الرئيسية » تأسيس البدائِل السّياسيّة المُواطنيّة في أُفُق الإنْتِخابات القادِمة في تونس

تأسيس البدائِل السّياسيّة المُواطنيّة في أُفُق الإنْتِخابات القادِمة في تونس

إجتماع مبادرة “مواطنون” في المنستير.

هل يُسهم إنشاؤ البدائل السياسية وخاصة المواطنية منها وإعلان ترشُحها إلى الإنتخابات التشريعية والرئاسية المقرر آخر هذا العام في تجاوز جانِبٍ مِن إشْكالاتِ الْحياةِ السّياسيّة في تونس بعد الثورة؟

بقلم فتحي الهمامي *

بِاقْتِرابِ مواعِيدِها٬ تنْطلِق اسْتعِدادات الكِياناتِ السّياسيّة لِخوْضِ الإنْتِخابات القادِمة٬ رئاسيّة و تشريعيّة٬ في أفْضل ٍالأحوال. هذا يخْتارُ انْجاز مُؤتمره الدوريّ لِتنظيمِ صُفوفِه٬ وذاك يُخيّر الانْغِماس في حراكِ الشّارع النّقابي لِمدلولاتِه السّياسيّة٬ و آخر يُنظّم الاجْتماعاتِ هُنا و ناك لِحشِد الأنصارِ… وبيْن هذا و ذاك٬ تنْطلِق مشاريع تأسيسيّة جديدة من داخِل الفضاءِ الديمقراطي والتّقدمي٬ تُلاحِقُ الزّمن و تُسارِعُ الخُطى لعلّها تُسجّل حُضورها في تِلك الإسْتِحقاقات الإنتخابيّة.

مشاريع تفْتح أفُقا جدِيدا للفِعلِ السّياسي

وأعْني هُنا تِلْك المُبادرات السّياسية القادِمة من حُضْنِ المُجتمع المدني٬ والمُستمدة قيّمها و مبادئِها من نفْس مرجعيّات المُجتمع المدني٬ أيْ المبادئ الكونيّة لِحقوق الإنْسان ورُوح دستور تونس الجّديد٬ والّتي يُنشِّطُها مناضلون ومناضلات انْتمى أو ينْتمي جُلْهم إلى الحقلِ الجمعياتي.

وهْي مشاريع سياسيّة ترى في نفْسِها بالإمْكانِ أنْ تكون البديل عن السائد٬ أوْ/و أنّها تُشكّل أنموذجا حديثا للاجْتِماع السّياسي٬ أو/ و أنّها تفْتح أفُقا جدِيدا للفِعلِ السّياسي.

ومن بيْنِها أذْكرُ بِالخصوصِ مُبادرة “مواطنون” و إئْتلاف المُبادرات المدنيّة “نشارك”٬ و أُخْرى رُبّما هيّ في الطّريقِ لِلْظّهورِ.

ولكن كيْف لِهؤلاء خوْض غِمار المشْهد السّياسي بِأمواجِه المُتلاطمة٬ في حينِ تعوزُهم الإمْكانيّات لِركوبِها!؟ وكيْف سيتمكّنون من اقْتلاع مكانةٍ على السّاحة السّياسية على ضوءِ صُعوباتِ وتعْقيداتِ سُبُل الوُصولِ إليْها؟ وهلْ يأملْ هؤلاء إحْداثِ اختراقٍ لِلْحياةِ السّياسيّة بِالبدائلِ الّتي أعدُّوها و الّتي يروْنها مُغايِرة للسّائِد و المألوفِ ؟

أحزاب الطّيف التقدمي الديمقراطي:” كُلّ يُغنّي على ليْلاهِ”

تلك أسْئلةٍ تطْرح نفْسها بِإلْحاحٍ على ضوْءِ ما أكّدته وقائع الانْتخابات البلديّة الأخيرة٬ِ رغم خصوصياتِها٬ من مُعطياتٍ و هي ثلاثٍ على الأقلِ:

1- العُزوف المُتنامِي للمواطن التّونسي عن المُشاركة السّياسيّة و ارْتفاعِ منسوبِ الشّك عنْده نحو الفاعلين السّياسيين والذي تُرجم بِنسبةِ مُشاركة ضعيفٍ في الانْتخابات ٬

