الرئيسية » حركة النهضة والسردية الغنوشية الكاذبة

حركة النهضة والسردية الغنوشية الكاذبة

 

بقلم أحمد الحباسي

مهما زعم قادتها المواربون فإن حركة النهضة لم تتغير قيد أنملة و لن تتغير في عهد راشد الغنوشى نظرا لعدم قدرة هذا الأخير على التخلي على تعهداته إزاء أطراف أجنبية أمريكية وإسرائيلية تسعى لتفتيت الدول العربية.

ربما يخاف البعض والأصح أنهم يخجلون من الحديث عن  مرشد الإخــوانالتونسيين راشد الغنوشى من باب  استر ما ستر أو ابعد عن الشر وغنى له، والحقيقة أن هؤلاء لهم الحق في عدم التعرض إلى سيرة الشيخ أو سيدنا الشيخ كما يحلو للفنان مقداد السهيلى القول، فالرجل كتلة من المشاعر السلبية التي يصعب حصرها، وهو شخص قادر نتيجة تقلبه على كل الجهات، و ما يعرف عنه من نقل البندقية من هذا الكتف إلى ذاك الكتف من إخفاء حقيقة مشاعره و تصرفاته، في تناسق معلوم مع متطلبات البيعة للإخوان التي اجتازها بامتياز شديد في عهد المرشد عمر التلمسانى، مرشد الإخوان المسلمين في مصر.

إعادة تلميع صورة الشيخ المتقلب الأهواء

معلوم  للكثيرين أن السيد راشد الخريجى قد ركب كل قطارات السياسة العربية ونزل في كل المحطات حسب الظروف و الأحوال، ونطق بالشيء و نقيضه في كثير من المناسبات وحسب الطلب أو الإيعاز القادم من بعض رؤوس الفتنة العربية من عمائم الشر المنتشرين في كل الأقطار العربية لأسباب فيها من أصبح معلوما مثل المشاركة في الحرب الدموية القذرة للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، وفيها من لا يزال غائما و مبهما و يكتنفه الغموض مثل ملف تسفير الإرهابيين إلى سوريا وعلاقة الرجل بالأموال الخليجية الفاسدة وما كشفته أوراق بنما حول تبييض الأموال المشبوهة، إلخ…

يقول الشيخ خميس الماجرى، أحد كبار قيادات حركة النهضة السابقين، منذ أيام قليلة في تصريح تلفزيوني مثير، أن للغنوشى أتباعا يعملون بالريموت كنترول وبمجرد أن ركب حصان السلطة اثر انتخابات 2011 أمرهم، وهل يعصى هؤلاء للمرشد أمرا ؟، بإعادة صناعة تاريخ خاص به يتم فيه تجاهل كل مراحل خيانته لرفاق الأمس وهروبه من ساحة مواجهة الرئيس السابق زين العابدين بن على وكيف دبر سفره بالتشاور مع من توسطوا إليه لديه، كيف عاد هذا  الرجل إلى أرض الوطن وكيف أصبح الفاتق الناطق ومن أكبر أغنياء البلد وكيف يتستر على الفساد داخل الحركة مثلما حصل مع الفضيحة الجنسية لصهره رفيق عبد السلام بوشلاكة أو ما سمي بفضيحة “شيراتون غيت” وكيف أنه يحمى كبار الفاسدين من المقربين إليه بحيث تتم ممارسة الدعارة السياسية وبيع الضمائر إلى الدول الأجنبية وتتوالى الفضائح ونهب أموال الشعب وكيف يدبر الشيخ المكائد والفضائح المفتعلة ضد كل من عارضوه أو توهموا أنهم قادرون على الإطاحة به مثل القياديين السابقين حمادي الجبالى وعبد الفتاح مورو والأستاذ حسن الغضبانى وخميس الماجرى نفسه.

لقد قام أتباع الشيخ  المشبوه  مثل حسين الجزيرى ولطفي زيتون وعبد الحميد الجلاصى وزياد العذارى بمهمة تلميع صورته القبيحة لدى الرأي العام وشفط الدهون العالقة بها واستعانوا في هذه المهمة  الخبيثة بخبراء في تقنية الاتصال والإعلام من الولايات المتحدة الأمريكية.

حرب الترهيب للبقاء في الحكم

يتحدث الشيخ خميس الماجرى على أنه من إفراز تسلط الشيخ على بعض القياديين أنه لا يقبل بمن يعارضه أو بمن يتطاول عليه أو يشكك في زعامته وسطوته  وقيادته للحركة، ولقد كان الشيخ يردد في هذا السياق وبغاية ترهيب معارضيه أن خروجهم من الحركة سيرجعهم إلى حجمهم الطبيعي وأن من خرج لن يعود مهما تذلل وقدم ولاء الطاعة من جديد.

