الرئيسية » 7  سنوات من التفكير…

7  سنوات من التفكير…

بقلم سامي بن سلامة

دخلت تونس مرحلة حاسمة من صراع كبير محتدم على منصب رئاسة الجمهورية التونسية، وهو صراع لن ينتهي إلا مع إعلان النتائج النهائية للدور الثاني للإنتخابات الرئاسية في بدايات سنة 2020. إن تم طبعا إجراؤها كما هو متوقع في نوفمبر 2019 وإن قدّر لهيئة الانتخابات تجاوز أزمتها المستعصية الحالية والتمكن من تنظيمها في موعدها وإن خابت جميع سيناريوهات التأجيل التي يقال أنها بصدد الإعداد في بعض المطابخ الخلفية.

في أربع سنوات لا غير احترقت أوراق وأجنحة كثيرة، إذ أن جميع من كانوا موجودين على الساحة وكانوا مؤهلين أكثر من غيرهم نظريا للمنافسة على “الجائزة الكبرى” أخرجوا أو خرجوا منها نتيجة مواقفهم أو قراراتهم الخاطئة.

خرج عديدون من السباق نهائيا، المنصف المرزوقي وحافظ قايد السبسي كما خرج من قبلهم كمال مرجان..وأحمد نجيب الشابي.

لم يكن من ضمن المتسابقين الجدّيين هؤلاء أشخاص محترمون كحمة الهمامي أو باعثين للريبة كسليم الرياحي أو للقرف كحمادي الجبالي ممن يقدرون فعليا على التجميع والفوز في 2019.

لم يخرج الباجي قايد السبسي بعد من المنافسة ولن يخرج منها رسميا إلا بعد أن يصرّح بعظمة لسانه وفي خطاب رسمي بأنه لن يترشح من جديد. وإلا فإننا سنبقى في قلب المناورات والمسرحيات المعتادة.

خسر قايد السبسي الكثير أثناء عهدته الرئاسية وإن كان يجب لنا الإعتراف له بالفضل في فرض التوازن على الساحة السياسة، إلا أنه راكم كمّا رهيبا من الأخطاء وهو في الحكم. فقد استسهل المنافس وتحالف معه ربما رغبة في احتوائه وتذويبه وإضعافه والحد من قدراته ولكن النتيجة كانت أن اُحتوي الرئيس وذُوّب وأضعف وحُدّ من قدراته.

كما دُمّر حزبه بسبب من استراتيجياته الخاطئة وكاد يندثر وأُفتُكّ جزء كبير منه وتجرأ ساكن القصبة عليه وهو ينفذ حاليا خطة واضحة تكفل له السيطرة النهائية على حزب النداء تدعيما لمشروعه الرئاسي.

وضع قايد السبسي نفسه طواعية في عنق زجاجة ولن يخرج منها إلا بمعجزة، بعد أن تبخرت أحلامه في  التوريث بل وثُقب مركبه وقفز مستشاروه الرسميون منه وانقلبوا عليه ليدعموا ساكن القصبة وهم يعتقدون وقد يكونون على خطأ بأنه سيحقق الفوز ضمانا لمصالحهم وللحفاظ على مواقعهم ومكاسبهم.

دخل يوسف الشاهد المنافسة بجدية منذ فترة ليست بالطويلة، مدعوما بجهاز الدولة وبأجهزة وقوى أجنبية نافذة وبدفع بات واضحا من حزب حركة النهضة. وإن كان الأخير لن يعلن مرشحه النهائي إلا بعد التأكد من عدم وجود مرشح قوي من داخل الحركة وبعد إكمال الإبتزاز السياسي لجميع من لهم بعض الطموحات الظاهرة أو المخفية ومنهم وأوّلهم الشاهدوإلى حين حلول يوم الحسم.

يحاول الشاهد السيطرة على حزب حركة نداء تونس بعد أن أفلت من الطرد من على رأس الحكومة وحافظ على جهاز الدولة إلى جانبه وقد يفكر كذلك في إنشاء حزبه الخاص، فلا يمكن لأي مرشح الأمل في الفوز العظيم إلا بتوفر ماكينة إنتخابية قوية خلفه.

قد ينجح في محاولته، إن تخلي له قايد السبسي عن مكانه وأعلنه مرشحا لحزبه ولتجمع المصالح الذي يدعمه في إطار صفقة عائلية مصلحية تضمن الحماية لقريبين منه وللأبناء والأحفاد.

وقد لا ينجح ويتبين عندها أنه كان يطارد خيط دخان، خاصة أنه لم يكن مؤهلا للمنصب وكان أسوأ رئيس حكومة بعد الثورة بالتساوي مع الخليفة السادس وأنه يرتكب حاليا من الأخطاء والتجاوزات ما يرجح تركه سدة الحكم في أية لحظة بسبب حدة الأزمة الاقتصادية ولإمكانيات حدوث الافجار المتوقع في أي وقت.  وعندها لن يكون مصيره بأفضل من مصير مهدي جمعة الذي مرّ بنفس التجربة وفشل في تقديم نفسه كمرشح قوي رغم امتلاكه دعما دوليا مماثلا وقدرات قيادية وإدارية تفوق الشاهد بمراحل شاسعة.

