الرئيسية » الغنوشي وقايد السبسي، النهضة والنداء، وحكاية الإنفصال المعلن

الغنوشي وقايد السبسي، النهضة والنداء، وحكاية الإنفصال المعلن

لقد فرض اعتصام الرحيل صيف 2013 إنهاء حلم الإسلاميين في البقاء في الحكم لأعوام طويلة لكن الرئيس المنتخب عام 2014 الباجي قايد السبسي سارع بإنقاذهم من ورطة كبرى مقابل حلم الرئاسة، واليوم ها هو يراهم يغادرون مركب التوافق المغشوش في اللحظة الموعودة وذلك بغاية تنفيذ الحلم الضائع للخلافة السادسة.

بقلم أحمد الحباسي

“لا هم إخوان ولا هم مسلمون”، هكذا تحدث عن الإخوان زعيمهم ومؤسسهم حسن البنا وأهل الإخوان أدرى بقلب الإخوان عملا بالقول المعروف الشائع “أهل مكة أدرى بشعابها”، وعلى فكرة الشعاب فللإخوان شعاب وخفايا ونفاق ومخاتلة كثيرة، فهم من تبنوا مفهوم التقية وابتدعوا مفهوم التمكين، وهم من مارسوا طيلة وجودهم كل عمليات المراوغة الذهنية والتقلب من المواقف إلى نقيضها بحسب الوقت والأحوال بل  لنقل بمنتهى الصراحة أن الإخوان لا يختلفون في سلوكهم المنافق عن الصهاينة، وهو ما أتى على ذكره المشير  محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته حول هذا السلوك الإسرائيلي المتأرجح المتقلب في مفاوضات الوضع النهائي لمدينة سيناء المحتلة.

الكارثة التي حلت بالبلاد نتيجة التوافق المغشوش 

نحن اذن نتحدث عن فئة وعن ميلشيات ومجموعات تنتمي الى فكر مخالف لما نفكر فيه كأغلبية مسلمة وأغلبية عربية، بل نحن نختلف تماما وبالضرورة عن فكر ومشروع واتجاه هؤلاء التكفيريين الشيطانيين الخدم لكل المشاريع الهدامة والمنبوذة والمشبوهة التي تستهدف القومية العربية وتستهدف كل القيم الإسلامية وتستهدف الأنموذج الوسطي للمجتمعات العربية.

لقد تحدث رئيس الدولة الباجي قايد السبسي في حواره الأخير  عن طلب مرشد الجماعة راشد الغنوشي فك العلاقة بينهما ولعل السيد الرئيس قد أراد إقناعنا بأنه فوجئ بهذا  التحديث للموقف أو بهذه القطيعة الخبيثة  لحبال الود بين الشيخين، وبمعرفتنا بالطرفين نكاد نجزم أنهما من اللؤم والخبث حتى نؤكد أنهما طبخا هذه الطبخة سوية وأن محاولة الرئيس الإيحاء بكونه قد تعرض للخديعة من شيخ الكذابين كما وصفه الشهيد شكري بلعيد هو أحد الخدع الكثيرة التي عاشها الشعب منذ صعود الرجل الى سدة الحكم في سنة 2014 وبالتدقيق منذ لقاء باريس الشهير قبل الإنتخابات الرئاسية بأكثر من عام ليبقى السؤال بحجم الكارثة التي حلت بالبلاد نتيجة هذا التوافق المغشوش الذى فرضه الفكر الخبيث للرئيس على الناخبين للنداء : لماذا فرض الرئيس هذا التوافق ولماذا  ضحى الرئيس بناخبي النداء ولماذا فرض بهذه الفكرة انسحاب السيد الحبيب الصيد و لماذا أصر الرئيس على القاء رئيس الحكومة الحالي في أتون جحيم رئاسة حكومة فاشلة من البداية في ظل توافق مغشوش وفي ظل معرفته التامة بالنوايا السيئة لحركة النهضة وصديقها محمد المرزوقي بحكم اطلاعه على التقارير الأمنية التي تحدثت عن ضلوع هذا الحزب ولو بشكل غير مباشر في الإغتيالات وفي تمرير الإرهابيين الى سوريا وفي تسليح وتمرير كل كميات الأسلحة التي تم اكتشافها أو التي لا تزال مخفية في داخل التراب التونسي استعدادا للساعة الصفر كما حدث في بنغردان.

