الرئيسية » شيء في صدري : الهزائم العربية وخيانات القيادات

شيء في صدري : الهزائم العربية وخيانات القيادات

 

التاريخ والأرشيف يؤكدان وجود علاقة سببية بين خيانات الأنظمة والقيادات وهزائم الجيوش العربية في الحروب ضد إسرائيل وفي تراجع الإهتمام والمساندة للقضية الفلسطينية.

بقلم أحمد الحباسي

في خطاب للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة طيب الله ثراه يتحدث عن هزيمة الجيوش العربية في حرب 6 جوان 1967 ويشير بتدقيق على غاية من الأهمية بكون تلك الهزيمة لم تكن بسبب سوء أداء الجيوش بل بسبب سوء تخطيط القادة وعلى كل حال فقد كانت هناك هوة سحيقة لم ينتبه إليها هؤلاء القادة العسكريون والسياسيون على حد سواء وهي تتمثل ببساطة شديدة في الفارق العلمي وفي الفارق في المعلومات والقدرة على التعامل مع الواقع بين قادة الجيوش العربية والقيادة الصهيونية مفسرا ومبينا أن الشعب اليهودي يتفوق علميا وتقنيا على بقية الشعوب العربية بسبب مرور اليهود عبر حضارات أوروبية متقدمة على كل المستويات مما مكنهم من اكتساب تجارب وخبرات كثيفة ساعدتهم في كيفية بناء الدولة الصهيونية والتفوق على القدرات العربية مجتمعة بما في ذلك اكتساب القدرة النووية بكيفية تدعو إلى الإستغراب والتعجب.

الخبرات والأموال والمعرفة والقوة

من يبحث في أرشيف الدول الأوروبية بالذات يجد كثيرا من الصفحات التي تؤكد مواجهة اليهود لكثير من المعاناة عبر تاريخ تواجدهم بتلك الدول لكنه سيجد أيضا أنهم كانوا متفوقين في كل المجالات التي أتيحت إليهم بحيث اكتسبوا الخبرات والأموال والمعرفة ليصبحوا من أكثر الشعوب التي لها لوبيات فاعلة و مؤثرة في سياسة الدول الغربية و على رأسها طبعا الولايات المتحدة الأمريكية .

يشير الدكتور أوري ميلشطاين أحد كبار المؤرخين الصهاينة إلى “المؤامرة” التي حاكها بن غوريون مع العاهل الأردني الملك عبد الله بعد أن أسندت إليه القيادة العليا لقوات الدول العربية التي دخلت إلى فلسطين سنة 1948 ويورد ميلشطاين استنادا إلى ما كتبه يسرائيل بار، المقرب من بن غوريون ونائب يغئال يدين، في كتابه “أمن إسرائيل- أمس، اليوم وغدا”، والذي ألفه في السجن بعد إدانته بتهمة التجسس، أن بن غوريون وعبد الله عقدا صفقة – في شكل “مؤامرة” – تمتنع بموجبها القوات الأردنية التي كانت تحت قيادة بريطانية عن مهاجمة “إسرائيل” وبالمقابل تسمح إسرائيل بسيطرة الأردن على الضفة الغربية التي كان من المقرر أن تكون جزءا من أراضي الدولة الفلسطينية.

العقلية الصهيونية الماكرة والعقلية العربية السخيفة

هذه الحقائق المثيرة مهمة لفهم ما حدث و كيف حدث بل لنفهم الفرق بين العقلية الصهيونية الماكرة والعقلية العربية السخيفة و المتآمرة على نفسها و لعل ما جاء على لسان الملك حسين نفسه من اشتراكه في مؤامرة كشف أسرار حرب 1967 بساعات إلى رئيسة الحكومة الصهيونية قولدا مايير تأكيد على مستوى الخيانة التي ارتكبتها القيادات العربية في حق القضية الفلسطينية .

هناك رابط بين فيلم ”و لا يزال التحقيق مستمرا” عن رواية الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ”شيء في صدري” وبين خيانة الملك عبد الله وابنه الملك حسين.

