الرئيسية » حديث الجمعة: من أجل فقه إسلاميّ جديد

حديث الجمعة: من أجل فقه إسلاميّ جديد

بقلم فرحات عثمان

 

فقهنا الحالي من الاجتهاد الذي كان مصيبا وانتهت صلوحيته اليوم ككل شيء في هذه الدنيا. فلا بد من تجديده وإلا أصبح الإسلام غريبا، وقد بدأت علامات ذلك مع داعش المدّعى الإسلام باسم فقه بار وفسد.

هل يعقل اليوم بتونس قتل من لا يصلي أو استعباد بعض الناس أو إجبار البعض الآخر على الصوم أو على الامتناع عن شرب الخمر؟ المسلم العاقل يجيب طبعا بالنفي؛ ورغم ذلك نجد العديد من الفقهاء ممن يقول بهذا. إنهم في ذلك كأهل داعش، لا يستندون إلا على جوانب من الشريعة أكل عليها الدهر وشرب فتحتّم تطويرها، لا أخذا بالحداثة، بل باسم الدين في حرفه وروحه، أي الاجتهاد الذي هو حتمية مستدامة في الإسلام الصحيح.

الفقه التقليدي بار
الفقه ليس إلا رأى من اجتهد من أهل الدين لعصره، وأنتج في تأويل القواعد الفقهية ما صلح لزمنه؛ فليس الفقه إذن إلا عمل االبشر. ونحن نأخذ بفهمٍ للقرآن هو من استنباط أهله، تاركين الإسلام الصحيح، أي ما وقع في كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة؛ فأيهما أصح: كلام الله أو كلام الفقهاء؟ أليس الإنسان ناقصا؟ ففهمه لا يرتفع أبدا إلى مستوى الحكمة االإلاهية التي لا بد لها من الاجتهاد المستدام لأمل الوصول لفهمها؛ ولا وصول أبدا، بل محاولات متواصلة، لا تنتهي.

إن التقليد غير محبذ في الإسلام والفقه الحالي ليس إلا تقليدا لمقولة السلف. وهذه المقولة لم تكن ضرورة صحيحة كل الصحة، رغم أخذ عموم المسلمين بها، وذلك لأسباب تخص زمنهم. فمثلا، أخذا بمغزى الصوم حقيقة، وإضافة إلى أنه لا إكراه عليه في الإسلام الصحيح، الصوم يتحتّم فقط على من لم ولا يعرف سطوة الجوع وصولة الفقر وألم الحرمان. هذا ما لا يأخذ به غالبية الفقهاء، إذ أولوا القرآن بخلاف نصه وروحه ومقاصده. وذلك ما علينا التعرف عليه بالعودة إلى العروة الوثقي، كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة، حسب مقاصدهما، وهما في التماهي مع مقتضيات العصر لكونية الإسلام وأزلية تعاليمه وصفته كخاتم الرسالة الإلهية.

الاجتهاد هو الحل
حسب تعريف إمام الحرمين، الفقه هو العلم بأحكام التكليف؛ وهو يحتاج إلى النظر والتأمل، أي الاجتهاد البشري، وهو فهمه للشريعة الإسلامية. هذا الفهم، حسب الفقه الحالي، هو الذي لم يعد صحيحا في زمننا بعد أن ثبتت مخالطته بالعديد من الإسرائيليات وتشويهها للدين في سماحته وتسامحه.

لقد توجّبت اليوم العودة إلى القرآن أساسا لفهمه حسب مقاصده وتأويله حسب ما صح من الأحاديث النبوية أخذا بمعطيات الزمن الراهن، لا ما لم يعد له أي أثر إلا في كتب التاريخ مما يجتره أهل الفقه وقد جهلوا زمنهم وحال أهله. فضرورة الاجتهاد، الذي كاد الله أن يجعل منه فرضا عينا، كضرورة الفقه، بل هو كل الفقه؛ والاجتهاد لهو الفقه نفسه؛ بذلك هو حتما الحل لأزمتنا الحالية.

يقول الجرجاني في تعريف الاجتهاد: هو استفراغ الفقيه الوسع ليحصل له ظن بحكم شرعي. وهو، كما يضيف: بذل المجهود في طلب المقصود من جهة الاستدلال. فالفقه اجتهاد غايته تحصيل الظن بحكم شرعي.
والظن ليس له أن يكون أزليا وإلا حل محل الحكم الشرعي؛ كما لا بد للحكم الشرعي، حسب تطور االأزمنة والعقول البشرية، من ظنٍ جديدٍ يصل إليه الفقيه ببذل الوسع لبلوغ الغرض الذي يبقى، لا محالة، تناغم الحكم الشرعي مع زمنه عملا بمقاصد الشريعة، التي منها المصلحة العامة.

إن المصلحة العامة يمثّلها اليوم دستور البلاد التونسية، وهي حاليا في إعادة فتح باب الاجتهاد للتأسيس لفقهٍ جديدٍ وشريعةٍ إسلاميةٍ ما بعد حداثية لا تظلم الدين بل تُعلي من شأنه وتعطيه حق قدره. كفانا دعدشة للإسلام التونسي في جمهوريتنا الجديدة ! لتكن بالربوع التونسية فتوحات إسلامية حديثة باستنباط فقهٍ متجددٍ يحترم الدين ولا يشينه.

*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.