الرئيسية » 1 ماي عيد الشغالين بنكهة أكبر تحرك نقابي تاريخي بالجامعة التونسية

1 ماي عيد الشغالين بنكهة أكبر تحرك نقابي تاريخي بالجامعة التونسية

بقلم زياد بن عمر

 

يتزامن يوم 1 ماي مع أكبر تحرك تاريخي بالجامعة التونسية إذ يواصل اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين “إجابة” إضرابه الإداري منذ بداية جانفي 2018.

ولقد نفذت نقابة “إجابة” هذا الإضراب بعدما استنفذت جميع السبل النضالية التصاعدية بداية من سنة 2015 توجت باضراب بيوم في جانفي 2017 ثم بوقفة احتجاجية في مارس 2017 وإضراب آخر بيومين في أفريل 2017 وكان من المقرر تنفيذ الإضراب الإداري منذ جوان 2017 إلا أن المجلس الوطني للإنابات قرر تأجيل تنفيذ الإضراب لإعطاء مهلة إضافية لوزارة التعليم العالي حتى تتعامل بجدية مع مطالب النقابة.

موقف وزارة التعليم العالي من تحركات 2017
تجاهلت وزارة التعليم العالي بشكل مطلق ونهائي كل مراسلات “إجابة” ومطالبها للحوار ضاربة بذلك مبدأ علاقة الشراكة بين النقابة والوزارة ومبدأ التعددية النقابية ضرب الحائط ولقد ساهم هذا الموقف في تعميق جذور الأزمة وبين سوء تعامل الوزارة مع الأوضاع خاصة وأن وزير التعليم العالي صرح في شهر مارس على أمواج إذاعة جوهرة أف أم بتصريحات تهجم فيها على الجامعيين متهماً إياهم بالتلاعب والسرقة في ساعات التدريس الإضافية.

فيما تتمحور مطالب الجامعيين؟
دقت نقابة “إجابة” نواقيس الخطر في دراساتها مبينة أن الجامعة العمومية في انهيار غير مسبوق، فميزانية وزارة التعليم العالي انحدرت من 6.9% إلى 4.1% من ميزانية الدولة في ظرف 10 سنوات ونتج عن ذلك انحدار ميزانية البحث بنسبة 75% وهجرة الآلاف من الجامعيين خارج الوطن تاركين جامعة تتصحر وتتفقر يوماً بعد يوم وأصبحت ظروف البحث تكاد تكون منعدمة عند الجامعيين وازداد الوضع تأزماً في ظل غياب مشروع إصلاحي عميق وجريء فالمسار الذي اتبعته الوزارة في الإصلاح علاوة على أنه مسار غير تشاركي فهو يحتوي على مشاكل منهجية كبرى ذلك أنه لم يتبع جرداً دقيقاً لواقع الحال ولم يتبع دراسات خبراء وأخصائيين حول المسائل الكبرى ولم يضع في الحسبان أية دراسات مقارنة ولم يتبع منهج بنيوياً تصاعدياً يجمع ما بين بحوث الخبراء و معطيات أهل الذكر ونتج عن هذا الخلل البنيوي مخرجات ومسائل غير واضحة فيها اعتباطية تفتقد آليات المتابعة والتقييم والمراجعة هذا إلى جانب اهماله لجملة من المسائل الكبرى وعلى رأسها تقييم منظومة “أمد”.

ولقد تزامن انحدار ميزانية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهجرة الجامعيين بالآلاف مع وجود حيف كبير ساهم في تردي وضعية الجامعيين الذين كانت تقتطع الإتاوات قسرياً من مرتباتهم باعتبار نسب مائوية حسب الدخل في حين أن زيادات الوظيفة العمومية لم تكن تحتسب بتاتاً النسب المائوية ولعل أكبر حيف تعرض له الجامعيون هو عدم احترام الدولة التونسية لسلم التأجير في ما يخص الوظيفة العمومية إلى درجة جعلت مرتب صاحب أعلى شهادة علمية في الدولة التونسية يعادل أو يقارب مرتبات من هو متحصل على شهادة الماجستير.

أما الضربة القاصمة فيما يخص الجامعيين وشهائدهم العلمية فلقد تمثلت في غلق أبواب المناظرات أمام الآلاف من حملة شهادات الدكتوراه مساهمة بذلك في تقزيم حجم الشهادة العلمية والحط من قيمة العلم والاجتهاد والبحث والقضاء على المصعد الاجتماعي الذي كانت تضمنه الدراسة والاجتهاد وعلى هذا الأساس تمحورت مطالب “إجابة” في الآتي:

1- المطالبة بأن تعلن الدولة التونسية أن الجامعة العمومية والبحث العلمي في نصوص قانونية هي من اولوياتها الكبرى من خلال رصد كل الإمكانيات اللازمة لدعم البحث العلمي وتعزيز إمكانيات الجامعة العمومية بالترفيع في ميزانيتها وجعلها مرفقاً عاماً يضمن مجتمع المعرفة وتنوير العقول ويجعلها قاطرة للتقدم والاستثمار

