الرئيسية » حديث الجمعة: امرأة مفتية للديار التونسية؟

حديث الجمعة: امرأة مفتية للديار التونسية؟

بقلم فرحات عثمان

 

الإمامة بالمساجد ليست مقصورة على الرجال في الإسلام، إذ سوّى بين الجنسين وأعلى أي إعلاء من قيمة المرأة؛ فمتى نرى بتونس نسوة أئمة بالمساجد؟ بل متى تترأس امرأة بها دار الإفتاء؟ هل نرى بتونس أول مسلمة مفتيّة في العالم الإسلامي؟

البلاد التونسية هي أرض الإسلام الصحيح، أي السمح المتسامح؛ وهي لم ولا تنعدم من الكفاءات النسائية المسلمة في خدمة بلدها ودينها. لذا، المرأة التونسية اليوم هي أهل لإمامة الرجال والإفتاء فيهم بما يقوله الدين على صحة دون خور، إذ كثر الكذب فيه واستشرت المتاجرة به بمبالغة ذكورية في التعنت والتزمت الظلامي.
وإنه من المؤسف أن لم تتوفر إلى اليوم الجرأة لتعيين أئمة من النساء. أما وقد خطت البلاد في ميدان الحوكمة الرشيدة خطوة هامة وحاسمة من أجل تنقية الأجواء الفاسدة، فإن أول فساد يتوجب تطهير البلاد منه لهو فساد الأدمغة. لذا، ليس هناك أفضل من امرأة، كاملة الأوصاف الإسلامية، إماما ومفتيا لإعادة رونقه لدين ظلمه رجاله إلى حد دعدشته.
الفساد الأخطر هو الذي ينخر الأدمغة :
الحرب القائمة اليوم على قدم وساق في ميدان الفساد المادي لا حظ لها في النجاح إذا لم تدعّمها تنقية حاسمة للأدمغة الفاسدة؛ إذ الدماغ كل شيء في الإنسان. فالدماغ إذا فسد، أفسد كل شيء؛ بينما إذا صح سائر الجسم دون صحة المخ، بقي الجسم مريضا لا شفاء له.
ونظرا لقيمة الإسلام في حياتنا اليومية كدين ودنيا، وللاستغلال الفاحش الذي يتعمّده المتاجرون به من أهل النوايا الفاسدة، لا بد للتصدّي لهذا الفساد حتى نخلّص الأدمغة مما أفسدها من فهم خاطيء لدين شوهه أهله قبل أعداؤه. فلا نجاح للحرب ضد الفساد دون القضاء على الفساد بالعقول؛ وهذا يعني الخوض في ما رسب فيها من مفاهيم خاطئة للدين جعلت اللاوعي الجماعي إرهابيا.
تطهير اللاوعي الجماعي من الفساد الديني :
إن المتخيل الشعبي واللاوعي الجماعي هما اللذان يغذيان تجليات الفساد المادية؛ وهي جدّ خطيرة لادعائها القيام على الأخلاق والدين بينما هي تنسفهما من الأساس. والتطهير هنا يقتضي الجرأة على التصدّي للمسكوت عنه عادة من مسائل الدين، بينما لا حياء فيه، لأخذ القرارات الحاسمة التي من شأنها الحسم في ما نتردد فيه عادة رغم صفته المبدئية وصبغته كحقوق وحريات لا مراء فيها.
من هذه المسائل قضية تساوي المرأة مع الرجال في الإسلام في كل شيء؛ فلا فرق بينهما إلا بالتقوى؛ بل لعل المرأة أشد تقوى من الرجل بتونس. لذلك، لا شيء في الدين يمنع أن تتصدى اليوم المرأة لإمامة الرجل في المساجد وصعود سدة الإفتاء. نعم، لقد اتفق أغلب فقهاء السلف على عدم أهلية المرأة لذلك؛ إلا أن هذا كان من اجتهاداتهم التي أكل عليه الدهر وشرب، ولا بد من التخلي عنها كما نفعل لبضاعة كسدت، بل انتهت مدة صلوحيتها، إذ هي تصبح السم الزعاف. وقد علمنا أن ديننا أزلي التعاليم، لا كساد لها فيه.
الجنس اللطيف ضد عنجهية الإسلام الهجين :
المرأة بتونس لها مكاسب حسدها عليها العالم الإسلامي ولا يزال؛ إلا أنها تضاءلت نظرا للتطور الحاصل في العقليات وظروف الحياة. هذا لا يمنع أن تكون للمرأة التونسية الأحقية في دعم مكاسب الماضي بفتوحات جديدة تتم هذه المرة بالاعتراف بحقوقها كاملة كمسلمة مساوية للمسلم تماما في الحقوق والواجبات، وعلى رأسها الدينية.
وأي رمز أفضل في هذا من حق المرأة تقلّد الإمامة بالمساجد، بما فيها صلاة الجمعة؟ وأي رمز أفصح من تقمّص شرف مسؤولية دار الإفتاء بالديار التونسية؟ هذا لعمري ما يتوجب القيام به عاجلا إذا أردنا حقا دعم حربنا العشواء على الفساد حتى لا تكون مجرد معركة شعواء لا منطق فيها ولا أمل للنجاح لما تراكم من فساد بالأدمغة وبعقلية ذكورية لزمن ولّى بدون رجعة في تونس الحقوق والحريات.

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.