الرئيسية » حديث الجمعة: شرف النقابة الشغيلة في الميزان

حديث الجمعة: شرف النقابة الشغيلة في الميزان

بقلم فرحات عثمان

يتواصل تعليق الدروس لليوم الرابع بقرار من الجامعة العامة للتعليم الثانوي لأسباب أساسها مادية ظاهريا، بينما هي فعليا أيديولوجية، تهم الوضع العام للتعليم وللبلاد. لذلك لا يهم النقابة مصير التلاميذ هذه السنة، إذ تراه تضحية تهون في حربها، لا مع الحكومة الحالية فقط، بل وأيضا مع النظام القائم.


كذلك تفعل المنظمة الشغيلة، التي تقبل أن يُستعمل التلاميذ كدروع بشرية في حرب السياسية. لهذا يقول أمينها العام أنه لا يسلّم لا في المطالب النقابية ولا في المربّين. فكيف لا يفكّر في التلاميذ أيضا ؟ وهل من يصفهم بالمربّين هم كذلك حقا؟ ألا يجب أن تنمحي الاعتبارات المهنية والمادية، بله الأيديولوجية، أمام مصلحة الشعب وبنات وأبناء الشعب؟ أي عمل نقابي هذا الذي لا يحب الشعب ممثلا في تلاميذه؟
إن العمل النقابي لهو أولا وقبل كل شيء حب الشعب الذي به الوطنية الحقة. وقد قالها فرحات حشاد، النقابي الأوّل في هذه البلاد‫:‬ أحبك يا شعب‫!‬ فهل من يدّعي اليوم الانتماء للعمل النقابي في التعليم ينتمي حقا للنضال النقابي كما عرّفه النقابي الأكبر؟ كلا وألف كلا‫، فهو لا يحب الشعب! ‬

لا حب للشعب عند نقّابات التعليم

إن حب الشعب في العمل النقابي هو أولا وآخرا الحب كله لبناته وأبنائه؛ وهم اليوم في مهب الرياح، ضحية لنضال مادي وسياسي سمج يهدر مستقبلهم. فكيف تقبل المنظمة الشغيلة، وريثة تراث حشاد، أن يقع التلاعب بمصلحة تلاميذنا، فلا يهمها أن يأتي البعض من دعاة العمل النقابي على الأخضر واليابس في البلاد؟ ماذا بقي اليوم من شرف العمل النقابي في هذه الرغبة الجامحة لهدم منظومة التعليم بتونس لأجل مدنيتها ورفضها للدمغجة الأيديولوجية وللأسلمة الداعشية؟

إن ما يهدف إليه الحراك المدمّر الذي دخلنا في دوامته ليس إلا إفلاس التعليم العمومي لإغراق البلاد في منظومات خاصة من شأنها أن تلعب بأدمغة الأجيال كما يحلو لها لغسل الأذهان وبث سموم التزمت فيها والرهبنة الأخلاقية. هذا ما يسعى إليه كل من يراهن على تركيع وزارة التربية باسم حقوق المربّي بينما لم يعد له من التربية ولا من الأخلاق ما يؤهله للقيام بواجبه تجاه الجيل الناشيء. فوراء الطلبات المادية المجحفة أجندات دغمائية همّها نسف ما يقي من نبل مهمة التعليم المستقل عن التوظيف الأيديلوجي.

لا بد اليوم من الإصداع بقولة الحق، وهي أن المضربين، بتصرفاتهم التي فاقت الصبيانية لتصبح إرهابية، أضاعوا الأهلية للعمل النقابي حسب تعريف حشاد. فمتى يتم إيقاف هذا الإجرام في حق بنات وأبناء الشعب؟ أين العمل النقابي الصحيح وأين حب الشعب؟ ماذا بقي من المربّي عندما نرى ونسمع الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي يدعو الأساتذة المضربين للاحتفال؛ هل من خور أكبر من تصّرف النوكى هذا؟ ألم يدعو السيد اليعقوبي لنسف الأخلاق، معتدا بذلك، معتبرا إياه من باب الصمود؟ فأي صمود وأي نصر على حساب مستقبل شبابنا؟ إن الإضراب أصبح مناسبة للاحتفال والغناء، ولعلها للرقص أيضا، كما يفعل المتوحشون مع قرابينهم. أي فخر هذا على حساب ضحايا أبرياء؟

