الرئيسية » شكري بلعيد ضحية الصراع التاريخي بين اليسار و الإخوان المسلمين

شكري بلعيد ضحية الصراع التاريخي بين اليسار و الإخوان المسلمين


لقد أصاب إغتيال شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013 الشعب التونسي بصدمة جعلته يعي خطورة الإنقسام السياسي الذي تحول من الركن الضيق للجامعة منذ الاستقلال إلى يوم 14 جانفي 2011 ليتطور إلى إنقسام يغطي كامل التراب التونسي ليتسرب من النخبة إلى الشعب.

بقلم إيهاب الغربي *

حادثة الإغتيال السياسي لزعيم اليسار التونسي ليست سوى محصلة الصراع التاريخي الحاد الذي طبع العلاقة المتأزمة بين الإخوان واليسار في العالم العربي وفي تونس فكيف ذلك؟

كان تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 مرتبطا بفكرة إحياء مشروع الخلافة الذي تبع سقوط العثمانيين وإلغاء أتاتورك لنظام الخلافة و نبذه للدين ودعوته إلى علمنة الدولة على الطراز الأوروبي.

أثارت الخطوات التي قام بها أتاتورك لإستئصال الدين من الدولة سخط شيوخ الأزهر والمؤسسات الإسلامية في مصر، وهو ما جعل تلميذ المصلح الاسلامي محمد عبده الشيخ رشيد رضا يتجه إلى دعم مؤسس المملكة السعودية عبد العزيز من أجل إعادة إحياء الخلافة الإسلامية. خاصة أن داعمي الثورة العربية ضد الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى كانوا يطمحون إلى إنتزاع الخلافة من تركيا الفتاة العلمانية، وإعادتها إلى العرب وليس القضاء عليها.

مشروع استعادة الخلافة الإسلامية من جديد

في هذه الأجواء، بزغ نجم حسن البنا إلى المشهد المصري ليتزعم هذا المشروع، ويسعى إلى منافسة عبد العزيز في السعودية و الملك فيصل في العراق إضافة إلى الملك عبد الله في الأردن من أجل إستعادة الخلافة من جديد.

وقد سعى البنا و إخوانه إلى إقناع الملك فؤاد ثم فاروق للتوجه نحو إنتزاع الخلافة لمصر. لكن تنظيم الإخوان لم يكن تنظيما تقليديا بل إنه تنظيم محكم إلى درجة تجعل المدقق يشك في كون البنا قد تلقى دعما خارجيا في بناء جماعته خاصة وأن التطابق رهيب بين التنظيم الهيكلي للإخوان والتنظيم الهيكلي للتنظيمات الماسونية. فجماعة البنا تتركب من (محب – عضو – أسرة – شعبة – محافظة – المرشد ) فيما يتكون التنظيم الماسوني من (محب – عضو – معلم – أستاذ – محافظ – قوس أعظم).

ونلاحظ أيضا أن المرشد يأخذ مكان القوس الأعظم عند الماسونيين. كما أن طموح العرب للخلافة لم يكن بريئا بل كان بتحريض من التنظيمات الماسونية وبريطانيا وفرنسا منذ أواسط القرن 19 من أجل اقتسام التركة العثمانية وخلق إنقسام بين العرب والترك أدى إلى ثورة العرب التي عجلت بسقوط الخلافة الاسلامية وساعدت على هجرة اليهود إلى فلسطين خاصة أن وجود نظام الخلافة الإسلامي كان عائقا أمام الصهاينة الإنجليز واليهود الذين يسعون للسيطرة على الذهب الأسود في الشرق الأوسط.

استغلت بريطانيا واليهود التيارات الإسلامية المتطرفة من أجل محاربة الاصلاحيين المسلمين أمثال الأفغاني ومحمد عبده والشريف حسين قائد الثورة العربية، وأحدثت شرخا بين هؤلاء والقوميين خاصة أن التيار القومي قبل سقوط الخلافة في العشرينات لم يكن يميز بين الإسلام والقومية. ولم يكن ذلك صدفة بل كان تخطيطا محكما من البريطانيين الذين تحالفوا مع آل سعود الوهابيين، ونصبوا عبد العزيز ملكا للقضاء على الشريف الحسين الذي كان يحمل مشروعا قوميا ممزوجا بإسلام تحديثي يتناقض تماما مع تطرف آل سعود وابن عبد الوهاب.

تغذية فكرة الإسلام المتطرف في مصر

كما أن الدعم الذي تلقاه حسن البنا من شركة قناة السويس في تمويل جماعته والذي تتابع بدعم من عبد العزيز من خلال تمويل السعودية إلى حركة الإخوان في الثلاثينات من القرن الماضي لم يكن سوى بتعليمات بريطانية من أجل تغذية فكرة الإسلام المتطرف في مصر، والذي يتيح لبريطانيا محاربة حزب الوفد والسعديين وحركة مصر الفتاة التي تعتبر نواة الحركة القومية المصرية خاصة أن هذه الأحزاب كانت تدعو لاستقلال مصر .

