الرئيسية » مجلس نواب الشعب في تونس : لغط، مهازل، فضائح، والعرض البائس مستمر…

مجلس نواب الشعب في تونس : لغط، مهازل، فضائح، والعرض البائس مستمر…

الإنتحار البطيء للإقتصاد وحالة الخوف من المستقبل وانعدام الأمل عند الشباب العاطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا بالذات وأزمة التعليم والصحة فتلك مشاكل لا تعني نواب النوم البطيء في وقت العمل ونواب الغياب المتكرر ونواب مساحات الفضاء الإعلامي المشبوه.

 بقلم أحمد الحباسي

اليوم، وبعد كل ما شاهدناه من مهازل وفضائح وقيل وقال وخطاب هابط وغيابات متكررة تحت قبة البرلمان، يحق القول أنه ثمة أمورا ليست على ما يرام، وبما أننا لا نقع تحت واجب التحفظ، وهي العلة العليلة التي يلتجئ اليها بعضهم لمزيد إضفاء حالة من الغموض عندما يحشرون في الزاوية، فمن حق الشعب علينا أن نحاول التعبير باسمه، وهو الذي من المفروض أن يكون مصدر السلطات فأصبح بقدرة هؤلاء النواب البقرة الحلوب التي يتم استنزافها ثم يرمى بها إلى مصيرها دون ذرة حياء أو خجل.

نوابنا الميامين يتغيبون بالجملة والتفصيل عن جلسات المجلس، ولكن نراهم الأوائل في صف قبض مرتباتهم والمطالبة الفجة في الزيادة فيها رغم علمهم المسبق بخواء خزائن الدولة وارتزاقها من قروض البنوك الأجنبية التي قدمت مستقبل هذا الشعب رهينة ورهنا لديها لعشرات السنوات القادمة.

سوق عكاظ فيه تسمع جعجعة ولا ترى طحينا

نوابنا غائبون دوما بعلة أو بدونها ولا يخجلهم ما سجلته دفاتر الحضور من غيابات متكررة ولا يهمهم ملاحظات دكاكين المجتمع المدني التي تراقب حلهم وترحالهم في هذا المجلس الذي تحول إلى سوق عكاظ فيه تسمع جعجعة ولا ترى طحينا.

من حمد الله وفضله ومن بركات هذه الثورة ومن نتائج الحبر الأزرق الذي فرحنا يوما بكونه زين أصابعنا في انتخابات ظن الجميع أنها ستقودنا إلى بر الأمان فتحولت بفعل نكث المرشحين لعهودهم جملة وتفصيلا إلى نكبة موجعة دائمة زادت في تعميق جراحنا الإقتصادية وارتفاع تكاليف معيشتنا وارتهاننا إلى صناديق الدول الأجنبية التي فرضت علينا شروطا مجحفة.

قلت من حمد الله وفضله أننا رزقنا بهذه الفئة من النواب الرحل الذين يزينون مساء سهرات محطات التلفزيون وهمهم الوحيد هو استعراض مهاراتهم في إعادة ترميم الشعارات وتفسير الماء بالماء حتى خلنا أنهم تحولوا الى ببغاوات.

لقد استقال نوابنا الكرام من مهمتهم الأصلية وهي تمثيل المواطنين واستبدلوها عنوة بالتمثيل عليهم ليلا نهارا ودون ملل أو كلل.

من يشاهد هؤلاء النواب أو يسمعهم يصاب بالقرف والإحباط ويضطر إلى سؤال نفسه عن الأسباب التي دفعته إلى ارتكاب معصية وخطيئة بمثل هذا الحجم تتمثل في انتخاب هؤلاء الأشخاص الذي لا يملك أغلبهم أبجدية التعامل والخطاب السياسي، ولعل سماع النواب  فيصل التبيني أو محمد بن سالم أو سامية عبو والأمثلة كثيرة سيجد نفسه أمام أناس يتلهون بالقشور على حساب المهم والأهم، أناس لا شغل لهم إلا المناكفة واختلاق المعارك البيزنطية الوهمية.

هزال المشهد وإسفاف غير مسبوق تحت قبة البرلمان

من يبحث عن تعريف مناسب للرداءة وقلة الحياء فليشاهد ما ينقله التلفزيون مباشرة من مجلس نوائب الشعب – عفوا نواب الشعب -، ارتفاع للغط  وقلة الذوق والحياء، تهجم مبالغ فيه تجاه وزراء، تشنج وخصام ومناكفة، غزل وهمس ولمس، شخير ونوم، غياب متكرر، تدخلات فارغة المضمون، خطب عصماء هلامية، شعبوية زائدة، يعني سوق عكاظ، سوق سيدى عبد السلام اين تجتمع النطيحة والمتردية وما أكل السبع وما تركت سفارات الخيانة ومخابرات بيع الذمم، مشاهد يندى لها الجبين.

زد على ذلك ما يكشفه أمثال البحرى الجلاصى و شفيق جراية من “شرائهما” لبعض هؤلاء  وما يتسرب من كون هناك من يمثل لوبيات الفساد والتهريب، من يمثل الإرهاب والخطاب التكفيرى، من يمثل المصالح الأجنبية المشبوهة ومن يسعى لخدمة أجندات خارجية متآمرة على تونس، هناك من  المتابعين من يصاب بالضحك وهناك من يصاب الإحباط وفي كلتا الحالتين هناك شعور عام بهزال المشهد تحت قبة البرلمان وبإسفاف غير مسبوق يؤكد مرة أخرى فشل الثورة في تحقيق أهدافها المعلنة والتي من بينها تركيز مؤسسات الإنتقال الديمقراطي.

هناك من يعتقد أن ما يسمى بالتفاهمات لتمرير بعض القوانين هو مسعى توفيقي مهم في صالح البلاد والعباد ولكن الحقيقة تقول أن ما يحدث هو رجس من عمل الشيطان، الشيطان  الخارجي الذي يوسوس في صدور بعض المتآمرين على اقتصاد البلاد الذين يمررون قوانين ويصادقون على قروض و معاهدات من شأنها رهن مستقبل الأجيال القادمة.

أما الأخطر على البلاد فهو هذا الغياب الكلي للوعي بما يمكن أن يحدث لو انهارت العملية السياسية برمتها نتيجة هذا الكم الهائل من التنافر والخبط السياسي العشوائي بحيث تحول مجلس النواب الى مساحة تتكلم فيها الموالاة بمنطق أنا ربكم الأعلى في حين تتكلم المعارضة بلغة أنا أرفض إذا أنا  موجود.

لقد تحول مجلس نواب الشعب إلى قبائل سياسية متنافرة تعتمد منطق المغالبة والقفز في المجهول والضرب تحت الحزام  والإصطفاف الجهوي والقبلي. أما الإنتحار البطيء للإقتصاد وحالة الخوف من المستقبل وانعدام الأمل عند الشباب العاطل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا بالذات وأزمة التعليم والصحة فتلك مشاكل لا تعني نواب النوم البطيء في وقت العمل ونواب الغياب المتكرر ونواب مساحات الفضاء الإعلامي المشبوه.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :

تونس : هل المطلوب تغيير العقليات المهترئة والأساليب البالية أم تغيير يوسف الشاهد ؟

سليم الرياحى وحافظ قايد السبسي : عندما يتلم التعيس على خائب الرجاء

الغنوشي وقايد السبسي، النهضة والنداء، وحكاية الإنفصال المعلن

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.