نعم، لا بد للتلميذ التونسي من التجذر في حضارته وتقاليد شعبه، إلا أن هذا لا يعني التفسخ ورمي الأخلاق ومبادىء الإناسة عرض الحائط. فلا بد أن يكون هذا التجذر حيويا، يأخذ بكل فتوحات الذهن البشري، لا فقط بما حسن من إرثنا التليد، بل وبغربلته لطرح ما تحجّر فيه وفسد. تلك سنّة الحياة، إذ لا يدوم فيها أي شيء وإن علا كعبه في الحسن والروعة، بما أنه لا يبقى إلا وجه الخالق؛ وهو يدعو إلى الاجتهاد المستدام حتى لا يصبح دينه غريبا. وها هو بعد في غربة غريبة مفزعة وقد تدعدش! لقد أصبح المجرم يتكلم باسمه بل ويفرضه على الناس، وأصبح الجاهل يدّعي فيه المعرفة اللدنية بينما علم شيئا قليلا وغابت عنه أشياء كثيرة.

الإرهاب النقابي:

إننا اليوم، مع ما يحدث في النقابات التعليمية، لحيال أصنام تريد فرض عبادة نفسها بأعذار شتى، ليست هي بحال من العمل النقابي الصحيح. وليس العيب فقط فيمن يجرم في حق التلاميذ بالنية الفاحشة في إهدار حقهم في سنة دراسية كاملة. إن كل العيب، بل والجرم أيضا، يقع على عاتق من يسمح لهم بذلك من المسؤولين بالاتحاد النقابي المنضوي تحته كل من يسعى ضد مصلحة الأبرياء. نعم، لئن كان ما تقوم به نقابة التعليم الثانوي من الإجرام في حق ضحاياها التلاميذ، فهو من الخيانة، أولا لمهمة المربّي من طرف نقابة الثانوي، وثانيا للعمل النقابي الصحيح من طرفها ومن طرف المنظمة الشغيلة التي ترضى بمثل هذا الخزي. فأين روح حشاد لإيقاظ ضمير هؤلاء قبل فوات الأوان وضياع كل ما حرص عليه فرحات العـظيم من التناغم الوجوبي بين المنظمة الشغيلة والشعب الحبيب؟

لقد أصبح العمل النقابي إرهابا بأتم معنى الكلمة في خدمة مصالح سياسوية أكثر منها مادية بحتة. ولئن كان من الطبيعي مجابهة إرهاب البعض بمثله، إذ لا يوقف الإرهاب إلا إرهاب معاكس، فهذا لا ينطبق على ما يحدث في مدارسنا ومعاهدنا، إذ الإرهاب لا يطال من ينتفع من العمل النقابي الذي ليس فيه إلا الهدم لا البناء: هدم مستقبل الناشئة لأجل مصالح أهل المال الفاسد من الخواص الساعين لتقزيم التعليم العمومي حتى يصبح خصيا مما بقي فيه من تنوير وأخلاقية علمية إناسية.

