الرئيسية » التمرّد الناعم في تونس: هل يكون يوسف الشاهد مهدي بازركان تونس؟

التمرّد الناعم في تونس: هل يكون يوسف الشاهد مهدي بازركان تونس؟

 

 

بقلم: خالد عبيد

حرِص بعض الثِقات يوما ما أن يمدّوني بمعلومة هم كانوا شهودا عليها، وتتمثل في لقاء جمع بين زعيم حركة الديموقراطيين الاشتراكيين أحمد المستيري مع وفد من حركة النهضة  يتقدّمه الأستاذ راشد الغنوشي قد تكون في بداية 1987 أو قبلها، وقد كشف هذا الوفد نيّة الحركة الإطاحة بالقوّة بحكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة وفق المخطّط الذي عشناه آنذاك وعُرض على أحمد المستيري في هذا اللقاء أن يكون هو رئيس الجمهورية القادم لتونس بعد إزاحة بورقيبة.

رفض المستيري لدور “الكُومْبارس ” لحركة الاتجاه الإسلامي:

لكن كان موقف المستيري الرفض البات لهذا المقترح، وكان جوابه لمن كان حاضرا معه واستفسره عن دوافع الرفض بعد خروج وفد حركة النهضة كالتالي: “هم يريدونني أن أكون مهدي بازركان تونس وهذا ما لا يمكن لي قبوله”.

للعلم مهدي بازركان  سياسي وطني وحداثي إيراني عارض نظام الشاه ولديه مشروعية نضالية وقد “سوّق” آية الله الخميني هذه المكانة مؤقتا عقب الإطاحة بالشاه في فيفري 1979 بغاية طمأنة العالم الخارجي وحتى في داخل إيران ريثما تستتبّ له الأمور وذلك بتعيينه رئيس وزراء دولة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى أن قدّم استقالته مضطرّا في نوفمبر 1979 إثر الهجوم على السفارة الأمريكية في طهران.

وهذا الدور بالذات، دور “الكومبارس” أو دور “التيّاس” على حدّ تعبير رئيس الوزراء التونسي الأسبق المرحوم محمّد مزالي هو الذي رفضه أحمد المستيري لأنّه كان متنبّها وقتها إلى أنّ حركة الاتجاه الإسلامي آنذاك محتاجة إلى اسمه بغاية التسويق دعائيا وطمأنة المتخوّفين خارجيا وداخليا في انتظار…التمكين.

لا أخفي سرّا أنّني قرّرت البوْح لأوّل مرّة بهذه المعلومة لأنّها لازمتني كثيرا وأنا ألاحظ ما يحدث على الساحة في تونس، ولست أدري لماذا تبادر إلى ذهني الربط مباشرة بين يوسف الشاهد وأحمد المستيري ومهدي بازركان، وذلك لأنّ أحمد المستيري السياسي المحنّك والمثقف استوعب جيّدا تجربة بازركان فاتعظ ولم يقع في “فخّ” طبق السلطة المسموم الذي أهدته له حركة الاتجاه الإسلامي آنذاك النهضة حاليا.

 

يوسف الشاهد: بازركان تونس؟

بينما اعتقادي اليقيني أنّ يوسف الشاهد الذي دخل غمار السياسة صدفةً عقب تغيرّات 2011، ليست لديه الحنكة ولا الدرابة ولا خاصّة الثقافة التي تمكّنه من أن يستوعب دلالات ما يحاك حوله وخارجه، وهذا بديهي، لأنّني أعتقد أنّه خالي الذهن من معرفة اسم مهدي بازركان أو غيره ممّن تمّ الإيقاع بهم في هذا الشرَك وكان منهم في وقت من الأوقات الزعيم جمال عبد الناصر إلى أن وقعت محاولة اغتياله الشهيرة في الاسكندرية سنة 1954.

