان الدولة الرقابة عن المساجد ما أدى إلى ظهور تنظيمات دينية فوضوية تستمدّ مشروعيّتها مباشرة ممّا تعدّه سلطة إلهيّة من ناحية، وتشجيع الشباب من طرف بعض القيادات الإسلامية البارزة على الالتحاق بالجهاد في سوريا من ناحية أخرى.

• تدخل بعض الأنظمة الإسلامية المتطرفة في الشأن التونسي لغاية الإجهاض عن الثورة والحيلولة دون تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها وتقسيم المجتمع التونسي إلى مسلمين وعلمانيين ومحافظين وحداثيين في مسعى إلى ضرب الوحدة الوطنية صمّام الأمان للشعب التونسي.

ت) الأسباب الاجتماعية

• بقي التهميش لفئة كبرى من الشباب على ما هو عليه قبل الثورة حيث يقول الدكتور محمّد الحاج سالم في دراسة أعدّها المعهد التونسي للدّراسات حول السلفية الجهادية في تونس: الواقع والمآلات، “إن الشباب الجهادي في تونس هو شباب مهمّش في مجال حضريّ مهمّش لا يرى في الدولة والمجتمع إلاّ وجههما التسلّطي الإقصائي، ولا سبيل إلى ردّ العنف المادّي والرمزي للدّولة والمجتمع إلاّ بعنف آخر يوازيه في القوّة ويهزّه في العمق. ولا بدّ من التنبيه إلى أنّ استمرار عدم الإستقرار السياسي ومناخ التهميش والإقصاء لفئات من المجتمع من شأنها تغذية الإندفاع نحو تبنّي الإيديولوجيا السلفيّة وخاصّة تعبيراتها القصوى الجهاديّة”.

وفي هذا الإطار وجب الإشارة إلى أنّ انتساب الكثيرين للتيّار السلفي لم يكن لأسباب فكريّة أو عقاديّة بقدر ما كان من أجل منفعة شخصية وإنتهازيّة يُرجى من ورائها تحسين الوضعيّة الماديّة والاجتماعيّة لفئة من الشباب التي عرفت بالإجرام واتجارها بالخمور والمخدرات.

• تفشّي الجمعيات الدّاعمة للتيارات الإسلامية ومنها السلفية الجهادية تحت غطاء جمعيات خيرية مشبوهة من حيث مصادر التمويل ومشكوك في أمرها من حيث ولائها للوطن.

يتبع.

* عقيد بالبحرية متقاعد.

المقال السابق : 

السّلفية الجهادية في تونس: نشأتها وأسباب تناميها وإمكانية إحتوائها؟ (1-3)

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

حول الإضراب العام : ما يستوجب على التونسيين لتجاوز هذه السّنة المفصليّة بسلام

الشرطة البيئية: حتّى لا نفرّط في جهاز ذي بعد استراتيجي

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.