الرئيسية »  المساحات التجارية الكبرى وضرورة الإستفادة منها لصالح المستهلك بدل إغراقها بالضرائب

 المساحات التجارية الكبرى وضرورة الإستفادة منها لصالح المستهلك بدل إغراقها بالضرائب

 

بعد النقاش الحاد داخل مجلس النواب أثناء المصادقة على فصول مشروع قانون المالية لسنة 2019 حول  تأجيل تطبيق الترفيع في الضريبة الموظفة على الفضاءات التجارية الكبرى من 25% إلى 35% إلى سنة 2020 ، يتبين لنا أهمية مناقشة ودراسة المواضيع الإقتصادية بكل دقة ومن أبعادها الشاملة.  

بقلم فوزي عبيدي

من الوهلة الأولى يبدو هذا القطاع غير معني بدفع ما يستوجب عليه من أداءات على الدخل أو على الأقل حسب ما يسجله من أرباح مقارنة بالقطاعات الأخرى للوصول لعدالة جبائية مجتمعية وهذا من أهم مشاغل المدافعين عن ضرورة الترفيع في الضريبة على الدخل بالنسبة لهذه المؤسسات لكن هذا تعامل سطحي يتعامل دون تشخيص إقتصادي صحيح وكأنه قطاع معزول عن المستهلكين لا يمس قدرتهم الشرائية. لذلك ضرورة التركيز على الأبعاد الإقتصادية الصحيحة كالتهيئة العمرانية لهذه المساحات وتوزيعها الجغرافي وكذلك التركيز على آليات تفعيل المنافسة في هذا المجال هي الكفيلة بالإستفادة من الإمكانيات التي توفرها هذه المساحات التجارية خاصة لصالح المستهلك .

دور مهم للمساحات التجارية الكبرى و المتوسطة

كجميع دول العالم تنامى حجم ودور المساحات التجارية الكبرى بتونس والتّي بلغت ما يقارب 25 بالمائة من تجارة التوزيع في تونس مقابل 40 بالمائة على المستوى العالمي أي أنها مازالت في تطور مستمر حيث هناك قرابة  450 مساحة كبرى موزّعة على كامل تراب الجمهورية تشغل 13500 موطن شغل .

من ناحية التوزيع  دور هذه المساحات يتمثّل أساسا في توفير أسعار تتناسب والقدرة الشرائية للمواطن نظرا لما توفّره هذه الأماكن من تنوّع في المنتوج وبأسعار منخفضة نسبيا بحكم حجم الشراءات الكبير لهذه المساحات، حيث أنها تساهم بنسبة كبيرة في كبح نسب التضخم المرتفعة بل أن جميع البلدان المتقدمة ترتكز أساسا في سياساتها للتحكم في التضخم على هذا القطاع فمثلا في فرنسا وصلت في بعض الأحيان نسب التضخم إلى مستويات صفرية في بعض المنتوجات التي توفرها هذه المساحات .

الإطار القانوني العام للقطاع

يتم تنظيم إنشاء المساحات التجارية بتونس حسب النصوص القانونية و الترتيبية التالية :

  • الفصلين 5 مكرر و11 مكرر من مجلة التهيئة الترابية و التعمير.
  • الأمر عدد664 المؤرخ في 28 جانفي 2013 المتعلق بضبط شروط و إجراءات الترخيص في تركيز المساحات التجارية الكبرى و المراكز التجارية كما تم تنقيحه بالأمر عدد 1253 لسنة 2017 المؤرخ في 17 نوفمبر 2017.
  • الأمر عدد 1765 لسنة 2010 المؤرخ في 19 جويلية 2010 المنقح و المتمم بالأمر عدد 1025 لسنة 2013 المؤرخ في 11 فيفري 2013 المتعلق بضبط تركيبة وطرق سير اللجنة الوطنية للتجهيز التجاري .