هل هذا يعني أنّ يوسف الشاهد قد يكون مهدي بازركان تونس؟ أمر وارد باعتبار أنّ مؤشرات عديدة تؤكّد ذلك وهي:

– لم يكن ممكنا ليوسف الشاهد أن يصل إلى سدّة رئاسة الحكومة لولا “سيناريو” وثيقة قرطاج 1 الذي تمّ حبْكه من أجل التخلّص من الحبيب الصيد وتعويضه بـ”الابن الروحي” للباجي والمخلص له والمتقيّد بتعليماته وأوامره، أي يوسف الشاهد، “سيناريو” خارج الأطر الشرعية التي ضبطها الدستور التونسي فلاحت  جلسة نيل الثقة في أوت 2016 جلسة تزكية وإضفاء “شرعية” لواقع غير دستوري، وهذا “السيناريو” بالذات في نسخته الثانية هو الذي يرفضه الآن يوسف الشاهد وأعلن تمرّده عليه في خطابه الأخير، لذا لم يكن صمته بريئا طوال البدء في المشاورات التي كان يدرك أنّها ستُفضي إلى إقصائه، وبما أنّ كرسي السلطة قد لعب به بعد ولم يعد قادرا على فراقه، فقد قرّر المواجهة، وعلى جميع الأصعدة، لكن قبل ذلك، خلق حزاما حاميا له من الماكينة الإعلامية -أعترف أنّي اكتشفته متأخّرا-، وقام بحملة علاقات عامّة من أجل اجتذاب برلمانيين إلى صفّه وقد تمكّن من ذلك.

 

 الشاهد ووهم استنساخ ماكْرُون في تونس:

– في الأثناء، ومع توضّح الرؤيا لديه، وعلى ضوء نتائج الانتخابات البلدية، قرّر أن يذهب في خيار “الماكرونية” وذلك من خلال خلق تيّار ضاغط نخبوي وشعبي حوله يجتذب إليه كلّ الغاضبين والمحْبَطين من هذا الصف أو ذاك، وفي هذا الإطار يتنزّل خروجه الأخير في التلفزة والذي لا يمكن فهمه إلاّ من خلال هذه الزاوية، إعادة التموقع من جديد وفق رقعة الشطرنج وضرب عدّة أهداف في ذات الوقت كي يقع بعثرتها وإعادة رسمها من جديد وفق ما يسطّره هو أو بالأحرى من يقف وراءه في القصبة، وهكذا انتظر تعليق وثيقة قرطاج 2 كي يبادر للهجوم وبهذه الطريقة “الصبيانية” اعتقادا منه أو ممّن أشارعليه بذلك، بأنّ الوقت قد حان لقلب الطاولة وفرض الأجندا التي يريدها هو وهي الترشح لانتخابات 2019 والبقاء في السلطة من خلال استثمار ارتدادات خطابه – القطيعة والذي كان يعتقد أنّه سيظهر للتونسيين من خلاله بمثابة المنقذ ممّا هم فيه، لكن ما فاته هو ومن معه أنّ كلّ ذلك كان وهْمًا…لا يمكن تجسيمه على أرض الواقع.

وأنّ الشاهد نفسه تلاشت مصداقيته لمّا بدأ في حربٍ على الفساد لم نرها أو بالكاد رأيناها، ثمّ انطفأت وتبخّرت، بل هناك مؤشرات قويّة بأنّه هو ذاته قد يكون تستر على “فاسدين” معيّنين، وفات الشاهد أنّه يتحمّل وِزْر الوضعية التي وصل إليها التونسي في مستوى معاشه وقوته اليومي، حتى ولو لم يكن هو المسؤول الوحيد عنها وهي نتاج تراكمات سنوات قبله، لكن أن تستثمر لنفسك وأنت في قاع الفشل وتريد أن تخلق منه ظاهرة ماكرونية تونسية فهذا من شبه المُحال، خاصّة وأنّ تونس قادمة على فترة عصيبة للغاية لم تشهدها منذ عقود عديدة سيكون هو شاهدا عليها وقد يكون هو، إن واصل بقاءه  في السلطة، الشاهد على استنساخ فترة إعلان إفلاس تونس منذ  حوالي قرن ونصف من الزمن، خاصّة وأنّ خياره الذي اعتمده  هو مزيد إثقال كاهل المواطن المنضبط بالضرائب وعدم الالتفات إلى الآخر “الموازي”، وهي سياسة خاطئة لا يمكن أن تؤدّي إلاّ إلى الفوضى، “فوضى الجيّاع” والعصابات.

