الرئيسية » حرب السبسي على الإسلاميين: هل كان ملف التنظيم السرّي سيفتح لو قبلت النهضة بعزل الشاهد؟

حرب السبسي على الإسلاميين: هل كان ملف التنظيم السرّي سيفتح لو قبلت النهضة بعزل الشاهد؟

يتواصل الجدل على أشدّه حول ملف التنظيم السرّي لحركة النهضة الذي كانت قد كشفته لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي للرأي العام بتاريخ 2 أكتوبر الفارط. هذا الملف أصبح حديث الساعة في تونس وفي العالم، خاصة بعد إنعقاد اجتماع مجلس الأمن القومي بإشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بتاريخ 29 نوفمبر الفارط والذي كان هذا الملف على طاولة البحث.

بقلم سنيا البرينصي

تداول المجلس الأعلى للأمن القومي ما ورد من معطيات قدّمتها لجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذين اغتيلا بالرصاص في بلد “الثورة المجيدة” يومي 6 فيفري و25 جويلية 2013.

وقبل ذلك، كان رئيس الجمهورية قد إستقبل وفدا عن لجنة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، حيث طلب أعضاء اللجنة من قائد السبسي ضرورة تعهّد مجلس الأمن القومي بالملف وتشكيل لجنة ظرفية برئاسة شخصية وطنية للتدقيق في جملة من المعطيات ذات العلاقة.

إستقبال رئيس الجمهورية لأعضاء من لجنة الدفاع عن الشهيدين والتصريحات الإعلامية التي أدلوا بها بقصر قرطاج، والتي تمّ نشرها على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أثارت حفيظة بل “جنون” حركة النهضة التي سارعت بإصدار بيان تنديد “ليلي” شديد اللهجة في الظاهر وينمّ عن حالة من الرعب الشديد في الباطن، وكيف لا تجزع ولا ترتعب حركة النهضة وقد تعرّت تماما بعد فضح وجود جهازها السرّي بالوثائق والأدلّة من طرف لجنة الدفاع عن الشهيدين المغدورين بوابل من الرصاص ذات “خيانة” وفي وضح النهار؟

جزع حركة النهضة من مصيرها الحتمي الذي يبدو أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من التحقّق المأسوي “بما جنت يداها” تزايد إثر التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الجمهورية خلال إجتماع مجلس الأمن القومي، حيث أكد أن العالم أجمع يعلم بالجهاز السرّي لحركة النهضة.

كما أكد السبسي أن البيان الأخير لحركة النهضة الذي استنكرت فيه نشر الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية تصريحات أحد أعضاء لجنة الدفاع عن الشهيدين فيه تهديد لشخصه، مشدّدا على أنه لن يسمح بتلك التهديدات، وأنه سيلجأ إلى القضاء.

النهضة: بيضي واصفرّي وفرّخي… لا تغترّي بخلّو الجوّ فمصيرك الحتمي الصيد

قائد السبسي لم يكتف بما سبق من التصريحات، بل وصف المعطيات التي أمدّته بها لجنة الدفاع عن بلعيد والبراهمي حول الجهاز السرّي للنهضة  ب”المعقولة”، وهو ما يعتبر إعلانا رسميا وصريحا منه بتبنّيه الملف وإعتقاده في مصداقية ما عرضته اللجنة، ليختم ببيت للشاعر طرفة بن العبد مخاطبا قبّرة:

“خلا لك الجوّ فبيضي واصفري      يا لك من قبّرة بمعمر

ونقّري ما شئت أن تنقري           قد رفع الفخّ، فماذا تحذري؟

لا بدّ يوما أن تصادي فاصبري       قد ذهب الصيّاد عنك، فابشري”.

