الرئيسية » الحرب على سوريا : ماذا حقق الغرب من أهدافه الإستراتيجية؟

الحرب على سوريا : ماذا حقق الغرب من أهدافه الإستراتيجية؟

 

بقلم الأسعد بوعزي

ما من شكّ انّ العمليات الكبرى للحرب التي تدور رحاها في سوريا منذ 2011 اوشكت على النهاية وما من شك ايضا ان الدولة الاسلامية قد تفككت ولم تعد قائمة من حيث الهيكلة والتنظيم والإدارة بعدما فقدت كلّ المدن والأراضي التي كانت بحوزتها بالعراق والشام. وعندما تضع الحرب أوزارها لا بدّ لسائل ان يتساءل عن مدى تحقيقها لأهدافها وعن الإستنتاجات التي يمكن إستخلاصها منها.
قبل كلّ شيء لا بدّ من التذكير بان الحرب على سوريا تمثل صراعا جغراسياسيا بامتياز وهي أيضا غريبة الأطوار من حيث تعدّد الأهداف والعدوّ المعلن وعناصر المفاجئة والتحالفات ما يجعلها مثالا فريدا من نوعه في التاريخ العسكري:

1) تعدّد الاهداف الإستراتيجية:
تتميز الحرب على سوريا بتعدّد الاهداف الاستراتيجية التي يسعى الغرب الى تحقيقها وهي اهدافا تستمدّ اهميتها من اهمية الشرق الأوسط الذي يمثل قلب العالم. فهو الذي يربط جغرافيا بين اربع قارّات ويتحكّم في الملاحة الدولية بحكم البحار والمضيقات التي يطلّ عليها ويحتوي على ما يزيد عن ثلث مخزون البسيطة من النفط والغاز(الخريطة رقم 1).

ومن اهمّ هذه الاهداف المرسومة للحرب السورية نذكر ما يلي:

أ‌) الاهداف الإقتصادية:
تمثل الاهداف الاقتصادية وخاصة ما يتعلق منها بالطاقة الهدف الرئيسي للحرب وذلك بشهادة زعماء الغرب انفسهم. الولايات المتحدة الامريكية اصبحت على يقين بانها لا يمكنها ان تبقى القوّة الكونية ما لم تحقّق الاهداف التالية:

– تحرير أوروبا الغربية من الهيمنة الروسية في ما يتعلق بالطاقة بنقل الغاز القطري عبر انبوب يمرّ بالأراضي السورية وتركيا (الخريطة رقم 2).

هذا الانبوب يمثل الخيار الأخير بعد إفشال روسيا لكلّ الخيارات السابقة المتعلقة بنقل الغاز من بحر قزوين وجنوب القوقاز (South stream et Nabucco) (الخريطة رقم 3). وبما ان المشروع (القطري- السعودي- الأمريكي) لاقى بدوره معارضة من النظام السوري (بإيعاز من الحليف الروسي) كان لا بدّ من تغيير هذا النظام بالقوّة وأن لزم الأمر تفكيك سوريا لخلق كيانا شمال البلاد بما يسمح بتمرير هذا الأنبوب.

– التحكم في المخزون الهائل من الغاز الذي تم اكتشافه عرض سواحل فلسطين ولبنان وسوريا ونقل الإنتاج الى أوروبا عبر الانبوب القطري المشار إليه اعلاه.
– التطبيع الإقتصادي بين العرب وإسرائيل بعد كسر محور المقاومة المتمثل اساسا في النظام السوري وحزب الله وحماس. هذا من شانه ان يساعد على إيجاد حلاّ للقضية الفلسطينية بما يخدم مصلحة إسرائيل ويُبقي على هضبة الجولان ومزارع شبعا اللبنانية تحت السيادة العبرية. بعض التقارير الغربية تتحدث ايضا عن امكانية إيجاد وطنا بديلا للفلسطينيين قد يكون بشبه جزيرة سيناء ولعلّ هذا الخيار تمّت مناقشته مع الرئيس مُرسي قبل الإطاحة به من طرف عبد الفتّاح السيسي.