 

صفْقة الشاهد / الغنوشي: أو الإحسان بالإحسان:

لكن هل اكتفى الشاهد بذلك؟ لا بالتأكيد ! وهنا مرْبط الفرس، لقد قرّر أن “يرتمي” لدى حركة النهضة وهي الحزب الوحيد المتماسك حاليا على الأقلّ ظاهريا، بغاية البحث عن حليف يقف معه في فترة العاصفة، ولا يمكن أن يحدث هذا إلاّ بعد أن يكون ثمّة من أشار عليه بذلك من ضمن مستشاريه – وليس سرّا أنّ القصبة تحتوي على مستشارين وموظفين نهضويين-، وقد يكون بعضهم اقترح حتى وساطته للأمر، لأنّه في الواقع، لا يمكننا أن نفهم سرّ التغيير “الدراماتيكي” للغنوشي في موقفه تجاه الشاهد وحكومته وحتى إمكانية ترشحه من عدمها في 2019 إلاّ من هذه الزاوية، فقد يكون ثمّة تفاهم حدث بين الرجلين على أساس التفكير في حلف حقيقي بينهما يتمثل في دعم النهضة للشاهد في انتخابات 2019 الرئاسية بحيث يكون هو مرشح النهضة في حين تؤول رئاسة الحكومة من جديد، وهي مقرّ الحكم الحقيقي، إلى النهضة، حلفٌ يقوم على رفض غير معلن لمسار وثيقة قرطاج 2 بدعوى المحافظة على الاستقرار  وضرورة القيام بالإصلاحات وبعنوان المصلحة الوطنية وذلك بغاية إجهاضه، وهذا يعني أنّ الحَجْر الذي تضمّنته وثيقة قرطاج 2 الخاصّ بعدم إمكانية ترشح رئيس الحكومة لانتخابات 2019 قد سقط في الماء، وهذا هو المطلوب بالنسبة للشاهد وهذا ما دفعت له النهضة من خلال موقفها الأخير في آخر اجتماع  للقائمين على هذه الوثيقة، لكن هل يعني هذا أنّه وفق اتفاق مسبق بين الرجليْن؟ اعتقادي نعم، وذلك لأنّ الغنوشي يدرك جيّدا أنّ الشاهد في موقف ضعف كبير وأنّ قوى مؤثرة تبحث على استبعاده، وعليه، فهو يبحث عمّن يأخذ بيده فأعطاه الغنوشي يده كي ينقذه لكن الإنقاذ أو “التحالف” اللامتوازي ثمنه يكلّف باهظا.

 

الشاهد “الحداثي” للتسويق الدعائي والحكم الفعلي للنهضة:

وذلك لأنّ الغنوشي يدرك في أعماق نفسه أنّه لا يمكنه الترشح إلى رئاسة الجمهورية حتى وإن كان هذا الترشح مُنَاه، وهو يدرك في ذات الوقت أنّه من الضروري أن تحكم حركته في 2019 وأن تؤول رئاسة الحكومة إليها على الأقلّ، ويدرك أكثر أنّه من الضروري أن يكون في الواجهة “حداثيا” “مضمونا” تسوّق صورته خارجيا وداخليا وهو الضمانة التي يطمئنّ منها الخارج إلى أنّ تونس ما زالت على وقع التوافق بين الإسلاميين والحداثيين وأنّها المختبر الناجح لتجربة عدم تعارض الإسلام مع الديموقراطية، وهنا وجد الغنوشي أنّ يوسف الشاهد الذي ليست لديه الخبرة والحنكة وغير متمرّس بالسياسة وألاعيبها يمكن أن يكون ضالته المنشودة  لتمرير “الخُدْعة”، خاصّة وأنّه لم تعد هناك من فائدة لحافظ قايد السبسي الذي أكمل مهمّته في نظره وهي فرْقعة نداء تونس من الداخل دون أن يدري أو لا يدري،  لا يهمّ الفرْق، فكان أن أوهموه أنّه هو رجلهم وسيكون وريث والده ليس في الحزب فقط بل على رأس الدولة و…نعرف بقيّة الأحداث، لكن، كان الغنوشي مدركا أنّ حافظ لا يمكن أن يكون الضالّة المنشودة في بقيّة المشوار.

 

الشاهد: مهدي بازركان تونس القادم:

وهنا برز يوسف الشاهد كفرضية ممكنة خاصّة وأنّه هو نفسه يبحث عمّن يسانده في “محنة” إخراجه من الحكم، فمُنحت له المساعدة لأنّه من خلال ذلك ستتمكّن النهضة من الإجهاز على ما تبقى من شتات النداء، وهي مدركة أيضا أنّ الشتات الآخر غير قادر على القيام بأيّ شيء لتغلّب “الأنا” لدى كلّ الجهة التي تقابلها، والأهمّ أنّها بـ”فضله” ستتمكّن من الإجهاز نهائيا على الدولة فتصبح ملكًا لها.

