الرئيسية » من السترات الصفراء بفرنسا إلى السترات الحمراء بتونس : هل أصبحت الشعوب لا تثق في سياسييها ؟

من السترات الصفراء بفرنسا إلى السترات الحمراء بتونس : هل أصبحت الشعوب لا تثق في سياسييها ؟

انتشر بسرعة البرق مصطلح اصحاب “السترات الصفراء” للتعريف بالاحتجاجات المتواصلة في فرنسا منذ 4 اسابيع، بل هناك في تونس من يدعو إلى حركة إحتجاج مماثلة في تونس يحمل أصحابها “السترات الحمراء”. فمن هم أصحاب “السترات الصفراء” الذين شغلوا الرأي العالم الفرنسي والعالمي ؟

بقلم عمّـار قـردود

أصحاب السترات الصفراء هم كل من يملك سيارة او ماكنة او جهاز يعمل بوقود الديزل… وللتوضيح أكثر: فهم كل أصحاب السيارات الخاصة التي تعمل بالديزل وربما يشكلون أكثر من 70% من مالكي السيارات الصغيرة… هم كل أصحاب ورش التصليح أو البناء… هم كل المزارعين من فلاحين ومربين… هم كل أصحاب المعدات الثقيلة… هم كل أصحاب سيارات الحمل ونقل البضائع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة … هم كل أصحاب ورش التصنيع والتصليح والترميم والبناء… هم كل أصحاب المحال التجارية الصغيرة… هم كل الحرفيين … هم كل الموظفين أو العاملين في القطاعين الخاص والعام هم كل من يملك دار سكن أو مؤجر لوحدة سكنية… هم كل من يستخدم الكهرباء في حياته اليومية… هم كل من يستخدم أجهزة التدفئة بكل أنواعها… يعني هم النسبة العالية جداً بل هم الشعب الفرنسي بعد إخراج بعض أصحاب الملايين والمليارات منهم وحتى هؤلاء هم متضررون لأن تضرر العاملين ينعكس بهذا الشكل أو بغيره عليهم. ومع كل هؤلاء هناك أولادهم وأحفادهم العمال والطلاب وزوجاتهم وبناتهم وأقاربهم واصدقائهم… يعني النسبة العالية من الشعب الفرنسي… وكلها ساحات يستطيعون التحرك فيها بحرية وسهولة وتعجز الدولة وسلطاتها عن مجاراتهم أو متابعتهم… مع احتفاظهم المتفرد في اختيار الوقت والمكان وشكل التواجد بحرية وسهولة تُتعب الدولة وأجهزتها… بالإضافة الى انهم آباء وأبناء وأصدقاء وأقارب عناصر أجهزة الأمن المتنوعة و لأحزاب ودوائر الحكومة.

حركات تبدو ظاهريا بلا قيادات ولا برامج

وعمّت مظاهرات “السترات الصفراء” مدناً مختلفة في فرنسا، منذ 17 نوفمبر الماضي؛ احتجاجاً على رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، تخلّلتها أعمال عنف، حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المحتجين، لكن المحتجّين نجحوا في دفع الحكومة إلى إلغاء الضرائب المفروضة على الوقود لعام 2019.

“السترات الصفراء” تبدو ظاهريًا أنها بلا قيادة و لكن لها ناطقين باسمها في كل مناطق فرنسا وهذا هو الذي حيَّرَ ويحير السلطات الفرنسية التي بقيت عاجزة ومذهولة أمامهم. و لعل مكّمن نجاح أصحاب “السترات الصفراء” في فرنسا وإتجاهمم نحو الثورة السادسة أنهم من عامة الناس و ليسوا مهيكلين في حزب أو تجمع نقابي أو حركة مدنية معينة.

ومن فرنسا إلى تونس

و سيرًا على درب أصحاب “السترات الصفراء” في فرنسا، أعلنت مجموعة من الشباب التونسي، يوم 8 ديسمبر الجاري، عن تأسيسها وإطلاقها لحملة “السترات الحمراء”، التي تهدف إلى “إنقاذ تونس”، “في ظل منظومة لم يجد التونسيون فيها سوى الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة و الهيمنة على مفاصل الدولة وإستمرار سياسات التفقير الممنهج وما رافق ذلك من إرهاب غادر وتصفية للخصوم وضرب واضح لمكسبنا الوحيد في حرية التعبير”،  حسب نص البيان التأسيسي.

ويأتي تأسيس “السترات الحمراء” في تونس، وفق البيان، “لفشل هذه المنظومة في الارتقاء بالحد الأدنى من مستوى طموحات الشعب في الحياة الكريمة و طوحات شبابه في التشغيل” وفي “ظل غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، وتعمّق الهوة بينها وبين الشعب التونسي”.