ب‌) الاهداف السياسية:
عندما تعجز سياسة الغرب في الحدّ من النفوذ الإيراني بالمنطقة بما لا يعرّض مصالحه وأمن إسرائيل للخطر فإن الحرب تصبح على حدّ قول “كلوزفيتز” الخيار الوحيد لمواصلة السياسة بطرق أخرى. الأهداف السياسية للحرب على سوريا تهدف بالأساس الى ارساء وضعا جغراسياسيا جديدا يخدم مصلحة الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة عبر:
– كسر التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران وحزب الله (الهلال الشيعي) بما يدعّم أمن اسرائيل ويقوّي نفوذها ويجعل منها قوّة اقليمية قادرة على التحكم في المنطقة،
– مراجعة اتفاقية “سايكس وبيكو” بإعادة رسم الحدود في المنطقة وفق شروط قومية ومذهبية ودينية بما يساعد على بروز دويلات متناحرة وضعيفة موالية للغرب بما يسمح لهذا الأخير بالتفرغ لمحاصرة روسيا والصين على حدودهما في آسيا الصّغرى قصد حرمان الأولى من المياه الدافئة (البحر الأيض المتوسّط) ومنع الثانية من التغلغل في إفريقيا،
– تثبيت الولايات المتحدة الامريكية في موقع القوّة الكونية للقرن الواحد والعشرين طبقا لنظرية “بريزنسكي” التي توصي بالتحكّم في منطقة آسيا الصّغرى.

2) إستراتيجية التنفيذ:
لتنفيذ هذه الأهداف كان لا بدّ من الإعتماد على كيان تمّ بعثه خصيصا للقيام بحرب بالوكالة. هذا الكيان الذي تجندت كل اجهزة الاستخبارات الغربية والعربية والإسرائيلية لخلقه يحمل إسم الدولة الاسلامية. تقوم هذه الدولة التي ليست لها أي صفة قانونية على جيش متكون من آلاف المتشددين دينيا قدموا من شتى انحاء العالم وتم تدريبهم من طرف الاجهزة الغربية وتسليحهم بأموال عربية لتنفيذ حربا مذهبية (السنّة ضدّ الشيعة) وفق عقيدة قتالية شبيهة بعقيدة “جنجيس خان” التي تبثّ الرعب وتنتهج سياسة الارض المحروقة من أجل تركيع الشعوب ضاربة في ذلك عرض الحائط بكل المعاهدات والمواثيق الدولية.

3) عناصر المفاجئة في الحرب:
ما لم يأخذه الغرب في الحسبان عند التخطيط للعملية هو تدخل روسيا بكل ثقلها السياسي والعسكري الى جانب سوريا في وقت كان فيه النظام قاب قوسين أو ادنى من السقوط. هذا التدخل الروسي الى جانب الدعم الذي تقدّمه إيران وحزب الله للجيش العربي السوري جعل الحرب تأخذ منعرجا غير محسوب وهو ما دفع بأمريكا وحلفائها الى مراجعة حساباتهم والحدّ من طموحاتهم.
اليوم بعد انهزام الدولة الاسلامية وتفككها فإنه يمكن الإقرار بفشل الغرب في تنفيذ مشروعه بالمنطقة. الجهود بدأت تتجه الآن الى التسوية السياسية الدائمة بسوريا وبدأ كلّ طرف يدلي بتصريحاته بما يمكن ان يعبّر عن سقف طلباته لإبرام هذه التسوية:
– الولايات المتحدة التي بحوزتها 14 قاعدة عسكرية وتنشر 2000 جندي شرق الفرات على الاراضي السورية صرّحت انها سوف لا تغادر المنطقة،
– المملكة العربية السعودية التي خسرت كثيرا جرّاء تورطها في حرب سوريا واليمن اصبحت تبحث عن مخرج مشرّف ولم تعد تشترط تنحّي الأسد قبل الدخول في ايّ تسوية سياسية،
– تركيا التي لعبت دورا كبيرا في غزو سوريا وساندت الغرب في تنفيذ مشروعه انحازت الى جانب روسيا بعد تفطنها الى انّ امريكا تهدّد امنها القومي بوقوفها الى جانب حركة سوريا الديمقراطية الكردية. الرئيس رجب طيب أردكان غيّر من موقفه (وهو الذي كان يحلم بإحياء الإمبراطورية العثمانية بضمّ الاراضي السنية على حدوده الجنوبية) واصبح يشدّد على وحدة الأراضي السورية ولا يستثني امكانية اللقاء المباشر بغريمه بشار الأسد للتنسيق معه،
– قطر التي لعبت دورا كبيرا في ما يسمّى بالربيع العربي وساهمت في تمويل الحرب على سوريا لم يعد لها أي دور سياسي في المنطقة بعد انقلاب السعودية عليها وإتهامها برعاية الارهاب،
– روسيا اعلنت البقاء في سوريا والمحافظة على قواعدها العسكرية فيما اعربت عن نيتها التقليص من عدد جنودها المنتشرين على الأرض،
– إيران عبرت عن عزمها الاحتفاظ بقواتها بسوريا حتّى تحقيق الاستقرار التّام بالبلاد ورفضت رفضا قاطعا ادراج مناقشة تجريد حزب الله من السلاح ضمن التسوية المنتظرة،
– امّا إسرائيل فإنها ترفض ايّ تواجد إيراني بسوريا وعبرت عن الإحتفاض بحق التصدّي الى كلّ دعم لحزب الله عبر الاراضي السورية.
وأمام الانتصارات المفاجئة التي حققها التحالف السوري الروسي الإيراني وحزب الله وبناءا على هذه التصريحات فإن الاهداف الاستراتيجية الغربية (وبالأحرى الأمريكية) قد تكون تمّت مراجعتها ولعلها سوف تقتصر على ما يلي:
– التمسك بقاعدة جوية في منطقة “التّنف” على الحدود العراقية والإبقاء على منطقة عازلة قد لا تخضع الى السيطرة السورية. تمتدّ هذه المنطقة من الجولان جنوبا الى “البوكمال” شمالا مرورا بالحدود الاردنية. هذا من شأنه ان يساعد على قطع خط الامدادات الرئيسي بين إيران وجنوب لبنان من ناحية وضمان امن اسرائيل من ناحية اخرى (الخريطة رقم4)،
– خلق كيانا كرديا مُوال له في محافظة الرقّة والسعي الى توسيع منطقة نفوذه نحو الجنوب لتلتقي مع الشريط العازل. هذا السيناريو متى تمّ سوف يسمح للغرب بمساومة النظام السوري الذي سوف يتمّ تشكيله ووضعه بين خيارين: إمّا القبول بتمرير خط انبوب الغاز القطري عبر هذا الشريط أو فقدان السيادة عليه بتمكينه من حكم محليّ بسلطات واسعة. من الواضح ان التحالف بقيادة روسيا قد تفطّن الى هذا السيناريو وهو ما يفسّر استماتة سوريا وإيران في السيطرة على دير الزّور (الغنية بالنفط) والإستلاء على البوكمال لإفشال هذا المشروع.