يروى الفيلم قصة البراءة و الخيانة، قصة بيع الضمير والتمسك بالمبادئ. في كل الحالات لا يزال التحقيق مستمرا في ارتدادات و إرهاصات خيانة الملكين الهاشميين وربما ما يعانيه الشعب الفلسطيني من اغتيال لكل مكاسبه وحقوقه ومستقبله هو نتاج لخيانة الملكين بل خيانة كثير من قيادات الخليج التي وقفت مواقف مخجلة في أهم فترات هذا النزاع التاريخي الذي يعتبره العالم الحر مظلمة القرن العشرين.

الأرشيف يؤكد حصول خيانات عربية قذرة كثيرة 

في كتب التاريخ اطلعنا على خيانة العائلة السعودية للقضية الفلسطينية وفي سجلات السفارات الأجنبية وبرقياتها اكتشفنا كيف استطاعت المخابرات الصهيونية الأمريكية وضع آلات تجسس واستماع في قاعة اجتماعات القمة العربية بالرباط وفي قصص القضية الفلسطينية اكتشفنا أسرارا تتعلق بوضع عميل فلسطيني للبعض آلات التجسس الصهيونية في غرفة أبو عمار في مقره بتونس بعد خروج المقاومة من بيروت. في سجل المخابرات التونسية كلام وفضائح يندى لها الجبين حول تواطؤ بعض القيادات الأمنية في كل عمليات الإغتيال التي طالت القيادات الفلسطينية في تونس وحتى اغتيال الشهيد محمد الزوارى منذ أشهر لا تزال المعلومات تؤكد ضلوع قيادات من حزب في هذه المؤامرة.

ما هو دور المخابرات العربية في عمليات اغتيال الشهداء محمود المبحوح في الإمارات و يحي المشد والمهدي بن بركة في باريس وعماد مغنية وسمير القنطار في سوريا والشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسى ويحي الشقاقى في فلسطين وحسن سلامة وكمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار في لبنان و القائمة تطول.

ما هو دور جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني خاصة في فترة قيادة محمد دحلان في قبض الموساد على الناشطين الفلسطينيين وما حقيقة الدور الذي يلعبه جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوى في نفس هذا المجال بحجة تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني التي فرضها الجنرال الأمريكي كيث دايتون على محمود عباس وهي اتفاقية يعلم الجميع أنها تنفذ لصالح إسرائيل نكاية في حماس.

ربما لا مجال لأن نثق في أرشيف السفارات والدول الأجنبية بصفة عفوية مطلقة لكن ما يرشح من هذا الأرشيف يؤكد حصول خيانات قذرة كثيرة .

إن حكاية الأسلحة الفاسدة التي ارتدت على صدور الجنود المصريين في حربهم ضد اليهود في عهد الملك فاروق وما دار من تحقيق حول دور المشير عبد الحكيم عامر في هزيمة حرب جوان 1967 هما حادثتان ومؤشران هامان يؤكدان أن هزائم العرب قد كانت بفعل فاعل وأن الجنود العرب قد تمت خيانتهم من طرف قيادتهم الفاشلة والمشبوهة بل أن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973 قد أشار إلى أن العبور المصري لم يكن انتصارا مكتملا بعد أن باع الرئيس السادات هذا النصر المبتور بانسحابه المفاجئ من سيناء ليوفر فرصة ثمينة لأريال شارون لفتح ثغرة الدفرسوار الشهيرة وإعادة توزيع الأوراق العسكرية من جديد.

لقد قيل الكثير حول الدور السعودي لمساندة القضية الفلسطينية ولكن ”الأرشيف” والتسريبات وما جاء في وثائق ويكيليكس يعارض تماما هذه الفكرة الموروثة في الأذهان و يؤكد أن الخيانة السعودية للقضية قد حصلت وأن ما خفي كان أعظم لذلك لا يزال التحقيق مستمرا.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.