الرئيسية » هل ولدت الثورة التونسية من سفاح ؟

هل ولدت الثورة التونسية من سفاح ؟

 

بقلم أحمد الحباسي

عندما نرى حالة الحيرة الدولية التي تبعت الساعات الأولى للحراك الإجتماعي في تونس ومصر عام 2011 ندرك أن الشعوب العربية قادرة على صنع المفاجآت، لكن المصيبة لا تكمن في الشعوب بل في هؤلاء الحكام الفاسدين الذين ينامون في حضن الصهيونية ولا يستفيقون إلا بعد فوات الأوان.

 

لا أجيد اللعب على الحروف أو المشاعر العامة، ولا أبحث عن المغالطة والهروب من الحقيقة، لكن اليوم هناك حديث يتناول ما حدث في بعض البلدان العربية وآراء تثار بعد أن ظهرت بعض التحاليل الصحفية تؤكد أن الذي حصل من ”ربيع عربي” إنما هو صناعة أمريكية وقرار صهيوني أمريكي خليجي هدفه الإطاحة ببعض الصنم من الحكام المنتهية صلاحيتهم بحيث يتم استبدالهم بطاقم جديد على شاكلة الرئيس الأفغاني حميد قرضاى.

الطوع للإنبطاح والقبول باللهجة الأمريكية الآمرة

تتفقون معي أن محمد المرزوقي، محمد مرسى، عبد الفتاح السيسى، “قادة بنغازي”، والرئيس اليمنى الجديد لا يختلفون عن حميد قرضاي من حيث الطوع للإنبطاح والقبول باللهجة الأمريكية الآمرة.

تتفقون أن ما حصل من تغيير سياسي يرتكز على أمرين مهمين الأول دور الإدارة الأمريكية في إشعال لهيب الثورات من خلال مساندتها لديكتاتوريات أصبحت محل غضب الشعوب، ثم قيامها لاحقا بتمويل المظاهرات والإشراف عليها من خلال الأنشطة و الدورات التدريبية عن طريق منظمات أمريكية وغربية غير حكومية مثل مؤسسة ”فريديم هاوس “.

ما من أحد، إلا بعض الدائرين في فلك العبث الإعلامي المتواصل، إلا وقد يتساءل ما الذي حدث فعلا وماذا حدث بالضبط لأنه ورغم مرور كثير من الوقت منذ نهاية هذه الأحداث ما زال المواطن العربي المتعطش لمعرفة الحقيقة يعيش الضبابية ويستمع إلى أوصاف وتوصيفات و مسميات مستعارة وموشومة برشقات من الأكاذيب الملغومة إلى حد أنه بات لا يفقه التفريق بين الباطل و الحقيقة.

بالمحصلة هناك من يعتقد أن ما حدث هي ثورة، وهناك من يعتقد بأن ما حدث هي حالة من حالات التدافع الاجتماعي تم استغلالها من بعض الأطراف الداخلية والخارجية لتحويلها عن مسارها الطبيعي كمجرد إفراز لحالة “عطش” شعبية لمناطق من الحرية ومساحات من الديمقراطية ليصنع منها “ثورة” على المقاس يمكن التحكم فيها عن بعد .

لا أصدق إلى اليوم أن الإدارة الأمريكية تريد نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، فهذا الوعي العربي يضر بمصالحها ويهدد مستقبل تواجدها في المنطقة، ولا أظن أن هذه الإدارة لا تعلم بحالة الكراهية التي بتصاعد منسوبها يوميا ضدها والتي تشكل مؤشرا بليغا عند تعاملها مع أحداث المنطقة، لكن الإدارة تتجاهل طبعا المشاعر العربية بعلة الاهتمام بمصالحها.

من هنا، يمكن القول أن ما حدث ليس ثورة بمقاييس الثورات المعلومة، بل هي تراكمات أحداث مجتمعية سابقة تجمعت في لحظة معينة حتى بات أمر مواجهتها من السلطة الاستبدادية الحاكمة أمرا عسيرا، و باتت الإدارة الأمريكية ملزمة باحترام ” النتائج ” حتى لو استلزم الأمر التخلي عن زعامات أوراق الخريف المتساقطة والقبول بهذا التغيير الذي أفرز حكم الإخوان الذين كانوا إلى وقت قريب مصنفين في خانة الإرهاب .

