الرئيسية » نهى بشيني والإيواء بالرازي في القانون التونسي

نهى بشيني والإيواء بالرازي في القانون التونسي

بقلم فتحي الهمامي 

 لا تزال حادثة  إيواء الفتاة نهى بشيني بمستشفى “الرازي” للأمراض العقلية تثيرالرأي العام والتعاليق منها بالخصوص تلك المتعلقة بمدى قانونيّة إقامتها بالمُؤسسة الصّحيّة المذكورة بعد ظهور تدوينة على الفايسبوك بتاريخ 12 جويلية 2018 نسبت إلى الفتاة  تقول فيها “نلقا روحي ماشية مسلسلة للرازي بالسيف عليا…”  و”بأمر وكيل الجمهورية تشديت… في قسم الأمراض الذهنية والعصبية المُستعصية العمران – ب – في الرازي”.   

وبالتمعن في ما كتب استشف أصدقاؤها  بأنّ نهى بشيني مُقيمة بِالمستشفى خارج إرادتها الحرّة وأنّها كانت مُرغمة على الدخول إليه وأنها  كانت حين اقتيادها إلى “الرازي” على وعي – على الأقل ساعتها – بما يجْري حولها.

كما يبرز بوضوح  من خلال ما  كتب في التدوينة أعلاه إضافة  لما أطلعنا عليه من  تدوينات أخرى على حسابها في الفايسبوك أن كاتبها  كان يتمتع – على الأقل – وقت كتابة تلك التدوينات بمداركه العقلية ولا توحي أبدا أنّه يُعاني من اضطرابات عقلية أو من غياب ملكة التمييز.  فهل يستطيع المضطرب عقليا أن ينظم أفكاره بتلك الشاكلة ثم يكتبها وينشرها؟    اللهم اذا ما تبين أن ما دون  ليس على ملك نهى بشينيǃǃ وهل يرتقي إلى مستوى المعاملة السيئة أو التعذيب ما ادعته من اقتيدت إلى المشفى بالسلاسل؟

وهل معاينة الاضطراب العقلي الوقتي يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى الايواء بالرازي؟  وهل الاقامة في الرازي تعتبرعلاجا أم عقابا خاصة لمن يخشى تهديده للأمن العام من المرضى العقليين؟ وهل يعتبر  منع  زيارة محامي نهى بشيني تعديا على حقوقها المكفولة في منظومة حقوق الانسان؟

وفي انتظار توضّح الصورة والاطلاع على كامل المعطيات خاصة منها الاختبار الطبي الذي على أساسه تمّ إيداع نهى بشيني مستشفى الرازي. نسأل أيضا: هل أنّ عمليّة الإيواء بالمؤسسة المذكورة كانت وجوبية فعلا أتتْ إثْر قرار صادر من لدن السيّد وكيل الجمهورية كما أشارت إلى ذلك المقيمة في المستشفى في تدوينتها؟ أو ربما كانت  عملية إيوائها القسريّة بتلك المؤسسة الصحية جاء بطلب من الغير (الأب في هذه الوضعية كما أشيع) !

أو ربما تكون عمليّة الإيواء قد تمت إثر إرادة حرة عبّرت عنها ساعتها الفتاة بسبب اضطراب عقلي شعرت به !

لكن تبقى هذه الصورة مخالفة لما اتضح من وقائع فالفتاة وقع اخضاعها لنظام خاص داخل المستشفى وهو ما ينبىء أنها ليست مريضة عادية ! ثم ها أن مدير مستشفى “الرازي” يقطع الشك باليقين عندما صرح  أن “وكيل الجمهورية بجندوبة أذن أمس بالإيواء الوجوبي لنهى البشيني” -1 – وما أكدته أيضا جمعية الوقاية من التعذيب في بيانها – 2 –

لهذا يمكن القول أن  عملية ايواء الفتاة تم دون رضاها. فهل كانت الحالة الصحية لنهى بشني  على درجة من التعقيد جعلت من المستحيل الحصول على رضاها؟ أو أن حالتها كانت على درجة من التدهور مما استوجب – فعلا – اسعافات مستعجلة و بالتالي ايوائها؟ أو أن حالتها الصحية كانت على درجة من الخطورة لتمثل تهديدا لسلامتها أو لسلامة غيرها؟ وهي الشروط التي بمقتضاها يمكن إيواء  شخص في المستشفى دون رضاه لأنه مصاب باضطرابات عقلية وهي الحالة المذكورة في الفصل 11 من  القانون عدد 83 لسنة 1992 المؤرخ في 3 أوت 1992 المتعلق بالصحة العقلية وبشروط الإيواء في المستشفى بسبب اضطرابات عقلية.

و يقع الايواء بمؤسسة استشفائية عمومية بسبب اضطرابات عقلية دون رضى المريض حسب طريقتين نظمهما القانون عدد 83 لسنة 1992 والقانون عدد 40  لسنة 2004 الذي ينقح و يتمم القانون الأول: إما بطلب من الغير أو وجوبيا.

