الرئيسية » حديث الجمعة: ملاعبنا الرياضية أنبأ من المساجد عن أخلاقنا

حديث الجمعة: ملاعبنا الرياضية أنبأ من المساجد عن أخلاقنا

بقلم فرحات عثمان

وصلت الحال بأخلاقنا إلى حد صارخ من التدنّي أصبحت فيه مظاهرها واحدة سواء ارتدنا المساجد أو الملاعب الرياضية؛ بل لعل هذه الأخيرة أكثر أخلاقا إذ هي في فحشها أقل رياء مما نجد في المساجد، حيث تكشف بصراحة واقع الشعب والدين الرازحين تحت ظلم القوانين وأخلاق دعية، بينما تخفي المساجد هذ في تجارة دينية رخيصة بتعاليم الإسلام !


ملاعبنا صورة صادقة لواقع الظلم بالبلاد

لا أحد يجهل ما للرياضة من الأهمية، خاصة كرة القدم؛ لهذا، أصبحت ملاعبنا مقياس حرارة صحة الشعب وأخلاقه. فالأولى في حالة مرضية مزمنة والثانية في حال أتعس. ولا مجال هنا للتشكّي أو التبكّي ما دام سبب هذه الأوضاع التعيسة معروف، لا يخفى على أحد، وهو يتمثّل دون أدنى شك في بقاء البلاد وشعبها الكادح تحت نير قوانين العهد البائد المخزية، ومنها ما يعود للاحتلال؛ كل هذا رغم تحرر العقلية الشعبية من قيود الماضي جراء الانقلاب الشعبي الذي نحتفل بذكراه السابعة هذه الأيام.

إن مثل هذا الوضع التعيس هو السبب في التصرفات المخزية التي نراها بملاعبنا، مع العلم أن ما تأتيه الجماهير ليس يرتقى بحال إلى تصرفات المسؤولين الرياضيين الذين أصبحوا لا يأتمرون إلا بقانون المصالح. ولا غرابة في ذلك ما دام هؤلاء يسيرون بدورهم على هدي من هم أعلى منهم في سلم المسؤولية، وما دام دستور البلاد، الذي جاء بحقوقٍ هامة، بقي حبرا على ورق، بينما القوانين المعمول بها تجور على الناس وتمنعهم من أبسط حرياتهم الشخصية، خاصة الشباب منهم. فكيف لا يعبّر هؤلاء عندها عن استيائهم العميق في ملاعبهم، منفّسين عن أنفسهم المختنقة بمظاهر السخط التي، مهما أفحشت، تبقى بعيدة كل البعد عما يأتيه أهل الحل والعقد الذين يبقي دورهم إعطاء المثل وتقمص القدوة؟ ألم يقل الشاعر العراقي:
إذا كان رب البيت بالدف ضاربا*** فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

مساجدنا صورة كاذبة لدين ظلمه أهله

لئن كانت تلك الحال في الملاعب، فليست هي أفظع من حال مساجدنا حيث كثر النفاق والرياء إلى حد صرنا نجد اليوم في البعض منها معلقات تدعو لضرورة الحفاظ على الأحذية خوف السرقة. وكيف لا يفسد المصلّي وقد فسد الإمام الخطيب، بما أننا صرنا نسمع من بعضهم أقوالا ونرى أفعالا يندى لها الجبين، تذكّر بأهل الإجرام الدواعش!

إن عددا من مرتادي مساجدنا ليعطي اليوم أبشع صورة للدين، إذ هي قاتمة وكاذبة، تجعل من سماحة تعاليمه تزمتا وكراهية، تنمّي أوضع الأحاسيس في المسلمين، فإذا هم، في أفضل الحالات، أقرب إلى الهمزة اللمزة من الإيمان الحنيفي الصحيح. هؤلاء يظلمون الإسلام وأهله ممن بقي على نقاوة سريرته وحسن نيته في تعاطي مظاهر الحب، كل الحب، لا الكره والبغضاء. لهذا، لا عجب أن تكون شبيبة ملاعبنا أفضل حال منهم، إذ فساد الأخلاق عند الصغار من باب الثورة على ظلم فادح من لدن مستضعفين، والإسلام يدعو لنصرتهم، لا للدعوة للظلم الفادح والقطع مع عدل الإسلام وسماحته كما نراه عند بعض أهل الفقه. وهذا لا يُغتفر بحال، إذ ظلم أهل الدين لدينهم لهو كما قال شاعر الفتوة الجاهلي «أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهنّد»!

واقعنا دين بلا أخلاق وأخلاق بلا دين

إننا بظلمنا لديننا وللناس لا نعمل إلا في زيادة غربة الإسلام بهذه الربوع حيث أصبح واقعنا أسودا غربيبا. وها هي البلاد صحراء خالية من الأخلاق، لا لغياب الدين فيها، بل لغياب الأخلاق عند من يدّعي الدعوة له والدفاع عنه، بينما هو يهدم صرحه هدما. إنه لا إسلام إلا كدين عدل؛ فأين العدل وأئمة التزمت يدعدشون تعاليم دين القيمة بكراهتهم للآخر المختلف ورفضهم لحرية المسلم في حياته الخاصة، وكأنه في زنزانة قدره فيها الصلاة والعبادة لا غير؟ هل هذا هو الإسلام؟ هل هو اليوم نسك ورهبنة؟ إن أئمتنا ليعملون بالكتاب المقدس لا بالفرقان، وقد ابتدعوا لهم مرجعية دينية، بينما لا كنيسة ولا بيعة في الإسلام. بل لا صفة للفقيه إلا كمجتهد، له كغيره حق وواجب تثوير معاني دينه؛ وإلا فهو، في أفضل الحالات، من أهل الشيعة الآخذين بولاية الفقيه.

أصبحت تونس بلا دين صحيح لضياع أخلاقه النيرة من طرف من سهى عن صفته الأثيرة في أنه دين العدل والحقوق والحريات. وبما أن شعب البلاد يرزح تحت قوانين جائرة، مخزية تخدم أخلاقا كاذبة متعجرفة، حُق للصغير فيه، وه، في سن تسمح بالنزق، أن تكون أخلاقه بلا دين، كما نعاينه كل يوم في ملاعبنا؛ ذلك لأنه لا يقتدي بذلك إلا بالكبير الذي نزقه أعظم وأتعس! فهلا أصلحنا حالنا بإصلاح فهمنا لديننا وطالبنا بتطبيقه دون تشويهٍ، وأبطلنا كل قوانيننا الظالمة المدّعية المرجعية الإسلامية وهي ظالمة للإسلام، كلها من الإسرائيليات؟

فهذه العادات الغريبة عن مقاصد شريعة محمد في كل النصوص التي تحد من الحريات الخصوصية؛ وهي أيضا في هذه العربدة التي تسحب تعاليم الدين على كل أمور الدنيا. ذلك لأن الإيمان الصحيح يقتضي التفريق التام بين مجال الحياة الخاصة، حيث لا دخل للدولة والقانون لثبوت حرية العبد في علاقته المباشرة مع خالقه، ومجال الحياة العامة الذي لا مكان للدين فيه، لأن الدين الإسلامي الذي لم نعد نعرفه يمتاز بالعلاقة الشخصية بين المؤمن وربهّ.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.