في الواقع، يُعدّ يوسف الشاهد الحلّ الأمثل للنهضة في مشروع تمكينها الناعم وعلى مهلٍ للحكم في تونس، لأنّه ومهما كانت درجة دهائه، فإنّه لن يتمكّن من أن يوقف حتمية “الانقضاض” الناعم للنهضة على السلطة خاصّة وأنّ مشروع “أسلمة” المجتمع من الأسفل حقق مكاسب كبيرة في الميدان، وذلك لأنّ الشاهد بإجهازه على ما تبقى من الصفّ “الحداثي” والمساهمة في تفجيره من الداخل من خلال افتعال رهانات وهمية لا يدري الشاهد نفسه أنّها كذلك، إنّما في الواقع سيستنسخ ذات تجربة السياسي الإيراني مهدي بازركان في إيران الخمينية سنة 1979، تجربةٌ رفض أحمد المستيري الوقوع فيها لكن الظاهر أنّ الشاهد ماض قُدُمًا إليها وفيها، لأنّ وجوده في الحكم بعد 2019 سيكون مؤقتا في الزمن ومحدودا في التصرّف، ولن يكون له هو شخصيا أيّ موجب بعد أن تتمكّن النهضة من الحكم ديموقراطيا، لأنّها وقتها ستستنسخ التجربة التركية وذلك من خلال التوجّه إلى النظام الرئاسي بتعلّة أنّ النظام السياسي الحالي لا يمكّن من تسيير الحكم وووو، وهنا سيجد نفسه الشاهد، إن بقي إلى حدّ هذه اللحظة في الحكم ، سيجد نفسه، وقد انتهت مهمّته ويجرّ معه أذيال ليس الخيبة فقط بل وزْر المسؤولية التاريخية.

 

التقاء الشاهد والنهضة في إنهاء “غريم ” سياسي مشترك لهما:

– لكن قبل ذلك، لنرجع مرّة أخرى إلى ما يحدث حاليا، إذ التقت مصلحة يوسف الشاهد والنهضة في رفض شخص وزير الداخلية المقال لطفي براهم الذي فُرض فرضا على الاثنين من قبل رئاسة الجمهورية مثلما قيل، لكن رفْض النهضة وقتها كان أكبر وأقوى في التعبير عنه، لأنّ يوسف الشاهد وقتها لم يكن يفكّر بعد في التمرّد على أبيه “الروحي” الباجي قايد السبسي، ولم تلعب به سكْرة الحكم بعد، وإذا كانت دوافع رفض النهضة لبراهم معروفة ولا فائدة في التذكير بها، لكن لا بأس من التذكير بأنّه المرّة الأولى التي يتولّى فيها عميد في الحرس الوطني مقاليد الداخلية بعد 2011 فبالإضافة إلى تحكّمه في جهاز الحرس الوطني شبه العسكري، فهو معروفٌ عنه أنّه لا يمكن أن يُواليها أبدا، إضافة إلى أنّه ينتمي إلى منطقةٍ، للنهضةِ حساسية خاصّة منها، وإن كانت لا تعلنها صراحةً، ولكن  ربّما أهمّ نقطة هي تخوّفها من أنّه سينهي تأثيرها في صلب هذه الوزارة وهو أمر ترفضه بتاتا.

في الأثناء، لم يكن هناك في البداية من إشكال بين الشاهد وبراهم لذا وافق في البداية على بعض اقتراحات التعيين داخل وزارة الداخلية، لكن لمّا استشعر يوسف الشاهد في ما بعد خاصّة لمّا لعب الكرسي به وبدأ يحلم بسنة 2019، أنّ لطفي براهم قد يشكّل غريما سياسيا حقيقيا وهو الذي نُسب له مقاومة الإرهاب وتمكّن في ظرف وجيز من أن يكسب قلوب الأمنيين بمختلف أسلاكهم، كما أنّه ينحدر من منطقة تأكّد لدينا أنّ للشاهد موقفا “إقصائيا” منها، فكان أن لم يوافق على الإمضاء على مقترحات تعيينات قدّمها له براهم بعضها لسدّ الشغور طيلة أشهر ولم يفرج عن بعضها إلاّ بعد إقالته، وووو….