ولعلّ الثابت أن النهضة ومنذ أن تولّت الحكم عقب انتخابات أكتوبر 2011، وربّما قبل ذلك بفترة، قد باضت وفرّخت وعشّشت في كل أركان مواقع القرار في الدولة وفي كل المواقع الحيوية والإستراتيجية بالبلاد. التغلغل النهضوي ثابت بالأرقام والمعطيات ومن خلال التعيينات الإدارية والحيوية في أغلب مراكز السلطة والنفوذ، ولا يستحقّ شهادة أو إعلانا من أحد. كما أن التغولّ والتغلغل النهضوي ساهمت فيه وكرّسته ودعّمته منظومة ما بعد أحداث 14 جانفي 2011، بما فيهم رئيس الجمهورية نفسه، ومع ذلك، وبالرغم من كل الخراب المسجّل بفعل هذا التغلغل النهضوي المريب في كل المواقع أصبح من الضروري أن نتساءل بتفاؤل نسبي ولو لحين ربّما:”هل ستكون النهضة هي “القبّرة” والسبسي هو “الصيّاد الماهر”؟ والأهمّ هل أزف موسم الصيد؟ الإجابة لدى رئيس الجمهورية.

رسائل عدّة طفحت بها تصريحات رئيس الجمهورية مؤخرا موجّهة إلى حليفه السياسي وفق لقاء “باريس” المنعقد بتاريخ 13 أوت 2013 سمتها الغالبة أن “زئير” ساكن قرطاج قد ارتفع هذه المرّة، وهو “زئير” وفق ما يتبيّن من ظاهر التصريحات الأخيرة لن يتوقّف إلّا ب”القضاء” على الشريك في الحكم عبر المحاسبة القانونية لما اقترفت يداه في حق البلاد والعباد.

السبسي وسياسة تضييق الخناق على النهضة؟

انكشاف التنظيم السرّي للإسلاميين للعلن وإنهاء التوافق بين الشيخين ضيّقا الخناق على حركة النهضة وعمّقا مسار حشرها وركنها في الزاوية حتى يأتي اليوم الموعود: يوم الحساب، ولكن لماذا الان بالذات يسعى رئيس الجمهورية إلى إستعادة زمام الأمور ويعلن الحرب المفتوحة على شريكه الإستراتيجي النهضة، بل وقد يحمّلها كامل المسؤولية في خراب السبع سنوات الأخيرة الذي أصاب الوطن في “مقتل”؟

لماذا يتذكّر السبسي اليوم وليس أمسا أن النهضة في حال ثبت وجود تنظيمها السرّي يمكن أن تمثّل تهديدا للأمن القومي، والحال أن كل الوقائع والأحداث التي عاشتها تونس خلال حكم الترويكا بقيادة النهضة بداء من العمليات الإرهابية إلى الإغتيالات السياسية إلى أحداث العنف والرشّ إلى شبكات التسفير إلى مؤتمر أصدقاء سوريا إلى التدخّل في الشأن المصري الداخلي إلى علاقاتها المريبة بإسلاميي ليبيا تثبت بلا جدال أن هذه الحركة، ولاسيّما بعض قياداتها، هي فعلا خطرا على البلاد ومعادية للخط الوطني وللنمط المجتمعي التونسي وللحريات، ولا علاقة لها بمفهوم الإنتماء إلى الوطن، بل أن كل ما يهمّها هو الإنتماء إلى التنظيم.

بالرغم من أن التصريحات الواردة عن عدد من قياداتها تؤكد أن الحركة “تتونست”، ولكن الوقائع تثبت أن الفصل بين السياسي والدعوي لدى النهضويين مجرّد كلام فضفاض ومنمّق يسوّق للإعلام، ويتنزّل ضمن خانة “التقيّة”: الطبع الأزلي والإعتقاد الأبدي للإخوان عبر الأزمان.