في أواخر الثلاثينات شرع حسن البنا في تكوين جهازه السري المستوحى من تنظيم الجوالة الذي كان يستعمل لقمع معارضي الإخوان وهو تنظيم مستوحى من الانظمة الفاشية والنازية التي كانت تحكم إيطاليا وألمانيا وإسبانيا حينها.

قامت بريطانيا سنة 1942 بتمويل الإخوان المسلمين مباشرة في وقت اشتداد معارك الحرب العالمية الثانية بين الحلفاء والمحور، وذلك لسحب الدعم الديني الذي كان يقدمه الإخوان لهتلر بإعتبار أن البنا كان حليفا لفاروق الذي دعم هتلر في السر والعلن ضد الإنجليز .كما ساهم تهديد الإنجليز لفاروق بنزعه عن العرش إذا ما واصل دعمه للألمان في ميل البنا إلى كفة السفارة البريطانية على حساب فاروق ،وهو ما جعل تنظيم الإخوان يتحول من مرحلة الصدام مع العرش بدعم من بريطانيا إلى مرحلة الإغتيالات السياسية لزعزعة إستقرار عرش فاروق.

خيانة الإخوان ومسلسل عمالتهم لبريطانيا

ليبدأ مسلسل إغتيالات التنظيم السري من 1945 إلى 1948 حصد نخبة من مشاهير السياسة المصرية أمثال أحمد ماهر ومحمود فهمي النقراشي الذي نادى بالاستقلال الذي عارضه الاخوان، وباركوا بقاء الانجليز في مصر بدعمهم لحكومة صدقي باشا العميلة لبريطانيا ضد الإستقلال.

كما أن الإخوان ضغطوا على حكومة النقراشي بإيعاز من بريطانيا لدخول حرب 1948 التي كانت حربا صورية، خاصة أن الجيش المصري ضعيف حينها والجيوش العربية الأخرى كانت عميلة للأمريكان وكانت مشاركة الجيش المصري إستنزافا لقدرات هذا الجيش حتى تجد بريطانيا ذريعة لبقائها في قناة السويس بتعلة حماية مصالحها وبالتالي عدم منح مصر إستقلالها.

إذن فقد كانت حرب 48 مؤامرة بريطانية إخوانية من أجل منع الدول العربية من التفكير في التحرر من سلطة الإستعمار وإحباط شعوب هذه الأمة من خلال حرب متفق على نتيجتها بين ملوك العرب العملاء والبنا وبريطانيا، بإستثناء فاروق الذي غرر به في دخول هذه الحرب المزيفة رغم معرفته بنتيجتها مسبقا. خيانة الإخوان دفعت بالنقراشي إلى حل جماعة البنا واعتقال أعضائها خاصة بعد إكتشاف حقيقة الجهاز السري، الذي كان وراء كل عمليات الاغتيالات والتفجيرات التي روعت مصر طوال الأربعينيات.

لكن هذا لم يمنع الإخوان بدعم بريطاني من تصفية النقراشي الرجل الوطني الذي لم يهادن بريطانيا، ولم يتنازل عن المطالبة بالإستقلال. غير أن نفاق البنا لم يكن له حدود وهو الذي نفى صلته بتنظيم الجهاز السري وهذا ما قال البنا في رفاق دربه الذين دفعوا حياتهم إرضاء لمرشدهم المجرم : »وقع هذا الحادث الجديد، حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام، وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين». وهذا الإعلان هو هوية الاخوان المسلمين الحقيقية فهم ليسوا سوى مخاوزين منافقين ينقلبون على صديق اليوم و يتحالفون مع عدو الأمس حسب مصالحهم الذاتية لا الوطنية أو القومية.

ويستمر مسلسل عمالة الإخوان للغرب، من خلال تحالف خفي بينهم وبين الإنجليز سعيا لإسقاط نظام عبد الناصرالذي عادى بريطانيا ودعا إلى تأميم قناة السويس فحاول الإخوان تصفيته في 54، كما تعاونوا مع السعودية من أجل محاربة المشروع الناصري الذي سعى إلى توحيد الأمة العربية وتأميم إقتصاد الأقطار العربية.

وقد لعبت أمريكا وبريطانيا دورا كبيرا من خلال تبنيها لقيادات الإخوان في المهجر وتمكينهم من بسط أفكارهم المتطرفة في كامل أرجاء العالم .وفاة عبد الناصر كانت الشعلة التي أطلقت الصراعات الإيديولوجية في العالم العربي خاصة في ظل تراجع سطوة القوميين على اليسار وتبني السادات عميل الأمريكان للإخوان من أجل محاربة الاتحاد السوفياتي ،فبدأ عصر الصراع اليساري الإسلامي في مصر والعالم العربي.