يرى محللون و مراقبون  أن تحولا على هذا القدر من الأهمية في موقف مرشد الإخوان كما وصفه الرئيس نفسه قد يعني أمورا خطيرة كثيرة، وهو قرار قد طبخ منذ فترة ليست بالقليلة كما يظن البعض و ليس قرارا فرديا أو قرارا  صادرا عن حركة النهضة بل هو مجرد حالة إملاء أجنبية دبرت بحنكة شديدة في غرف المخابرات ودهاليز الغرف المظلمة في الخارج وبالذات  تركيا وقطر وأن هذا القرار بفك حالة الارتباط الإنتهازية التي طبعت علاقة الرجلين منذ لقاء باريس صائفة 2013 قد يكون مقدمة لإرباك الوضع الأمني بالقيام بسلسلة من الأعمال الإرهابية التي تضع البلاد على كف عفريت حتى يسهل الإستيلاء على مقاليد الحكم وضرب كل مؤسسات الدولة.

الرئيس قايد السبسي اليوم بلا حزب وبلا سند سياسي من أي طرف  

وهنا لا بد من تذكير المتابعين بكيفية اقالة وإبعاد وزير الداخلية السيد لطفي براهم الذي وصفه الكثيرون بكونه حائط الصد الأخير ضد مخططات الإسلام السياسي في تونس الممثل في حركة النهضة وحزب التحرير ومن تناسل منهما وضد المؤامرة القطرية التركية الصهيونية التي تقف وراء كل الأحداث الإرهابية وتخطط لها وتمول وتسلح من يقوم بها من الجماعات التكفيرية الموالية لحركة النهضة، فك حالة التقارب اللئيم  قد كانت متوقعة بشدة خاصة بعد أن تم تفخيخ حركة النداء وإفراغها من كوادرها وبعد أن تم الإستفراد برئيس الحكومة و إظهار مساندة مغشوشة في خصوص النقطة 64 من اتفاق قرطاج.

ان المتأمل اليوم لحقيقة المشهد بعد هذه العملية الإرهابية السياسية يجد أن الرئيس قد أصبح معزولا تماما عن بقية المشهد السياسي، وهو الذى طمح إلى عزل فكر حركة الإرهاب عن فكر الإخوان المسلمين في المشرق.

الرئيس اليوم بلا حزب وبلا سند سياسي من أي طرف وهناك إحساس لدى المتابعين أن الرجل قد تم إحكام السيطرة عليه ليصبح مجرد  طرطور جديد خاصة بعد أن تخلى عن رئيس حكومته وأراد أن يلعب به القمار السياسي بمطالبته بالتوجه إلى البرلمان لاستعادة ثقة مغشوشة تحصل عليها في ظرف مغشوش من مجموعة من المقامرين السياسيين وعلى رأسهم حركة النهضة ومنظمة الشغالين.

اليوم العلاقة منقطعة مع رئيس الحكومة ومع رئيس البرلمان ومع الإبن المدلل الذى دمر حزب النداء ومع بقية “الأبناء المؤسسين”  ومع الإتحاد وبقية المنظمات القومية.

هذا المشهد يترتب عنه دفع الثمن السياسي المطلوب وهو عدم القدرة وليس الرغبة كما يوحي الرئيس في الترشح للإنتخابات القادمة خاصة في ظل حالة غير مسبوقة من المشاعر الشعبية السلبية التي أكدتها استطلاعات الرأي الأخيرة نتيجة نكث الرجل لكل وعوده الإنتخابية ووضع يده في يد الحزب الإسلامي وتجنيبه المحاسبة القضائية والسياسية على كل الجرائم السياسية والمالية التي ارتكبتها الحركة منذ نجاح الثورة.

