الرئيسية » حديث الجمعة: حقيقة المسجد الأقصى بالقدس

حديث الجمعة: حقيقة المسجد الأقصى بالقدس

بقلم فرحات عثمان

من اللخبطة التي يعيشها الإسلام الخلط الذي يقوم به البعض بين المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن في سورة الإسراء والمسجد الحالي بالقدس؛ فهذا الأخير من بناء الدولة الأموية ولم يكن ببيت المقدس مسجد بالمعنى المتعارف عليه اليوم في الإسلام. وقد ذكّر بهذا أخيرا المؤرخ المصري يوسف زيدان فثار عليه من لا يعرف دينه أو من يتاجر به.


لنقل إذن كلمة السواء في حقيقة المسجد الأقصى باسم الواجب الإسلامي في قول الحقيقة ولو على النفس. فليست الحنيفية المسلمة بحاجة للدجل والنفاق والبهتان، إذ يحصحص الحق بجلائه وقوة حجته لا بشعوذة من يجعل من الدرة بعرة، كما قال التوحيدي!

إنه لمن العدل اليوم، والإسلام دين العدل، السعي للدفاع عن دين الحنيفية والتصدّي لأعدائه من الداخل قبل الخارج، إذ كثر تصريف الحق للكذب على الناس، وليس هذا بالغريب في حضارة الإسلام التي عرفت كيف يُراد بكلمة الحق باطلا. فلنكف عن الإساءة لديننا دون علم أو – وتلك قاصمة الظهر – بسوء نية!
المسجد الأقصى الحالي ليس ما ذُكر في القرآن:

المهم في الإسلام، لصفته خاتم الأديان، ليس المكان بعينه الذي تُقام فيه الصلاة، بل العمل الذي يتم فيه، أي تقديس الله وتوحيده، كما نبيّنه بآخر الحديث في معنى المسجد الإسلامي. لذلك، كانت القبلة الأولى غير مكة؛ ولهذا جاءت دعوة الإسلام لجميع البشر، معترفة بما سبقها من الدينين التوحيديين، فكانت القدس مقدّسة لأنها كذلك في ما سبق الإسلام من شرائع توحيدية؛ فهي مقدّسة لا للمسلمين فقط، بل لليهود والنصارى؛ بها بُنى هيكل سليمان وأعيد بناؤه قبل تدميره الأول، وهي في التوراة مدينة الله، ثم هي مدفن نبي المسيحية، وتحتوي على آثار أغلب أشخاص التوراة والإنجيل. وهي، بالأخص، تضم معظم الأماكن المقدسة في الأديان الثلاثة؛ لذا يهم مصيرها جميع أهل الصدق من المؤمنين بالله، من المسلمين وغيرهم من الموحّدين، وبالأخص المؤمنين بالحنيفية المسلمة، أي المعترفة والمحترمة لما قبلها مما صح في خاتم الرسالات السماوية.

يقول ابن كثير إن القدس، أو إيليا، هي «معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل». وهي الحرم المقدّس للمسلمين الذي يأتي بعد مكة، يؤمونها للصلاة بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، بعد بنائهما من طرف عبد الملك بن مروان الذي جعل من هذه الأخيرة خاصة مكانا للصلاة والطواف خلال حربه مع عبد الله ابن الزبير، الذي، كما هو معلوم، تحصّن بمكة وانفرد بحكمها وحكم العراق. نقرأ مثلا ما يلي في الموسوعة العربية الميسرة: «وكان القصد من بنائها (أي قبة الصخرة ) أن يحج الناس إليها بدلا من مكة التي كانت تحت حكم منافس الأمويين عبد الله بن الزبير».

فعلا، طيلة الحرب الأهلية بين المؤسس الثاني للسلالة الأموية وابن حواري الرسول، تم منع حج الخاضعين لحكم الأمويين إلى مكة، فكانوا لسنوات يحجون بيت المقدس، التي كانت أيضا محجة من يريد من المسيحيين زيارة قبل المسيح. هذا، وقد وجد الأمويون من انتحل الأحاديث للتدليل على قيمة المسجد الأقصى وقيمة بيت المقدس؛ وحسب البعض، ومنهم الطبري، اشتهر فقهاء بوضع الحديث، يُذكر منهم الزهري.

لذا، فمن الخطأ التاريخي والديني غير المقبول ما يعتقده البعض، أو يريد اعتقاده البعض الآخر، أن المسجد الأقصى الذي بالقدس اليوم هو ذاك الذي ذكره الله في محكم كتابه.