من المرجّح ان تُفشل روسيا مشروع الانبوب القطري كما أفشلت من قبله كلّ المشاريع التي تهدف الى تخليص أوروبا من هيمنتها في ما يتعلق بالطاقة. روسيا هي اليوم اقرب ما يكون من تحقيق اهدافها خاصّة بعد ما نجحت في جلب القيادة التركية الى صفّها بعد إقناعها بمدى الخطورة التي يشكلها أكراد سوريا (حلفاء أمريكا) على امنها القومي وتقديم الضمانات لها لتلعب دورا في اعادة إعمار سوريا وتمكينها حصريّا من إعادة بناء البنية التحتية وخاصّة منها الجسور والطرقات.

4) الإستنتاجات المستخلصة:
لا شكّ ان المؤرخين والمتابعين للشأن السياسي والعسكري سوف يستنتجون كثيرا من الدروس من الحرب على سوريا. ما يمكن إستخلاصه والحرب توشك على نهايتها يتمثل في الآتي:
– ان الولايات الأمريكية ليس بوسعها ان تنفرد بالهيمنة على العالم ولا بدّ عليها ان تتعامل مع بعض القوى الإقليمية مثل روسيا والصين لرسم سياساته بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة،
– ان ما يسمّى بالربيع العربي ما هو إلا مشروع امريكيّ تمّت حياكته من أجل إعادة رسم خارطة الوطن العربي وتنصيب انظمة موالية للغرب على دول ضعيفة ومتناحرة بما يخدم مصلحته ومصلحة إسرائيل في المنطقة،
– إن تركيا التي كانت تحلم بإحياء الخلافة العثمانية اصبح أمنها القومي مهددا اكثر من اي وقت مضى ومجلس التعاون لدول الخليج العربي يشهد ازمة قد تعصف بكيانه وذلك جرّاء السياسات الخاطئة لهذه البلدان وإنسياقها الأعمى وراء الغرب وحلف الناتو،
– ان روسيا فرضت نفسها كقوّة لا يستهان بها وابدت براعة غير مسبوقة في إدارة النزاع عسكريا وسياسيا،
– أن الغرب وعلى رأسه امريكا ليس معصوما من الخطإ في ما يتعلق برسم استراتيجية الحرب وإدارتها،
– إن إيران سوف تكون قوة اقليمية لا يستهان بها وأن حليفها حزب الله كسب تجربة عملياتية وتقنية قد تؤرّق إسرائيل ما قد يساعد على التعجيل بإيجاد حلاّ للقضية الفلسطينية،
– ان حروب الغرب المستقبلية سوف تكون حروبا بالوكالة لتجنب الخسائر البشرية وأن الشركات العالمية الكبرى سوف تكون الفاعل الاكبر في رسم السياسات الدولية وإعلان الحروب،
– انّ من لم تطله عاصفة الربيع العربي من البلدان العربية قد لا يسلم من الجهاديين العائدين من بؤر التوتّر.

*الاسعد بوعزي هو عقيد متقاعد من البحرية الوطنية

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.