يبدو أن البلد على مشارف معارك مصيرية، وهي مصيرية لأنها ستحدد مصير كل منهم.

لا تهمنا معارك أهل السلطة مهما بلغت شراستها درجات غير مسبوقة.

ما يهمنا معركتنا نحن كمواطنين غير معنيين لا بالسلطة ولا بمراكز القوى الداخلية والأجنبية ولا بالمصالح الشخصية الضيقة.

نحن من يعاني من فشل النظام السياسي الحالي ومن الأزمة الإقتصادية ومن الخوف على مستقبل الوطن وحريته واستقلاله ونحن نشهد انسداد الآفاق للتقدم بالبلد وتخليصه من عجزه ووهنه الذي تسبب فيه هؤلاء وأولائك.

إنهم لا يمثلوننا، ليسوا منا ولسنا منهم.

بين مرشح القوى والأجهزة الأجنبية وبين مرشح الإخوان يجب على كل من يمثل الخط الوطني المتمسك بالديمقراطية أن لا يختار.

ويجب على كل وطني غيور أن يتحرك الآن وقبل فوات الأوان، فالمعارك الكبرى لا تحتمل الإرتجال ولا انتظار الدقائق الأخيرة وعلينا جميعا المطالبة بتقديم مرشح واحد يتفق عليه جميع من يؤمنون بالحرية والديمقراطية وبالدولة التونسية والوطن التونسي.

يجب علينا أن نفرز من بين صفوفنا مرشحا وحيدا لم تلوثه ماكينة الحكم وقادر بامكانياته الشخصية والموضوعية على نيل رضا هذا الشعب المظلوم ومن الفوز على المرشح الأول أو الثاني أو على مرشحهما المشترك.

لن يكون ذلك أمرا هيّنا،  إذ أن التجارب السابقة علّمتنا أن تورّم وتضخم الذوات قد تقضي على أي أمل للاتفاق على أي كان يحمل راية الديمقراطيين.

لم أكن أقصد أساسا أولائك الذين أفسدوا كل محاولات التقارب من قبل، فطموحهم في الوصول إلى الحكم يغلب حصافة الرأي لديهم وحبّ الوطن لدى بعضهم.

ولا من باعوا فينا واشتروا وساهموا في تدمير بلدنا.

بعد 7 سنوات من التفكير.. وقد اخترت العنوان قصدا..

أظن أنه يجب على يمتلكون الإمكانيات السياسية والشخصية الملائمة ومن لهم البرنامج المناسب أن ينزلوا من بروجهم العاجية وأن يتحركوا من اليوم وأن يعبروا عن رغبتهم وقدرتهم على تجميع القوى الحية بالبلاد والمجتمع المدني الديمقراطي للفوز بالمنافسة.

يجب على الديمقراطيين في هذا البلد وعلى جميع الوطنيين الذين لا يريدون أن تسقط تونس بين أيادي الأغراب أو الظلاميين والفاشلين من جديد، أن يحثوا جميع من له قدرات ويتحلى بالنزاهة ونظافة اليد على إعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية التونسية.

تعالوا نفصل بينهم، نحن الناشطون في المجالات المدنية والسياسية، والأمر ليس بالصعب إذ يكفي تنظيم ندوة وطنية تحت إشراف لجنة محايدة يشارك فيها من نعلم نزاهتهم وحبهم لوطنهم وتضحيتهم من أجله. لكي نختار نحن بكل ديمقراطية الأقدر منهم والأكفأ عن طريق انتخابات أولية في دورة أو دورتين تخرج لنا من هو قادر على المنافسة ويتحلى بكل الصفات المحمودة التي تمكنها أو تمكنه من قيادة البلد إلى برّ الأمان.

تعالوا نكنسهم جميعا..

لا أستثني أحدا ممن يخاف على مصير وطنه ويقاسمنا الرغبة في إنقاذه من المصير المظلم الذي يخطط له، ولا حتى التجمعيين السابقين ممن لم يجرموا في حق الوطن وقد انتهت عداوتنا معهم بإنتهاء حكمهم.

ذكرت قصدا بـ ”7 سنوات من التفكير“ فيلم العظيم ”بيلي وايلدر“، ليس كتحية لروح فقيدة السينما العالمية مارلين مونرو ولكن لكي يكف من أوجه لهم هذه الرسالة المباشرة عن التردّد ولكي ينقطعوا عن التفكير العقيم ولكي يتحرّكوا ولا يخجلوا من المحاولة ولكن يساهموا معنا في تكوين أكبر ائتلاف ديمقراطي في تاريخ تونس المعاصر.

تتخذ كل قراراته بالتصويت وبالإنتخابات، من اختيار المرشح الأوحد إلى وضع البرامج  وخطط التحرك.

يجب أن يسقط الخيرون منا أخيرا في لعبة الإغراء والإغواء التي يمارسونها من بعيد مع السلطة والحكم.

يجب أن يتقدموا الصفوف ويستجمعوا قواهم وقوانا ويحاولوا فعل شيء أظنه سيكون مفيدا لتونس.

وكما يقول المثل الانقليزي العريق: ”لا يوجد وقت آخر غير الوقت المناسب“.. وأظن أن الوقت مناسب اليوم للتحرك وإفساد مخططات الجميع وعندها سيستجيب القدر.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.