فليستيقظ الأولياء وليرفضوا هذه التجارة الخسيسة بمستقبل ذريتهم، إذ لا خير في ما يدّعيه الأدعياء على العمل النقابي الصحيح. ليهبّوا هبة واحدة ولينادوا بالعودة إلى الروح النقابية كما تقمّصها حشاد؛ وليقولوا مثله في أشهر مقالاته: «أحبك يا شعب تونس الذي امتحنك الدهر وامتحنته فعرف فيك الشجاعة مع الاخلاص وعرف فيك الصبر مع المثابرة. أحبّك لما فيك من شعور فيّاض وإحساس نبيل، ولما تكنّه من عواطف عند النكبات ومن تآخي عند المحن، وأحبّ فيك الإقدام عند اقتحام الشدائد وبذل جهد المستطاع لانتشال الضعيف عند الحاجة. أحبّك في وحدتك عند المصائب وتكتّلك أمام الخصم و صمودك أمام العدوان. أحبّك بما اشتمل فيك من خصال تفاخر بها، وصفات حميدة ترفع رأسك، وأحبّك لحبّك للعمل واعتصامك بمبادئك المقدّسة، وأحبّك لمشاطرتك أفراح المظلوم عند انتصاره على الظلم ومساهمتك لأتراح المغلوب ومساعدته، فإذا ما شعرت بخطر يهدد فردا أو قسما من هيكلك دق قلبك دقة واحدة و اتجهت مهجتك كلها لدفع الضرر.»

إنقاذ شرف النقّابة الشغّيلة:

هلاّ حان الوقت للانتهاء عن تقسيم الشعب وهو، كما أراده حشاد، في وحدة متينة؟ إن الشعب التونسي، حسب النقابي الأكبر، لمتضامن كل التضامن، خاصة في المحن إذ، كما قال النقابي الأكبر في شعبه الذي أحبّه كل الحب: أميره ووزيره وقائده وفلاّحه وتاجره وعامله ومتوظفه وصانعه وطالبه وكبيره وصغيره ورجاله ونساؤه وطبيبه وأستاذه وجاهله وعالمه وشيخه وشبابه وغنيّه وفقيره، يقف بجميع أفراده وطبقاته جنبا لجنب مستعدّا للطوارئ، صارخا في صمته في وجه العدو بما فيه من إيمان وثقة في نفسه، صرخة تذهل النفوس المعتدية وتزعزع أركان الظلم والجبروت، فيتقهقر الخصم وهو محتار ولا يميز طريق النجاة من سبيل الهلاك.

أين هذا يا نقابة التعليم؟ فهلاّ عدنا للمثل الأسنى الذي تركه لنا حشاد، أيتها المنظمة الشغيلة، إذ فيك اليوم الخائن لا لروح العمل النقابي فقط، بل ولأبسط قواعده العملية والنظرية. لنستخلص العبرة من الكارثة التي يعيشها التعليم اليوم كما فعلها حشاد من كارثة النفيضة، و لتكن الأزمة الحالية عنوانا للتضامن الفعّال وعربونا للفوز القريب! ليكف النقابيون، إن كانوا بحق يأخذون بإرث حشاد ويسيرون على خطاه، عما يفعلونه اليوم من إجرام في حق شعب تونس النبيل الذي أحبه حشاد أي حب إذ هو، وكما قالها «مثال الوحدة الصادقة يعسر على خصمه تفكيكها مهما حاول ومهما سعى وتفنّن في بث الخبث والدسائس، وليست هاته الوحدة مصطنعة أو ملفّقة، بل هي وحدة متينة حقيقية واقعية ملموسة تتجلى في أبهى مظاهرها».

أما إن لم يفعلوا، فليستغني عنهم وزير التربية وليستدعي من هو أهل لهذه المهمة، التي كادت أن تكون عندهم نبوّة، ممن أحيل أخير على المعاش؛ فليعده للعمل، وليكن ذلك من باب إطالة سن الشغل كما يفرضه المنطق ووضع البلاد التعيس ومشاريع الحكومة المعلّقة بسبب الخور الحالي للعمل النقابي!

نحن ننتظر من قيادة الاتحاد أن توقف المهزلة التي نعيشها في تعليمنا المنكوب دون تأخير؛ فالقضية قضية شرف العمل النقابي بتونس، لا أكثر ولا أقل! وإلا فلتكن قرارت الوزراة ثورية دون لأي ولا تردّد بالاستنجاد بمن بقيت له ذرة وطنية وأخلاق تربوية ممن له الحق قي خدمة وطنه ولو تجاوز سن التقاعد؛ فلا تقاعد ولا تقاعس عن الواجب بتونس الجريحة !

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.