الرئيسية » جامع الزّيتونة: منارتنا العلميّة المعمورة وغياهبهم الظّلاميّة المهجورة

جامع الزّيتونة: منارتنا العلميّة المعمورة وغياهبهم الظّلاميّة المهجورة

بقلم أسعد جمعة*

 

إنّ الصّورة السّلفيّة التي تسعى بعض الجهات ذات المصالح العيّنيّة المرسَلة للتّسويق لها -منذ 2011 أساسًا بفعل يسر تداول العملة الفاسدة بين النّاس- عن منارتنا العلميّة على مرّ التّاريخ، أعني الجامعة الزّيتونيّة المعمورة، لا نصيب لها من الصحّة، وهو الأمر الذي حمل نائبة عن الشّعب لتوجيه تساؤل لوزير التّعليم العالي حول صمت الوزارة إزاء دفع بعض “المشائخ” نحو تبنّي والتّسويق إلى الظلاميّة الوهّابيّة. ومثل هذه الممارسات التي لا تسيء لصورة مؤسّساتنا البحثيّة فحسب، بل أنّها لا تمتّ إلى واقع الجامعة الزّيتونيّة التّاريخيّ بصلة أصلاً.

ففضلاً عن كوني عاصرت شخصيّا في بداية تسعينات القرن الماضي مرحلة احتضان المؤسّسات الجامعيّة التّابعة للجامعة الزّيتونيّة كفاءات فلسفيّة مشهود لها بحرّيّة التّفكير، أمثال الأستاذ محرز الحمدي الذي درّس بكلّيّة الشّريعة وأصول الدّين طيلة سنوات دون أن تضيق هذه المؤسّسة الجامعيّة ذرعا بجسارته الفلسفيّة، تيسّر لي، في عجالة سابقة، إحصاء مؤلّفات لأعلام خرّيجي الجامعة الزّيتونيّة يمكن عدّها من بين الآثار، لا التّونسيّة أو العربيّة فحسب، بل العالميّة الأكثر انفتاحًا دينيّا واستنارة عقليّة. وقد ذكرتٌ بعض هذه الآثار النّفيسة على جهة التّمثّل:

1 – عمر المحجوب، رسالة في الردّ على الوهّابيّة.
2 – عبد العزيز الثّعالبي، روح التّحرّر في الإسلام.
3 – محمّد الطّاهر بن عاشور، أصول النّظام الاجتماعي في الإسلام.
4 – محمّد الطّاهر بن عاشور، مقاصد الشّريعة في الإسلام.
5 – الطّاهر الحدّاد، امرأتنا في الشّريعة والمجتمع.
6 – إسماعيل التّميمي، المنح الإلهيّة في طمس الضّلالة الوهّابيّة.

إلاّ أنّني أودّ هاهنا إفراد درّة مؤلّفات مشائخ الزّيتونة بمنزلة خاصّة، وهو السّبب في عدم إدراج هذا الأثر النّفيس ضمن قائمة الكتب سالفة الذّكر. ذلك أنّ كتاب “الرّوض العاطر في نزهة الخاطر” لا يتميّز عن سابقيه بطرافة موضوعه، الذي ينمّ عن حرّيّة تفكير وروح مستنيرة لا مثيل لهما في البلاد الإسلاميّة قاطبة، فهو يفصّل مسألة دقيقة وحسّاسة عادة ما تكون من قبيل “المسكوت عنه” في المجتمعات الأكثر تحرّرًا، أعني التّربية الجنسيّة. فإذا ما علم القارئ الكريم أنّ هذا الكتاب الذي يُعدّ سبّاقًا في الغرض، قد ألّف فيما بين سنتي 1410 م و1434 م، حين لم تحسم الثيولوجيا الغربيّة بعد التّساؤل عمّا إذا كان للرّوح موقعًا في الأعضاء البشريّة أم لا، وقد دفع –بالمناسبة- الآلاف من الهنود الحمر حياتهم، حيث وقع تشريحهم من قبَل “علماء” الغرب في سبيل الإجابة عن هذا السّؤال. والأحرى بالذّكر هاهنا أنّ هذه الدرّة المكنونة قد نُشرت بتوْصية وعلى نفقة السّلطان عبد العزيز الحفصي. فشتّان بين هذا السّلطان الرّاعي لآثار العلماء وانجازاتهم وبين أمراء الموت من السّلفيّين الظلاميّين، فلا فرق عند التّحقيق بين مَن نسب نفسه إلى السّلفيّة “العلميّة” ومَن ألقى بنفسه بين براثن ذراعها العسكري: “السّلفيّة الجهاديّة”، باعتبار أنّهما فرعان من أصل واحد: إقصاء كلّي للعقل واحتكام قصريّ إلى النّقل دون سواه ما يؤدّي ضرورة إلى تعطيل ملكة العقل والانقياد البهيمي للغرائز الحيوانيّة.

ولمزيد تعميم الفائدة وتمكين القارئ من الوقوف على دقّة كتاب الشّيخ النّفزاوي المذكور وبعده الحداثيّ التّنويريّ، أفصّل تقديمي لهذا الكتاب بذكر أبوابه الإحدى وعشرين، كما أوردها الكاتب في توطئته:
1 – باب في المحمود من الرّجال
2 – باب في المحمود من النّساء
3 – باب في المكروه من الرّجال
4 – باب في المكروه من النّساء
5 – باب في ابتداء الجماع
6 – باب في كيفيّة الجماع
7 – باب في مضرّات الجماع
8 – باب في أسماء أيور الرّجال
9 – باب [في] أسماء فروج النّساء
10 – باب في أيور الحيوان
11 – باب في مكائد النساء
12 – باب في سؤالات ومنافع للنّساء والرّجال
13 – باب في أسباب شهوة الجماع وما يقوى عليه
14 – باب فيما يستدلّ به على أرحام النّساء
15 – باب في أسباب عقم الرّجال
16 – باب في الأدوية التي تسقط النّطفة من الرّحم
17 – باب لحلّ المعقود، وهو ثلاثة أصناف
18 – باب فيما يكبّر الذّكر الصّغير ويعظّمه
19 – باب فيما يزيل بخورة الفرج والإبط ويضيّقه
20 – باب في علاجات الحمل وما تلده الحامل
21 – باب، وهو خاتمة الكتاب، في منافع للبيض وأشربة تعين على الجماع

فإن كانت هذه المواضيع العلميّة الدّقيقة هي مجالات نظر علماء جامع الزّيتونة المعمور في بدايات القرن الخامس عشر، فأنّى لنا ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين أن نتأسّى برموز الوهّابيّة الظلاميّة بنظرنا في المضارّ الجنسيّة من جلوس المرأة على الكرسيّ، وفي اختيارها –متسوّقة- لبعض الخضر والغلال ذات الشّكر المعيّن، وفي قيادتها للسيّارة؟ أفلا تعقلون؟!

*جامعيّ

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.