الرئيسية » حول مزيد تنظيم وتقنين عملية مكافحة الفساد في المالية العمومية في تونس

حول مزيد تنظيم وتقنين عملية مكافحة الفساد في المالية العمومية في تونس

الندوة الصحفية التي أقامها أمس أعضاء جمعية إطارات الرقابة والتفقد والتدقيق بالهياكل العمومية التونسية. 

هل أعدت تونس الأطر الواضحة للتمييز بين أخطاء التصرف في الأموال العمومية التي يمكن وقوعها أثناء مباشرة المهام وبين الأخطاء المقترفة ذات الخلفية الجنائية ؟  ثم ألا يستلزم هذا النوع من التحقيقات وجود إطارات مختصة ذات خبرة عالية في الرقابة الإدارية و المالية يفتقدها القضاء العدلي في تونس ؟

بقلم فوزي عبيدي

الحرب ضد الفساد هي من أهم المطالب الشعبية و أحد أولويات الدولة ضمن مبدأ تعزيز الشفافية على مستوى التصرف في الأموال العمومية لإضفاء مزيد من الشفافية والعدالة في تدخلات المرفق العمومي تجاه المجموعة الوطنية، وهو ما يعطي ديناميكية أكثر للإقتصاد الوطني وتجاوز الخسائر المباشرة وغير المباشرة للفساد وتحسين مؤشرات تنافسية الإقتصاد الوطني.

لكن يجب أن نحذر من أن تكتسي هذه الحرب صفة التعسف وأن تكتسي صبغة الحسابات السياسية والإنتخابية وعدم وضع الإطارات الإدارية المنوط بعهدتها التسيير الفني لدواليب الدولة في وضع العاجز، وهذا لكي لا تحيد هذه الحرب عن أهدافها ومبادئها السامية.

التصرف في المرفق العمومي تحكمه أطر قانونية معقدة

فهل نحن قمنا بإعداد الوسائل المناسبة لتشخيص الإطار القانوني لسوء التصرف الإداري والمالي في المرفق العمومي؟لأن التصرف في المرفق العمومي عنده أطر قانونية تحكمه في بعض الأحيان معقدة.

كذلك هل أعددنا أطر واضحة للتمييز بين أخطاء التصرف التي يمكن وقوعها أثناء مباشرة المهام وبين الأخطاء المقترفة ذات خلفية جنائية؟ كما أن هذا النوع من التحقيقات يستلزم وجود إطارات مختصة ذات خبرة عالية في الرقابة الإدارية و المالية يفتقدها القضاء العدلي.

هذه التساؤلات التي تشغل الكثير من المسؤولين والإطارات طفت إلى السطح من جديد بعد إيقاف العديد من المسؤولين بولاية جندوبة على خلفية شبهات فساد بالصفقات العمومية ومن ضمنهم المراقب الجهوي للمصاريف العمومية وذلك للتحقيق في إسناد بعض الصفقات العمومية.

وهذا ما أثار حفيظة جمعية إطارات الرقابة والتفقد والتدقيق بالهياكل العمومية التونسية التي إعتبرت أن المراقب الجهوي للمصاريف العمومية قام بدوره على أكمل وجه طبقا لما يقتضيه تنظيم الصفقات العمومية حسب الأمر عدد 1039 لسنة 2014 مؤرخ في 13 مارس 2014 حيث تمت المصادقة على الصفقات تبعا لمقتضيات هذا الأمر مرورا بجميع المراحل وحسب الوثائق المقدمة لكل صفقة، كما قامت الجمعية على نفس الخلفية بعقد ندوة صحفية بمشاركة ممثلين عن الهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية ومختلف هيئات الرقابة العامة.

تنظيم عمل الأطراف المتدخلة

التصرف في الأموال العمومية يخضع لمنظومة معقدة من القوانين الإدارية ومبادئ المالية العمومية والنصوص الترتيبية المنظمة للصفقات العمومية والبحث فيها عن أخطاء التصرف أو الجرائم الجزائية تتطلب خبرة ودراية كبيرة لبحث الوقائع وتكييفها القانوني.

لذلك من المهم تقنين هذه العملية ضمن القانون الجنائي بحيث يكون التحقيق في القضايا التي يكون موضوعها التصرف في المالية العمومية بصفة عامة موضوع تسخير لخبراء في المالية العمومية من بين هياكل الرقابة المستقلة وتعديل بعض الفصول من المجلة الجنائية كالفصل 96 لتتماشى مع هذا التمشي، أو أن تكون عملية الإحالة على القضاء العدلي صادرة من هياكل الرقابة الإدارية والمالية عند توفر معطيات وجود شبهات جرائم جنائية كالإنتفاع بمصالح خاصة مقابل الإضرار بالمرفق العمومي وهذا يتطلب هيكلة نظام الرقابة الإدارية و المالية.

هيكلة نظام الرقابة الإدارية و المالية

في البداية يجب الإشارة إلى ضرورة المراجعة الجذرية لمهام الرقابة الإدارية و المالية من خلال إعادة هيكلتها وتعزيز تموقعها ومنحها الإستقلالية الوظيفية عن السلطة التنفيذية بحيث تكون مؤسسة عمومية ذات صبغة غير إدارية تتمتع بالإستقلالية القانونية والمالية ضمن قانون أساسي ينظم أعمال التفقد ويوفر الحماية القانونية وآليات التحفيز الضرورية لأعوان التفقد مما يمكنهم من أداء دورهم في مجال ترشيد التصرف في الأموال العمومية، نظرا لأن أهم عائق تواجهه عملية التفقد الإداري و المالي الآن هي حالة التشتت فهناك أربعة هياكل للرقابة: إدارات التفقد الملحقة بالوزارات، هيئة الرقابة العامة للمالية التابعة لوزارة المالية، الهيئة العليا للرقابة الإدارية و المالية التابعة لرئاسة الجمهورية وهيئة الرقابة على المصالح العمومية التابعة لرئاسة الحكومة. لذلك وجب توحيدها في هيكل واحد مستقل مع إعطاءه الإمكانيات البشرية واللوجستية والمادية اللازمة.

الإصلاح لا يجب أن يشمل الهيكلة فقط بل يجب أن يشمل كذلك إصلاح منهجية ومخرجات عمليات الرقابة من خلال اقتراح مهام رقابية باعتماد المقاربة المبنية على تقييم المخاطر و التدقيق الداخلي الذي يمكن من معاينة مدى تطابق الإجراءات الإدارية و المالية مع ما تم تطبيقه على أرض الواقع، من جهة أخرى العمل على تقنين مخرجات العمل الرقابي خاصة نشر نتائج التقارير الرقابية وعملية المتابعة للثغرات المسجلة في المؤسسات العمومية الإدارية المعنية مع توجيه الملفات ذات صبغة جنائية نحو القضاء العدلي و الملفات ذات أخطاء التصرف المقترفة في حق الدولة و الجمــاعات المحلية والمؤسســات نحو دائرة الزجر المالي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.