الرئيسية » تجارة : كيف يقع تطوير موسم الصولد حتى يكون مصدر تطور إقتصادي لتونس ؟

تجارة : كيف يقع تطوير موسم الصولد حتى يكون مصدر تطور إقتصادي لتونس ؟

منذ يوم الجمعة الفارط انطلق انطلق موسم الصولد (تخفيض الأسعار) والملاحظ هذه السنة كما السنوات السابقة هو فقدان الصولد لأهميته التجارية وخفتان بريقه مما ساهم في تدني إقبال المستهلكين والتجار على حد السواء. هذا يتطلب دراسة ركود التظاهرة والبحث عن الأسباب والقيام بمعالجتها لكي يساهم الصولد من جديد في تنمية تجارة التوزيع خاصة و الإقتصاد عامة.

بقلم فوزي عبيدي

بصفة عامة التجربة التونسية كان لها تأثر واضح منذ بدايتها بالتجربة الفرنسية المبنية على عقلية التقنين لأغلب تفاصيل عمليات التخفيض في الأسعار ومنها الصولد، لعلنا نجد له تبرير بحكم عدم تجذر ظاهرة الإستهلاك في المجتمع التونسي وإقتصاد ناشئ كالإقتصاد التونسي يتطلب تأطيرا قانونيا لهذه العمليات التجارية حتى يتسنى حماية جميع الأطراف الإقتصادية المتدخلة فقد تم سن القانون عدد40 لسنة 1998 المؤرخ في 02 جوان 1998 المتعلق بطرق البيع ولتنظيم العملية.

تشخيص واقع الصولد في تونس

بالنسبة لتشخيص واقع الصولد فنلاحظ عدم تطور الرؤية تجاه هذا المجال بالتوازي مع تطور أساليب التسويق التجاري مما خلق عديد الإشكاليات وكذلك عدم نضج وعي المستهلك والمهني تجاه هذا الحدث، من جهة أخرى عدم ترسيخ ظاهرة التخفيضات الموسمية في السلوك الإستهلاكي للمواطن التونسي وكذلك ضعف إستعداد المهنيين لهذا الموسم يرجع بالأساس إلى عدم إعتماد موعد محدد وثابت للتخفيضات الصيفية والشتوية يرضي جميع الأطراف المعنية مما سبب إرباك خاصة للمهني للتحضير لهذه التظاهرة التجارية وكذلك بالنسبة للمستهلك حيث أن تذبذب التاريخ المحدد كل سنة يمنعه من برمجة ميزانيته الإستهلاكية مسبقا مما يحد من تجذر هذا السلوك الإستهلاكي لدى المواطن التونسي.

من جانب آخر نلاحظ أن النسق المتسارع لتطور نمط الإستهلاك أثر بصورة واضحة على موسم التخفيضات السنوية بشكله الحالي خاصة فيما يتعلق بنوعية وجودة المنتوج مما يمثله من عائق يسبب عزوفا في إقبال المستهلكين وعدم قدرة التاجر على التفويت في منتوجاته لهذا الموسم بحكم أن الفترة الإجبارية لمسك المنتوجات المعنية أصبحت غير واقعية حيث حددها الفصل السادس من القانون عدد40 لسنة 1998 المؤرخ في 02 جوان 1998 المتعلق بطرق البيع والإشهار التجاري بأن تكون المدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

من حيث المشاركة القطاعية يرتكز موسم التخفيضات الموسمية أساسا على قطاع الملابس الجاهزة وهو ما مثل محدودية لهذه التظاهرة فالقطاعات الأخرى شهدت مشاركة محتشمة كقطاع الأثاث، العطور، الصحة البدنية، النظارات بأنواعها وقطاعات أخرى مازالت لم تستوعب موسم التخفيضات الموسمية ضمن تقاليدها التجارية كقطاع المواد الكهرومنزلية بالمقارنة مع البلدان التي سبقتنا لهذه التقاليد نلاحظ أنها تعتمد بالأساس على المشاركة القطاعية لقطاع الملابس الجاهزة ولكن إمتدت أيضا لجميع القطاعات الأخرى خاصة القطاعات التصنيعية وكذلك الخدمات.