2- تواصُل غيابِ البديلِ التّقدمي الإجتماعي الواسع و أزمة تمْثيليتِه في الإنْتِخابات مِما انْبثق عنه تشتّت أصوات ناخبِيه وضُعف نتائج مُكوناتِه عموما٬ فكل حِزب من أحزابِ الطّيف التقدمي الديمقراطي غنّى على ليْلاهِ وكان لِكل واحدٍ منْهم – تقْريبا – عزْفهُ المُنفرِدِ٬

3 – لكِن ظهرتْ في الأثْناءِ توجُهاتٍ جديدةٍ و طريفةٍ – في الآن نفْسِه – بِمناسبةِ الإعْداد لِتلك الانْتخاباتِ٬ اتّسم أساسُها الفكري بِالانْتصار لقِيمِ الحداثة والدّيمقراطية والانْخراطِ في المنظومة الحقوقية الكونية٬ بادرت بِإطلاقِها طاقاتٍ مُنْتميّة جُلُها إلى فضاءِ المُجتمعِ المدنِي في مُدن عِدّة منْها المرسى٬ جرجيس٬ صفاقس٬ بن عروس و غيرُها.

وقد اجْتهدِتْ وحاولتْ كلُ تجْرِبةٍ و إنْ بِتفاوُتٍ على:

أ- بثّ نفسٍ جديدٍ في الحياة السّياسيّة قِوامه البحثُ عن المُشترك وبناء الثّقة٬

ب- بناء لبِنة جديدة في مسار الديمقراطية التونسية الناشئة و ذلك بترويجِ و تثْمينِ مفهوم التّشاركية ٬

ت-الخرُوج من وضْعياتِ الانْتظارِ للْوصْفات السّياسيّة الجّاهزِة القادِمة منْ فوْق٬ ومن حالِة الارْتِهانِ إلى العلاقةِ العمُوديّة القائمة في المنظومة السّياسيّة٬

ث- إعلاء مُفهومِ المُواطنة لِصفتِها المُتعاليّة عن التجاذبات النّاجمة عن المصالحِ الشّخصيّة أوْ الفئويّة .(1)

وكان – بالفِعْل – لِبعْضِ هذه التّجاربِ٬ المُتشابِهة والمُتنوّعةِ ولكِن المُتفرّقة٬ نتائجٌ مُلْفِتةٍ لِلنظرِ في بلديّة المرسى بِتوصّل القائِمة المُواطنيّة هُناك إلى تحقيقِ انْجازٍ مُهِمٍ بِحصُولِها على المرْتبة الأُولى في الإنْتخابات البلديّة٬ ومِثلُها قاِئمة أريانة٬ اللّذان سيضطلعانِ بِتسيير السّلطة المحليّة على مستوى البلديّة. فتِلك الديناميكيّات قد فتحتْ – و لوْ جُزْئِيا – باب الأملِ في التغْييرِ٬ وهي النّتيجة الأهم٬ حسْب رأْيي٬ بِسّعْيها إلى تقْديمِ تصوُرٍ مُغايِرٍ للسّائِد في مُقاربةِ السّياسةِ٬ وبِبحْثِها عنْ منافِذٍ تُحرّكُ سواكِن المُواطنِ. لِذلِك تراءى للبعْضِ٬ عشيّة الإنْتخاباتِ البلديّة و بناءً على تلك التجارُبِ٬ الإنْطلاق في تأسيسِ الجديدِ.

المجتمع المدني يتحرك لملأ الفراغ السياسي. 

من العُروض الجّديدة : “مواطنون” و”نشارك” 

بالفعل٬ انطلق الجديد يتلمس خُطاه على ضوء مُعاينتِه لِحالةِ الانْكِماشِ التي عليْها الأحزابِ التّقدميّة٬ و تعطّل روح المُبادرةِ والإنْفتِاحِ عِنْدها٬ و مُواصلِة نفْس منهجيّة التشتت٬ رغم ما سجّلْته من نتائجِ مُخيّبة للآمال في الانْتخاباتِ البلديّة٬ عِلْما أنّها لمْ تُقمْ – حتى- بِإجراءِ تقييماتٍ لِمُشاركاتها و لِنتائِجها٬ تسْتخلِص منْها الدروسِ! وهو ما شجّع عروض جديدة على طرح نفسها خِيارا للمواطن وبدِيلا عن السائد٬ و مِن بيْنِها أذكرُ عرض «مواطنون»٬ الّذي قدّمه الطاهر اللباسي “على أنّه استجابة لرغبة ملحة لدى شرائح واسعة من الشعب التونسي تبحث عن إنقاذ البلاد مما تردت فيه” (2). و يطرْحُ هذا المشروع على نفْسِه التالي׃

