الرئيسية » طريق مولنبيك الرقة: بلجيكا قاعدة خلفية لتنظيم داعش

طريق مولنبيك الرقة: بلجيكا قاعدة خلفية لتنظيم داعش

نشر مدير مكتب قناة العربية ببروكسيل التونسي نور الدين الفريضي كتاب “طريق مولنبيك الرقة” للغوص في الاسباب التي أدت إلى خروج عدد كبير من الإرهابيين من ضاحية مولنبيك البلجيكية والالتحاق بالتنظيمات الإرهابية.


ارتفاع كثافة المسلمين وألم الجيل الأول من المهاجرين

يعدّ الكتاب تحقيقا ميدانيا في ضاحية مولنبيك، قرب وسط بروكسيل، ليصور المشهد البشري الذي نسجته أجيال العمال الأوروبيين والمهاجرين على مدى العقود حيث تحولت ضاحية مولنبيك في السبعينيات من ضاحية عمالية أوروبية إلى حي ترتفع فيه كثافة السكان من أصل مغربي. ويعد المسلمون أغلبية السكان في وسط الضاحية. ويأخذك الكتاب في الفصل الأول إلى جولة إنسانية ثقافية في السوق الأسبوعية في ضاحية مولنبيك حيث تتنوع البضائع المستوردة من شمال أفريقيا وتركيا وآسيا وتعلو أصوات الباعة بلغات المهاجرين المغربية والإمازيغية.

ويقول الكاتب : “يصلك صدى مساوامات النساء اللاتي يجرُّن حقائب مشتريات الأسبوع. وهنّ أكثر زوار السوق غالبيتهنّ يلبسن ثوبا طويلا وحجابا أسود اللون، بنيّاَ أو رمادياً…ذلك ليس حكما وإنما وصف بسيط لأغلبية زوار السوق…”

ويسجل الكاتب في التحقيق ألم الجيل الأول من المهاجرين الذي وصلوا الى الضاحية في الستينيات أمام هول ما حدث في باريس وبروكسيل حيث تخرج من الضاحية ما بين 15 و20 انتحاريا. أحدهم يدعى صلاح عبد السلام سكن في بيت مقابل لقصر بلدية مولنبيك. ويتسائل أحد المهاجرين المسنِّين: “كيف يعقل أن يعاقب هذا المجتمع الذي ساوى بيننا وبين أهله في الحقوق والواجبات.

وتذكر بعض التقارير ارتفاع حالات الاكتئاب في صفوف الجيل الأول والمسنِّين من المهاجرين نتيجة وقع العمليات الإرهابية وتغير نظرة أهل البلد الذي احتضنهم.

اختراق الجالية المسلمة في الثمانينيات وتعايش الأجهزة الأمنية مع المنظمات المتطرفة

وقد وصف الكاتب بلجيكا التي تمثل دولة القانون فيها ركيزة أساسية صلبة، بالقاعدة الخلفية لتنظيم داعش لأن عددا من الانتحاريين ترعرعوا في ضاحية مولنبيك، وأيضا لأن أجهزة الأمن عهدت “التسامح أو التعايش” مع منظمات متطرفة انتدبت أنصارها في أوساط الانحراف والجريمة.

ويتبادل السياسيون من اليمين واليسار اتهامات التسيب إزاء ظاهرة التطرف الديني التي تنامت منذ أكثر من عقدين في الضواحي الشعبية ذات الكثافة العالية من السكان المسلمين. ويعتقد رئيس بلدية مولنبيك الأسبق فيليب مورو إن تنامي ظاهرة التشدد “نتيجة امتداد تأثيرات الحروب التي شهدتها وتشهدها منطقة الشرق الأوسط” منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، وكذلك “نتيجة نشاط عدد من المثقفين والدعاة في صفوف الفئات الاجتماعات الفقيرة لنشر تصورات متشددة”..

تنظيم الشريعة في بلجيكا امتداد لحزب التحرير في بريطانيا

قاد اختراق الجاليات المسلمة من قبل دعاة متشددين إلى بروز مجموعة “الشريعة في بلجيكا” استغلت قوانين حريات التعبير والتنظيم في البلاد من أجل نشر خطابات تكفير الديمقراطية ودعوة المسلمين في بلجيكا إلى عدم المشاركة في الانتخابات.