 

والتعلّة زيارة لطفي براهم إلى السعودية…

المهمّ، في اعتقادنا، التقت مصلحة الشاهد والنهضة في “التخلّص” من “العدوّ” براهم، وذلك خصوصا إثر سفرته الرسمية إلى المملكة العربية السعودية والتي لا نعتقد بالمرّة أنّها لم تتمّ بالتشاور والتنسيق  وموافقة كلّ من رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، ومن يقول عكس ذلك فهو جاهل بكيفية تسيير الحكم ودواليب الإدارة، وحتى المقابلة التي أسالت الكثير من الحبر مع الملك السعودي لا يمكن أن نتخيّل أبدا أنّها تمّت دون موافقة السلط العليا في تونس ، وإلاّ لما كان ليحضر السفير التونسي بالرياض هذه المقابلة ..العلنية والرسمية.

هذه الزيارة ، كانت المنعرج بالنسبة للشاهد والنهضة في التقائهما من أجل استبعاد براهم، الشاهد بدأ يرى فيه غريما جدّيا وحقيقيا له في الحكم القادم خاصّة وأنّه يملك أدقّ جهاز في تونس وهي الداخلية، والنهضة ترى فيه مشروع قبْر مشروعها في تونس، مشروع التمكين الناعم للحكم، التقاء تجسّم في إقالة الشاهد لمديريْن عامين في الداخلية أثناء وجود براهم في السعودية خلال أحداث محكمة بن عروس وتعيين اثنين آخريْن “مضمونيْن” دون التشاور  مع براهم وبالضدّ عليه، صحيحٌ أنّ براهم لاح كرجل ميدان بامتياز لكن سياسيا تميّز بأداء مرتبك ومتعثر للغاية بحكم تكوينه وليست لديه الدْرْبة ولا نعتقد أنّها ستكون لديه يوما ما، لذلك تعثر في علاقته مع الصحفيين وأربكها لأنّه ليست لديه فطنة السياسي وحذره، ووقع في “الفخ” الذي نصبته له بعض الدوائر في مسألة فتح المقاهي في رمضان من أجل تأليب من هم في الصف “المناهض” للنهضة عليه.

 

صفقة مقايضة دعم النهضة للشاهد بإزاحته لبراهم:

– وكان الغنّوشي يدرك جيّدا أنّ يوسف الشاهد يريد أن يتخلّص من لطفي براهم بأيّة طريقة كانت، مثله تماما، لذلك، كانت “الصفقة” بينهما والتي تقضي بمساندة النهضة للشاهد في البقاء على رأس الحكومة بالضدّ على رئيس الجمهورية وابنه ونكايةً في اتحاد الشغل الذي يُعدّ العائق الحقيقي أمام تمرير إصلاحات صندوق النقد الدولي في تونس والتي قبلها الشاهد والنهضة، وفي المقابل، يزيح الشاهد لطفي براهم من منصبه، لذلك تمّ تسريب خبر الإمهال بـ48 ساعة الذي أعطاه الشاهد لبراهم كي يلقي القبض على وزير الداخلية الأسبق الغرسلي الفارّ من القضاء، وتمّ استغلال حادثة غرق المركب في قرقنة كي يقيله بجرّة قلم دون أن ينسّق مع رئاسة الجمهورية على عكس ما أُشيع، بينما التعلّة وهي كارثة قرقنة ليست  أوّل مرّة تحدث، وكان بالإمكان في المرّة الأولى في أكتوبر 2017 أن يقوم بذلك لكن وقتها  لم تكن الأمور متوترة بين الرجلين، والأهمّ من كلّ ذلك أنّ الوضع في قرقنة تتحمّله الحكومة كافّة وتحديدا رئيسها لأنّ إخلاء قرقنة من الأمن قرار اتخذته الحكومة وليس وزير الداخلية ومن وقتها باتت هذه الجزيرة “مُباحة” لأباطرة الاتجار بالبشر …والخارجين على القانون.

– وممّا يدلّل أنّ هناك قرار ما بإنهاء غريم حقيقي للسلطة مستقبلا، هي الإيحاءات التي قام بها راشد الغنوشي في حملة الانتخابات البلدية وكذلك عضو المكتب التنفيذي للحركة محمّد بن سالم الذي أشار بالاسم إلى براهم.

 

بعض فصولها فبْركة سيناريو غبيّ وركيك لانقلاب إماراتي / براهم:

وكذلك تزامن هذه الإقالة  مع “السيناريو” الفاشل والركيك الذي سرّبته جهة تونسية ما إلى الصحفي الفرنسي نيكولا بو بغاية إنهاء الوجود السياسي لبراهم ونهائيا من خلال تمرير وإشاعة حدوث “انقلاب إماراتي” في تونس بطله لطفي براهم، ولهذا السبب قام “منقذ” تونس  يوسف الشاهد “بإنقاذ” تونس من هذا “الانقلاب” عبر إقالة لطفي براهم، وهكذا ترتفع شعبية يوسف الشاهد من جديد بعد أن تدحرجت كثيرا بفضل هذا العمل البطولي.

