الرئيسية » الانتصار للقدس بمقاطعة الحج والعمرة

الانتصار للقدس بمقاطعة الحج والعمرة

بقلم فرحات عثمان

أفضل المقاومة لزعيم الرأسمالية الأمريكي اليوم تتمثّل في التصدّي لمصالحه المادية، وهي تتأتّى خاصة، ولو بصفة غير مباشرة، مما يجنيه النظام الوهابي من مصاريف الحج والعمرة، فقد جعل من زيارة البقاع المقدّسة تجارة نافقة، تماما كما كانت الحال قبل الإسلام.

لذا، للانتصار حقيقية للقدس ولفلسطين، ليس هناك أفضل من مقاطعة تلك التجارة الدينية التي أصبح النظام الوهابي يتمعّش منها، ممعّشا منها أيضا حليفه الأمريكي، الداعم الأكبر لإسرائيل.
واجب العمل الفعّال لا الكلام الأجوف

لقد تعدّدت المظاهرات المندّدة بالقرار الأمريكي الأخير في نقل سفارته بإسرائيل من تل أبيب إلى القدس، ناقضا بذلك العرف الدولي المؤكّد على الوضع الخاص للمدينة التي ليس لأحد الطرفين الاستحواذ عليها بجعلها عاصمةً لدولته، إذ لكل طرف الحق المشروع لجزء منها على الأكثر.

إن النزاهة السياسية والتقوى الدينية تقولان اليوم: كفانا كلاما أجوفا ومداهنة بلا عمل فعّال! لنمرّ للفعل الوحيد الذي من شأنه تغيير الحال المزرية اليوم، وهو التصدّي لخرق الحقوق الفلسطينية المشروعة بما من شأنه إصابة المقتل من نظامين همّهما المال والإثراء الفاحش. علينا إذن بتجفيف المنابع التي يتقوّى منها اقتصادهما.

فانعدام المداخيل المالية في نظامٍ يقوم على رأس المال والريع، المتأتّي من استغلال شعائر دينية ومشاعر الناس الروحانية، لهو الضربة الموجعة بحق له والعقاب الذي يفرضه تهاونه بالأخلاق والقانون، أي إفلاس الاقتصاد الوهابي المموّل للاقتصاد الأمريكي الداعم الأكبر للاحتلال الإسرائيلي.

الانتصار الأفضل للقدس اليوم يكون بمقاطعة المسلمين للحج والعمرة، كل حج وكل عمرة، وكفّ الدول العربية الإسلامية عن إرسال بعثات الحج إلى السعودية. هذا أقل الإيمان في هذه الظروف!
الضربة الموجعة الاقتصادية للرأسميالية

الموجع حقا لكل اقتصاد رأسمالي متعجرف سياسيا هو في ضربه في ما من شأنه تهديد مستقبله، أي تحديد موارده المالية وتجفيف منابعها؛ وهي صادرة اليوم بجزء هام من اقتصاد ريعي وهابي يعتمد على الحج والعمرة كجزء أساسي في اقتصاده.

وقد تجرّأ بعد البعض من أهل التزمت الديني بتونس بالدعوة أيضا إلى مقاطعة الحج والعمرة؛ إلا أنه قصر ذلك على ما يأتي بعد الحج الأول والعمرة الأولى بدعوى وجوبهما.

وهذه مغالطة ودعوى باطلة باسم الحق، إذ ذلك لا يغيّر شيئا من الوضع الراهن الساعي لمصالح النظام الوهابي المنبطح أمام المصالح الأميركية الظالمة للحق الفلسطيني المشروع. فلا حج في الإسلام إلا لمن استطاع إليه سبيلا، والاستطاعة ليست فقط مادية، بل هي أولا وأساسا معنوية.

هذا يعني أن الحاج، ولو لأول مرة في حياته، له ألا يقوم بفرض الركن الخامس في الدين. ويكون هذا شريطة التطوّع بالمال الذي يضحّي به لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية عبر حليفهما السعودي في مصالح هامة مما حث عليها الدين، وما فيها الخير والبركة للمجموعة؛ كالزكاة مثلا، وهي الركن الأعلى قيمة من الحج.

فهلا تركنا حجا أصبح تجارة ومتاجرة واستعملنا المال، الذي ندفعه جزافا لصالح من يظلم العباد للإفساد في الأرض، في ما ينفع الناس، كبناء مدارس أو مستشفيات، أو حتى صدقة بإطعام وإكساء المساكين من أهل الإسلام أو إعانة اللاجئين المظلومين بفلسطين المنكوبة ممن يعيش بالمخيمات!

هذا هو الأيمان الحق، وهذه هي السياسة الأخلاقية poléthique لا ما نراه في شوارعنا من مسيرات كاذبة ودعوات ليس فيها إلا المكاء والتصدية لتلهية الناس عن الأهم، وهو الكف عن تقوية عدو القانون الدولي والدين الإسلامي بإسداء الضربة الموجعة له عبر اقتصاده وموارده المالية.

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.