بصفة عامة يخضع إنشاء المساحات التجارية الكبرى إلى ترخيص من وزارة التجارة بعد أخذ رأي اللجنة الوطنية للتجهيز التجاري وذلك عندما تكون المسافة المعدة للبيع 1500 متر مربع أو قاعدة بنائها عند تركيزها أو بعد توسعتها 3000 متر مربع .

يتم إسناد هذا الترخيص على أساس مطلب يتضمن جملة من الوثائق المطلوبة المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل ثم يتم عرض هذه المطالب على أنظار اللجنة الوطنية للتجهيز التجاري للنظر في مطابقته من النواحي العمرانية ، الفنية والإقتصادية .

هوامش الربح و التخفيضات الخلفية (marges arrières)  

تعتمد المساحات التجارية الكبرى للبيع بالتفصيل أساسا على كمية المبيعات الهائلة مما يمكنها من أن تكون لاعبا أساسيا في مناقشة الأسعار مع المزودين ويخول لها ذلك في التحكم في نسق الأسعار وتصل أحيانا إلى وضعية مخلة بتوازن السوق نظرا لموقع الهيمنة لديها وتمكنها من مسالك التوزيع بالتفصيل نظرا لريادتها وقوة العناصر اللوجستية التي تمتلكها للتزويد.

في هذا الإطار يجب التنبيه إلى أهمية التخفيضات التي تتحصل عليها المساحات الكبرى سواءا عند التزود بالبضاعة أو أواخر السنة من قبل المزودين وهو ما يعبر عنه بـ” marges arrières”  وهذا النوع من التخفيضات التجارية يكتسب أهمية خاصة على مستويين إثنين :

  • المستوى الأول في العلاقة مع الحريف حيث يجب أن ينتفع المستهلك بهذه التخفيضات نظرا لما تمثله هذه التخفيضات من تنقيص لتكلفة الشراء للمواد المتزود بها من طرف المساحات الكبرى حيث تصل هذه التخفيضات إلى حدود 40 بالمائة من سعر الشراء الذي تم فوترته في مرحلة أولى من قبل المزودين وهو ما نص عليه الفصل 32 من القانون عدد36 لسنة 2015 المؤرخ في 15 سبتمبر 2015 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة و الأسعار وذلك في فقرته الثانية حيث ينص أنه : “في حال تخفيض الأسعار من طرف المنتج أو تاجر الجملة بصفة إستثنائية أو وقتية أثناء المناسبات و المواسم يجب أن ينتفع المستهلك النهائي بقيمة هذا التخفيض مهما كان نظام سعر المنتوج”.

ويعاقب من أجل عدم تنفيع المستهلك بتخفيض الأسعار في الحالات المنصوص عليها سالفا بخطية مالية تصل إلى 10000 دينار على أن لا تقل الخطية عن المبلغ المنتفع به.

  • المستوى الثاني : في العلاقة مع المزودين فهذا النوع من التخفيضات يكون محكوما بعوامل عدة أهمها :
  • حجم مبيعات معين يتم الإتفاق عليه.
  • نسبة تطور المبيعات.
  • الفضاء المخصص للمنتوج داخل المساحة الكبرى ومدى بروزه للحرفاء.
  • عناصر إشهارية تخصصها المساحة الكبرى داخل فضائها.

هذه العلاقة أصبحت أكثر فأكثر تشهد نوعا من عدم التوازن بسبب وضعية الهيمنة للمساحات الكبرى مما يتسبب في عديد الأحيان في إنتهاكات مخلة بالمنافسة نتيجة وضعية الهيمنة تجاه المزودين وهي مسألة حساسة بالنسبة للمزودين لأنه في حالة إثارتها وحتى لو تم الحكم لفائدتهم فعواقبها المستقبلية غير مضمونة وفي عديد الأحيان تكون وخيمة نظرا لأنه سوف يتم تجاهل منتوجاتهم في السياسة التسويقية للمساحات التجارية المحكوم عليها وهي تمثل أهم مسلك توزيع بالنسبة لهم.