تطور آليات التسويق التواصلي

ليكون التشخيص متعمقا أكثر حتى تكون أساليب التنظيم التي ستعتمدها سلطة الإشراف أكثر فاعلية يجب التمعن في التطور الحاصل في مجال التسويق التجاري المعتمد لدى المنتجين، الشركات، المساحات الكبرى وأصحاب العلامات التجارية الموزعين في تونس التي تعتبر مشاركتهم رافعة لنجاح التخفيضات الموسمية حيث أن التسويق التجاري أصبح يعتمد أكثر فأكثر على آليات (Marketing relationnel ) المبني على إقامة علاقة تجارية دائمة مع حرفاء يتم إختيارهم حسب السياسة التجارية المتبعة.

هذا التمشي المتسارع في التسويق التجاري للشركات والمساحات التجارية الكبرى وأصحاب العلامات الرائدة بهدف المحافظة على نوعية محددة من الحرفاء يتم تحديدها مسبقا من خلال الآليات المذكورة في الجدول السابق بغاية المحافظة على نسق أدنى للمبيعات يشكل في بعض الأحيان تناقضا مع الأهداف التنظيمية لتظاهرة الصولد التي ترمي إلى أن تكون شاملة لأكثر عدد ممكن من المستهلكين وعدم تسليط في فترة الصولد أي نوع من التمييز بين المستهلكين سواءا بالمعلومة أو بوسائل وطرق البيع والتسويق التجاري كالإرساليات القصيرة عبر الهاتف التي تشمل نوعية معينة من المستهلكين يقع إختيارهم حسب المنصات الإلكترونية أو الطرق الأخرى للتصرف في العلاقة مع الحرفاء CRM [Costumer relationship management ] ، وكذلك بطاقات الوفاء التي تسند للحرفاء بالنقاط حسب حجم المشتريات .
مراجعة القانون المنظم للصولد

هذه المراجعة يجب أن تكون عبر معالجة الإشكالية المتمثلة في عدم تعود المستهلكين والتجار على موعد ثابت للتخفيضات الموسمية مما شكل لهم إرباك للتحضير لهذا الموعد خاصة مع عدم تجذر هذه العادة الإستهلاكية مثل بقية البلدان التي سبقتنا بعقود كثيرة، لذا وجب إعتماد فترة محددة سواءا بالنسبة للتخفيضات الصيفية أو الشتوية ويكون تحديد التاريخ منصوص عليه بالقانون المنظم بالتشاور مع جميع الهياكل الممثلة للمتدخلين بهذه التظاهرة وكذلك تحديد مدة التخفيضات بما يتناسب مع الواقع الإقتصادي التونسي مع العلم أن أغلب تجارب المقارنة تكون مدة التخفيضات ستة أسابيع .

يجب أيضا دعم نجاح أكبر لفترة التخفيضات الموسمية يكون كذلك عن طريق إدخال مرونة أكثر على التراتيب التنظيمية لهذه المناسبة بداية بالعائق الأهم وهو جودة المنتوجات مما يسبب عزوفا في إقبال المستهلكين لذلك يجب التخفيض في فترة مسك المنتوجات المعنية بالتخفيض و الفترة المحددة لتحديد السعر المرجعي إلى شهر فقط عوضا عن مدة ثلاثة أشهر المعمول بها حاليا حتى يستطيع التاجر التفويت في بضاعته لهذا الموسم لأنه بحكم التطور في نمط الإستهلاك ( التغير السريع للموضة و الأذواق ) سيصعب عليه التفويت فيها الموسم القادم.