ويشرح أحد أعضاء التنظيم ويدعى أبو فراس “أن الناخب المسلم يخرج عن أمة الإسلام عندما يدلي بصوته في الانتخابات”

لماذا؟  “لأن النظام الديمقراطي يعني أن الشعب يضع القوانين من خلال ممثليه في البرلمان” وهو أمر مخالف لتعاليم الدين حسب قول أبو فراس.

كثيرون رأوا في بروز “تنظيم الشريعة في بلجيكا” في 2010، مجموعة من الهامشيين، والحقيقة مثل ما ورد في الكتاب، أن التنظيم امتداد لما يسمى حزب التحرير في بريطانيا، بزعامة أنجم شودري، أحد مناصري تنظيم داعش في بريطانيا.

أكثر من 500 بلجيكي سافروا إلى سوريا وأول انتحارية أوروبية في العراق بلجيكية في 2005

550 بلجيكيا سافروا إلى مناطق القتال في سوريا والعراق، عشرات منهم ذهبوا إلى الرَّقة، عاصمة تنظيم داعش في سوريا. وهناك تدربوا وبعضهم تولى مسؤوليات في جهاز العمليات الخارجية المكلف بتنظيم العمليات الإرهابية في أوروبا.

هؤلاء شكلوا ما وصفه أكاديميون “الموجة الرابعة” من المقاتلين الأجانب الذين سافروا من بلجيكا وأوروبا بشكل عام إلى مناطق الحروب والنزاعات.

وشكَّل المقاتلون الأجانب في أفغانستان الموجة الأولى من المقاتلين. واتجه مقاتلو الموجة الثانية من الأوروبيين إلى منطقة البلقان لدعم المسلمين في البوسنة والهرسك والشيشان في التسعينيات. وقصد مقاتلو الموجة الثالثة العراق من أجل مواجهة الغزو الأميركي في العقد الماضي. وتعد البلجيكية مورييل ديغان أول امرأة أوروبية تعتنق الإسلام وتقوم بتفجير نفسها أمام حاجز للقوات الأميركية في بعقوبة في 9 نوفمبر 2005.

(الكاتب نورالدين الفريضي)

كلهم تقريبا ذوو مستوى دراسي متدني وفي حالة قطيعة مع المجتمع

يتضمن الكتاب في الفصل الرابع شرحا للبيئة التي نشأ فيها هؤلاء. وتستنتج دراسات ميدانية أن الشبان الذين سافروا إلى سوريا والعراق ينحدرون من الحي السكني نفسه، مولنبيك أو غيرها من الضواحي الشعبية في المدن الأوروبية، وتربطهم علاقات صداقة أو قرابة عائلية واجتماعية وأحيانا تعلموا في المدرسة نفسها وترددوا على النوادي والمقاهي ذاتها. والبعض منهم عندما يفترقون يلتقون ثانية في السجن. كلهم تقريبا ذوو مستوى دراسي متدني وفي حالة قطيعة مع المجتمع. المتهم رقم واحد في جرائم اعتداءات باريس والوحيد المتبقي على قيد الحياة صلاح عبد السلام كان يسكن في ضاحية مولنبيك وعلى بعد مئات الأمتار من سكن عائلة عبد الحميد اباعود الذي قتل في باريس والمتهم بأنه كان منسق تنظيم داعش في أوروبا…

المقاتل البلجيكي – الأوروبي عاطل عن العمل ويعاني أزمة نفسية

يستعرض الكتاب سيرة عدد من المقاتلين الذين سافروا إلى سوريا وقد سجل أيضا معاناة الأمهات البلجيكيات اللاتي عجزن عن ردع أبنائهن وكانت كلاها تشاهد ابنها أو ابنتها تسير في اتجاه الانغلاق والانعزال والتشدد. وهناك من سافر لأنه عاطل عن العمل ولا يمتلك أية خبرة مهنية فقرر خوض المغامرة بعد أن تعلم ما تيسر من الدين عبر شبكة الانترنت.