وحسب البيان ذاته فإن “السترات الحمراء حملة وطنية شبابية خالصة مفتوحة للعموم ومنفتحة على الجميع وهي استمرارية لنضال الشعب التونسي وخطوة لاستعادة التونسيين لكرامتهم وحقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم.”

و يدعو أصحاب “السترات الحمراء” في تونس إلى “الإحتجاج المدني السلمي في التعبير عن الرأي و رفض هذا الواقع السائد”، ونشير إلى أنه تم إيقاف الناشط برهان العجلاني – أحد المشرفين على هذه الحملة، وقد شرعت حملة “السترات الحمراء” في تونس رسميًا في تركيز التنسيقيات الجهوية والمحلية خاصة بعد التفاعل والمساندة الكبيرة للحملة من فئات واسعة من الشعب التونسي.

العدوي في بلجيكا وإسبانيا وهولاندا والعراق

كما انتقلت المظاهرات التى تسمى بـ “السترات الصفراء” من باريس، إلى نقاط حدودية أخرى فى فرنسا، بما فى ذلك إسبانيا، حيث قامت الشرطة الإسبانية بالسيطرة على الطرق الرئيسية ببرشلونة بعد أن قام مجموعة من هؤلاء الانفصاليين المتشددين بمظاهرة أدت إلى تعطيل حركة المرور لعدة ساعات، ومنعت الشرطة مئات المتظاهرين من العبور إلى جبال البرانس.

ووفقًا لصحيفة “الخورنادا” الإسبانية، فأن المظاهرات التى حدثت فى إسبانيا بدأت بحوالى 300 شخص حتى وصلت 500 شخص، وأعلن المتظاهرون إضاربهم عن الطعام حتى يتم الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين منذ شهر أكتوبر العام الماضى.
وأشارت الصحيفة إلى أن أصحاب “السترات الصفراء” يهدفون لدحر العديد من الإصلاحات التى تؤثر عليهم وخاصة سائقى سيارات الأجرة والناقلين، وحتى الآن تم اعتقال 1000 خلال احتجاجات السترات الصفراء.

وفي بلجيكا قالت الشرطة إنها اعتقلت نحو سبعين متظاهرا من أصحاب السترات الصفراء في مواقع مختلفة من العاصمة بروكسل، وتجمع متظاهرون أمام كل من مقر المفوضية والبرلمان الأوربيين، حيث عززت الشرطة حضورها وانتشر أفرادها في الشوارع الرئيسية تحسبًا لأي أعمال عنف.

و كان نشطاء أطلقوا دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود والسياسات الضريبية للحكومة البلجيكية.

وفي هولندا، طالب أصحاب السترات الصفراء في المظاهرات التي تركزت في مدن لاهاي وأمستردام وروتردام باستقالة الحكومة، ورددوا هتافات تطالب باستقالة رئيس الوزراء مارك روته.

المتظاهرون الذين خرجوا بدعوات من مجموعات يمينية، انتقدوا موقف الأمم المتحدة من الهجرة، وسياسات الحكومة في جملة من القضايا، منها سن التقاعد وتكاليف الصحة والتعليم، فضلا عن قضايا الهجرة.

كما تجددت المظاهرات في مدينة البصرة العراقية، احتجاجاً على تردي مستوى الخدمات، والإهمال والبطالة واستشراء الفساد في المدينة، وفق مُنظِّميها. لكنها أخذت شكلاً جديداً وهو ارتداء سترات صفراء، تيمناً بالمتظاهرين الفرنسيين.
وانتشرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر المتظاهرين العراقيين مرتدين سترات صفراء، للفت انتباه المسؤولين العراقيين.

فهل ستكون “السترات” بإختلاف ألوانها وإنتماءات أصحابها أسلوب جديد للنضال من أجل تحقيق أهداف الشعوب؟ وهل سيحل أصحاب “السترات” – بِغض النظر عن ألوانها وجنسياتها – محل الأحزاب والسياسيين والنقابات و منظمات المجتمع المدني؟ هل سينجز أصحاب “السترات الحمراء” في تونس ما لم تستطيع فعله أحزاب مثل نداء تونس وحركة النهضة و الإتحاد العام التونسي للشغل؟ هل يستطيع أصحاب “السترات الصفراء” قلب نظام الحكم و إسقاط الرئيس ماكرون و نجاحهم في قيام ثورة شعبية سادسة في فرنسا؟ هل سنشهد قريبًا تأسيس سترات جديدة بألوان مختلفة عبر دول العالم؟ هل ستكون “السترات” بديلاً للأحزاب و النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني؟ أم هي فقط سحابة عابرة سرعان ما ستنقع ؟

رابط فيديو. 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.