ولكن هل كان ملف التنظيم السرّي سيفتح في حال انصاعت حركة النهضة إلى رغبة رئيس الجمهورية وحزب نداء تونس، وبالأساس إلى رغبة نجله حافظ، في عزل رئيس الحكومة يوسف الشاهد وإعادة سيناريو الحبيب الصيد، بفتوى أخرى من “الشيخ” على قول رئيس الحكومة السابق المعزول الذي ذات يوم هدّدوه ب “التمرميد” إذا لم يترك منصبه، ليتمّ لاحقا تعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية. يبدو أن “للكرسي” إغراءاته…

ولسائل أن يتساءل: “هل تعيش حركة النهضة اليوم واقعا صعبا بسبب تخلّيها عن التوافق مع السبسي ونداء تونس، بمعنى هل هي تعاقب بما اقترفت يداها التي غرّدت “خارج السرب الندائي الحافظي”، وصافحت من لا يروق لجماعة ساكني قرطاج والبحيرة مصافحته؟ أم أن هذا المصير هو مصير محتوم بناء على قاعدة أن كل “الجمرات” السياسية “الخبيثة” تنكشف وتتعرّى في نهاية المطاف، ومهما طال تستّرها بغطاء “المصلحة الوطنية” ومعزوفة “حبّ الوطن من الإيمان”؟

الواضح من تحرّكات وتصريحات رئيس الجمهورية مؤخرا أنه يلوّح بالعصا لمن “عصى” رغبته ورغبة نجله في عزل ساكن القصبة. الواضح أن الرئيس يسعى إلى معاقبة النهضة التي أنهت التوافق معه ومع حزبه وصنعت لنفسها “حليفا” جديدا، ومن “أجل عيونه” رفضت رفضا قاطعا تفعيل النقطة 64 من اتفاقية “قرطاج 2” القاضية بإسقاط الحكومة برمّتها.

الواضع أن السبسي يسعى من خلال التضييق على حركة النهضة الإنتقام منها لأنها خذلته وأفشلت مخططه في الإطاحة بالشاهد “الجاحد للجميل” الذي بعد أن استوى له الحكم خرج عن سيطرة رئيس الجمهورية وسيطرة نداء تونس.

هل تدفع النهضة ثمن عدم تخلّيها عن الشاهد؟

موضوعيا وواقعيا وسياسيا لا يمكن الإطاحة بالشاهد دون ضوء أخضر من النهضة ذات الأغلبية البرلمانية، دون نسيان أن التحوير الوزاري الأخير الذي لم يعجب بدوره ساكن قرطاج مرّ بأغلبية مريحة ب “فضل” نواب كتلتي النهضة والإئتلاف الوطني، وبالرغم من مقاطعة كتلة نداء تونس التصويت.

موضوعيا أيضا لا يمكن لعاقل أن يستوعب أن يكون هذا “الإنقلاب” المدوّي من السبسي على النهضة في منأى عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ولعلّنا نتساءل في هذا الصدد وبكل “عفوية” ممكنة: “هل كان من الممكن أن يطفو ملف التنظيم السرّي للنهضة على السطح لو قبلت هذه الأخيرة بعزل الشاهد”؟.

هل شعر الرئيس مؤخرا بتراجع نفوذه وخروج الأمور عن سيطرته مقابل تنامي نفوذ وشعبية الشاهد فقّرر بفضل دهائه السياسي المعروف إنقاذ الموقف وإستعادة زمام المبادرة بإثارة ملف التنظيم السرّي للإسلاميين، لاسيّما وأن هذا الملف يعدّ من الملفات الحارقة التي ستكون لها تداعيات كبرى وطنيا وإقليميا ودوليا في حال ثبتت صحّة المعطيات التي كشفت عنها لجنة الدفاع عن الشهيدين؟

لا يختلف إثنان في أن تعهّد مجلس الأمن القومي بالملف قد يكون مؤشّرا لافتا على صحّة المعطيات التي كشفتها اللجنة، علما وأن وجود تنظيم سرّي للإسلامين ليس بالأمر الحدث بالمرّة، حيث راجت معلومات حول هذا التنظيم منذ فترة أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، إذ تشير الوقائع إلى أن مخطّط الإسلاميين للإستيلاء على الحكم الذي كان مبرمجا ليوم 8 نوفمبر 1987 كان من المزمع تنفيذه بالإستعانة بجهاز أمني سرّي، لولا أن بن علي استبقهم بيوم واحد فقط من المؤكد أنه كان يوما فصلا في تاريخ البلاد بالنظر إلى أن انقلاب بن علي على الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة أنقذ البلاد من النموذج الإيراني الصفوي الذي كان الإسلاميون يعدّون العدّة لتكريسه، وهي النقطة الإيجابية الوحيدة التي ربّما قد تحسب لصالح بن علي في انقلاب 7 نوفمبر 1987.