وهناك الفتاة التي خابت في حياتها العاطفية واعتنقت الإسلام عبر الشبكة العنكبوتية والتقت الشخص الذي أقنعها بالسفر الى سوريا لأن “الهجرة واجب شرعي”. وهو ما فعلت. لكن الفتاة الأوروبية اكتشف الحقيقة عندما وصلت إلى الرَّقة حيث توجب عليها العيش في بيئة الخوف والقصف والأكاذيب، إلى أن قررت استخدام الحيلة للفرار.

انتحاريو داعش اخترقوا طوابير اللاجئين

بعض الذين سافروا من ضاحية مولنبيك إلى الرقَّة عادوا مشبعين بالكراهية إزاء المجتمع الغربي، وخاصة مدربين على صنع المتفجرات والقتل. واخترق تنظيم داعش أمواج اللاجئين والمهاجرين وأوفد فريقا من الانتحاريين الذين تجمعوا في بلجيكا حيث أعدوا العدة في نهاية 2014 وبداية 2015، قبل الهجوم على باريس في 13 نوفمبر 2015 ولاحقا على بروكسيل في 22 آذار 2016.

تداعيات الاعتداءات: ارتفاع حالات التمييز في سوق العمل

وقد تركوا آثارا مدمرة في صفوف المجتمع وخاصة في صفوف الشباب الذين يعيشون في ضاحية مولنبيك والذين يعانون أصلا من صعوبات ارتفاع معدلات البطالة. ويقول أحدهم في الصفحات الأخيرة من الكتاب بأنه كان يعاني من التمييز فلا يجد وظيفة لأن اسمه عربي ومسلم. والآن فهو عربي الاسم، مسلم، من سكان مولنبيك التي فرخت عدد من الانتحاريين. وهنا تكمن معضلة الشباب العاطلين عن العمل أو الذين يعانون نقص التدريب و يواجهون بعض السلوكيات العنصرية في مولنبيك أو في غيرها من الضواحي الشعبية في المدن الأوروبية. ولاحظ أحد أساتذة علم الجريمة التقاه الكاتب، خلال محاكمات عدد من المتهمين في قضايا الإرهاب في بروكسيل، لاحظ بأن ” هؤلاء ذوو مستويات ذهنية وتعليمية متدنية، يمكن التأثير عليهم، وأمثالهم كثيرون في الضواحي الشعبية الأوروبية، وتلك مشكلة أمنية واجتماعية كبيرة بالنسبة إلى المجتمعات الأوروبية”.

تنظيم داعش يحول بعض المهاجرين إلى قنابل موقوتة في الضواحي الشعبية

تنظيم داعش شنّ حربا دموية على المدنيين في أوروبا في غضون العامين قتل فيها المئات وأصاب مجتمعات بكاملها بل نشر الخوف وحاول من خلال الاعتداءات شقّ صفوف المجتمعات الأوروبية ودق الاسفين، وتوسيع الهوة، بين الأوروبيين وبين مواطنيهم من أصول غير أوروبية، وخاصة بين الأوروبيين والمسلمين. كثيرا ما كان منفذو الاعتداءات من الانتحاريين الذين سافروا إلى مناطق النزاع في سوريا العراق حيث تدربوا على الغدر والذبح والقتل، وعاودا من مدينة الرَّقة السورية إلى ضواحي المدن الأوروبية مثل ضاحية مولنبيك المجاورة لوسط عاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسيل. هناك، تخفُّوا وجمعوا عدة القتل. وارتكبوا عمليات انتحارية في أماكن الاستراحة وتجمع الجمهور، في المسارح والملاعب ومحطات القطارات …من هم هؤلاء؟ أين تربوا وماذا تعلموا؟ ما هي أسباب تنامي التشدد في الضاحية الأوروبية؟ كيف تعاملت السلطات الأمنية مع اختراق الجاليات المسلمة من قبل منظمات متطرفة؟ هل أخطأت قوات الأمن في تقدير خطر هؤلاء أم أن الديمقراطية لم تكن مهيأة لمواجهتهم فغدروا أهلها؟ وما وقع كل ذلك على أجيال المواطنين من أصول غير أوروبية وخاصة المسلمين منهم …

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.