الرئيسية » هل شرع الله هو شرع البشر؟

هل شرع الله هو شرع البشر؟

 

بقلم فرحات عثمان

الإسلام السياسي خداع ومداهنة حسب قواعد اللعبة السياسية القديمة، أي ما يسمّيه الحس الشعبي «البوليتيك». وهو كذلك طالما لم يعتمد على الأخلاق الإسلامية التي يدّعي مرجعيتها، أي أساسا النية الصادقة.

تتجلّى صحة ما سبق في مقولة أنه لا شرع إلا شرع الله، التي تقتضي ألا يكون الشرع الإسلامي ما شرّعه البشر في زمن ولّى وانقضى كما هو في الفقه الذي نعمل به، إذ هو مجرّد اجتهاد بشري رفعناه إلى مرتبة القرآن والسنة الصحيحة.

حقيقة الإسلام السياسي:
في تصريح صحفي، اعترف السيد مورو، كاهية رئيس مجلس نواب الشعب، بأن تطبيق شرع الله يبقى مما ينويه أهل الإسلام السياسي ويعمل له خفية، فهو قاعدة كسبهم السياسي ومحط أنظارهم؛ وإن كان في اللاوعي والمخيال.

وبما أننا علمنا أنه لا وعي إلا بما كمن في اللاوعي، ولا عمل بدوم ما داخل المتخيل، فكلام السيد مورو لمن الخطورة بمكان، إذ هو الاعتراف البيّن لفساد النية عند أهل الإسلام السياسي. وهذا، بلا شك، مما يحبط كل ما يقولون، لأن النيّة هي الأساس في العمل السياسي النزيه، بله الكسب الديني، إذ هي الأخلاق ولا سياسية بدون أخلاق في بلاد تدّعي التمسك بدينها.
حقيقة، إنه لا شرع إلا شرع الله، لا شرع البشر! لكن هذا لا يعني الأخذ بالفقه الذي وصلنا وقد تحنّط، فهو مومياء لا حياة فيها؛ ذلك لأن الفقه الإسلامي الحالي ليس شريعة الله الصحيحة، بل هو مجرّد تأويل لها من طرف من اجتهد من المسلمين ممن سبقنا. فما الذي يمنعنا اليوم من الاجتهاد مثلهم ولنا الأصل الذي فيه شرع الله، أي القرآن والسنة الصحيحة لرسوله؟ هل نقول كالكفار للرسول: هذا ما جاء به آباؤنا، لا محيد عنه وإن فسد؟

ماهية شرع الله:
الشرع، لغة، هو البيان والإظهار؛ ومنه الشريعة، وهي في الأصل مورد الماء. أما فقها، فالشرع والشريعة هما الطريق والمذهب؛ من ذلك نقول : شرع الله كذا أي جعله طريقا ومذهبا. كذلك معنى كلامه تعالى في سورة المائدة، بالآية 48، وسورة الجاثية، بالآية 18.

المراد بالشرع فقهيا، إذن، هو بيان الأحكام الشرعية؛ هذا يعني، أولا، فهمها على حقيقتها، أي حسب مقاصدها، ثم تطبيقها. فليس الشرع تجويز الشيء أو تحريمه، أي جعله جائزا أو حراما، كما قال بعضهم، إلا باجتهاد بشري من شأنه أن لا يصيب في فهم مقاصد الشريعة، إذ هي، لا محالة، عصيّة على الفهم البشري الذي يبقي بطبيعته ناقصا، وإلا لصار البشر في مصاف الألوهة.

لذا، الاعتقاد الحالي الذي نجده عندنا في صحة ما ذهب إليه الفقهاء هو من الكفر بروح الدين الحنيف الذي لا يؤسس لحقيقة أزلية إلا إذا وافقت مقاصد الشريعة، التي أخص خصائصها أنها في مصلحة العبد؛ ثم من البديهي أن هذه المصلحة تختلف في الزمان والمكان. لهذا فرض الله الاجتهاد في د ينه، مما يفرض تجديد الدين على رأس كل قرن على الأقل. فكيف ندّعي خدمة الإسلام دون العمل بما يفرضه في تجديد فهمنا لديننا وقد تدعدش فأصبح أفرغ من فؤاد أم موسى من الأخلاق والقيم الإناسية، وهو لا شيء بدونها خلافا لغيره من الملل والنحل؟

ماهية الفقه الإسلامي:
الفقه، في المعنى اللغوي، هو الفهم والعلم والفطنة؛ وهو أيضا فهم الأشياء الدقيقة. لذلك قيل إنه الفهم الحصيف لغرض المتكلم من كلامه؛ ومن هذا يقال فقَه، بفتح القاف، أي سبق غيره إلى الفهم؛ أما بالضم فذاك يعني صار الفقه، أي الفهم، له سجية.

هذا ما أصبح بعيد المنال اليوم عند أهل الفقه عندنا ونحن نراهم لا يفهمون دينهم، بل يفسدونه، إذ هم في أفضل الحالات يجترّون اجتهاد غيرهم مما صلح لزمانهم وبار اليوم وقد تغيّرت المفاهيم دون أن تتغير مقاصد شريعتنا السمحة.

إن فقه هذا الزمن أصبح يشين الدين، وكأن الفقهاء أعداء الداخل، الطابور الخامس الذي يهدم ما لا يقدر عليه العدو. هذا ما نعاينه في مواضيع عدة، منها قضية المساواة في الميراث، والحق في الجنس للبالغين والعدل في فطرة المثلية.

ذلك أن الفقه في الإسلام الصحيح، كما عرّفه أبو حنيفة، هو معرفة النفس ما لها وما عليها، وهو يشمل العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات؛ وقد علمنا أي إعلاء للنفس البشرية أتى به دين العدل؛ فلا ظلم فيه للبشر إلا أن يكون جزافا باسم الإسلام وظلما له أيضا!
أما حسب الغزالي، فالفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الثابتة لأفعال المكلّفين خاصة؛ وذلك ما يختزله تعريف الرازي الذي يقول بأنه العلم بالأحكام الشرعية العملية المستدلّ على أعيانها بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة.

هلاّ حان الوقت لتلافي الأمور بإعادة فتح الاجتهاد في الدين القيّم حتّى نعيد له قدره فيكون الفقه، كما بيّن الراغب، التوصّل إلى علم غائب بعلم شاهد، إذ هو أخص من العلم؟
الفقه يحتاج اليوم إلى النظر والتأمل، مما يفرض الاجتهاد المستدام والمعرفة الحقّة، وهي بلا شك جهل إذا توقّف العالم، أي طالب العلم، عن مداومة التعلّم.

إن من يدّعي من الفقهاء اكتساب الحقيقة في الدين، دون الاجتهاد المتواصل، لجاهل حقا، يصبو للرياسة بين الناس بالفقه؛ بل لعله يرغب ، بدون وعي، في الألوهة، إذ الله وحده العارف الذي لا يخفى عليه شيء. وهذا من تبليس إبليس، حفظنا الله جميعا منه وصان ديننا من التشويه الذي يطاله من أهله قبل أعدائه!

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.