– إحياء الأمل لدى المواطنين في الديمقراطية٬

– وبعث حُلم وطني يُوحّد التونسيات والتونسيين حول مشروع سياسي مستقبلي٬

– وتجميع الكفاءات والقوى المواطنية الديمقراطية والإجتماعية ضمن ديناميكية سياسية تشاركية٬

– و تقديم بديل عن مُحاولات إعِادة إنْتاج مُنظومة الحُكم السائِدة.(3)

وأذكر – أيْضا – مشروعِ ائْتلاف المبادرات المدنية “نشارك”٬ الّذي يسجل بأنّه׃

– ثمّة فشلٌ ذريع لأغلبيّة الأحزابِ لاسِيما الحاكِمةِ منْها في تسْيير شؤون البلادِ٬

– وتقهقر واضِحٌ في كلّ ما يتّصِل بِالقيم الثقافية و التّربوية والحضاريّة و المكاسبِ٬ الاجْتِماعيّة٬

– لِهذا قام “نشارك” بِجمْعِ المُبادرات المُواطنيّة من أجْل ضخِ دماءٍ جديدةٍ في الحياة السياسيّة٬

– ومن أجْلِ إفْرازِ قيادةٍ وطنيةٍ و ديمقراطية وإجتماعية و حداثيّة. (4)

لكِنْ هلْ يكْفِي إعلانُ النّوايا لِتأسيسِ الجّديد ؟

وهلْ بِإعادةِ تجرِبةِ البْلديّات – بِمُناسبةِ الانْتخاباتِ القادِمةِ – عِلاج للانْسِدادِ السّياسِي؟

وهل يكونُ المُجتمع المدنِي التِرياقِ لِلْخلاصِ من التشتّت المُزمِن لِلقوى التّقدميّة ؟

وهلْ يكونُ مفهومِ المُواطنِة الدّواء لإحْلالِ البدِيل الّذي يُحفّزُ المُواطن؟

و كيْف سيتفاعل – هذا الجديدُ – مع المنظُومةِ السّياسيّة الدستوريّة القائِمة٬ الّتي تُكرِهُك على التّصويتِ المُفيدِ في الانْتخاباتِ؟

” المُحاولاتِ الجّادةِ و المُتواصِلةِ تُنْتِجُ الأمل و تُوفِّر الفُرصة “(5)

إنّ تكريس إرادة التّغيير التي تحدو هذِه المشاريع الجّديدة٬ و التّوق إلى الإسْهامِ في حلِّ جانِبٌ مِن إشْكالاتِ الحياةِ السّياسيّة وبِالأساسِ تلك المُتعلّقة بِواقعِ الطّيْف التّقدمي الديمقراطي السّلبي٬ ليْس له مِنْ سبيلٍ – على ما أظنُّ – سِوى مزِيدِ الاجْتهادِ و التفْكيرِ٬ دون تعجُلِ المغانِم السّياسيّة٬ِ عنْ طريق التّرشُحِ الشّكلِي إلى الانْتِخاباتِ٬ أو القيام بترْكيبٍ مُصْطنعٍ لِكياناتٍ سياسيّةٍ “جديدة”!

وأول اجتهاد ليس ذلك المتعلق فقط بالوعي بما يعْترِي الفضاء السّياسي التّقدمي من شوائِبٍ٬ الذي هو المجال الحيوي الّذي تتحرّك في إطارِه المُبادرتيْنِ٬ لكن استحضارها الدائم (الشوائب) و العملُ على التوقّي مِنْها و تجنّبِها٬ يُشكل – حسب رأيي – انْجازا مُهما و انطلاق لِمحاولة جادّة مُنتجة للأمل.

ومن تلك الشوائب أذكرُ׃

– تشتّت فصائِل الطيْف التّقدمي و تبعثُر توجُهاتِها٬

– وغلبةِ الرّوح الحزبيّة الضّيقةِ و النزعة الفرديّة داخِلِ هذا الطيف٬

-و اسْتهلاك طّاقاتِها في معاركٍ جانبيّةٍ٬

– وسيّادة العلاقة العموديّة داخِلِ منظُومتِها٬

-وانْحِسارِ ثقافةِ النقدِ الذّاتِي داخِلِها.

