الرئيسية » هل العرب مساندون فعلا لفلسطين ؟

هل العرب مساندون فعلا لفلسطين ؟

شعارات الحكام العرب حول القضية الفلسطينية كانت مجرد بيع أوهام وتضليل للوجدان العربي لا أكثر ولا اقل. أما أفعالهم فهي مزيج من المغالطة والخيانة والضحك على ذقون شعوبها المغلوبة على أمرها. 

بقلم أحمد الحباسي

عندما خرج الإستعمار من الباب، ولو  أن البعض يشك في ذلك، ترك للشعوب العربية أنظمة ديكتاتورية تحكمها، فيها منجاء بالوراثة أو قتل أقرب الناس إليه وفيها من جاء على ظهر الدبابات وفيها من وصل عن طريق الشرعية النضالية ضد الإستعمار.

كل هذه الأنظمة  الديكتاتورية كانت ترفع شعار فلسطين والقضية الفلسطينية في كل المناسبات وتخاطب شعوبها بكونها تحمى هذه القضية.

وقد ذهبت بعض الأنظمة مما يسمى بدول الطوق بالإيحاء بكونها تخوض معركة فلسطين نيابة عن الأمة إلى أن فوجئت الأمة بنكسة حرب الأيام الستة سنة 1967 وما تبعها من ارتدادات وإرهاصات نجد أثرها في كل الأعمال الفنية التي تناولت تلك الفترة مثل الفيلم الشهير “أحن ابتاع الأوتوبيس”، “الرصاصة لا تزال في جيبي”، “الإختيار” ، “العصفور”، “زائر الفجر”، “ثرثرة فوق النيل”، “الكرنك”، “ميرامار”…  بل إن عدد الأفلام المصرية التي تناولت نكسة 1967 أكبر من عدد الأفلام التي تناولت حرب أكتوبر 1973، وهو أمر سلبي لأنه يعكس مدى جلد الذات من قبل الفنان المصري الذي عانى كثيرا حينما استيقظ يومًا من نومه ليكتشف أن جيشه انهزم من العدو وأن أرضه اُحتلت.

قمم عربية وزيارات واجتماعات وقرارات وشعارات و… هزائم

لقد خصصت للقضية الفلسطينية اغلب القمم العربية والزيارات والإجتماعات والقرارات، لكن من المفارقات الرهيبة  أنه بخلاف كل الشعارات الرنانة التي رفعتها القيادات العربية مثل “لا صلح لا استسلام لا تفاوض” (قمة الخرطوم) والتي تحول في النهاية إلى “الأرض مقابل السلام” في قمة بيروت فإن كل هذه الأنظمة لم تدع يوما صراحة وعلنا  أنها ستحارب إسرائيل أو أنها تدعو بقية الأنظمة العربية لإعداد خطة وازنة ومدروسة لمواجهة الاحتلال الصهيوني وتحرير فلسطين وبقية الأراضي العربية.

إن “تحرير فلسطين” هذا المفهوم أو التركيب اللغوي الفخم لم يكن في الحقيقة يوما على جدول أعمال الرؤساء والملوك العرب بل من الواضح باسترجاع التاريخ أن غاية ما سخره هؤلاء للقضية لا يعدو أن يكون حشدا من الشعارات الفخمة والمصطلحات المبتكرة الفارغة.

يجب الإعتراف أيضا أنه رغم اعتراف الدول العربية بفلسطين ورغم الإعتداءات الصهيونية المتكررة فانه لم يقع تفعيل ميثاق الجامعة العربية الذي يعتبر الإعتداء على دولة عربية هو اعتداء على بقية الدول يستوجب الرد العسكري.

يشار أيضا إلى أن حرب 1973 و حرب الاستنزاف كان الغرض منهما مجرد استرجاع الأرض المصرية السورية المحتلة وليس تحرير فلسطين.

لقد تاجرت كل الأنظمة العربية مع استثناء قليل بالقضية الفلسطينية وكان لما سمي في حينه بدول الإعتدال العربي، الأردن ومصر والسعودية على وجه التخصيص، دور فاعل في تركيز الاحتلال الصهيوني وضياع الحقوق الفلسطينية خاصة و أن القيادة الفلسطينية نفسها بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات قد دخلت في مفاوضات غير متكافئة زادت من تعميق الهوة بين الأنظمة وهذه القيادة  وأدى ذلك إلى بروز مفاهيم ومصطلحات مشبوهة مثل “أهل مكة أدرى بشعابها” و”ما يقبله الفلسطينيون نقبله” و “نحن لسنا ملكيين أكثر من الملك”…

خطب حماسية وشعارات مغشوشة واجتماعات منبوذة

كان أيضا لتفرق وانقسام القيادة الفلسطينية المركزية وبروز تنظيمات مشبوهة مثل حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة وما قام به أبو نضال من ممارسات سخيفة أضرت برمزية النضال الفلسطيني في وجدان أحرار العالم وعمليات الإغتيال والتصفية التي طالت بعض القيادات التي تشرف على المفاوضات السرية مع الكيان مثل عصام السرطاوى… كان لها مفعول إعلامي مدمر.

لقد استغلت الأنظمة العربية حالة الإنقسام الفلسطينية لتعميق الخلافات بينها والإستفراد بهذه الكيانات المتفتتة، وكان من نتيجة ذلك طبعا ما حصل بين فتح و بين حماس واستفراد الكيانين كل بجزء من الأرض الفلسطينية ودخولهما في معارك ضرب تحت الحزام مستقوين على بعضهما بعلاقات مشبوهة مع إسرائيل وقـطر وتركيا ومـصر والأردن.