ماذا دار من حديث بين الرجلين في اللقاء الأخير؟ من الواضح تماما أنهما لم يتبادلا عبارات الود والهدايا ومن المؤكد أن اللقاء قد كان عاصفا إلى أبعد الحدود ولم يحضر فيه أي طرف اخر من الجانبين تماما كما حدث في لقاء باريس.

هذا يؤكد مرة أخرى أن الرجلين يفكران بعقلية الفرد وليس بعقلية المؤسسات وكل ما يشيعه الرئيس من حديث حول مفهوم الدولة هو كلام للإستهلاك المحلي.

لقد كان حوارا عنيفا بكل المسميات بين الزوجة الخائنة وبين الزوج المخدوع، بين فكر الإخوان المتطلع لإنشاء دولة الخلافة وفكر هوس الزعامة المستعد للتضحية بمصلحة الوطن من أجل كرسي بائس.

لم يكن لقاء عتاب بين الخيانة والوطنية لأن الطبخة قد كانت على حساب الوطن وعلى حساب مستقبل الأجيال وعلى حساب متطلبات الثورة  ولم يجد الرجلان في نهاية الحديث إلا أن يعلنا نهاية مسرحية الكوميديا السوداء التي دفع فيها الشعب دم قلبه من الشهداء ومن ضياع الفرص الإقتصادية بحيث تحولت تونس إلى مجرد دولة منكوبة على حافة الإفلاس.

لعل الخلاصة الوحيدة المعلنة من هذا اللقاء هو إعلان الرئيس عن اقتناعه التام بعدم نجاح هذا المخطط الذي دبرته النهضة ومن وراءها من الدول الأجنبية المتآمرة على تونس.

من كان يتصور بعد 11 جانفى 2011 أن تونس تئن تحت وطأة هذه المجموعات السلفية الوهابية التكفيرية الإرهابية. لقد انكشف الغطاء عن هؤلاء الإرهابيين في عدة مراحل بعد نجاح الثورة وبالذات عند قيامهم باغتيال الشهداء و رعايتهم للإرهابيين.

لقد كانوا يتمددون و يتسللون و يخترقون ويكبرون مع الوقت 

وجود هؤلاء لم يكن حادثا عرضيا أو طفرة مياه  غفلت مصالح الرصد الجوي عن معرفتها أو التحذير منها في الوقت والكيفية المناسبة كما حصل في نابل بل هو قديم كشفته وسائل الإعلام بتفاصيله المرعبة وتضاريسه الخفية.

لقد كانوا يتمددون و يتسللون و يخترقون ويكبرون مع الوقت في غفلة منا وفي صمت مطبق من الرئاسة ومن أجهزة وزارة الداخلية وعيون الإتحاد العام التونسي للشغل وبقية المنظمات “الوطنية”.

ربما تبخرت هذه الميليشيات في عهد بن علي  لكنها موجودة في كل مكان كالطاعون على قول النائب محمود البارودي، فقط اللحظة لم تكن مناسبة للظهور فكمنوا للدولة ولمؤسساتها  حتى تسنح فرصة الضرب في مقتل.

لقد فرض اعتصام الرحيل إنهاء حلم الإخوان في البقاء في الحكم لأعوام طويلة بعد ان ظنوا انهم قادرون على سلب عقول المتابعين بخطاب عاطفي يتوسل بالدين لكن الرئيس سارع بإنقاذهم من ورطة كبرى مقابل حلم الرئاسة واليوم يستشعر هؤلاء القوم ضعف  الإسناد السياسي للرجل و يغادرون المركب في اللحظة الموعودة في اتجاه  تنفيذ مخطط انشاء الخلافة السادسة وهو الحلم الضائع الذى لن يتحقق.

مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس 

الإنجاز الوحيد لحكام الخليج هو نشر ثقافة التطرف الديني والإرهاب المدمر للشعوب والدول

تونس : محمد المنصف المرزوقي والمشروع القطري الذي سقط

حرب السكاكين الطويلة في نداء تونس : الأسباب و المظاهر والتداعيات المنتظرة

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.