الرئيسية » حديث الجمعة : القُبلة والإعتناق من الإيمان الصحيح

حديث الجمعة : القُبلة والإعتناق من الإيمان الصحيح

بقلم فرحات عثمان

 

التنكّر للدين الصحيح يبدأ برفض القبلة والاعتناق بين المؤمنين من الجنسين، بينما هما من الإيمان الصحيح، يعبّران عن أفضل ما في المؤمن: محبة الله وما خلق.

القبلة من أفضل المشاعر البشرية، إذ هي التعبير الأفصح عن المحبة التي تذهب بالكراهية والبغضاء. إلا أنها، إذا كانت مجرّد مداهنة، فهي عندها قبلة يهوذا للمسيح، أي قبلة المنافق.

وقد أصبحت عندنا القبلة غير مستحبّة، رغم تأصلها في عاداتنا، إلى حد أن البعض لا يكتفي بمنعها بين الجنسين فقط ، بل وحتى بين أبناء الجنس الواحد، إلى حد منع بعضهم مجرّد المصافحة ومس اليد لليد من باب المودة ومجرّد الأدب. هذا وقد رأينا طبعا ممن يدّعي الفقه يمنع ويمتنع مصافحة المرأة!

القبلة والاعتناق عند العرب وفي الإسلام:
قالت العرب قديما في القبلة أنها في اليد للإمام، وفي الرأس للأبوين، وفي الخد للأخوين (عند البعض، في الصدر للأخت) وفي الفم للحبيب. وقد عُرف عن الرسول الأكرم محبته لعائشة أم المؤمنين ومداعبته لها؛ وطبعا تقبيله لها. هذا الحسن أصبح للأسف اليوم قبحا، وما كان قط قبيحا.

خلافا لذاك الحسن، أصبح تقبيل يد المسؤول مستساغا ومستحسنا. ولئن لم يكن تقبيل اليد مجهولا عند العرب، وقد رُوى أن البعض من الصحابة كان يقبل يد النبي أو يد البعض منهم، إلا أن الرسول ما كان يحبّذ هذه العادة الجاهليةالتي لم تكن مستحبة عموما، فكان يقبّل أصحابه بين العينين.

ذلك أن العرب، كما قال هشام بن عبد الملك حسب صاحب العقد الفريد : «ما قبّلت الأيدي إلا هلوعا ولا قبلتها العجم إلا خضوعا». هذا، والإسلام جاء رافعا رأس المؤمن بين الناس لا مذلا له؛ وليس أعظم مذلة من تقبيل اليد؛ فلو كانت حقا من باب التقدير الصادق، لكانت قبلة بين العينين أو على الخد! هذا، ويروي ابن عبد ربّه عن المأمون أنه أجاب من استأذن في تقبيل يده: «إن القبلة من المؤمن ذلة، ومن الذمّي خديعة؛ ولا حاجة بك أن تذلّ، ولا حاجة بنا أن نُخدع».

القبلة والاعتناق من تجليات الإيمان:
نرى اليوم البعض منا، بل هي عادة مستشرية في مملكة أمير المومنين بالمغرب، يتذلل أو يخادع باسم احترام الإسلام، في حين أن الأفضل في المصافحة أو تقبيل الرأس أو حتى المعانقة، كما فعل الرسول الأكرم مع ابن عمه جعفر عند مقدمه من أرض الحبشة، إذ اعتنقه مقبلا بين عينيه، قائلا : «جعفر أشبه بي خَلقا وخُلقا».

رغم ذلك أصبحت المعانقة بدعة في زمن مالك بن أنس الذي يُروى عنه أنه امتنع بتلك التعلة عن تقبيل الفقيه الجليل سفيان بن عيينة، فما كان من هذا الأخير إلا أن صحح خطأ الإمام بتذكيره سنة الرسول، قائلا: «قد عانق من هو خير منا»، مضيفا، لمّا رد مالك أن ذلك من الخاص لا العام، أن ما خص جعفرا يخص كل الصالحين.

يا له من درس بليغ للاعتبار لمن شان دين الإسلام بتحريمه أفضل ما في المشاعر الإنسانية، قبلة بريئة؛ فتركها تحمل المسلمين على النفاق والكراهية بعضهم لبعض! لذا، لا يُستغرب اليوم حال الإسلام المشوهّ، هذه الدعدشة المقيتة التي ليس فيها أي نطفة من روح دين المحبة، الحنيفية المسلمة الصحيحة.

أما من يستنكر كلامنا بدعوى الحياء، فنرد عليه أن الحياء خير كله لصفته كشعبة من الإيمان، والقبلة والاعتناق من الإيمان أيضا، بل أهم شعبه؛ فهل يخدش الحياء حسن المشاعر، وأفضلها قبلة صادقة واعتناق أخوي؟ إن القبلة عند ذلك لمن التوحيد، كما قال المتنبي:
يترشفن من فمي رشفات***هن فيه أحلى من التوحيد

هل أفضل من الحب، وكله إيمان بالله، أعز حبيب لمؤمنٍ متيّم لا يعرف قلبه المفعم حبا وغراما إلا الحسنى، إذ حبّه لحبيبه، كما قالت رابعة العدوية، حُبّ الهوى للذات العليّة ؟

 

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.