أكذوبة دول الخليج الشريكة في الإنتفاضات الشعبية العربية

بعض النفوس الخليجية المريضة الحاملة لفيروس الهلوسة والغرور تريد إقناع المتابعين أنها شريكة في هذه الانتفاضات الشعبية، و أنها من أعطت بعدا دوليا لهذه ”الثورات”، لكن السؤال المهم، ودون الدخول في ترجيح رأى على آخر، هل أن ما حصل في تونس و مصر و ليبيا هي ثورات، و هل أن ما يحصل الآن في تونس هو بداية الخطوات الأولى نحو الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة؟

للإجابة، يجب التأكيد من البداية أن ما حدث ليس ثورة شعبية بل هو مجرد غليان شعبي منفلت لم يستطع حكام الإستبداد الموالون للصهيونية العالمية مواجهته في الوقت المناسب ”بالأسلحة” الاقتصادية والاجتماعية المناسبة، فتحول إلى حالة من كرة النار أحرقت تلابيب السلطات الحاكمة التي كانت تعالج أزماتها بمجرد القبضة الأمنية الحديدية، و لعل المثير في هذه الحالة من التدافع الاجتماعي هو غياب شبه كلى للأحزاب الكرتونية التي كانت تعيش على هامش السلطة الآيلة للسقوط ومن فتات بعض دولارات السفارات الأجنبية وغياب كلى لوجوه الثقافة الذي طالما حدثونا عن كونهم الحراس الأمناء على التطلعات الشعبية وبكونهم الضمير الحي للشعوب العربية فتبين أنهم مجرد كومبارس في مشهد سوريالى يفوق المتوقع .

يعتقد البعض أن لمحطة الجزيرة القطرية دورا في إشعال هذا الحراك الاجتماعي، يظن آخرون أن قطر و الشيخ القرضاوي هما الآباء الشرعيان لهذا الحراك، والحقيقة المجردة أن ما حدث في تونس هو انفلات شعبي عفوي تعود إشاراته الأولى إلى سنوات الغضب التي تبعت الإستقلال والتي شعر فيها أبناء الحوض المنجمي في الجنوب التونسي أن الدولة قد أكتفت بتنمية الشمال على حساب الجنوب، و تؤكد الأحداث أن احتراق محمد البوعزيزى لم يكن الشرارة التي أشعلت الثورة بل كان حدثا من سلسلة من الأحداث كان الواحد منها كفيلا بإشعال الفتيل لتحترق السلطة المتآكلة بفعل ابتعادها عن هموم العباد وغرقها في تفاصيل الاستحواذ على خيرات البلاد دون اكتراث إلى تصاعد الدخان في مناطق عديدة وداخل صدور شعبية مشتعلة، لذلك فان الدور القطري، إن كان من الجائز اعتباره دورا من الأساس، لم يكن إلا مجرد فاصل في تاريخ التحرك الذهني والشعبي التونسي.

في النهاية، أكاد أجزم أن من يتصنعون المفاجأة للإيحاء بكونهم قد بهتوا بحصول هذه التحركات الشعبية هم زمرة من المنافقين، كما أجزم أن المخابرات الأجنبية ولئن كانت تعد أنفاس الشعوب العربية فإنها قد فوجئت فعلا بهذا الهدير الشعبي المنفلت من كل عقاله وهو ما يعطى الدليل مرة أخرى على فشل هذه المخابرات التي طالما تشدقت بنجاحاتها في فهم طبيعة وتركيبة المواطن العربي الذي طالما شكلت تصرفاته وأفعاله عنصر مفاجأة أربكت كل الحسابات والمخططات الغربية.

عندما نرى حالة الحيرة الدولية التي تبعت الساعات الأولى للحراك في تونس ومصر ندرك أن الشعوب العربية قادرة على صنع المفاجآت، لكن المصيبة لا تكمن في الشعوب بل في هؤلاء الحكام الفاسدين الذين ينامون في حضن الصهيونية ولا يستفيقون إلا بعد فوات الأوان.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.