ربما يكون من المستحسن اليوم أن نعيد التفكير فيما استفادته القضية من متاجرة الحكام العرب بها طيلة عقود من الزمن ففلسطين في العلن هي خطب حماسية وشعارات مغشوشة واجتماعات منبوذة، أما في السر فان هناك مزيج من المؤامرات القذرة والصفقات القبيحة والتسويات الظالمة والإتفاقيات المشبوهة والزيارات الودية والشراكات الخفية البائسة والعقود والمساعدات الوسخة من الكيان ومن اللوبي الصهيوني لهذه الأنظمة العميلة.

لقد خرج الرئيس الأمريكي ترامب بقرار تحويل مقر سفارته إلى القدس مؤيدا المدينة عاصمة لإسرائيل وبالمقابل أخرج حكام العرب بمن فيهم الشائن العثماني رجب اوردغان شعارهم “القدس خط احمر” و عززوه بما تحمله خزائن بلاغتهم الخطابية المضحكة من شعارات تلقفها الإعلام وبات يلوكها في الصبح و العشية ومساء الأحد.

لقد  دعا هذا العثماني إلى مؤتمر عربي وإسلامي في إسطنبول على خلفية القرار الأميركي، محذّراً من “أنّ تركيا ستُحرِّك العالم الإسلامي بأسره، وستقطع العلاقات مع إسرائيل إذا ما اعترف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل”. جاء الحكم العرب وأفرطوا في الخطب الحماسية كالعادة  ورجعوا كالعادة أيضا إلى قواعدهم سالمين غانمين ويا دار ما دخلك شر على قول إخوتنا في المشرق، وبطبيعة الحال لم يقطع هذا العميل علاقته لا بإسرائيل و لا بأمريكا.

لم تكن فلسطين يوما قضية العرب الأولى، ربما كانت الأولى على الورق في الإجتماعات العربية وفي الشعارات الرنانة مثل “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، ربما ظنت الشعوب العربية في لحظات ماضية أن هؤلاء الحكام ما عدا بعض الإستثناء جادون وماضون إلى تحرير فلسطين ولكن الأيام والوقائع كذبت هذه الظنون الواهية من الأساس وتبين أن القضية قد بيعت في سوق النخاسة السياسية الدولية وقبض البائعون الثمن كل حسب نصيبه من هذا “الإرث”.

لا عجب أن نقول أن من بين هؤلاء المتاجرين بالقضية من لا يعرف الخريطة الفلسطينية ولا من تضاريس أرضها و جغرافيتها سوى “القدس”.

طوال سنوات أزمة السفينة التركية “مرمرة”  التي تعرضت إليها القوات الصهيونية عند نقلها لبعض المساعدات لقطاع غزة المحاصر، ظلّ الموقف التركي المعادي لإسرائيل منحصرًا في التصريحات الإعلامية ففي الوقت الذي أعلن فيه كذبا و بهتانا عن قطع العلاقة بين تركيا وإسرائيل، كان ميزان التبادل التجاري يشهد ارتفاعًا غير مسبوق بعد وقوع الحادثة. وبحسب صحيفة “المصدر” الإسرائيلية، فقد كان حجم تصدير البضائع عام 2012 من إسرائيل إلى تركيا حوالي 1,3 مليار دولار، بينما كان في العام 2011 (وقت توتر العلاقات) 1,84 مليار دولار، أي بزيادة مقدارها 30% مما يؤكد أن المتاجرة القذرة بالقضية مربح وأن بعض المواقف والعنتريات لا تخرج عن أدبيات الاستهلاك الإعلامي المحلي المعتاد.

ذبح القضية الفلسطينية بسكين المفاوضات وشيطنة الفعل المقاوم

لا تزال الدول العربية ذات الوزن “الكبير” في المنطقة تحاول جاهدة بكل الطرق المتوفرة لها كسب القضية الفلسطينية لصالح مخططاتها وأهوائها، وتمرير صفقات “مشبوهة” تمكنها من السيطرة على الفلسطينيين وإخماد ثورتهم ونضالهم ضد المحتل ومن يشاركه في تصفية قضيتهم.

الدور السعودي لم يقف عند حد صفقة القرن المبرمة بين النظام و الإدارة الأمريكية بل تجاوز ذلك حين دخل نفق التهديد والتحذير في حال لم يستجب الفلسطينيون للضغوط  التي تسعى كلها بحسب مراقبين لإرضاء إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

في ذات السياق، أكد الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد مصلح أن العلاقات بين الدول العربية وخاصة مصر والسعودية والإمارات مع الاحتلال تمر بمرحلة في غاية الأهمية ولم يُشهد لها مثيل من قبل حتى وصلت إلى مرحلة تأسيس علاقات إستراتيجية وأمنية مشتركة.

التآمر على القضية الفلسطينية لم يكن وليد اليوم أو الأمس القريب، ولكنه كان وليد الأمس البعيد، عندما تمت المتاجرة بأراضي فلسطين وتم بيعها لليهود بأثمان بخسة، فكانت الخيانة التي توارثها البعض إلى يومنا لذبح القضية الفلسطينية مرة بسكين المفاوضات، ومرة أخرى بسكين التشويه والتضليل وأخيرا بسكين الإعلام وشيطنة الفعل المقاوم ذاته بما يفقده هدفه الأساسي وهو مقاومة الاحتلال.

وفي دفتر الذكريات والتاريخ ما يفيد بيع آل سعود للقضية ومتاجرة نظام مبارك بما تبقى منها ورحيل ملك الأردن حسين بطائرته الخاصة لبيع أسرار حرب 1967 إلى رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مايير… كل هذه الذكريات والأحداث تؤكد أن شعارات الحكام العرب كانت مجرد بيع أوهام و تضليل للوجدان العربي لا أكثر و لا اقل.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.