الرئيسية » حديث الجمعة: هل الاحتفال بالمولد النبوي من الإسلام؟

حديث الجمعة: هل الاحتفال بالمولد النبوي من الإسلام؟

بقلم فرحات عثمان

 

نحتفل في تونس كمعظم بلاد الإسلام في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام بالمولد النبوي الشريف؛ فهل هذا الاحتفال من الإسلام حقّا؟

لنذكّر أولا لمن يسهى عنه أن تاريخ المولد هو في الحقيقة تاريخ وفاة الرسول الكريم. ثم أن الصحابة والسلف الأول من التابعين لم يعرفوا مظاهر الاحتفال بمولد الرسول؛ وذلك لصفته في الإسلام كبشر لا يمتاز على غيره إلا بمكارم أخلاقه واجتبائه من الله للنبوة. كما كان رفض الاحتفال للتميّز عن المسيحية ومغالاتها في نبيّها إلى حد التقديس والربوبية. إلا أن هذه الحال لم تدم إلا عند بعض السلفية اليوم، إذ سرعان ما تم فرض هذه العادة المخالفة لروح الإسلام ومقاصده؛ وكان ذلك، بدايةً، من طرف الشيعة عندما اعتلوا الخلافة بالقاهرة، ثم عمّت العادة أهل السنة تقريبا مع نوايا سياسية واضحة.

تاريخ الاحتفال بالمولد
لم يذكر المؤرخون عادة الاحتفاء بمولد الرسول وقد كانت معروفة، دون أدنى شك، عند العرب النصارى؛ ولا غرابة في ذلك للطبيعة البشرية لرسول الإسلام بخلاف الطبيعة الخاصة للمسيح وهو كلمة الله. إن أقصى ما كان يُعرف عن المسلمين زيارة المحل الذي وُلد فيه نبيّهم، لا تقديسا منهم له، بل من باب الاطلاع والاستطلاع؛ فلا قدسية للأماكن في الإسلام بدون وظيفة تكون لها، كما هي الحال بالنسبة لمكة. ولا يُعرف أي شيء ثابت عن العادة بالجزيرة العربية قبل القرن العاشر الهجري.

أما الظهور الرسمي للمولد فكان عندما ابتدعته الخلافة الشيعية بمصر في القرن الخامس للهجرة في نطاق احتفاء الخلفاء الفاطميين بأهل البيت، أي الرسول طبعا لكن مقترنا بمولد علي بن أبي طالب وفاطمة زوجه، ابنة الرسول، ومولد الحسن والحسين، ابنيهما، حفيدي رسول الإسلام، زينة شباب الدنيا كما كانوا يُنعتون. مع العلم أن ذلك كان أيضا يتزامن مع ميلاد الخليفة نفسه. وهذا يبيّن الطبيعة السياسة لهذا الاحتفال التي ستبقى ملازمة له حين سيتقبّلها بعد ذلك أهل السنة والجماعة.

وقد أبطلت الخلافة العباسية، ممثلة في شخص صلاح الدين الأيوبي، هذه العادة عندما أسقط حكمهم في أواسط القرن السادس. إلا أنها ظهرت من جديد في القرن السابع بالموصل من طرف حاكم شيعي آخر؛ إلا أن الاحتفال أصبح هذه المرّة لا يخّص إلا النبي دون آل البيت. وكان ذلك أول ما كان بأربل على يدي الملك المعظم مظفر الدين كوكبوري بن زيد الدين كوجك علي. ثم أخذت هذا العادة في الشيوع نظرا لما كان الملوك يحيطونها به من الحضوة لدعم نفوذهم؛ فعرفتها بلاد الشام واستقرّت بها منذ سنة 756. أما في البلاد المغاربية، فكان ظهورها، بدايةً، سنة 648 بسبتة على أيدي أمراء بنو العزفي، قبل أن يفرضها غيرهم من الحكّام، مثل سلطان تلمسان أبو جم موسى الزياني، سنة 760، ويساندها الفقهاء، مما جعل العامة تأخذ بها كفرصة احتفالية مهرجانية قبل أن تكون مناسبة دينية.

الاختلاف في إسلامية المولد
لئن استحسن فقهاء السنة عموما، وشيوخ المذهب المالكي بالمغرب خاصة، رواج هذه العادة الشيعية الأصل، المسيحية الطابع، فذلك لأن الحكام ببلاد الإسلام أقروها كمظهر من مظاهر توطئة الدين لفرض سلطانهم على الناس باسمه. فقد اعتنى ملوك العرب بالمشرق وبالمغرب والأندلس غاية الاعتناء بعيد المولد النبوي ولم يكونوا يغفلوا عن أية أبّهة للاحتفال به. وبالطبع، اتّبع الناس سنّة ملوكهم، فشاعت العادة عند العامة وفي المساجد حيث كانت تقام لأناشيد والمدائح والأذكاو متزامنة مع المآدب ومختلف مظاهر البهجة في الشوراع من نقر الدفوف ونفخ المزامير.

إلا أن عددا من الفقهاء أنكر مثل هذه الاحتفالات المهراجانية الشعبية، فشنّعوا بما اعتبروه غلوا؛ ومنهم الإمام المالكي الفاكهاني، ورسالته مشهورة في نقد هذه البدعة، وهي بعنوان « المورد في الكلام على المولد» التي رد عليها الإمام السيوطي في رسالة عنونها «حسن المقاصد في عمل المولد»، منتصرا للاحتفاء بالمولد. ولم يكن وحده إذ كان أيضا من المؤيدين للمولد الإمامان ابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيثمي. هذا ما جعل الاختلاف شديدا بين الفقهاء في القرن التاسع، والناس منقسمين بين مجيز ومانع ومتردّد، إلى أن مالت الكفة لصالح المنتصرين للمولد. مع ذلك مرّ الاحتفال ببعض الفترات الزمنية عرف فيها أفولا شبه تام، وكان ذلك، بالمغرب العربي الأمازيغي، في القرن العاشر خاصة.

المولد بين السياسة والمهرجانية الشعبية
بقيت الطبيعة السياسية الأولى للمولد إلى اليوم، إذ لم يصبح هذه الاحتفال الشعبي المعروف حاليا إلا لسهر أهل السياسة على توظيفه لأغراض الحكم، في نطاق استغلال الدين لشرعنة سلطتهم، ولخدمة بعض الفقهاء أهل الحكم أو لنفوذهم من بين من يتاجر بالدين عوض السعي للعودة به لروحه الأصيلة الأصلية. لذلك، كانت الاحتفالات الرسمية والمؤلفات التي ليس هدفها إلا تثبيت الدين في مفاصل الدولة بينما المجال الديني في الإسلام منفصل تمام الانفصال عن المجال السياسي وكذلك العكس، لا دخل للسياسة في أمور الدين التي لا تخص إلا العبد في علاقة مباشرة بخالقه دون واسطة بما فيها الفقيه إذ لا كنيسه في الإسلام.
لا شك إذن أنه لولا الطابع المهرجاني الذي أحاطت به الجماهير المولد لما دام وتأصّل في الإسلام كما نرى، لأنه أصبح فرصةً للاحتفال والترويح على النفس أكثر منها للعودة للدين رغم المظاهر الذي تحرص السلط الرسمية على إكسابها إياه، وخاصة من في خدمتها من أهل الدين، لأغراض ومصالح دنيوية.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.