مع تطور التسويق التجاري وظهور ما يعبر عنه بالتسويق التواصلي مع الحرفاء (Marketing relationnel) وإعتماده على آليات جديدة في التواصل المباشر مع الحرفاء كما تم شرحه في أول هذه الدراسة ، يجب تطوير القانون لمجابهة ذلك وهذا عبر التنصيص على عدم القيام بعمليات تجارية فيها تخفيضات ضمنية أو إشهار لعمليات تخفيض قبل التخفيضات الموسمية بمدة شهر وذلك عبر وسائل تكنولوجية للمعلوماتية والتواصل (Technologies d’information et communication ) وفي غالبها تكون عبر التواصل الإلكتروني عن طريق المنصات الإلكترونية للتصرف في العلاقة مع الحريف (CRM) أو بطرق مباشرة عن طريق الإرساليات بالهاتف، بطاقات الوفاء التي تسند تخفيضات حسب المشتريات، مراكز النداء … لذا وجب التنصيص على منع إستعمال هذه الوسائل لما تمثله من عدم تكافأ في الحصول على المعلومة من قبل المستهلكين وممارسة التمييز ضدهم كما أنها تشتت عملية التخفيض الموسمي.

الصولد تظاهرة متعددة الأبعاد :

للنهوض الفعلي بموسم التخفيضات الموسمية يجب أن لا ينظر إليه كحدث منفرد يهم الوزارة المكلفة بالإشراف والتنظيم القانوني للتظاهرة بل كتظاهرة متكاملة الأبعاد وأن تشترك في إنجاحه جميع الأطراف الأخرى بالتنسيق بين التظاهرات الثقافية كالمهرجانات وأهم بعد هو الجانب السياحي من وكالات أسفار وهو ما أسس لنجاح العديد من التجارب الرائدة نذكر على سبيل المثال التجربة الماليزية حيث يتم تنظيم موسم التخفيضات السنوية بالتزامن مع مهرجان التسوق وإعطائه بعد ثقافي و سياحي وذلك بالتعاون بين وزارتي التجارة والسياحة الماليزية والمجمعات والمراكز التجارية.

يعتبر التسوق في موسم التخفيضات الرافد الثاني من روافد السياحة الماليزية بعد قطاع الفنادق وذلك نتيجة الإستراتيجية المتبعة بحيث يكون تزامن موسم التخفيضات مع مهرجان التسوق وكذلك عديد الفعاليات الثقافية المحلية وتعتمد على ركيزة أخرى وهي إمتداد التخفيضات لتشمل الخدمات المصرفية المقدمة للأجانب، المنتجعات الصحية، قطاع الإتصالات، مراكز اللياقة البدنية، شركات الطيران والسيارات ومراكز الخدمات العامة. مع الإشارة إلى أن ماليزيا تستقبل سنويا قرابة 25 مليون سائح بإيرادات بلغت حوالي 65 مليار دولار.

هذا بالتالي يدفعنا لضرورة وضع إستراتيجية واضحة تكون بالإشتراك بين الأطراف المشرفة على التجارة، السياحة والثقافة حيث يكون هناك تكامل فعلي بين موسم الصولد و التنشيط السياحي والجانب الثقافي متمثلا في المهرجانات الثقافية (سواءا كانت سينمائية، غنائية أو مسرحية) ليعطي بعد شامل لنجاح هذه التظاهرة.

لذا نجد عديد البلدان تسجل نجاح سنوي لهذه التخفيضات بالرغم من عدم وجود قانون خاص ينظم التخفيضات السنوية لأنها تعتمد إستراتيجية متكاملة الأبعاد وليس فقط على البعد القانوني وهناك توجه عام نحو التخفيف من القيود التنظيمية للتخفيضات الموسمية وذلك يرجع بالأساس لمحاولة هذه البلدان التغلب على مشكلة تراجع الإستهلاك خاصة على مستوى تجارة التوزيع والحد من نسق تضخم الأسعار.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.