يقول أهل التفسير إنما سُمّي المسجد المذكور في سورة الإسراء بالأٍقصى لبعده عن المسجد الحرام، أو لأنه أبعد المساجد التي تُزار. وليس هو طبعا المسجد الحالي لتشييده بعد فترة الوحي بكثير. وبما أن كلام الله الوارد في افتتاح سورة الإسراء التي تُسمّى أيضا بني إسرائيل، لا يعني بحال المسجد الأموي، فما عسىاه يعني بالمسجد الأقصى؟

هناك من قال أنه عنى بذلك الجنة، وهناك من قال أنه معبد القدس الذي زاره الخليفة عمر عند فتح المدينة ورفض الصلاة فيه رغم دعوة رجال الدين المسيحيين له، مخيّرا الصلاة خارجه. ولعل هذا التأويل هو الأصح لصفة الإسلام كدين كوني لجميع الشرائع، ولأن السورة في بني إسرائيل، ومن ذلك عنوانها الثاني. فهل هذا بالعجب والقرآن لا يخلو من الحديث عن نبي اليهود وعن بني إسرائيل، وقد عدّ بعضهم ذكر موسى فوجده الأوفر ذكرا؟

يقول الحافظ السهيلي في المسجد الأقصى: «يعني بيت المقدس… بناه سليمان عليه السلام، وكان داود عليه السلام قد ابتدأ مبناه فأكمله ابنه سليمان عليه السلام، واسمه: إيليا، وتفسيره بالعربية: بيت الله، ذكره البكري… وفي الصحيح أنه وضع للناس بعد البيت الحرام بأربيعن سنة، وهذا يدل على أنه قد كان بُني أيضا في زمن إسحاق ويعقوب عليهما السلام، ولكن بنيانه على التمام وكمال الهيئة كان على عهد سليمان».

معنى المسجد وما تبعه في الإسلام:

معنى المسجد في الإسلام لا يخالف ما هو في اللغة العربية؛ حيث أنه اسم لمكان السجود، ومنه الموضع المتخذ مسجدا، أي مكانا للسجود. ويأتي بكسر الجيم وفتحها؛ وقد اشتهر الكسر للمسجِد استعمالا لبيت الصلاة، أي مكان العبادة. ومن ذلك قيل في مسجدا مكة والمدينة: المسجدان. والسجود هو الخضوع والتطامن والتذلل؛ ويكون هذا في الإسلام لله وحده بوضع الجبهة بالأرض. فالسجود الإسلامي علامة الذل لله تعالى الذي يُسلم العبد فيه أمره كله له. ومن ذلك سجود الصلاة، والإسم منه سجدة.

إننا لئن وجدنا السجود بالمسجد، أو الجامع، فليس المسجد وحده محل السجود، إذ كل مكان طاهر يصلح لذلك، فالسجود لا يتبع المسجد بل المسجد هو الذي يأتي من السجود ومداومته فيه. كذلك الشأن بالنسبة للصلاة، فليست هي سجودا، بل هي أكثر من ذلك. فهي في اللغة: الدعاء، وهي من الرحمة. وهي في الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية. وقد استنبط لها الفقهاء شروطا مخصوصة جعلوا منها صلاة جوراحٍ بينما الأصل أنها صلاة القلب أولا. فلو كانت الصلاة في الأفعال المعلومة من القيام والركوع والسجود دون النية لفسدت؛ ولعلها أفضل كذلك إذا حسنت السريرة فلم تكن حركات بل السكنات التي فيها الخضوع التام والتذلل الصحيح لله، هذا التبتل الذي لا يكون في ظاهر الجوارح بل بباطن القلب وخلجات النفس.

هذا بخصوص الصلاة التي تتم حسب القبلة، أي الجهة التي يتجه إليها المصلّي، وهي المسجد الحرام بمكة. إلا أنه تعالى قال:«ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله»؛ فأليس من الصحيح في الإسلام القول إن من يبتغي حقا وجه الله يجده أين اتجه، لا فقط ناحية الكعبة، وما بالك بالمسجد الأقصى الحالي؟
إن الإيمان الصحيح إيمان القلب لا الجوارح، وهو صدق النية لا النفاق، والمظاهر مطيتها العظمى. قال تعالى: «ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق و أنتم تعلمون» (البقرة 42)، وقال: «إن الباطل كان زهوقا» (الإسراء 81).

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.