لِذا أرى في الإعْلانِ المُتسرّع للمُبادرتيْن بالتّرشُح – كلّ على حِدة و بِصفة انْفراديّة – إلى الاسْتحقاق القادم٬(6) والتعجّل المُبالِغُ فيه – وإنْ بِتفاوت بيْن هذا وذاك – في بعْثِ “الهياكل” و إفْرْازِ “القيادات” و إصْدار “البيانات” – ؟(7)٬ وكأنّهما عودةٌ مُبكرةٌ إلى المألُوفِ و الشّكلي ! واسْتنقاص مِن رُوحِ و مقْصدِ المُبادرة المواطنية! هذا إذا لمْ يذهبْ رأي المُشكّك نحو واحِدة منْ تِلك الشّوائب المذكورة آنِفا!

و لِتدارُكِ ذلك أظنّ أنّ من أهمِّ الرّسائل الإيجابيّة التي بإمكانِ المُبادرتيْن توجِيهُها٬ في هذه المرحلة من مسارها٬ وفي الوقت الذي ُ نعيشُ فيه على وقعِ حياةٍ سياسيةٍ مُضجِرة ٬ تِلك المُتعلقة بِ ׃

1- رِسالة التّأليف والوِحدة׃ أقترِحُ أن تبْدأ نِقاشاتٍ بين المُبادرتيْنِ ومثِيلاتِها أيْضا بِغايةِ تحقيقْ تقارُبٍ الكيانات المواطنية وفتحِ سُبُل الالْتقاء أو الائتلافِ بيْنها٬ ثم تُدعى كافةِ أطياف الطيْف التّقدمي إلى ندوات جهوية ثمّ وطنيّة (خارج العاصمة) لِمناقشة الاسْتعدادِ المُشترِك للانْتخاباتِ و مُمكِناتِ الائِتلافِ.

2- رِسالة التّجْديد و الابْتِكار׃ أقترِحُ آليات تسْتنِدُ إلى المفهومِ التّشاركي في السيّاسة و تبْتعِدُ قدْر الإمْكانِ عن الفوقيّة والفِئويّة٬ ومِنْها تمثيليّة الأقليّة في الرأي – آليّة التّصويت الآلي – عقد الإجتماعات بالفيديو – تنظيم الإجتماعات في الساحة العامة…

3- رسالة النزاهة و الإستقامة׃ تتعلق بالدفع إلى إعلاء مبدأ الشفافية والحوكمة الرشيدة في كافة أوجه التصرف٬ و مبدأ نظافة الأشخاص عند إختيار الأعضاء المكلفين بمهام.

4- رسالة البديل المواطني و الوطني׃ أقترِحُ العمل على بلورةِ مفهوميْ الوطنيّة و المواطنية كرِكيزتينِ أساسيتيْنِ لِهويّة المُبادرة المواطنية و قوى التّقدم بِصفة عامة. فمفاهيمِ (التقدمية- الحداثيّة – الديمقراطية…) أرى أنها لم تُعد تُؤدي معناها المقصود٬ فقد أصابها من التباس و الإبتذال الشيء الكثير !

* ناشط سياسي وحقوقي و عضو سابق للهيئة المديرة للرابطة التونسية لحقوق الإنسان.

هوامش :

(1) أنظر جريدة إلكترونية “تاريخ صفاقس” الصادرة بتاريخ 14 جوان 2017 الناشرة نص “مواطنون يدعون إلى اطلاق مبادرة مواطنية”.
(2) أنظر جريدة ” المغرب” بتاريخ 18 جانفي 2019 مقال “فلنعول على أفضل ما فينا”.
(3) أنظر الأرضية السياسية المنشورة بجريدة إلكترونية “أنباء تونس” بتاريخ 6 جانفي 2019.
(4) جريدة حقائق أون لاين بتاريخ 6 نوفمبر2018. 
(5) قولة مشهورة.
(6) تصريح نزيهة رجيبة في “ديوان فم” بتاريخ 14 جانفي 2019 في برنامج هنا تونس.
(7) إجتماع إئتلاف “نشارك” بصفافس بتاريخ 6 أكتوبر 2018 بفاعليات الجهة لتأسيس فرع بالجهة.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

الذكرى الثامنة لثورة 14 جانفي : مازلنا نتطلع الى قهر الاستبداد !

نهى بشيني والإيواء بالرازي في القانون التونسي

الاتحاد العام التونسي للشغل ، إلى أين الاتجاه على ضوء تحاذبات “قرطاج 2″؟

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.