لكن فات من وضع هذا “السيناريو” الغبيّ أنّه يعرّض الأمن القومي التونسي للخطر ويُرْبكه كثيرا، خاصّة وأنّه بغبائه قد  رهَن تونس من جديد في سياسة المحاور  وساهم أكثر من أيّ وقت مضى في مزيد تقسيم التونسيين، لأنّ هذه الكذبة تلقفتها مواقع وصفحات وجرائد  معروفٌ توجّهها، ومعروفٌ على من هي محسوبة ومع مَنْ هَواها، سواء كانت تونسية أو أجنبية وتحديدا عربية ، والمهمّ أنّها كلّها تدور في فلك محور حركة النهضة / قطر، بينما الوضع الدقيق في تونس لا يسمح بأن تكون تونس في أتون المحور القطري أو الإماراتي وحساباتهما.

 

الارتدادات الكارثية “للصفقة” على الأمن القومي التونسي:

والضجّة الكبيرة التي نراها الآن، نشعر وكأنّها امتداد أو هي كذلك  لما رأيناه من قبل في الربيع الفارط بخصوص ما أسميناه مشروع تفتيت الوطن والدفع للحرب الأهلية والفوضى، مخطّطٌ لم يَتمكّن من أن يَمرّ وقتها، وقد يكون  الآن في خطّته الجديدة التي نشتمّ منها رائحة المخابرات الكريهة التي لا يمكن أن تنتهي إلاّ بالدم، تماما مثلما حدث في ليبيا وسوريا واليمن..

رائحةٌ تتداخل فيها أوهام حدوث انقلاب والدفع للتطهير والإيهام بأنّه كذلك مع التمرّد الذي قام به يوسف الشاهد إزاء أبيه “الروحي” الباجي قايد السبسي و”قتله” لحافظ ابن الرئيس علنًا وبهذه الطريقة الصبيانية الفجّة، تمرّدٌ استغلّ وجود “الأب” خارج تونس كي يعلنه معتقدا أنّه بذلك سيتمكّن من أن يحقق حزاما داعما له ويكون “ماكرون تونس” بفضل الماكينة الإعلامية وبعض النخبة السياسية الحالية من ندائيين غاضبين أو سابقين ونوّاب برلمان تائهين.

 

…ونهاية زمن يوسف الشاهد من الباب الصغير:

لكن في خضمّ كلّ هذا التمرّد الذي قام به، لم يدُر بخَلَدِه للحظةٍ، أنّه قد أمضى على صكّ نهاية وجوده السياسي، لأنّ مشروعية بقائه بيد مَنْ منحه إيّاها، وهو هنا “الأب” الباجي قايد السبسي، ولأنّ النهضة التي اعتقد متوهّما أنّها ستسانده وتقف معه إلى آخر لحظة، إنّما هي في الواقع، ستعتبره أو اعتبرته فعلا مهدي بازركان تونس، فلو نجح في تمرّده فهي المستفيدة، ولو فشل فهي ستكون أوّل المنقضّين عليه.

وهذا الذي نعتقد أنّه سيحدث في قادم الأيّام، لأنّنا اعتقدنا وما زلنا بأنّ زمن يوسف الشاهد قد انتهى حتى وإن تشبث هو بالمنصب، فالمسألة مسألة وقت لا غير، لذلك نصحناه منذ مشاورات وثيقة قرطاج 2 بالاستقالة حفاظا على ماء الوجه وتحسّبا  لرجوع أقوى في الساحة مستقبلا، إضافة إلى أنّه بالإقالة  المتهوّرة  لبراهم قد خسر وإلى الأبد دعم منطقة هامّة وحسّاسة له في أيّة معركة سياسية قادمة.

وهكذا، في اعتقادنا، سيكون مصير يوسف الشاهد في علاقته بالنهضة كـ”جزاء سنّمار”،  أمّا مع باقي القوى الأخرى فَسَتردّد على مسمعه المثل العربي المعروف أيضا: “على أهلها جَنت بَرَاقش”.

وللحديث بقيّة …

*مؤرّخ مختصّ في التاريخ السياسي المعاصر

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.