الرئيسية » تونس : التصعيد العمالي بين الدواعي الاقتصادية والأبعاد السياسية

تونس : التصعيد العمالي بين الدواعي الاقتصادية والأبعاد السياسية

الإتحاد العام التونسي للشغل أعلن أن قرار تفعيل الزيادة في أجور الوظيفة العمومية لم يعد قراراً سيادياً وطنياً، بل يخضع إلى إملاءات صندوق النقد الدولي، وقرر إضراباً وطنياً عاماً في 17 ديسمبر 2018، سعياً منه إلى الضغط على الحكومة لرفع الأجور. ماهي خلفيات الإضراب الجديد و تداعياته المؤملة والممكنة ؟

بقلم فيصل علوش *

جاء هذا الموقف بعد قيام الإتحاد بتنفيذ إضراب عام في22 نوفمبر الفائت، شمل حوالي 650 ألف عامل وموظف حكومي، وذلك بعد فشل اجتماع بين رئيس الحكومة يوسف الشاهد والأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، وإعلان الأخير «إغلاق باب التفاوض نهائياً مع الحكومة بعدما رفضت زيادة الأجور».

ولفت الطبوبي إلى أن الحكومة لم تُقدّم أي مقترح جديد يتعلق بشأن الأجور، مشدّداً على أنّ «قرار تفعيل الزيادة في أجور الوظيفة العمومية لم يعد قراراً سيادياً وطنياً، بل في انتظار الضوء الأخضر من وراء البحار»!، في إشارة إلى املاءات صندوق النقد الدولي.

وفي المقابل، أعلن الشاهد أنه «يريد اتفاقاً واقعياً مع الإتحاد، يراعي المالية العامة بعد أزمة الأجور»، في خطوة بدا أنّ الهدف منها تخفيف التوتر مع المنظمة النقابية الأكبر في البلاد بعد الإعلان عن إضرابها الأخير والتي عادت وأكدّت تمسكها بزيادة الأجور، مشدّدة أيضاً على «رفضها لنهج الحكومة وخياراتها في معالجة الأوضاع الاقتصادية في البلاد».

ويصرّ الاتحاد على أن القضية تتجاوز الخلاف حول الزيادة في أجور الوظيفة العمومية، بل تتعداها إلى الخلاف مع «نهج الحكومة وخياراتها الاقتصادية، (مثل بيع المؤسسات والقطاعات العمومية تطبيقا لتعليمات الهيئات الدولية المانحة)، التي تزيد في تعميق الأزمة في البلاد بدلاً من العمل على حلّها»! وبالتالي حول ما تعتبره المنظمة النقابية «ذوداً عن سيادة القرار الوطني وتحريره من التبعية والتعليمات الأجنبية». ويعتبر الاتحاد أن التعديل الحكومي الأخير، والتي ذُكر أن دواعيه اقتصادية، «لم يطل أياً من وزراء الشأن الاقتصادي ولم يطرح أيّ برنامج اقتصادي يُرمّم الوضع المتردي».

ويطالب صندوق النقد الدولي الحكومة التونسية بـ«السيطرة على كتلة الأجور المرتفعة وغير المتناسبة مع حجم الاقتصاد»، وفقاً لتقييمه، بل والمضي قدماً في ما يسمّيه «الإصلاحات للحدّ من عجز الموازنة العامة ودعم الاستثمار والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي». وهذه الإصلاحات تعني «إجراءات تقشفية غير شعبية» بهدف خفض عجز الموازنة.

ضغوط نقابية غير مسبوقة

في الواقع، وعلى رغم الإشادة بالإنتقال الديموقراطي السلس في تونس، إلا أن البلد واجه أزمة اقتصادية خانقة منذ «ثورة جانفي 2011، في ظلّ الأزمات الناجمة عن مرحلة الانتقال السياسي والخضّات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ترافقها؛ حيث تفاقمت البطالة وهبطت قيمة الدينار التونسي وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية. علماً أن الثورة كانت في أحد جوانبها الرئيسة «انتفاضة فقراء وعاطلين عن العمل، رفعوا شعارات تطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية».

وأظهرت مؤشرات رسمية أصدرها معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية أن القدرة الشرائية تراجعت في تونس نحو 40% خلال السنوات الأربع الأخيرة، بينما أشار المعهد الوطني للإحصاء إلى أن راتب الموظف التونسي لا يكفيه سوى أسبوع واحد.

وأقرّ الشاهد، في خطاب أمام البرلمان، بوجود «مشكلة حقيقة تتمثل في تراجع القدرة الشرائية وارتفاع التضخم وتراجع مستوى الخدمات العامة»، معتبراً أنّ «أولوية حكومته معالجة هذه المسائل»، ولكن مع العمل على «خفض فاتورة أجور القطاع العام إلى 12,5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، من نحو 15,5% الآن، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم»، بحسب صندوق النقد.

أسباب سياسية للتصعيد؟

وإلى ذلك، ثمة من ربط التصعيد العمالي بالتطورات السياسية التي تشهدها تونس، وخصوصاً فشل الأطراف السياسية والاجتماعية التي دعت إلى إقالة الشاهد وحكومته. بمعنى أن حركة الاتحاد الاحتجاجية ليست ذات هوية إقتصادية فقط، بل هي «احتجاج سياسي» أيضاً في جانب منه، من منطلق أنّ الاتحاد يستخدم ورقة الإضراب للضغط على الحكومة التي سعى مع حزب نداء تونس وقوى سياسية أخرى إلى إقالتها، لكنهم لم يفلحوا في ذلك.

ومن أدوات الضغط الأخرى التي تستخدمها الأطراف المنزعجة من استمرار حكومة الشاهد، حسب بعض المراقبين، اللجوء إلى القضاء ومحاولة زجّه في قضية الحديث عن «مُؤامرة انقلابية على الرئيس السبسي» يقوم بها رئيس الحكومة.

وكان سليم الرياحي، الأمين العام لحركة نداء تونس، فاجأ الأوساط السياسية بالإعلان عن أنه رفع قضية لدى القضاء العسكري، ضد رئيس الحكومة، وعدد من الذين وصفهم بـ«أعوانه» بتهمة «التخطيط لتنفيذ انقلاب على رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي».

ورفض الشاهد هذه الإتهامات، واستهجن الحديث عن «انقلابات في زمن الديمقراطية». واعتبر أن التزامن بين الإضراب والحديث عن المؤامرة الانقلابية «ليس بريئاً، بل هو سعيٌ واضح لتوظيفه واستثماره في المعركة السياسية لإضعاف حكومته وتشويهها، حتى تسهل الإطاحة بها»!

وإلى ذلك أيضاً، لوّح الاتحاد، على لسان أمينه العام، بأنه سيشارك في كل المحطات الإنتخابية القادمة بما فيها التشريعية والرئاسية عام 2019. وهو ما أثار جدلاً بشأن الدور السياسي للاتحاد، والتداعيات التي قد تنجم عنه، لجهة «إعادة تشكيل المشهد السياسي والإصطفافات الحزبية في البلاد»، علماً أنّ هذا الإعلان لاقى قبولاً من أوساط سياسية عدة، على أمل بأن يساهم في «تغيّير التوازنات القائمة حالياً»، والتي تتحكم فيها حركة النهضة الإسلامية.

* كاتب وصحفي فلسطيني.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.