لقد كان الشيخ يردد على سامعيه دائما عبارة مشهورة وردت على لسان المرشد عمر التلمسانى في حديثه عن العلاقة بينه وبين مؤسس الحركة الشيخ حسن البنا إذ وصف انه في علاقته  بالبنا “كالميت بين يدي مغسله” تعبيرا دقيقا عن حالة الطاعة والإستسلام العمياء.

هذه العبارة الشهيرة ليس المقصود بها طبعا ترهيب “المعارضة” داخل الحركة بل ترهيب كافة الشعب التونسي لينتهي إلى مثل هذه الحالة المفرطة من الإستسلام لمن يعتبر نفسه غرورا ونرجسية ممثل الإله في الأرض.

نحن نتذكر بطبيعة الحال خطاب التخويف والترهيب الذي خرج من ألسنة و أفواه قيادات الحركة من اللوز إلى عتيق إلى البنانى إلى الجزيرى بل من الشيخ نفسه ومن النائبة الثانية لرئيس المجلس التأسيسي محرزيه العبيدى ومن النائبة يمينة الزغلامى ومن وزير العدل السابق نور الدين البحيرى الذي وصل إلى حد التهديد بإشعال حرب أهلية للبقاء في الحكم.

حرب الترهيب التي مارسها شيخ الفتنة وجماعته الإرهابية تعد الوسيلة المهمة التي يعتمدها الإسلام السياسي عموما للوصول إلى الحكم وضرب مؤسسات الدولة.

تملق الشيخ الغنوشى للبريطانيين والأمريكيين والإسرائيليين

نحن لا نتجنى على الشيخ لأن الرجل قد كشف عن زئبقيته الأيديولوجية التي ربما انطلت على الكثير من أبناء الشعب البسيط، لكن إذا استجمعنا حصيلة تصريحاته منذ عاد إلى تونس على سجاد فطري ليتم استقباله بنشيد طلع البدر علينا ليتحايل على الثورة ويسرق دم الشهداء بعد أن نطق كثير من القيادات بأن الحركة لم تكن في وارد النزول إلى الشارع لإسقاط النظام، سندرك أنّها تصريحات ومواقف مخاتلة هدفها الوحيد الإستيلاء على السلطة لإنشاء دولة الخلافة السادسة كما جاء في خطاب علني لرئيس الحكومة السابق حمادي الجبالى.

لقد مرّ مرشد الإخوان من منبر أيباك ليخاطب اللوبي الصهيوني المتحكم في القرار الدولي ليؤكد أن فلسطين ليست أولوية حركة الإخوان بصورة عامة وحركة النهضة بصورة خاصة، هذا الموقف السلبي الثابت للإخوان من القضية الفلسطينية كشفته وثائق المخابرات البريطانية حين تحدثت عن لقاء السفير البريطاني بزينب الغزالي موفدة الشيخ حسن الهضيبى مرشد الإخوان آنذاك.

لقد تملق الشيخ الغنوشى البريطانيين والأمريكيين والإسرائيليين ليبقى في الحكم بعد هروب بن على فيما كان فى الوقت نفسه  يخفى ويتستر على ميليشيات التطرف  في بيوت الله وفي المغارات والجبال ويجلب إليهم كميات مهولة من الأسلحة والذخائر والمِؤونة ووسائل الإتصال الحديثة مثل هاتف “الثريا” الشهير، كما كان يستقبل شيوخ التكفير ليكلفهم بعمليات غسل دماغ المعدمين والسجناء السابقين، مما أنتج حالة تطرف وأعمال إرهابية غير مسبوقة  كانت نتيجتها للأسف اغتيال الشهداء شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمى والمناضل لطفي نقض.

تحت عنوان “العلاقات الصهيونية لحركة النهضة التونسية” كشف موقع “هلال بوست” عن علاقات الحركة وقيادييها باللوبي الصهيوني، ومن بين هؤلاء طبعا المرشد راشد الغنوشى وحمادي الجبالى والمتلون صلاح الدين الجورشى والمشبوه رضوان المصمودى رئيس ما يسمى بمركز الإسلام و الديمقراطية، وهو دكان تتهمه المخابرات الأمريكية بتبييض الأموال الخليجية المشبوهة وبتمويل الإرهاب.

المثير للإهتمام في هذه الزيارات المتتالية أو في هذه العلاقات علاقة الغنوشى بمارتن انديك  احد كبار السياسيين الأمريكيين الموالين للصهيونية و أحد كبار مهندسي السياسة الأمريكية  في الشرق الأوسط منذ عقود من الزمن، بل لعل  خبث هذا الرجل ودسائسه و مخططاته القذرة لا تختلف عن نظيره هنري كيسنجر وزير الخارجية السابق أو برنار هنري ليفي الصهيوني الفرنسي المشبوه.