2- تطبيق القانون وفرض دولة المؤسسات من خلال مراجعة سلم التأجير بالنسبة للجامعيين وإرجاعهم لمكانهم الطبيعي في أعلى سلم التأجير باعتبار أن الفصل عدد 4 من الأمر عدد 47 لسنة 2013 مؤرخ في 4 جانفي 2013 والصادر في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 4 بتاريخ 11 جانفي 2013 ينص على التالي : “تتمثل الشهادة الوطنية للدكتوراه أعلى شهادة وطنية في التعليم العالي. وهي تؤهل حامليها لمزاولة جميع الوظائف في المستوى السابع من السلم الوطني للمهارات على معنى الأمر عدد 2139 لسنة 2009 المؤرخ في 8 جويلية 2009 والمتعلق بالسلم الوطني للمهارات المشار إليه أعلاه” ويهدف هذا المطلب إلى الحد من نزيف هجرة الجامعيين ورد الاعتبار لكرامة الجامعيين ولشهائدهم العلمية وإنهاء الحيف المسلط عليهم بالوظيفة العمومية

3- فتح أبواب المناظرات أمام الآلاف من أصحاب شهادة الدكتوراه حتى يعززوا مراكز البحث والبيداغوجيا ويساهمون في بناء وطن متقدم وحتى تبقى قيمة شهائدهم العلمية عالية.

الإضراب الإداري سنة 2018 وتحركات الجامعيين
خير الجامعيون في اضرابهم الإداري بداية من شهر جانفي عدم إعطاء مواضيع الامتحان ومواصلة التدريس حتى لا يقع مس التحصيل العلمي للطلبة مع أمل بناء حوار جدي مع سلطات الإشراف خاصة وأن الوعد بزيادة نسبة 1% من ميزانية وزارة التعليم العالي سنة 2019 كافل بحل جزء كبير من هاته المطالب.

كما شهدت تحركات الجامعيين محطات نضالية غير مسبوقة في التاريخ فلقد شهدت الجامعة التونسية أكبر تحركات احتجاجية في تاريخها كالوقفة الاحتجاجية التي نفذوها بالقصبة في جانفي 2018 وشارك فيها أكثر من 2500 أستاذ جامعي هذا إلى جانب وقفة احتجاجية أخرى أمام البرلمان في فيفري 2018 وشارك فيها 4500 أستاذ جامعي ووقفة احتجاجية أخرى في أفريل 2018 شارك فيها قرابة 3000 أستاذ جامعي أمام وزارة احتجاجاً على سياسات الصمت والهرسلة وغلق أبواب الحوار من طرف الوزارة.

موقف الوزارة والرئاسات الثلاثة
– هددت الوزارة في البداية المضربين ونعتتهم بالأقلية وحاولت قدر الإمكان ومازالت تحاول التعتيم حول حجم الإضراب في حين أن الإضراب يشمل وإلى حد اليوم 83 مؤسسة جامعية

– صرحت الوزارة أن الإضراب غير قانوني في حين أنه تتوفر فيه جميع الشروط القانونية حيث أن جميع المطالب المطروحة مهنية بحتة لها علاقة مباشرة بالقطاع وحيث أن الهيكل الذي دعا للإضراب هو هيكل وطني رسمي ذو شخصية قانونية وصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وحيث أن الإشعار بالإضراب أُرسل في الآجال القانونية واحترم كل الإجراءات المتبعة في النصوص والمواثيق القانونية المعمول بها في الجمهوية التونسية وحيث أن الجامعيين استنفذوا كل أشكال النضال التصاعدية كما ذكر هذا المقال سابقاً.

– رفضت الوزارة فتح باب الحوار الجدي متعللة أن التفاوض يكون مع الطرف النقابي الأكثر تمثيلية مستندة على فصل قديم من مجلة الشغل يهتم بالقطاع الخاص وليس الوظيفة العمومية ومتجاهلة أحكام الفصل 35 من دستور جانفي 2014 الذي ينص على “حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات مضمونة”، و الفصل 36 منه الذي ينص على أن “الحق النقابي بما في ذلك حق الإضراب مضمون” و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالفقرة الرابعة من الفصل 23، واتفاقيات المنظمة العالمية للعمل OIT رقم 87 المتعلقة بالحرية النقابية وحماية الحق النقابي و رقم 98 المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية، والمادة الرابعة من اتفاقية العمل الدولية رقم 151 المتعلقة بعلاقات العمل في الوظيفة العمومية والمصادق عليها بمقتضى القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2013 في 1 أفريل 2013 وفقه القضاء الإداري التونسي في الحكم عدد 139135 الصادر بتاريخ 26 جوان 2015 والذي يؤكد على وجوب تفاوض الدولة مع كل النقابات

– تجاهلت الرئاسات الثلاثة بشكل تام تحركات الآلاف من الجامعيين بشكل يدعو إلى الحيرة ويؤشر بعدم ايلاء الدولة أية أهمية لمشاغل الجامعيين وأهمية انقاذ الجامعة العمومية.