السبسي والنهضة: ورقة ضغط أم حرب مفتوحة بين الشيخين

كما لا يختلف إثنان في أنه في حال ثبوت وجود تنظيم سرّي للإسلامين متورّط في الإغتيالات السياسية والأحداث الدامية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة يعني اليا حلّ حركة النهضة ومحاكمة قياداتها ورفع الغطاء الإقليمي والدولي عنها… فهل هذا هو المسعى الحقيقي لرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة والضامن لأمن البلاد والحافظ لقيم جمهوريتها بعد ثبوت تورّط النهضة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجّرد مناورة سياسية و مقايضة لحركة النهضة لفكّ تحالفها مع الشاهد “المتنطّع” و”الخارج عن السيطرة”  ليتسنّى عزله، خاصة وأن الأخبار الاتية من الأوساط المقرّبة من القصبة تشير إلى قرب بعث حزب سياسي كبير سيكون بديلا لنداء تونس بقيادة الشاهد الذي قد يصبح زعيما للحركة التقدمية والديمقراطية في تونس. لا نعتقد أن هذا المشروع السياسي في حال استوى و”طاب” و”استطاب” وأصبح حقيقة قد يعجب رئيس الجمهورية أو الندائيين “الحافظيين”…

هل ستكشف لنا الأيام المقبلة دخول رئيس الجمهورية، ومن خلفه نداء تونس، في صراع مباشر ومفتوح مع الشاهد من خلال حركة النهضة التي يبدو أنها مازالت متمسّكة بحليفها، على الأقلّ حتى الان؟ أم أن التحرّكات الأخيرة لرئيس الجمهورية تسعى بالفعل إلى إنقاذ البلاد من مخالب “الإخوان” وتقليم أو بالأحرى “تقليع” “أظافر” الإسلاميين تكريسا وتفعيلا لدوره الرئيسي المتمثّل في حماية الأمن القومي وصون قيم الجمهورية ومدنية الدولة؟

هل فشل السبسي في الإطاحة بالشاهد عبر اتفاقية قرطاج 2 وعبر التحوير الوزاري، الذي يؤكد متابعون أنه لم يرق بالمرّة لساكن قرطاج، جعل كل أبواب الحرب مع النهضة مفتوحة؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى ورقة ضغط على النهضويين لدفعهم إلى تعرية ظهر “الشاهد” والتخلّي عن دعمه مقابل أن يظلّوا في حكم البلاد “امنين و”مطمئنّين إلى “يوم الدين”؟

هل يفعلها السبسي هذه المرّة دون حسابات سياسية، سواء تعلّقت بالشاهد أو بغيره، ليدخل التاريخ ك”مخلّص” البلاد من “الإخوان”، وليخرج من الباب الكبير عند إنتهاء عهدته الرئاسية في 2019؟ أم أن كل ما في المسألة حسابات سياسية قد تكون لها تداعيات جسيمة على الوضع العام بالبلاد، خاصة وأن النهضة التي تجزع شديد الجزع من فكرة إمكانية العودة إلى السجون والمنافي مرّة ثانية لن تبقى مكتوفة الأيدي في كل الحالات شأنها شأن كل التنظيمات الإخوانية التي في غالب الأحيان تختار المواجهة كلّما تمّ تشديد الخناق حولها، أو تهديد وجودها، أو إقصائها من السلطة؟ 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.