الرئيسية »  للتأمل فقط : الإضراب العام في تونس بين الإفلاس السياسي و”التوحش” المطلبي

 للتأمل فقط : الإضراب العام في تونس بين الإفلاس السياسي و”التوحش” المطلبي

تشهد الأحداث والوقائع والمستجدات المتتالية وآخرها الإضراب العام الذي تم تنفيذه اليوم السابع عشر من جانفي 2019، تموقعا للمنظمة الشغيلة كسلطة ذات اليد الطولى في الساحتين السياسية والإجتماعية بالخصوص، وهو تموقع لم يأت صدفة بل أنتجته عدة عوامل موضوعية وأخرى غير موضوعية في ذات الآن.

بقلم مصطفى عطية *

بالعودة قليلا إلى الوراء نجد أن الحرص الشديد على تشريك الإتحاد العام التونسي للشغل في حكومة وحدة وطنية بحقيبتين وزاريتين ( بقيت منهما واحدة فقط بعد إقالة عبيد البريكي)، لم يكن منعزلا عن واقع سياسي تونسي خصوصي. فالجميع يعلمون أن أغلب  الأزمات التي تعرضت لها البلاد، منذ الإستقلال كانت بسبب دخول الحكومة والمنظمة الشغيلة في صراعات لأسباب عديدة، أهمها إختلاف وجهات النظر في المسائل الإقتصادية والإجتماعية، وكلما كان التوافق بينهما قائما تعزز إستقرار البلاد.

ومن الواضح  أن الصراعات التي إندلعت بين العديد من نقابات الإتحاد العام التونسي للشغل ووزارات ومؤسسات الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد في قطاعات حساسة وٱستراتيجية كالصحة والتعليم والنقل أثبتت وجود تنافر بين الطرفين أدى في نهاية الأمر إلى سقوط تلك الحكومة، وخروج الإتحاد العام التونسي للشغل من الصراع أكثر قوة وتأثيرا، ولكن، وفي الوقت الذي تفاءل فيه المواطنون بقدوم حكومة الوحدة الوطنية بقيادة يوسف الشاهد، إندلعت في البلاد العديد من الأحداث التي تحولت فيها المظاهرات الإحتجاجية ذات الخلفية المطلبية إلى تجاوزات خطيرة من قبل المتظاهرين ومن ٱلتحق بهم من مخربين ومناوئين وفوضويين ومتطرفين، وكما كان منتظرا نزلت  هذه الأحداث على المواطنين نزول خيبة الأمل وزادت في تعميق الشعور بالإحباط لديهم، بعد أن ذهب في اعتقادهم أن منسوب الفوضى والإنفلات في البلاد سوف يتراجع ولن يعود إلى المربع الأول.

محطم للعزائم 

كان كل شيء يوحي بأن لاشيء في الأفق من شأنه أن يغذي لديهم شعورا بالتفاؤل فالأوضاع في العديد من القطاعات الحيوية متوترة والمخاطر الداخلية والخارجية تزداد بشكل مخيف، والصراعات بين الأطراف الفاعلة، وخاصة بين الحكومة والإتحاد العام التونسي للشغل، وبين هذا الأخير والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية مضطرمة، والتدهور الإقتصادي والإجتماعي.

كانت بعض التحركات المكثفة قد أثمرت العديد من التفاهمات في القطاعات الحيوية، وكان الإعتقاد سائدا بأن يلتزم الجميع بهدنة إجتماعية تتيح للسلط التفرغ لتنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي تم الإعلان عنه، لكن الأوضاع تدهورت بسرعة، بعد أن تمسك الإتحاد العام التونسي للشغل بمطالبه دون تغيير أو نقصان وشدد على ضرورة تطبيقها في الآجال المحددة دون تأخير مهما كان مأتاه، في حين رفضت الحكومة الإستجابة لهذه المطالب التي وصفتها ب”التعجيزية”، ومهما كان الأمر ودون الدخول في متاهات تحميل المسؤولية لهذا الطرف أو ذاك، فإن تواصل مثل هذه الصراعات الخطيرة زاد في تأزيم الأوضاع وتعكير الأجواء حتى وصل الأمر إلى إعلان الإتحاد العام التونسي للشغل عن إضراب عام كان بالإمكان تفادي وقوعه لو حرص الطرفان المتصارعان ( الحكومة والإتحاد) على إيجاد أرضية ملائمة لحوار جدي وبناء يراعي المصالح العليا للبلاد في هذا الظرف العسير جدا من مسيرتها، وقدما التنازلات المطلوبة في مثل هذه الحالات، فالبلاد لم تعد تتحمل المزيد من الأزمات وكأس صبر الشعب إمتلأت بعد أن  أصبح المناخ العام محفوفا بالشكوك والإحترازات خاصة وأن الإتحاد العام التونسي للشغل هدد بمزيد التصعيد في حال تمسك الحكومة بمواقفها، بمعنى أن الإضراب العام وتداعياته الكارثية هو بداية أزمة أخرى أكثر ضراوة وقد تتحول إلى فوضى عارمة.

إيجاد الحلول العملية الفاعلة

من المؤسف الإقرار بأن كل الأطراف السياسية والبرلمانية والحزبية والنقابية عاجزة تمام العجز عن إيجاد الحلول العملية الفاعلة لتقريب وجهات النظر بين حكومة ترزح تحت أثقال ديون متفاقمة وٱنخرام خطير للموازنة وتدهور متسارع لمداخيل الدولة من جهة  وٱتحاد عام تونسي للشغل محاصر بضغوطات نقابات مهنية ضاغطة بشدة من جهة أخرى، بل الأخطر من كل هذا هو أن بعض الأطراف التي كان من المفروض أن تتجند للحل الأزمة إختارت مزيد إضرامها إما بالإصطفاف وراء هذا الطرف و ذاك أو بالوقوف فوق ربوة الفرجة السلبية.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

للتأمل فقط : شرط أطلسي : لن يترشح الغنوشي للرئاسة إلا إذا ما أعلن أن ميثاق النهضة أصبح لاغيا («caduc») 

للتأمل فقط : الترحال البرلماني و” البداوة ” السياسية في تونس 

للتأمل فقط : “غلطوني” من بورقيبة إلى ساسة اليوم، الصرخة التي صنعت تاريخ الفشل السياسي في تونس

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.