كان تبني السادات لسياسة الانفتاح الإقتصادي وإقتصاد السوق مناقضا لسياسة عبد الناصر الاشتراكية، وإعتماد إقتصاد التخطيط المركزي وهو ما جعل اليسار المصري الذي واجه عبد الناصر في الستينات يدعم التوجه القومي لعبدالناصر وقد تجسد ذلك من خلال إنضمام الحزب الشيوعي المصري إلى الإتحاد الإشتراكي العربي، وهي فترة عرفت تحالف اليسار مع القوميين.لكن قدوم السادات الليبرالي الإخواني إلى السلطة جعل الصراع يبلغ ذروته بين اليسار والإخوان، ويعود أصل هذا الخلاف إلى إنتماء اليسار إلى المعسكر السوفياتي فيما ينتمي الإخوان إلى المعسكر الليبرالي.

ظهور الجماعة الإسلامية وتغييب اليسار في تونس

في تونس، شهدت فترة السبعينيات نفس السيناريو المصري حيث أدى التحول من النموذج الإشتراكي في الستينات في عهد الزعيم النقابي أحمد بن صالح إلى النموذج الليبرالي في عهد الهادي نويرة في السبعينات إلى صدام بين اليسار التونسي المدعوم من الإتحاد التونسي للشغل وبورقيبة الذي إختار النموذج الليبرالي وإتجه إلى الخوصصة بدلا من التخطيط المركزي.

في هذه الفترة طفت على الساحة التونسية جماعة تدعى بالجماعة الإسلامية، والتي كانت مدعومة من الإخوان في مصر ومن بورقيبة في الداخل، وشرعت في محاربة اليساريين وتكفيرهم خدمة لبورقيبة وفتحت أمام زعمائها المنابر والصحف من أجل تشويه اليسار.

كما أن تأثير المعسكر الأمريكي كان وراء دعم كل من السادات و بورقيبة للإخوان في تونس ومصر، وهو ما جعل المجتمعات العربية تتأثر بهذا الخطاب المتطرف الذي شوه التاريخ النضالي لليساريين في العالم العربي وحولهم إلى ملحدين وجب القضاء عليهم.

لتأتي أحداث 78 السنة التي أعلن فيها الإتحاد العام التونسي للشغل الإضراب العام وهو ما جعل بورقيبة يضرب بيد من حديد ضد اليسار في تونس. وأدى غياب اليسار في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، إلى اكتساح الإخوان للساحة في العالم العربي بتعلة محاربة الكفار في أفغانستان .

وقد تحول الصراع من نظام ضد اليسار في السبعينات إلى نظام ضد الإخوان في الثمانينات. فطمع الإسلاميين في السلطة في تونس أدى إلى تكوين حركة الإتجاه الإسلامي، التي حولت الجماعة الاسلامية إلى حركة الاتجاه الإسلامي التي تسعى إلى الحكم في بداية الثمانينات. وكان على رأسها راشد الغنوشي الذي تأثر بثورة الخميني في إيران وشرع في تجييش أتباعه ضد نظام بورقيبة.ثم بارك إنقلاب بن علي الذي أنقذه من الإعدام . كما حاول راشد الغنوشي من خلال عمليات منظمة في بداية التسعينات، قلب نظام بن علي ومساندة جبهة الإنقاذ الجزائري التي دخلت في صراع دام مع النظام في الجزائر.

قام بن علي بحملة شعواء ضد عناصر حركة النهضة وريثة الإتجاه الإسلامي في بداية التسعينات مما أكسب إخوان تونس شعبية جارفة جعلتهم يكتسحون المشهد السياسي في تونس وهو ما أدى إلى تهميش دور اليسار. لكن صعود الإسلاميين إلى السلطة بعد 14 جانفي2011 جعل قوى اليسار تتوحد وتؤسس الجبهة الشعبية، وقد لعب شكري بلعيد دورا رياديا صلب هذه الجبهة وكان من أشد المعارضين لسياسة الترويكا والنهضة تحديدا وهو ما أدى إلى إغتياله.

لم يسكت إغتيال شكري بلعيد الأصوات المعارضة لحكم الإخوان حيث إزداد اليسار قوة وشعبية أكثر فأكثر، بل لعل إغتيال بلعيد خدم الجبهة الشعبية أكثر مما أضعفها.

* ناشط ومحلل سياسي.

مقال لنفس الكاتب بأنباء تونس: 

الجهاز السري في التنظيمات الإخوانية : من الإخوان المسلمين إلى حركة النهضة

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.