– حاولت الوزارة ممارسة كل أنواع الترهيب والتخويف والتهديد لقمع الأساتذة المضربين ولم يكن هنالك حوار جدي حول محتوى المطالب أو درس سبل التقدم فيها.

– عبرت الوزارة عن نيتها في انتظار مفاوضات شهر أفريل الاجتماعية في حين أن نقابة “إجابة” مهتمة بتطبيق المبدأ القانوني المتعلق باحترام سلم التأجير وهي ليست معنية بمفاوضات أفريل الإجتماعية.

انتهى شهر أفريل ونحن في بداية شهر ماي فهل من جديد؟
– تصر وزارة التعليم العالي على التحاور مع الجميع وتقصي عمداً النقابة المتبنية للإضراب وغيرة من نقابة “إجابة” على مصلحة الطلبة وحتى يقع تجنب شبح السنة البيضاء اقترحت النقابة على الوزارة في إطار وساطة قامت بها رابطة حقوق الإنسان على التحاور مع سلط الإشراف حول محتوى المطالب وجدولتها وإمكانيات تطبيقها على أن يقع إمضاء اتفاق نهائي مع الإتحاد العام التونسي للشغل إلا أن هذا المطلب قوبل بالرفض

– بادر وزير التعليم العالي آخر شهر أفريل إلى الاجتماع بممثلي الطلبة في مدينة تطاوين أين صرح لهم في فيديو نشر على المواقع الاجتماعية أن الجامعيين المضربين سوف يعرضون على مجالس التأديب كما قدم معطيات خاطئة تخص الإضراب وملابساته وحيثياته وعبر لهم عن نيته في تكوين ما سماه “بلجان بيداغوجية” سوف تعمل على إعداد الآلاف من مواضيع الامتحانات بدل الأساتذة المضربين غير أن محاولات تأليب الطلبة على الأساتذة من طرف الوزير لم تأت أكلها.

– يعقد اتحاد الأساتذة الجامعيين الباحثين التونسيين “إجابة” يوم 1 ماي تزامناً بالاحتفال مع عيد الشغل مجلساً وطنياً للإنابات لتدارس المرحلة المتقدمة في الإضراب الإداري والمتمثلة في الامتناع عن إعطاء مواضيع امتحانات وفروض السداسي الثاني في ظل غياب التعامل المسؤول والجدي من طرف الدولة التونسية مع مطالب الجامعيين و طرق التصدي لما سمته الوزارة باللجان البيداغوجية.

ولسائل أن يسأل: لماذا تصر الدولة التونسية على رفض التفاوض الجدي مع الجامعيين حول مطالبهم؟ لماذا تصر الوزارة على تجاهل ودراسة الحلول مع نقابة “إجابة”؟

إن الوضع الحالي بالجامعة التونسية هو على غاية الخطورة وتثبت الدراسات واستطلاعات الرأي أن 78% من الجامعيين المستجوبين لهم النية في الهجرة وأن عدد الكوادر التونسية المقيمة في الخارج فاق 83529 شخصاً يحتل الأساتذة الجامعيون والباحثون المراتب الأولى منهم بنسبة 29 %.

وأصبحت اليوم الجامعة العمومية مهددة أكثر من أي يوم مضى بالانهيار التام وأصبحت الميزة الأساسية للدولة الحديثة التونسية القائمة على مبدأ المصعد الاجتماعي مهددة بالاندثار.
اليوم، وفي غياب احترام سلم التأجير، لم يعد النجاح والاجتهاد والتفوق الدراسي والسعي للحصول على شهادة الدكتوراه من أهم المعالم الدالة في هذا الوطن بسبب تدحرج وضعية الباحث والأستاذ الجامعي.

اليوم، أصبح من الصعب على الفلاح والعامل والمواطن البسيط والأستاذ أن يقنع أبناءنا بالكد والاجتهاد و الحصول على أعلى شهادة وطنية لخدمة وطنهم والارتقاء في السلم الاجتماعي.

فمتى سوف تقف الدولة التونسي وقفة جدية وحازمة من أجل إنقاذ سفينة الجامعة العمومية من الغرق؟
إن الأستاذ الجامعي هو العصفور النادر الذي تلهث ورائه دول أجنبية لتتحصل عليه في طبق من ذهب وهو من يكون كل الكفاءات بالبلد وهو من صرفت عليه الدولة التونسية الكثير والكثير وهو الضامن لأن تبقى الجامعة العمومية ومن وراءها وطننا العزيز حصنا منيعاً للعلم والمعرفة والفكر النير والتقدم و الاستقلال والفكر المواطني ضد الشعوذة والإرهاب والعنف ولن يتراجع الجامعيون عن اضرابهم في ظل التعامل الرديء من طرف الدولة التونسية مع هاته الأزمة.

*زياد بن عمر هو جامعي في كلية الآداب بسوسة و منسق عام وطني مساعد لنقابة “إجابة” و نائب رئيس الإتحاد العالمي لنقابات التعليم مكلف بالعالم العربي.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.