الرئيسية » المشنوق وأكل الحلوى

المشنوق وأكل الحلوى

 

بقلم فرحات عثمان

من روائع الحكمة الشعبية التونسية مقولة «ما ينقص المشنوق إلا أكل الحلوى»، فهي تختزل ذكاء التونسي في رفض الشكليات الطاغية اليوم على المادية الغربية، والتي يريد البعض من أهل الشعوذة السياسية فرضها عليها بعديد المسمّيات، منها سيادة الشعب والدستور.

هذا ما نعيشه اليوم، إذ الشعب في حالة المشنوق الذي لا يسعى ساسته إلى إنقاذه من الموت بل يكتفون بتقديم الحلوى إليه، كما يسمح التصرّف المتمدّن بالسيجارة التي لا يمنعها القانون للمحكوم عليه بالإعدام. مع الفارق الكبير أن المشنوق التونسي ليس مجرما ولم يحكم عليه بالإعدام ولا هو استحق العقوبة، إنما هو ظلم ساسته يريدون له حالة الشنق المستدام لاستغلاله بالاستحواذ على السلطة باسمه فالعوث فيها فسادا لأجل مصالحهم الذاتية الأنانية.

تونس مُستهدفة لمؤامرة وخطر داهم:
إلى متى تدوم بتونس مثل هذه الحال؟ وكيف لنا مثل هذا التصرّف وباسم الإسلام الذي يفرض الأخلاق النزيهة وكلمة السواء العادلة؟ وهي تقتضي، في دين القيّمة، قولة الحق ولو على النفس. إن قول الحق اليوم هو في الإصداع بحقيقة أن البلاد التونسية في خطر محدق، وهي تعيش أحلك أيامها. فهذه اللوبيات السياسية والنعرات الحزبية والمصالح الدغمائية والتزمت الأيديولوجي يطال جميعها كل الميادين؛ فإذا المؤامرات الفظيعة الفاحشة تُحاك في ملاعب الرياضة والمدارس، والشبيبة تُستغل كحطب لمحرقات الإرهاب وأيضا لحرق مبيتاتها. ورغم أن جحافل هذا الإرهاب المادي والذهني تترصد بالبلاد لتستغل ضعف الدولة المركزية، ماذا يفعل ساستنا؟ إنهم لا يفكّرون إلا في السلطة رالتحكم في مفاصل الدولة!

لقد استهلّوا مؤامرتهم بأن وطّدوا أقدامهم في الإدارات المركزية، فأخرجوا منها ويخرجون المهارات بجميع التعلاّت، ومنها سن التقاعد، مع الإبقاء بها على من يخرّبها، بما فيهم من أجرم سابقا، إذ هو يبقى حتى بعد سن التقاعد باسم التعويض لما أصابه سابقا. وهبنا قبلنا بإن ما أصابه كان ظلما، هلا رفعنا أيضا، بل أولا، الظلم عمن أصابه الهضم السافر لحقوقه، ولما يستردّها بعد بينما لم تظلم يداه بل خدم بلده وشعبه، لا سلط البلاد؟

فبعد أن أحكم هؤلاء المتآمرون يدهم على الإدارة ودواليب الدولة فأصبجت جد ضعيفة، وبمساندة قوى رأس المال الغربي المتعجرف والتزمت الشرقي الإسلاموي، ها هم يسعون جاهدين لتوسيع نفوذهم باسم الدستور وفرضه في البلديات والحكم المحلي. بذلك، باسم الشرعية الدستورية في احترام مبدأ اللامركزية، يتم إنجاح المؤامرة بينما ليس ذلك إلا من الحق الذي يُراد به باطلا.

حق اللإنتخابات الذي يُراد به باطلا:
إنه لا صلاح في لا مركزية داخل دولة ضعيفة كما هي حال البلاد اليوم. ثم أي فائدة للامركزية تتم تحت هيمنة قوانين جائرة؟ فالمنظومة التي كانت تخدم مصالح العهد البائد لا زالت قائمة تخدم من هو في السلطة فينتفع منها في مصالحه الحزبية وفهمه المتزمت للدين.