يتحدث كبار المحررين و المحللين  المتابعين لنشاط الحركة على الصعيد الخارجي بأنه لولا  الدعم الصهيوني الأمريكي لحركة النهضة لما وصلت للحكم ولما حصلت على ذلك العدد من الأصوات في انتخابات سنة 2011، وقد كان من نتائج هذا الدعم القذر عدم التنصيص على تجريم التطبيع بالدستور  بالإضافة إلى “العناق الحار” بين حمادي الجبالى والسيناتور الصهيوني الأمريكي جون ماك كاين الذي تم استقباله عديد المرات بمقر الحزب وبرئاسة الحكومة في عهد الجبالي.

إن التعاون بين حركة النهضة وإسرائيل لم يعد سرا  وهذا التعاون اتخذ أبعادا وخلفيات كثيرة.

“حربوشة” الإنتقال من الدعوى إلى المدني

لقد قيل الكثير حول  تحول حركة النهضة في مؤتمرها العاشر من الدعوى إلى المدني و لعل فصل الدعوي عن السياسي هي آخر بدع  شيخ النهضة في حين أن الجميع يعلمون أنها  ضرورة أملاها سقوط الإخوان في مصر وبالذات سقوط حكم الرئيس محمد مرسى بعد أن  أدرك شيخ النهضة أن مصيره ومصير حركته سيكون مماثلا لمصير مرسي و مصير حركة الإخوان في مصر.

لقد أراد الرجل أن يوهم عموم الناس بحصول مراجعات وتغيير في فكر الحركة وفي خطابها السياسي المشبوه وكونها استقلت عن بقية الجماعات الإسلامية ذات الميول التكفيرية المتشددة وكان في وده أن نبتلع تلك “الحربوشة” ونصدق أن الرجل قد ترك رفاق الأمس الذين بايعهم على السمع و الطاعة وأنه أغلق كل النوافذ المفتوحة على إخوان العراق وسوريا والجزائر وليبيا بل كان في ود الرجل أن نصدق إعلان النوايا ذاته الذي تحدث فيه عن فشل  تجربة الإسلام السياسي في الدول العربية رغم أنه لفت انتباهنا استبعاده لتجربة السودان وتأثير الراحل حسن الترابي على فكره و هو الذي يعد أحد صبيانه إن جاز التعبير وهذا دليل آخر على خبث تفكير الرجل الذي يسعى بان تكون حركة النهضة الحركة الأكثر تأثيرا  في الحركات الإسلامية العربية ولو على حساب من كان يوما يعتبرهم من قامات الإسلام السياسي و من كبار المنظرين للعنف الديني.

في قراءته لمشهد الجماعات الإرهابية  كان لافتا أن يعتمد الشيخ الغنوشى توصيف “الغاضب” عند تفسيره لظاهرة الإرهاب الديني المتطرف معتبرا الدواعش يمثلون ما سماه ب”الإسلام الغاضب” والتجاؤه لقاموس الجزارين لتعريف أشخاص إرهابيين انهزموا في سوريا واجمع العالم المتحضر على أنهم من عتاة الإرهابيين بأنهم “اللحم النتن” معتبرا هؤلاء الذين قتلوا في سوريا من “الشهداء” الذين سيدخلون الجنة حسب زعمه.

هذه “اللغة” المستحدثة من الشيخ مقصودة وليست خارجة عن سياق “الميت بين يدي غاسله” ولغة “سنصلبكم من خلاف” ولغة “سنسحلكم في الشوارع” وبقية مقاصد الخطب الكريهة التي نزلت على هذا الشعب بمجرد صعود حركة النهضة إلى حكم البلاد سنة 2011.

في قراءته لمشهد الحركة يصر أحمد المناعى احد كبار القياديين في الحركة على وجود تنظيم عسكري خاص كما يصر على  وجود صندوق مالي للحركة لا يعرف أسراره إلا القليل جدا من قياداتها في حين لا يرى الرجل أن الحركة قادرة على  التخلي عن أدبياتها المعروفة المتعلقة بالإرهاب كوسيلة للحكم أو عن موضوع إنشاء دولة الخلافة أو مسالة علاقاتها المشبوهة بجهات أجنبية من بينها إسرائيل.

وبالنهاية  لا يؤمن الرجل بان الحركة ستتغير في عهد الغنوشى نظرا لعدم قدرته على التخلي على تعهداته إزاء أطراف أجنبية تسعى لتفتيت الدول العربية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.