فالإيواء بطلب من الغير (أحد الأصول أو الفروع أو القرين…) يقدم مطلب الايواء ويكون معللا ومصحوبا بشهادتين طبيتين (في الحالات المستعجلة واحدة تكفي مسلمة من طبيب نفساني  يعمل بهيكل عمومي) تثبتان أن الشروط المبينة في الفصل 11 متوفرة.

ويلزم  الفصل 16 من قانون عدد 83 مدير المؤسسة الاستشفائية بإجراء اختبار طبي نفساني جديد على المقيم (ة) في غضون 48 ساعة التي تلي القبول للكشف عن الحالة العقلية للشخص المعني وذلك بغاية تحديد مدى تطابق حالته الصحية مع تواصل الإقامة بالمستشفى. ويلزمه  الفصل 17 من قانون عدد 83 أن يوجه في غضون 72 ساعة اعلاما الى وزارة الصحة يتضمن الشهادة الطبية الجديدة مع الشهادتين الأخريين. كما يفرض الفصل 18 من قانون عدد 83 على وزارة الصحة ان تبلغ في غضون ثمانية أيام إلى وكالة الجمهورية ورئاسة المحكمة الابتدائية  كافة المعطيات عن المعني بالإيواء.

و هو ما يعني نظريا أن المعني بالإيواء حتى ولو كشف الاختبار الطبي الجديد أن حالته لم تعد تستوجب الايواء عليه الانتظار أكثر من ثمانية أيام قرار القضاء للمغادرة. فهل أدخلت  نهى الى الرازي  على أساس طلب صادر من الغير وبالتالي عليها الانتظار أياما  طويلة للتعرف عن الرأي الطبي في حالتها وعن قرار رئيس المحكمة الابتدائية؟

أما الايواء وجوبيا فيتم  بقرار من رئيس المحكمة الابتدائية الذي يأذن بذلك إثر ورود مطلب كتابي صادر عن وكيل الجمهورية أو مرفق صحي عمومي يكون معللا برأي طبي (الفصل 24 من قانون عدد 83). على أنه يمكن لوكيل الجمهورية في حالة ظهور خطر وشيك يهدد الأمن العام أو سلامة المريض الإذن الفوري بالإيواء الوقتي للمريض باضطرابات عقلية في انتظار أن يبت رئيس المحكمة الابتدائية في مطلب الايواء الوجوبي (الفصل 25 من قانون عدد 83).

وفي صورة عدم صدور قرار من رئيس المحكمة الابتدائية بشأن الطلب الذي سيتكفل وكيل الجمهورية بتقديمه في غضون 48 ساعة. فإن تلك التدابير الوقتية تعتبر باطلة بانقضاء 8 أيام ǃ (الفصل 25 من قانون عدد 83).                                                                                                                أي أن  وكالة الجمهورية من خلال هذا  الفصل تتمتع بسلطة واسعة لإيواء من تعتبره مصاب بمرض عقلي دون التقيد برأي طبي لمدة يمكن أن تصل الى ثمانية أيام كاملة.

هذا الفصل الذي لم ينقح بالقانون عدد 40 لسنة 2004 في حين نقح الفصل 28 من القانون الذي ألزم القاضي بإعلام إدارة المستشفى بقراره في غضون 24 ساعة وبانقضاء تلك المدة يتم وجوبا رفع  الايواء.

فهل أن المواطنة نهى بشينة تم إيوائها بمستشفى الرازي انطلاقا من مقتضيات الفصل 25 من قانون عدد 83 ǃ  وهل بالفعل كانت تشكل خطرا على نفسها وعلى الآخرين في صورة بقائها حرة؟

وقد أتى القانون عدد 40 لسنة 2004 ببعض الجديد بخصوص عملية الإيواء الوجوبي  (الفصل 24 مكرر) بأن فوض للطبيب النفساني بالقسم الاستعجالي بمؤسسة صحية عمومية قرار الايواء بعد اجراء فحص للمريض تبين أن حالته تهدد سلامته وسلامة الغير ولكن عليه إعلام وكيل الجمهورية في الآجال .

كما قام بمحاولة تنظيم عملية خروج المريض النفساني من المستشفى في حالة الايواء الوجوبي بأن ألزم رئيس المحكمة الابتدائية بالإدلاء بقراره بخصوص الإيواء في ظرف ثمان و أربعين ساعة بعد أن يعرض عليه الأمر مدير المستشفى الملزم أيضا بالإعلام  في ظرف ثمان وأربعين ساعة .

إن قراءة في القانونين المذكورين تبين أن إيواء الأشخاص المصابين باضطرابات عقلية في المستشفى دون رضاهم تتم تحت أنظار القضاء لكنها بحاجة إلى إعادة النظر لإحكام المنظومة القانونية للإيواء بغاية مزيد حماية الحقوق والحريات الفردية  للمريض.

عضو  هيئة مديرة سابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.