كيف نخدم العدالة وتونس ليست بعد دولة قانون ما دامت أغلب قوانينها جائرة، تعود لعهد الديكتاتورية وحتى إلى عهد الاحتلال؟ كيف ندّعي تطبيق الدستور ولمّا يقع احترامه بعد بحذافيره بخصوص الحقوق التي أتى بها والحريات، بما فيها الجهاز الأساسي المتمثّل في المحكمة الدستورية، ناهيك عن القضايا الحساسة التي يرفض أهل الحل والعقد الخوض فيها بينما هي النقض الصارخ لنص الدستور وروحه، كقضية المساواة في الإرث مثلا؟

هذا هو الذي سمح ويسمح بالوضع المخزي الذي نعيشه اليوم والذي سيتفاقم مع مواصة الانتخابات البلدية التي تبيّن كل المؤشرات على أن أغلبية الشعب سيتجاهلها. فإنها ستأتي بالدغمائيين، أعداء الإسلام الصحيح، إلى سدة الحكم المحلي لمزيد تفكيك أواصر الدولة حتى تصبح دولة دينية على شاكلة ما نرى بشرق غوى لا يحكم باسم الإسلام، بل حسب هرطقات يدعمها المال الفاسد لرأس المال المتوحش.

إن المضي قدما في الانتخابات البلدية اليوم لهو مواصلة إحكام المؤامرة التي تستهدف وحدة البلاد ودولة القانون، إذ الهدف الخفي من هذه الانتخابات ليس إلا زيادة إضعاف السلطة المركزية لتقوية الجهات حتى تتفرعن فيها النعرات على كل نوع وشكل، خاصة في غياب الإصلاح المتحّتم لمنظومة قانونية عادلة وتلزم الجميع. وهذا من تلبيس الباطل المتلبّس بسربال الحق!

ضرورة إيقاف وتأجيل المسار الانتخابي:

إن المنطق والقانون، بله الأخلاق والدين، في القيام أولا وقبل كل شيء بالإصلاح التشريعي، أي تفعيل كل الحقوق والحريات التي أتى بها الدستور قبل المرور لتنفيذ فصله الخاص بالسلطة اللامركزية؛ فلا سلطلة لا مركزية شرعية مع قوانين وطنية غير شرعية. كيف مثلا نقبل أن يواصل القضاء اليوم الحكم في عديد القضايا بقوانين باطلة، غير قانونينة، بما أن الدستور أبطلها؟ وكيف نتكلم عن دولة القانون بينما هي دولة لاقانون؟ ثم كيف لنا أن نسعى لإعلاء كلمة القانون والاحتكام إليه وهو إلى اليوم لا شرعية الديكتاتورية، أي قانون الغاب؟

إنها لحظة فارقة لا بد من الانتباه لخطورتها وما تبيّته لسلامة تونس ودوام نمط عيش شعبها الآمن المسالم. لهذا، يتوجب على كل وطني غيور على بلده التصدّي للخطر الداهم؛ ويكون ذلك بالدعوى إلى إيقاف المسار الانتخابي وتأجيله إلى ما بعد استتاب الأمن بالبلاد، لا على الساحة السياسية فقط، بل وأيضا في الساحة الرياضية والمدرسية وسائر أنهج وشوارع البلاد. وبادىء ذي بدء في الأدمغة التي عشعش فيها إرهاب ذهني مقيت.

فهل يتحمّل رئيس الجمهورية مسؤولياته كاملة ليعلن غدا في اجتماعه بالأطراف الموقّعة على وثيقة قرطاج اللجوء إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور؟ وهل تؤكّد هيئة الانتخابات استقلالها عن المصالح الحزية وحرصها الشديد على نزاهة العملية الانتخابية وأمن الوطن وسلامته وذلك بالمبادرة للإعلان عن إيقاف المسار الانتخابي وتأجيله إلى ما بعد تحيين القوانين وتطبيق الدستور في كل بنوده، خاصة تلك التي تهم الشعب في حياته اليومية، أي حقوقه وحرياته؟ فبذلك، وبذلك فقط، ننقذ الشعب التونسي من حالة المشنوق المفروضة عليه اليوم مع استحماره بتقديم الحلوى له.

وهل حان الوقت للانتباه إلى أن هذا الشعب، وإن بدا سالبا في تصرفاته من باب السماحة واللجوء للدعة، ليس ممن يتم استبلاهه طويلا، إذ له صولة القسورة؛ ونحن نعلم مدى خطورة غضب الأسود. كفانا إذن خداعا يا أهل السياسة المخادعة، إسلاموية كانت أم سلفية؛ لتكن تصرفاتكم أخلاقية، ولتبيّنوا ذلك بالدعوى لإيقاف الانتخابات اليوم من أجل سلامة الوطن! بذلك نقول مثل فرحات حشاد وبالفعل النزيه: أحبّك يا شعب!

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.