مقارنة الأسعار من أجل الضغط عليها

بحكم تعدد المساحات الكبرى للبيع بالتفصيل والمحلات التجارية المتخصصة حسب الماركات فإن الإشهار الكامل لأسعار المواد المعروضة و ما يمثله من ضمانة لشفافية المعاملات لم يعد وحده كافيا لإرشاد المستهلك وإحاطته بالمعلومة كاملة حول إحتياجاته  الحقيقية من المواد المعروضة والتكلفة المنجرة عنها وهذا للصعوبة والتعقيد المتزايد لنسق حياة المواطن العادي وذلك لعدة أسباب خاصة منها تكلفة الحصول على المعلومة فالمستهلك العادي لا يمكنه التنقل بين مختلف المحلات  و المغازات لمقارنة الأسعار بحكم ضغوطات الوقت و العمل .

لذلك وجب القيام بمقارنة الأسعار ضمن قاعدة بيانات تكون في صيغة نشرية دورية أو موقع واب متخصص متاح لجميع المستهلكين وتكون هذه العملية تحت إشراف وزارة التجارة أو مؤسسة تابعة كالمعهد الوطني للإستهلاك الذي كانت له تجارب سابقة في هذا الصدد وهذه العملية كانت لها عديد الإيجابيات في بلدان قد سبقتنا كفرنسا حيث يتم الإشارة لمنهجية مقارنة الأسعار بفرنسا بــ( comparateur public de prix  ) .

بالنسبة لتونس لكي تكون هذه المنهجية المبنية على مقارنة الأسعار ناجحة فلا بد أن تكون العينة التي شملتها المقارنة شاملة أكثر ما يمكن لجميع المواد وجميع المحلات وخاصة المواد ذات الأولوية في إستهلاك العائلات التونسية والتي تلقى إستهلاك واسع حتى يتمكن المستهلك من تحديد خياراته مع توفر المعلومة كافية حول المواد المعروضة .

مقارنة الأسعار عندها جدوى أيضا في الحد من العمليات التجارية المخلة بالمنافسة حيث يمكن من رفع المؤشرات المخلة بالمنافسة الناتجة عن إتفاقيات ضمنية أو صريحة وهو ما يسهل عملية المراقبة و ردع المخالفين .

بالنسبة للتجربة التونسية أصبح لزاما القيام بهذه العملية بصفة دائمة ودورية على مستوى المساحات الكبرى للبيع بالتفصيل لتوفير المعلومة للمستهلك بصفة شاملة أكثر ما يمكن لأنه في موقف ضعف أمام التطور في التقنيات التجارية التي تعتمدها هذه المساحات الكبرى والتي كثيرا ما تكون هذه الأساليب التجارية ليست في مصلحة المستهلك النهائي.

ثانيا، على مستوى شبكة الإنترنيت وذلك بتأسيس موقع واب يكون مفتوح لجميع المتعاملين الإقتصاديين الذين يقومون بعمليات تجارية عن طريق الإنترنيت حيث يمكن القيام بهذه العملية بالإستعانة بطرف متخصص كإدارة التجارة الإلكترونية وهذا ما يعطي مصداقية وحماية أكثر للمستهلك حيث أن أغلب مواقع الواب التي تتبع الخواص والتي تعتمد منهجية مقارنة  الأسعار تغيب عنها الشفافية وتكون مضللة للمستهلك.

لذلك من الضروري الذهاب نحو إسناد تراخيص لعلامات جديدة كفيلة بتفعيل المنافسة على مستوى أفقي وتركيز مساحات جديدة على مستوى كامل الجهات الداخلية للبلاد التونسية للمساهمة في الحد من تضخم الأسعار بدل إثقال كاهل القطاع بضرائب ليست في صالح المواطن المستهلك الأخير.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.